الوجوب. وعلى كل من التقديرين : فالجبر لازم. فكان الجبر لازما على كل التقديرات.
فهذا بحث شريف لا بد من الوقوف عليه في هذا الباب.
البحث الثاني : لقائل من المعتزلة أن يقول : الجبر لا يتأتى إلا مع القول بكون الباري موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار. لأن حاصل كلام الجبرية هو : أن عند حصول القدرة والداعية الخالصة يجب الفعل ، وعند فقدان هذا المجموع يمتنع الفعل. وهذا هو القول بالجبر. إلا أن هذا الكلام بعينه وارد في فاعلية الله. لأن كل ما لا بد منه في فاعلية الله تعالى. إن كان حاصلا في الأزل ، وجب حصول العالم معه ، وإن لم يكن أزليا ، افتقر حدوثه إلى سبب آخر ، ولا يتسلسل بل ينتهي إلى الصفات الأزلية. وحينئذ يعود هذا السؤال.
قالوا : فثبت : أن دليلكم في إثبات الجبر ، إن تم وكمل فهو ، يوجب القول بالجبر شاهدا أو غائبا. وذلك يوجب القول بقدم العالم ، وبكونه تعالى موجبا بالذات ، لا فاعلا بالاختيار. كما هو قول الفلاسفة (1).
وأما إن قلنا : إن صدور الفعل عن القادر لا يتوقف على الداعية ، وإن توقف عليها لكان صدور الفعل عند حصول الداعية غير واجب. فهذا قول المعتزلة. وبطل القول بالجبر في الشاهد والغائب فثبت : أن الحق. إما القول بالجبر شاهدا وغائبا ، كما هو قول الفلاسفة. أو القول بنفيه شاهدا وغائبا ، كما هو قول المعتزلة. فأما القول بإثباته في الشاهد ، ونفيه في الغائب ، كما هو قولكم فكلام متناقض.
فهذا هو الكلام الأقوى من جانبهم.
واعلم : أن بتقدير أن يتوجه على القول بالجبر هذا الإلزام ، إلا أن القول بالقدر يتوجه عليه ، ما هو أقبح منه وأفحش. وذلك لأنا بينا : أن القول بالقدر لا يتم إلا إذا قيل : إن رجحان الفاعلية على التاركية ، يحصل لا لمرجح. وعند هذا القول. إما أن يكون الإمكان محوجا إلى مؤثر ، أو لا يكون كذلك. فإن كان الإمكان محوجا إلى المؤثر ، لزم احتياج كل ممكن إلى المرجح. وعلى هذا ، يكون رجحان الفاعلية على التاركية ، لا بد وأن يكون معللا بعلة موجبة. وحينئذ يلزم الجبر. وأما إن كان الإمكان غير محوج إلى المرجح ، فعند ذلك لإخفاء أن يستدل
صفحہ 36