متمكنون فيهما غير ممنوعين عنهما ( فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ) (1) وثبت بالمتواتر المقطوع به أنهم كانوا يمدحون من آمن وأطاع ، ويذمون من كفر وعصى.
فلو قلنا : العبد غير مستقل بالفعل ، كان ذلك تصريحا بكونهم ممنوعين من الأفعال ، غير قادرين عليها. وذلك تصريح بتكذيب الأنبياء عليهم السلام في عين تلك الأشياء ، التي ادعوا كونهم رسل الله فيها. والتصريح بمثل هذا التكذيب ، ينافي الاعتراف بكونهم صادقين. فثبت بهذه الوجوه الثلاثة : أن القول بأن العبد غير موجد وفعال نفسه ، ينافي الإقرار بالنبوة.
واعلم : أن المعتمد في الجواب عن هذا المقام ، أن نقول : هذا الذي ألزمتموه علينا ، لازم عليكم من وجوه :
الأول : إنكما لما اعترفتم بأن قدرة العبد صالحة للإيجاد. لم يمكنكم القطع بأن فاعل هذه المعجزات هو الله تعالى. ونحن قد حكينا في باب دلائلنا العقلية : دليل المعتزلة على أن غير الله تعالى ، لا يصح منه خلق الجسم والحياة. وبينا ضعفه وسقوطه.
وأما نحن فلما قلنا : إن قدرة العبد لا تصلح للإيجاد ، لم يتوجه هذا السؤال علينا البتة. فثبت : أن دلالة المعجز على صدق المدعي ، إنما تتم على مذهبنا ، لا على مذهبكم.
الثاني : إن المعتزلة. إما أن يحكموا بأن الفعل يتوقف على الداعي ، أو لا يحكموا بذلك. فإن كان الأول لزمهم الجبر. وذلك لأن عند عدم الداعي ، يمتنع صدور الفعل عنه ، وعند وجوده يجب صدور الفعل عنه. وتكون أفعال العباد معلولات أفعال الله تعالى. وحينئذ يلزمهم ما ألزموه علينا. وإن كان الثاني. وهو أن صدور الفعل عن القادر لا يتوقف على الداعي ، فعلى هذا التقدير يخرج المعجز عن كونه دليلا على الصدق. لاحتمال : أنه تعالى خلق ذلك المعجز. لا لداعية ولا لغرض أصلا. وعلى هذا التقدير ، فإنه يخرج المعجز عن كونه دليلا على صدق المدعي.
الثالث : وهو أن إظهار المعجز على هذا الكاذب ، إنما يقبح إذا كان غرض الله منه : تصديق ذلك الكاذب. أما لو خلق الله المعجز عقيب دعوى الكاذب. لا لغرض التصديق ، بل لغرض آخر. لم يقبح البتة.
ومن المعلوم : أن أغراض الله تعالى في خلق المخلوقات كثيرة ، غير مضبوطة. ولما ثبت أنه يجوز أن يخلق الله تعالى ذلك المعجز عقيب دعوى الكاذب ، لغرض آخر سوى التصديق ، وثبت أن على هذا التقدير لا يقبح خلقه علمنا : أنه لا يقبح من الله تعالى خلق المعجز ، عقيب دعوى الكاذب.
صفحہ 111