مشعور به من بعض الوجوه ، يمكن طلبه. ومن حيث إنه غير مشعور به من سائر الوجوه ، فإن العقل يحاول تكميل ذلك الشعور وإتمامه ، فلا جرم صح طلبه؟.
والجواب : إن أحد الوجهين لما كان محكوما عليه بأنه مشعور به ، والوجه الثاني محكوم عليه بأنه غير مشعور به. كان أحد الوجهين مغايرا للآخر ، وإلا يصدق على الشيء الواحد ، أنه مشعور به ، غير مشعور به. وذلك محال. وإذا ثبت هذا فنقول : الوجه الذي هو مشعور به يمتنع كونه مطلوبا. لأنه يقتضي تحصيل الحاصل. والوجه الذي هو غير مشعور به ، يمتنع طلبه. لأن ما كان الذهن غافلا عنه يمتنع طلبه. والحاصل : أن التقسيم الذي ذكرناه أولا ، يفيد في هذين الوجهين.
الثاني : إنا إذا حاولنا تعرف ماهيته. فإما أن نتعرفها من نفسها ، أو من الأمور الخارجة عنها ، أو مما يتركب من هذه الأقسام. والكل باطل ، فبطل القول بإمكان تعرف شيء من الماهيات. إنما قلنا : إنه لا يمكن تعرفها من نفسها ، لأن الوسيلة معلومة قبل المتوسل إليه. فلو كانت الوسيلة والمتوسل إليه واحدا ، لكان الشيء الواحد معلوما قبل كونه معلوما. وهو محال. وإنما قلنا : إنه لا يمكن تعرفها من الأمور الداخلة فيها لأنا إما أن نتعرفها من بعض أجزائها ، أو من مجموع أجزائها. والأول باطل. لأن العلم ببعض أجزاء الشيء ، لا يكون علما بتمام ذلك الشيء. إلا إذا قيل : إن العلم بهذا الجزء بوجه يوجب العلم بالجزء الثاني ، ثم العلم بمجموع الأجزاء ، يفيد العلم بتمام تلك الماهية. إلا أن هذا محال من وجهين:
الأول : إن على هذا التقدير ، يكون العلم بأحد الجزءين ، موجبا للعلم بالجزء الثاني. وهذا إنما يتم إذا كان العلم بالشيء يستفاد من المعلوم بالأمر الخارج عنه. وهذا هو القسم الثالث. فيكون الدليل الدال على إبطال هذا القسم ، يوجب فساد هذا الاحتمال.
والثاني : إن هذا الكلام إنما يتم إذا قلنا : إن العلم بمجموع الأجزاء ، يوجب العلم بتمام الماهية. إلا أن الدليل الدال على فساد هذا القسم ، يوجب فساد هذا الاحتمال. وأما إذا قلنا : إنا نتعرف العلم بتلك الماهية من العلم بمجموع أجزائها. فهذا أيضا : محال. لأن مجموع أجزائها ، هو تمام ماهية تلك الماهية. فالقول بأنا نتعرف مجموع تلك الماهية ، من معرفة مجموع أجزائها : يعود إلى القسم الأول. وهو تعريف الشيء بنفسه وهو محال.
وأما القسم الثالث : وهو أنا نتعرف تصور تلك الماهية من أمور خارجة عنها. فنقول : إن صريح العقل لا يستبعد حصول ذلك الوصف في غير تلك الماهية. لما ثبت : أن الماهيات المختلفة يجوز اشتراكها في لازم واحد. فعلى هذا التقدير ما لم يعرف أن ذلك الوصف مختص بتلك الماهية ، وغير حاصل في غيرها ، فإنه لا يمكننا أن نتوسل بمعرفة ذلك الوصف إلى معرفة تلك الماهية لكن علمنا بأن ذلك الوصف مختص بتلك الماهية ، مسبوق بتصور تلك الماهية. لأن
صفحہ 97