* البحث الثاني
* في
بيان أن بتقدير أن يكون التمسك بالدلائل اللفظية في أمثال هذه المطالب جائز. إلا أنا نقول : التمسك بالدلائل السمعية في إثبات أن العبد غير موجد لأفعال نفسه : غير جائز.
واعلم : أن المعتزلة قد أطنبوا في تقرير هذا المقام. وأنا أنقل حاصل ما ذكروه ، وأضم إليه من عندي : وجوها أخرى. أقوى وأكمل مما ذكروه ، ليكون البحث موصلا إلى أقصى الغايات ، وأكمل النهايات.
قالوا : إن كل من نفى كون العبد موجدا ، فإنه يتعذر عليه إثبات الصانع ، ويتعذر عليه إثبات النبوة ، ويتعذر عليه القول بأن القرآن حجة.
وإذا كان الأمر كذلك ، ثبت : أن كل من نفى كون العبد موجدا لأفعال نفسه فإنه يتعذر عليه الاستدلال بالدلائل السمعية ، على تصحيح المطلوب.
أما بيان أن كل من نفى كون العبد موجدا ، فإنه يتعذر عليه القول بإثبات الصانع. فتقريره من وجوه ثلاثة :
الأول : وهو الذي ذكروه المعتزلة. قالوا : إن طريقنا إلى إثبات الصانع. هو أن نقول : أفعالنا إنما افتقرت إلينا ، بسبب حدوثها. فإذا كان العالم محدثا ، وجب افتقاره إلى الفاعل. ومعلوم أن بناء هذا الدليل : على افتقار أفعالنا إلينا. فإذا لم نعتقد هذا الأصل ، فقد انسد علينا طريق إثبات الصانع. هذا حاصل كلامهم.
** وهذا ضعيف من وجهين :
الأول : إنا لا نسلم أن هذا الذي ذكرتم : دليل صحيح في إثبات الصانع. وذلك لأن فتقار الحادث إلى المؤثر. إما أن يكون معلوما ، أو لا يكون. فإن كان معلوما ، لزم من العلم يكون العالم محدثا : العلم بافتقاره إلى المؤثر ، من غير حاجة إلى نفيه ، على افتقارنا إلينا. وإن كان غير معلوم» لم يلزم من مشاهدة وقوع أفعالنا ، عقيب تصورنا ودواعينا : وقوعها. لاحتمال أن تلك الأفعال وقعت عندها ، لا بها ، ولا بشيء آخر. بل حدثت على سبيل الاتفاق. فثبت : أن ما ذكرتموه ليس دليلا صحيحا.
الثاني : هب أن ما ذكرتم دليل صحيح . إلا أنه لا يلزم من بطلان دليل واحد ، بطلان القول بالمدلول. لاحتمال أن يثبت ذلك المدلول بدليل آخر.
الوجه الثاني : إن مذهب الجبرية : أن حصول الفعل عند مجموع القدرة والداعي : واجب. وحصوله عند فقدان هذا المجموع : ممتنع. وهذا يقتضي كونه تعالى موجبا بالذات ، لا فاعلا بالاختيار.
صفحہ 108