حكي عن علي بن الجهم أنه قال: دخلت على أمير المؤمنين المتوكل، فرأيت الفتح بن خاقان وزيره واقفا على غير مرتبته التي يقوم عليها، متكئا على سيفه، مطرقا إلى الأرض، فأنكرت حاله، وكنت إذا نظرت إليه نظر الخليفة إلي، وإذا صرفت وجهي إلى نحو الخليفة أطرق، فقال لي الخليفة: يا علي أنكرت شيئا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: ما هو؟ قلت: وقوف الفتح بن خاقان في غير منزلته، قال: وسوء اختياره أقامه ذلك المقام، قلت: ما السبب يا أمير المؤمنين؟ قال: خرجت من عند جارية لي فأسررت إليه سرا فما عداني السر أن عاد إلي! قلت: لعلك أسررت إلى غيره؟ قال: ما كان هذا. قلت: فلعل مستمعا استمع إليكما؟ قال: لا ولا هذا أيضا، قال: فأطرقت مليا ثم رفعت رأسي فقلت: يا أمير المؤمنين قد وجدت له مما هو فيه مخرجا، قال: وما هو؟ قلت: خبر أبي الجوزاء، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبي الجوزاء قال: طلقت امرأتي في نفسي وأنا بالمسجد ثم انصرفت إلى منزلي، فقالت لي امرأتي: طلقتني يا أبا الجوزاء؟ قلت: من أين لك هذا؟ قالت: حدثتني به جارتي الأنصارية. قلت: ومن أين لها هذا؟ قالت: ذكرت أن زوجها خبرها بذلك، قال: فغدوت على ابن عباس رضي الله عنهما، فقصصت عليه القصة فقال: أما علمت أن وسواس الرجل يحدث وسواس الرجل؟ فمن هنا يفشو السر.
فضحك المتوكل وقال: إلي يا فتح! فصب عليه خلعة، وحمله على فرس، وأمر له بمال؛ وأمر لي بدونه، فانصرفت إلى منزلي: وقد شاطرني الفتح فيما أخذ، فصار إلي الأكثر. .
234 - لغويات
* في ((لسان العرب)):
((أجأ)) على وزن فعل بالتحريك: جبل لطيء يذكر ويؤنث. وهناك ثلاثة أجبل: أجأ، وسلمى؛ والعوجاء. وذلك أن أجأ اسم رجل تعشق سلمى وجمعتهما العوجاء، فهرب أجأ بسلمى، وذهبت معهما العوجاء، فتبعهم بعل سلمى فأدركهم وقتلهم، وصلب اجأ على أحد الأجبل، فسمي أجأ، وصلب سلمى على الجبل الآخر، فسمي بها، وصلب العوجاء على الثالث؛ فسمي باسمها.
235 - من أخلاق العلماء
* الجبرتي في ((تاريخه)) في حوادث سنة 1233 ه:
وممن مات من الأعيان في هذه السنة شيخ الإسلام الشيخ الشنواني شيخ جامع الأزهر، وكان مهذب النفس بالتواضع والانكسار لكل أحد من البشاشة. وكان يشمر ثيابه؛ ويخدم الجامع الفاكهاني بنفسه فيكنسه ويسرج قناديله، ولما انتقل إلى رحمة الله الأستاذ الشيخ عبدالله الشرقاوي شيخ الأزهر سنة 1226 هرب الشيخ الشنواني من مصر؛ فأحضروه من الريف؛ وولوه نشيخة الأزهر، واستمر على ملازمته لخدمة الفاكهاني كما كان. وأقبلت عليه الدنيا آخر عمره، وعارضته العلل عن التهني بملاذها إلى أن توفي رحمه الله.
236 - حين يجوع الشعب!
* وفيه أيضا في حوادث المحرم سنة 1107 ه:
اجتمع الفقراء والشحاذون؛ رجالا ونساء وصبيانا، وطلعوا إلى القلعة، ووقفوا بحوش الديوان؛ وصاحوا من الجوع، فلم يجبهم أحد؛ فرجموا بالأحجار، فركب الوالي وطردهم، فنزلوا إلى الرملية ونهبوا حواصل الغلة التي بها وكالة القمح وحاصل كتخدا الباشا، وكان ملآنا بالشعير والفول. وكانت هذه الحادثة ابتداء الغلاء. .
وحضر أهالي القرى والأرياف حتى امتلأت بهم الأزقة، واشتد الكرب حتى أكل الناس الجيف، ومات الكثير من الجوع، وخلت القرى من اهلها؛ وخطف الفقراء الخبز من الأسواق ومن الأفران، ومن على رؤوس الخبازين، ويذهب الرجلان والثلاثة مع طبق الخبز يحرسونه من الخطف وبأيديهم العصي حتى يخبزونه بالفرن ثم يعودون به.
237 - عندما يثور الشعب على تسلط اليهود!
* وفيه أيضا في حوادث سنة 1108 ه:
قامت العساكر على ياسف اليهودي وقتلوه وجروه من رجله وطرحوه في الرملية؛ وقامت الرعايا، فجمعوا حطبا وأحرقوه، وذلك يوم الجمعة بعد الصلاة. وسبب ذلك، أنه كان ملتزما بدار الضرب (دار سك النقود للدولة) في دولة علي باشا المنفصل. ثم طلب إلى إسلامبول (استانبول) فسئل عن أحوال مصر فأملى أمورا، والتزم بتحصيل الخزينة زيادة على المعتاد؛ وحسن بمكره إحداث محدثات (إحداث ضرائب جديدة) ولما حضر مصر تلقته اليهود من بولاق وأطلعوه إلى الديوان، وقرئت الأوامر التي حضر بها، ووافقه الباشا على إجرائها وتنفيذها، وأشهر النداء بذلك في شوارع مصر، فاغتم الناس، وتوجه التجار وأعيان البلد إلى الأمراء، وراجعوهم في ذلك؛ فركب الأمراء والسناجق وطلعوا إلى القلعة، وفاوضوا الباشا، فجاوبهم بما لا يرضيهم؛ فقاموا عليه قومة واحدة، وسألوه أن يسلمهم اليهودي، فامتنع من تسليمه، فأغلظوا عليه وصمموا على أخذه منه؛ فأمرهم بوضعه في العرقانة، ولا يشوشوا عليه حتى ينظروا في أمره، ففعلوا به كما أمرهم، فقامت الجند على الباشا، وطلبوا أن يسلمهم اليهودي المذكور ليقتلوه فامتنع، فمضوا إلى السجن وأخرجوه وفعلوا به ما ذكر.
صفحہ 62