وأغلق فمه مرغما وقد تورد وجهه، ثم استدرك قائلا: علي طه ...؟
وطعنته وبسرعة اللهجة الحادة الغاضبة: لا محل لذكره ...
فسألها بصوت خافت: وقاسم بك؟
وقطبت، وجعلت تقرض ظفرها بانفعال، ثم قالت بحدة: حملني على معرفته ما حملك على قبول هذا الزواج ...
وأحس ارتياحا لهذا الجواب، وقال بلين: لا تغضبي، أنا لا أحاسبك كما قلت لك، بيد أني أريد أن أعرف، ألا ... أعني هل ... أعني قلبك؛ أجل، قلبك! ... - قلبي! ... إن هذا التكاشف لن ينتهي بشيء، أو هو لن ينتهي بخير. قلبي؟! ... عم تتساءل؟! ... ألسنا ... سعداء؟! - بلى ... بلى ...
قال ذلك بسرعة، وتفكر مليا، ثم سألها بجرأة عجيبة: وإذا منعتك عن البك؟
فنفخت باستياء ، وقالت: أطيع زوجي.
وشعر بما في إجابتها من تهكم، فأدماه جرح عميق، وتساءل عما جناه من تحقيقه الجريء، فوجد نفسه حيث بدأ في حيرة وقلق، وأدرك أن علي طه لا يزال مبعث غضبه وحنقه ... «لا محل لذكره»، ما معنى هذا وقد قالتها بغضب؟!
غضب لحالة التدهور العامة التي انتابته، لماذا لا يقاتل هذه العواطف الخبيثة حتى يقتلها؟ أيستسلم لما يستسلم له الحمقى من بني آدم؟! ... فلتحب علي طه أو فلتحب قاسم بك، وليأت البك كل ليلة إذا أراد، وليلقين كل ذلك بما هو فوق طاقة البشر من الاستهانة والعبث، هذه هي مسألته بلا زيادة ولا نقصان، بيد أن طموحه لا يجوز أن يقف عند حد؛ لكل داء دواء، ودواء العزلة التي يعانيها المجد والخمر! يسطى عليه فينبغي أن يسطو على الناس! وغدا يلتمس بيوت الفجور ويعشق النساء ألوانا! فإذا انكشف سر زوجه يوما طمع أن يقال: إن زوجها أفسدها باستهتاره، وإنه شاب فاجر لا شيء آخر! وتنهد في شبه ارتياح لما انتهى إليه تفكيره، غير أنه لم يطمئن إلى الارتياح طويلا. ذكر - متجهما- أنه يخاف الناس دائما، وأنه يخافهم أكثر مما ينبغي، وأنه يخافهم على الخصوص خلاف ما تقضي به فلسفته، ففيم التخبط والحيرة؟! ومتى يبلغ بحياته أقصى الكمال الذي ينشد؟ ...
36
نامعلوم صفحہ