فقال الملك: «دعنا من التمليق.» وألقى رأسه على وسادته وصمت طويلا ثم قال: «يا للعار! أتتضعضع أحوال هؤلاء الملوك والرؤساء بمرض إنسان واحد؟! علام يكون مرض ريكارد، بل موت ريكارد، مانعا يمنع ثلاثين ألفا من الزحف على أورشليم، وكل منهم بطل مجرب مثله؟! إذا صرع قائد الوعول اختارت الوعول قائدا آخر في الحال ليقوم مقامه، وإذا ضرب الشاهين قائد الكراكي قام منها قائد آخر في الحال، فعلام لا ينتخب هؤلاء الرؤساء قائدا آخر عوضا عني؟»
فقال البارون: «العفو يا مولاي، فقد بلغني أنهم قد تآمروا في هذا الأمر وفي نيتهم أن ينتخبوا قائدا.»
فاتقدت غيرة ريكارد وقال: «أنسيني حلفائي وحسبوني ميتا وأنا حي أرزق؟ لقد أصابوا. ومن ينتخبونه عوضا عني؟» فأجاب البارون: «ينتخبون ملك فرنسا؛ فإنه أحق بذلك من كل أحد.»
فقال ريكارد: «ملك فرنسا ونافار نخبة ملوك النصارى، ولكني أخاف أن يبدل كلمة التقدم بكلمة التأخر، ويرتد بنا إلى باريس بدلا من الزحف على أورشليم.»
فقال البارون: «بل ربما ينتخبون دوق النمسا.»
فقال الملك: «لماذا؟ ألأنه ضخم الجسم مثلك؟ هذا لا يصلح لقيادة الجيوش، بل لأكل اللحوم وشرب الخمور.»
فقال البارون: «وما قول جلالتك في رئيس الهيكليين فإنه شجاع ماهر في فنون الحرب، صاحب حكمة ودهاء وله مأرب في تخليص الأرض المقدسة؟»
فقال الملك: «لا ريب في مهارته، ولكن ليس من العدل أن تؤخذ الأرض المقدسة من صلاح الدين الملك العادل الكثير الفضائل والفواضل، وتعطى لهذا الساحر الذي يعبد الشيطان ويرتكب المحارم في معابد الله.»
فقال البارون: «وما قول جلالتك في رئيس الاسبيطارية، فلا لوم في سيرته؟»
فقال الملك: «ولكنه بخيل منتن، يبيع بالمال كل ثمين. أولم يبع أعداءنا بالمال ما لم يستطيعوا امتلاكه بالسيف؟»
نامعلوم صفحہ