وأجابه كالداهش: عملي! ... ألست مندوب الجريدة؟
فقال محجوب: وأنا مندوب مجلة النجمة!
وضحكا معا، وهم أحمد بدير أن يسأل صاحبه عما إذا كان ينوي الاشتغال بالصحافة، لولا أن رفعت الستار، وبدت على المسرح سيدة جليلة، ذات جبين وضاح، ووجه مستدير مهيب، لم يذهب كل جماله على اقترابها من الستين، وقوبلت بتصفيق حاد متواصل، فتلقته برزانة من يألفه، وحنت رأسها تحية للمعجبين، وبسطت بين يديها ورقة، ونظر محجوب إليها طويلا، ثم سمع أحمد بدير يقول بصوت منخفض: السيدة إكرام نيروز منشئة الدار ...
أجل. عرف ذلك بداهة. ترى أي دور ستلعبه في حياته؟
واستدرك أحمد بدير قائلا: إنها عجوز، ولكنها مغرمة بالشباب!
وأدرك أن أحمد بدير لن يمسك - كعادته - وسر لذلك أيما سرور؛ لأنه من المحنق أن يقتحم الإنسان دنيا جديدة بغير دليل. أما السيدة إكرام نيروز فراحت تلقي كلمة الافتتاح بصوت هادئ متزن جميل. رحبت بالحاضرين، وأثنت على عواطف الخير التي تعمر صدورهم، ثم تكلمت عن جمعية الضريرات وهدفها السامي. ألقت كلمتها بالعربية، فلم تكد تنجو كلمة من خطأ نحوي ولحن، وتبادل الصاحبان الابتسام، وقال أحمد: لا تحزن؛ فالدار خالية ممن قد يفطن إلى الخطأ ...
فقال محجوب كالمعتذر: مغفور لها الخطأ، أليست تخطب بلغة أجنبية؟
ثم شاهد الحاضرون فصلا من مسرحية لموليير، وغنت مدام تارد أغنية فرنسية عالمية، وتركت في النفوس أبلغ الأثر، ثم دعي الجميع إلى بهو آخر مستدير، أعد للرقص، فتصدرته فرقة موسيقية إيطالية، ورصت إلى جوانبه الموائد، وعزفت الموسيقى، ورقص الراقصون، ودارت الكئوس مترعات، ووقف الصديقان عند مدخل إحدى الشرفات يشاهدان الرقص ويتحدثان. كان محجوب يرى الرقص لأول مرة، فأثار دهشته وإعجابه، رأى الصدور تكاد تلمس الصدور، والأذرع تحيط بالخصور، فعجب كيف يتمالك هؤلاء أنفسهم! وتمنى لو كان من الراقصين، وتفحص الوجوه بعينيه الجاحظتين القلقتين، وهمس لنفسه: «المال، المال هو السيادة، وهو القوة، هو كل شيء في الدنيا!» وعثرت عيناه بثدي ناهد تكاد حلمته تثقب الفستان الأبيض الشفاف، فحمي دمه، ورفع بصره ليرى وجه صاحبته، فرأى عجوزا دميمة على فرط تهتكها، فلكز صاحبه ولفته إلى السيدة هامسا: كيف يكون هذا الثدي لهذه العجوز؟
فألقى أحمد بدير على المرأة نظرة شاملة، وابتسم كالساخر، ثم قال: وكيف تكون هذه الحفلة الخيرية في حانة؟!
فقطب محجوب غاضبا، أو متظاهرا بالغضب، وقال: لتذهب الضريرات إلى الجحيم ... الحانة خير وأبقى!
نامعلوم صفحہ