والعضلات والرباطات ، إلى غير ذلك من الأعضاء البسيطة فإذا حرك الإنسان بدنه ، فلا معنى لهذا التحريك إلا أنه حرك مجموع تلك الأجزاء ، لكنا نعلم بالضرورة أنه البتة غير عالم بأعداد تلك الأعضاء. وأيضا : فلا شك أنه لما حرك بدنه ، فقد نقل تلك الجثة من حيز إلى حيز ، ومر بما بين الطرفين ، مع أنه غير عالم بأعداد تلك الأحياز فلا يمكنه أن يعلم ما بين مبدأ تلك الحركة إلى منتهاها. وأيضا : فلا شك أن تلك الحركة وقعت في مقدار معين من الزمان ، وذلك القدر المعين من الزمان ، مركب من آنات متتالية متعاقبة. وهو البتة لا يعلم مقدار الزمان ، ولا عدد الآنات ، التي منها تركب ذلك الزمان. فثبت بما ذكرنا : أن من انتقل من مكان إلى مكان ، فهو لم يعلم أن الأجزاء التي حركها. كم هي؟ والأحياز التي منها تألفت تلك المسافة التي فيها وقعت الحركة. كم هي؟ والآنات التي منها تألف الزمان ، الذي هو طرف لتلك الحركة. كم هي؟ فثبت : أن العبد غير عالم بتفاصيل أفعاله البتة.
الثالث : إن الإنسان إذا تحرك. فلا شك أن حركته أبطأ من حركة الفلك. وللناس في هذا البطء مذهبان :
أحدهما : مذهب المتكلمين (1): وهو أن الحركة البطيئة نشأت عن كونه متحركا في بعض الأحياز ، وساكنا في بعضها ، فامتزجت تلك الحركات ، بتلك السكنات ، فشاهد تلك الحركات المخلوطة ، بتلك السكنات : حركة بطيئة. إذا ثبت هذا ، فنقول : إذا كانت هذه الحركة فعلا اختياريا ، وجب القطع بأن الإنسان باختياره يتحرك في بعض الأحياز ، وباختياره يسكن في بعضها. لكن تخصيص بعض لأحياز بالحركة ، والبعض بالسكون ، تخصيصا بالقصد ، لا يمكن إلا بعد الشعور والعلم. لكنا نعلم بالضرورة : أن الإنسان إذا تحرك فإنه لم يخطر بباله أنه يتحرك في بعض الأحياز ، ويسكن في بعضها. وكيف يقال : إنه باختياره فعل في بعض الأحياز حركة ، وفي بعضها سكونا؟.
والمذهب الثاني : مذهب الفلاسفة : وهو أن الحركة البطيئة : حركة من أول المسافة إلى آخرها ، ولم يختلط بها شيء من السكونات. والبطء : كيفية قائمة بالحركة.
وعلى هذا المذهب ، فالإشكال لازم من وجه آخر. وذلك أن مراتب البطء والسرعة في الحركات كثيرة متفاوتة. فإنه لا بطء ، إلا ويوجد ما هو أبطأ منه ، أو ما هو أسرع منه. فوقوع هذه المرتبة المعينة من البطء والسرعة ، دون سائر المراتب ، لا بد وأن يكون بالقصد. لأن القصد إلى إيقاع هذه المرتبة دون سائر المراتب : مشروط بالعلم بامتياز هذه المرتبة عن سائر
صفحہ 85