وساد الصمت، وراحت الفتاة ترسل ببصرها من النافذة، وراح هو يسترق إليها النظر. هذه أول مرة يخلو فيها إلى أنثى تستحق أن توصف بالأنوثة حقا، وأين؟ ... في سيارة فخمة تحزن الحاسدين - فضل هذا التعبير عن تسر الناظرين - فأسكرت أنفه رائحة ذكية، لا رائحة العرق الملبد بالتراب، فدخله شعور المختنق إذا حمل إلى حجرة مليئة بالأكسجين، ولم تكن به ذرة استعداد لخلق الصور السامية الطاهرة، فتركزت رغبته في تخيل صورة واحدة؛ أن يلقي بنفسه عليها! ... وشعر بدبيب الرغبة يسري في دمه، فألقى ببصره إلى الخارج، وتساءل: لماذا تخلف فاضل؟ هل رأى فتاة حسناء فجرى وراءها؟ أم إن تحية نفسها عملت على التخلص منه؟ وداعبه غروره الجنسي فقال: إنهما (هو وهي) من دم واحد، وكما يقولون «فالدم يحن»، ليس شيء بمستحيل. أما لو صدق حدسه فسترى أشياء لذيذة كما تحب! ... والسائق؟! ... لا يهم ... فهو لا يستطيع أن يتصور الثراء والعفاف في كائن بشري معا. ولا شك أن هؤلاء السائقين مدربون على التغاضي ...! أجل ... أجل ... أو فما الداعي إذن لمجيئها منفردة؟! إن أجمل حكمة هي التي تقول: «إذا خلا رجل بامرأة كان الشيطان ثالثهما.» فأين هذا الشيطان ليجثو بين يديه، ويلثم قدميه؟ طالما كان للشيطان تابعا ومريدا، أفلا يجزيه الشيطان عطفا بإخلاص؟
واسترد بصره من الخارج، وشعر برغبة إلى جرها إلى الحديث، فسألها: والآنسة في الجامعة؟
فهزت رأسها نفيا وقالت مبتسمة: كلية بنات الأشراف.
فقال بسرور: جميل ... جميل جدا ...
وسألته تحية: ماذا تنوي أن تعمل بعد الليسانس؟
وبغته السؤال، إن أقرانه يتحدثون عن المستقبل بحزن ويأس، والسابقون منهم يقبعون وراء المكاتب في الوزارات يروحون بالشهادة على وجوه أحرقتها حرارة الدرجة الثامنة ... ولكنه بجسارته المعهودة تخلص من ارتباكه، وقال بثقة ويقين معا، وإن كان يعلم أنه من الكاذبين: علي أن أختار بين طريقين؛ فإما الانخراط في السلك السياسي، وإما التحضير للدكتوراه فالتدريس في الجامعة ...
فقالت مبتسمة: جميل ...
لماذا استعملت تعبيره الخاص؟ ... أتسخر منه الشيطانة أم تجهل هذه الأمور؟ ... وأراد أن يسبرها فسألها: أيهما تفضلين! - أنا؟ ... هذا شأن يعنيك ...
فقال بمكر ودهاء: ويعنيك أيضا ما دام يعني قريبك.
فتورد وجهها وقالت: السلك السياسي أجمل ...
نامعلوم صفحہ