وشعر محجوب نحو محدثه باحتقار شديد، ضاعفه ما نمت عليه نبراته من التأثر، وضاعفه أيضا ما يكنه له من الحسد، وقال في نفسه ساخرا: حتى وظيفة التناسل يريد الأحمق أن يجعل منها محرابا مقدسا. ثم قال بهدوء وبرود: يا أيها العاشقون، لا أعبد ما تعبدون!
فابتسم علي قائلا: ولا نحن عابدون ما تعبد.
وخاف محجوب أن تعيد سخريته الشاب إلى رشاده، فندم على ما فرط منه وأراد أن يداريه، فغير لهجته، وتساءل باهتمام ظاهري: غريب أمر هذا الحب! ... بيد أن فتاتك متفوقة حقا!
فقال علي بحماس: ليس الجمال فضيلتها الوحيدة؛ روحها لطيف، وفؤادها ذكي، ويعجزني وايم الحق أن أعبر لك عن امتزاج روحينا، هذه إحسان! ...
واضطربت نفس الآخر لدى سماع الاسم، فامتلأ حنقا فجأة. ترى أهذه هي الغيرة التي يقولون عنها؟ ... يا للعار! كيف يقع في ذل الغيرة من يطمح إلى تحطيم الأغلال جميعا؟ وعاد يقول بلهجة جديدة يخفي بها سخرية جديدة: أظن كمال هذا الامتزاج يوجب أن تكون فتاتك محررة من الدين، مؤمنة بالمجتمع والمثل العليا والاشتراكية!
فقال علي برزانة: حسبنا أن نحيا حياة وجدانية روحية واحدة، وسوف يتحد عقلانا بالاختلاط، فنكون أسرة سعيدة يوما ما ...
فقال محجوب باستغراب: أبلغتما هذا الحد؟ - نعم. - هل تكاشفتما؟ - نعم، سأنتظر حتى تنتهي من دراستها العليا ... - مبارك يا أستاذ.
وعز عليه أن يهنئ وهو أحق إنسان بالعزاء، وامتلأ شجنا وانقباضا. فاز علي بأجمل مليحة في القاهرة ، وغدا الجسد اللدن الطري من نصيبه، واندفع إلى السؤال بغير روية: كيف عرفتها؟ ... في الطريق؟ ...
فقال علي بدهشة: كلا ... من النافذة! - ولكن غيرك نظر أيضا؟
أفلتت منه الجملة بغير روية أيضا، فندم عليها أشد الندم، وخاف أن يفهمها صاحبه على حقيقتها، فاستدرك يضلله: جيراننا الطلبة ينظرون كذلك ...
نامعلوم صفحہ