قاہرہ
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
اصناف
وفي هذا المجال لا بد من الإشارة إلى أن موقع حلوان ومناخها الطيب لم تفت ملاحظة الخليفة المأمون حين زار مصر لإخماد ثورة المصريين عام 832م، وكان عبد العزيز بن مروان قد سكن حلوان أثناء ولايته على مصر نحو عام 685م، بعيدا عن الفسطاط التي تفشى فيها الطاعون آنذاك.
التنمية الصناعية في نصف قرن
تعود بدايات الصناعة في المنطقة إلى مصنع للإسمنت في طرة، ومصنع سيجوارت للحراريات في المعصرة. وبطبيعة الحال فإن منطقة جبل طرة تتكون من نوع راق شديد التماسك والصقل من الحجر الجيري عرفه قدماء المصريين، ومنه اشتقوا أحجار الأهرام الضخمة، وهي بذلك مؤهلة لصناعة الأسمنت الممتاز، ولكن هذا المنطق لم يأخذ في الحسبان أن الرياح الشمالية شبه الدائمة سوف تلقي بالغبار والأتربة الناجمة عن الكسارات وتصنيع الأسمنت جنوبا إلى مدينة حلوان والقرى والحقول المحيطة بها. لكن زهوة التصنيع كانت أقوى من هذا التفكير البيئي المبكر، وحتى حينما أصبح رأسمال الدولة أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو القائم بتنمية الصناعة فإننا نجده يتخذ النمط ذاته من حيث الإكثار من المصانع في منطقة حلوان، كأن مصنع أسمنت طرة أصبح مثالا يحتذى في تفضيل هذا الموقع.
صحيح أن مواقع الصناعة محكومة بمثلث «فيبر»
Weber
الذي تتكون رءوسه من الخامة والسوق وتكلفة النقل للخامة أو المنتج النهائي، وإذا كانت طرة قد اختيرت بأفضلية الخامة الموجودة، فما هو مبرر اختيار موقع صناعة الحديد والصلب علما بأنه قد أنشئ خط حديدي مكلف من مناجم الواحات البحرية وكوبري المرازيق لتصل الخامة إلى المصنع في التبين؟ قيل في هذا: إن السوق كانت العامل الحاكم في اختيار الموقع بالإضافة إلى استيراد الفحم من الخارج، ولكن سوق الحديد والصلب ليست مقتصرة على القاهرة، بل تعم المعمور المصري بدرجات متفاوتة، وكذلك فإن حافة الهضبة الشرقية من قنا إلى القاهرة تتكون من أنواع من الحجر الجيري الجيد، فلماذا كان التركيز على طرة من البداية؟
لا شك في أن عامل القرب من القاهرة كان الحافز البيروقراطي لاتخاذ منطقة حلوان قلعة صناعية، بحيث يستفيد المسئولون من ذوي «الياقات البيضاء» من سكنهم في القاهرة قرب كبار رجال السلطة، في الوقت الذي يعملون في مقار لمكاتبهم لا تبعد سوى القليل من الكيلومترات، وظهر شعار لتبرير ذلك؛ أن منطقة حلوان يمكن أن تكون مماثلة - بدرجة أقل - لحوض الرور الصناعي في ألمانيا، وبعبارة أخرى: يمكن أن يكون هناك «رور النيل» كما أن هناك «رور الراين»، والفوارق كبيرة معروفة بين الطموح والبيروقراطية وبين المقومات الفعلية في جوانب توافر الخامات والموارد المالية والتكنولوجية.
ونتيجة لهذا فقد تزاحمت الصناعة في المنطقة بشكل يعرفه الجميع. فقد توسع أسمنت طرة إلى أن أصبح عملاقا يرسل ملوثاته الغازية والصلبة عاليا في الجو إلى كل مناطق السكن في المنطقة، وكذلك أسمنت بورتلاند حلوان لصق جنوب غرب مدينة حلوان والقومية للأسمنت إلى الجنوب منها، وبذلك وقعت المدينة تحت حصار الأسمنت، وفي جنوب المعصرة مصنع 45 الحربي، وإلى الشمال الشرقي من حلوان مصانع النصر للسيارات والنصر للمواسير الصلب وحلوان للصناعات الهندسية وسيماف لصناعة عربات السكة الحديدية، ولصق المدينة من الجنوب مصنع الطائرات، ثم إلى الغرب منها مصنع مصر حلوان للحرير - وهو من أقدم الصناعات، أنشأه بنك مصر في أواخر العشرينيات - وفي منطقة التبين المصنع الهائل للحديد والصلب، ومصانع فحم الكوك والأسمدة، وصناعات الطوب الرملي والإسمنتي والطفلي. هذا إلى جانب عدد آخر من المصانع الأصغر تتبع القطاع العام أو الخاص، وجملة عدد المصانع يزيد على 40 مصنعا أحاطت وتداخلت وزاحمت كل المحلات السكنية من المعصرة شمالا إلى مدينة حلوان والتبين جنوبا وما بينها من قرى كثيرة تضخمت مثل كفر العلو وعرب غنيم وكامل صدقي.
وترتب على هذا انفجار سكاني عنيف؛ في سنة 1927 كان سكان قسم حلوان نحو خمسين ألفا، وفي إحصاء 1986 بلغ العدد نصف المليون بما في ذلك التبين (50 ألفا) و15 مايو (25 ألفا)، وبعبارة أخرى: فقد تضاعف سكان المنطقة عشر مرات في ستين سنة، بينما تضاعف سكان القاهرة ككل ست مرات في المدة ذاتها. وفي تعداد 1996 كاد النمو السكاني يتوقف في قسم حلوان عن نظيره قبل عشر سنوات؛ إذ بلغ نحو 519 ألفا، ولكن زاد سكان التبين إلى نحو 60 ألفا، بينما ارتفع عدد سكان قسم 15 مايو إلى 65 ألفا، وسكان طرة إلى نحو 59 ألفا، بمجموع كلي 703 آلاف لهذه الأقسام الأربعة. ويدل هذا الرقم المتزايد على عظم الزيادة السكانية الناجمة عن انتشار الصناعة في المنطقة، وتكدس الناس في أحياء الكثير منها عشوائي: «الهجانة، ومنشأة جمال عبد الناصر، وعزبة الصفيح»، أو قروي قديم: «الوالدة، وكفر العلو، والتبين، والمرازيق، والمعصرة البلد، وكامل صدقي ... إلخ» وكلها تساوي نحو ثلثي سكان المنطقة.
وتوضح الخريطة
نامعلوم صفحہ