وجب أن يقدر على أن يعرفنا من صدقهم على سبيل الاستقلال. وما الجامع بينهما؟.
ثم إن القول بأن الله تعالى هو الخالق للكفر والفواحش ، يمتنع أن ينفي المعجز وجه دلالته على الصدق. والقادر إنما يكون قادرا على ما يكون في نفسه جائزا صحيحا ، لا على ما يكون في نفسه ممتنعا. وليس كذلك تعريف صدقهم على سبيل الضرورة. لأن ذلك غير ممتنع في نفسه ، فصح كونه قادرا عليه. وظهر الفرق.
الثاني : سلمنا أنه تعالى لما قدر على تعريف صدق الأنبياء اضطرارا ، وجب أن يقدر على تعريف صدقهم بالاكتساب. إلا أن مذهبكم يفضي إلى أن لا يقدر الله تعالى على ذلك ، فكان مذهبكم مفضيا إلى المحال ، ، فوجب أن يكون محالا. وأنتم ما زدتم على هذا ، إلا السعي في إبطال مذهبكم.
الثالث : إنكم قلتم : إنه لا يصح من الله تعالى إظهار المعجز على يد الكاذب ، وإلا لزم تعجيزه على أن يعرفنا صدق الأنبياء بالاكتساب. ونحن نقول : وجب أن لا يصح من الله تعريفنا صدق الأنبياء بالاكتساب ، وإلا لزم تعجيزه عن خلق المعجزات ، عقيب دعوى الكذاب. ولما كان ممتنعا في نفسه ، لم يكن عدم القدرة عليه عجزا. قلنا : ولم ينفصلون عمن يقول : دلالة المعجز على الصدق ، لما كانت ممتنعة لنفسها ، لم يكن عدم القدرة على خلق هذا الدليل : عجزا؟.
وبالجملة : فلا فرق بين الجانبين.
الرابع : وهو أن قولكم : إنه تعالى لا يصح منه خلق المعجز عقيب دعوى الكاذب : كلام باطل. لأن فلق القمر ، عقيب تكلم إنسان بكلام كذب ، ممكن في نفسه. والله تعالى قادر على كل الممكنات ، فيمتنع حصول هذا الامتناع ، نظرا إلى القدرة ، ويمتنع أيضا حصوله نظرا إلى الداعي. لأن قبح القبائح ، لا تأثير لها عندكم في هذا الباب.
ولما ثبت أنه لا يمكن القول بحصول هذا الامتناع. لا نظرا إلى القدرة ، ولا نظرا إلى الإرادة والداعي. كان القول بثبوت هذا الامتناع : باطلا قطعا.
الوجه الثاني في بيان أن القول بأن الله تعالى خالق لأعمال العباد ، يمنع من القول بإثبات النبوات : وذلك لأن المقصود من بعثة الأنبياء عليهم السلام إلى الخلق : دعوتهم إلى الطاعات ، ومنعهم عن القبائح والمنكرات. لكن دعوة الخلق إلى هذه الأشياء إنما تعقل عند كونهم قادرين على الأفعال. لأن قبح تكليف العاجز ، معلوم في بدائه العقول. فإذا لم يكن العبد مستقلا بالفعل والترك ، كان تكليفه تكليفا للعاجز. فثبت : أن القول بأن العبد غير موجد لأفعال نفسه ، ينافي الإقرار بالنبوة.
الوجه الثالث : إن الكتب الإلهية بأسرها ناطقة بأن العباد قادرون على الخيرات والشرور
صفحہ 110