الدكتور مصطفى السباعي 1 - مذاهب العلماء في التفسير
* الشوكاني في تفسيره ((فتح القدير)):
إن غالب المفسرين تفرقوا فريقين، وسلكوا طريقين: فالفريق الأول اقتصروا في تفاسيرهم على مجرد الرواية، وقنعوا برفع هذه الراية.
والفريق الآخر جردوا أنظارهم إلى ما تقتضيه اللغة العربية، وما تفيده العلوم الآلية، ولم يرفعوا إلى الرواية رأسا، ولم يصححوا لها اساسا، وكلا الفريقين قد أصاب، وأطال وأطاب، وإن رفع عماد بيت تصنيفه على بعض الأطناب، وترك منها ما لم يتم بدونه كمال الانتصاب؛ فإن ما كان من التفسير ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المصير إليه متعينا، وتقديمه متحتما، غير أن الذي صح عنه من ذلك إنما هو تفسير آيات قليلة بالنسبة إلى جميع القرآن، ولا يختلف في مثل ذلك من أئمة هذا لشأن اثنان.
وأما ما كان منهما ثابتا عن الصحابة رضي الله عنهم، فإن كان من الألفاظ التي قد نقلها الشرع إلى معنى مغاير للمعنى اللغوي بوجه من الوجوه فهو مقدم على غيره، وإن كان من الألفاظ التي لم ينقلها الشرع، فهو كواحد من أهل اللغة الموثوق بعربيتهم، فإذا خالف المشهور المستفيض لم تقم الحجة علينا بتفسيره الذي قاله على مقتضى لغة العرب، فبالأولى تفاسير من بعدهم من التابعين وتابعيهم وسائر الأئمة.
وأيضا، كثيرا ما يقتصر الصحابي ومن بعده من السلف على وجه واحد مما يقتضيه العلم القرآني باعتبار المعنى اللغوي، ومعلوم أن ذلك لا يستلزم إهمال سائر المعاني التي تفيدها اللغة العربية ولا إهمال ما يستفاد من العلوم التي تتبين بها دقائق العربية وأسرارها، كعلم المعاني والبيان، فإن التفسير بذلك هو تفسير باللغة لا بمحض الرأي المنهي عنه. وقد أخرج سعيد بن منصور في ((سننه)) وابن المنذر والبيهقي في كتاب الرؤية عن سفيان قال: ليس في تفسير القرآن اختلاف، إنما هو كلام جامع يراد منه هذا وهذا. وأخرج ابن سعد في ((الطبقات)) وأبو نعيم في ((الحلية)) عن أبي قلابة قال: قال أبو الدرداء: لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآ، وجوها. وأيضا لا يتيسر في كل تركيب من التراكيب القرآنية تفسير ثابت عن السلف، بل قد يخلو عن ذلك كثير من القرآن، ولا اعتبارا بما لم يصح كالتفسير المنقول بإسناد ضعيف ولا بتفسير من ليس بثقة منهم وإن صح إسناده إليه.
وبهذا تعرف أنه لا بد من الجمع بين الأمرين؛ وعدم الاقتصار على مسلك أحد الفريقين.
2 - تقدير العلم والعلماء
* الخطيب البغدادي في ((تاريخه)):
كان طاهر بن الحسين حين مضى إلى خراسان نزل ب ((مرو)) يطلب رجلا ليحدثه ليله، فقيل له: ما هنا إلا رجل مؤدب فأدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلام، صاحب كتاب ((الأموال)) فوجده أعلم الناس بأيام الناس والنحو واللغة والفقه، فقال له: من المظالم تركك بهذا البلد، فدفع إليه ألف دينار وقال له: أنا متوجه إلى خراسان إلى حرب، وليس أحب استصحابك شفقا عليك، فأنفق هذا إلى أن أعود إليك. فألف أبو عبيد غريب المصنف إلى أن عاد طاهر بن الحسين من خراسان فحمله معه إلى ((سر من رأى)). وكان أبو عبيد دينا ورعا جوادا.
3 - وفاء وسخط!
* الحافظ الذهبي في ((تاريخ دول الإسلام)) كما جاء في التقديم لكتاب ((الأموال)):
كان أبو عبيد القاسم بن سلام مع عبدالله بن طاهر، فبعث إليه أبو دلف يستهديه أبا عبيد شهرين، فأنفذه إليه فأقام شهرين، فلما أراد الانصراف وصله بثلاثين ألف درهم فلم يقبلها وقال: أنا في جنبة رجل لم يحوجني إلى صلة غيره، فلما عاد ابن طاهر وصله بثلاثين ألف دينار فقال: أيها الأمير قد قبلتها ولكن قد أغنيتني بمعروفك وبرك، وقد رأيت أن أشتري بها سلاحا وخيلا وأوجه بها إلى الثغر ليكون الثواب متوفرا على الأمير، ففعل.
صفحہ 11