التصورين. إن حضرا ، كانا موجبين لذلك التصديق والإنسان لا قدرة له في تحصيل ذينك التصورين وعند حضورهما فلا قدرة له في استلزامهما لذلك التصديق. بل إن حضرا لكان عند حضور ذلك التصديق واجبا. وإن لم يحضر إلا واحدا منهما ، كان حضور ذلك التصديق ممتنعا. فثبت : أن الإنسان لا قدرة له البتة على التصديقات البديهية. وأما التصديقات النظرية. فلا قدرة له أيضا على شيء منها. لأن تلك البديهيات ، إن كانت مستجمعة للأمور المعتبرة في استلزام تلك النظريات ، كان حصول تلك النظريات عقيب تلك البديهيات واجبا. فلم يكن للإنسان قدرة عليها. وإن لم تكن مستجمعة للأمور المعتبرة في ذلك الاستلزام ، امتنع كونها مستلزمة لتلك النظريات. والممتنع لا قدرة عليه.
وتمام تقرير هذا الكلام هو الذي سبق ذكره في البرهان الأول. إلا أن هذا الوجه في الحقيقة غير مختص بالتصديقات النظرية ، بل هو عام في كيفية المكتسبات. علم من علم يتقدمه ، سواء كان ذلك العلم ، علما تصوريا أو تصديقيا.
والوجه الثاني في بيان أن شيئا من التصديقات غير مكتسب : هو أن نقول : لا شك أن تلك التصديقات الكسبية ، لا يمكن إيقاعها إلا في تصورات حاضرة في الذهن. فنقول : عند حضور تلك التصورات ، إما أن يكون ذلك التصديق ضروريا ، أو لازما ، أو لا يكون كذلك. فإن كان حصول ذلك التصديق عند حضور تلك التصورات لازما أو ضروريا ، لم يكن للعبد قدرة عليه ، ولا اختيار له فيه. لأن تلك التصورات لا قدرة للعبد عليها البتة. وعند حضورها تكون مستلزمة لذلك التصديق استلزاما لا قدرة للعبد عليه. فعلى هذا التقدير ، امتنع أن يكون ذلك التصديق واقعا بكسب العبد وباختياره. وأما إن كان حصول التصديق عند حصول تلك التصورات غير ضروري ولا لازم ، فحينئذ لم يكن ذلك التصديق علما ولا يقينا ، بل هو اعتقاد تقليدي ، أتى به الإنسان من غير موجب. وهو أيضا محال. ومتى حاول الإنسان تشكيك نفسه فيه ، أمكن ذلك وقبل هذا لا يكون علما ولا يقينا. فثبت بما ذكرنا : أن العلوم إما تصورات وإما تصديقات. وثبت : أن كل واحد منهما خارج عن قدرة العبد وعن وسعه. فثبت : أن المعارف والعلوم خارجة عن قدرة البشر ، وأن حصولها ليس إلا بخلق الله سبحانه (1).
* البرهان الثالث
* على أن العبد لا يقدر على خلق العلوم
هو : أن العبد إذا حاول إحداث العلم ، إما ابتداء وإما بواسطة شيء آخر. فإما أن يحاول إحداث مطلق العلم ، وإما أن يحاول إحداث العلم بكذا على التعيين. فإن حاول
صفحہ 99