بمقتضياتها على عدم المعارض العقلي. إلا أن ذلك مظنون لا معلوم.
التاسع : وهو أن الدليل النقلي. إما أن يكون قاطعا في متنه ودلالته ، أو لا يكون كذلك.
أما القاطع في المتن. فهو الذي علم بالتواتر اليقيني صحته ، وأما القاطع في دلالته فهو الذي حصل اليقين بأنه لا يحتمل معنى آخر سوى هذا الواحد. فنقول : لو حصل دليل لفظي بهذه الشرائط ، لوجب أن يعلم كل العقلاء صحة القول بذلك المذهب.
مثاله : إذا استدللنا بآية أو بخبر على أن الله تعالى خالق لأعمال العباد. فهذا إنما يتم لو كانت تلك الآية ، وذلك الخبر مرويا بطريق التواتر القاطع ، وأن تكون (1) دلالة تلك الآية وذلك الخبر على هذا المظنون غير محتمل البتة ، لوجه آخر. احتمالا راجحا أو مرجوحا. وإلا لصارت تلك الدلالة ظنية. ولو حصل دليل سمعي لهذا الشرط لوجب أن يعرف كل المسلمين صحة ذلك المطلوب بالضرورة ، من دين محمد عليه الصلاة والسلام. ولو كان الأمر كذلك ، لما اختلف أهل الإسلام في هذه المسألة ، مع إطباقهم على أن القرآن حجة. ولما لم يكن الأمر كذلك ، علمنا أن شيئا من هذه الآيات ، لا يدل على هذا المطلوب ، دلالة قطعية يقينية. بل كل آية يتمسك بها أحد الخصمين ، فإنه لا بد وأن يكون محتملا لسائر التأويلات ، ولا يمكننا دفع تلك التأويلات إلا بالترجيحات الظنية والمدافعات الإقناعية. ومعلوم أن كل ذلك يفيد الظن .
العاشر : إن دلالة ألفاظ القرآن على هذا المطلوب. إما أن تكون دلالة مانعة من النقيض أو غير مانعة منه. والأول باطل. أما أولا فلأن الدلائل اللفظية : وضعية والوضعيات لا تكون مانعة من النقيض. وأما ثانيا : فلأن هذه الدلائل ، لو كانت مانعة من النقيض. لكان الصحابة والتابعون أولى الناس بالوقوف عليها والإحاطة بمعانيها ، لأنهم كانوا أرباب تلك اللغة. ولو كان الأمر كذلك ، لكانوا عالمين بالضرورة بأن القول بصحة هذا المطلوب : من دين محمد عليه الصلاة والسلام. ولو كان الأمر كذلك ، لما وقع الاختلاف في هذه المسألة قديما وحديثا ، بين أمة محمد عليه الصلاة والسلام. فثبت : أن دلالة هذه الألفاظ على هذه المطالب ، ليست دلائل قاطعة مانعة عن النقيض ، بل هي محتملة للنقيض. ومتى كان الأمر كذلك ، كانت دلالة الدلائل اللفظية ، ليست إلا ظنية.
فثبت بهذه الوجوه العشرة : أن الدلائل اللفظية لا تفيد إلا الظن. وظاهر أن هذه المسألة يقينية ، والتمسك بالدليل الظني في المطلوب اليقيني : باطل قطعا (1).
ولنا على الرازي عدة تساؤلات :
صفحہ 106