عندهم معلل بخصوص كونه ظلما ، وقبح الجهل معلل بخصوص كونه جهلا. فهذا حكم مشترك فيه. وهو غير معلل بعلة مشترك فيها.
وثالثها : قوله : «لا شركة إلا كونها قدرا» وهذا أيضا ممنوع. فلم لا يجوز أن يقال القدر على قسمين : قسم لا يصلح لخلق الجسم ، وقسم يصلح لذلك. والقسم الذي لا يصلح لخلق الجسم : مشترك في وصف واحد ، ولأجل ذلك الوصف يتعذر فعل الجسم بها. وذلك الوصف غير حاصل في القسم الثاني؟ وأقصى ما في الباب : أنا لا نعرف ذلك. لكن عدم العلم بالشيء ، لا يدل على العلم بعدم الشيء.
ورابعها : إن كون القدرة قدرة ، لما كانت على هذا الحكم ، وجب أن تكون كل قدرة مانعة من هذا الحكم. وهذا بناء على أن حكم الشيء حكم مثله. وقد بينا ما في هذه المقدمة.
وأما قوله ثانيا : «تلك القدرة إذا كانت مخالفة لهذه القدر ، لم تكن مخالفتها لهذه القدر التي عندنا أشد من مخالفة بعض هذه القدر لبعض. وإذا كانت هذه القدر ، مع مخالفة بعضها لبعض ، لا تصلح لخلق الجسم ، فكذلك تلك القدرة وجب أن لا تصلح لخلق الجسم».
فنقول : هذا أيضا في غاية السقوط. وبيانه من وجوه :
الأول : لا نسلم أن مخالفة تلك القدرة المفروضة ، لهذه القدر ، ليست أشد من مخالفة بعضها لبعض . فإن من الجائز أن يقال : إن هذه القدر وأن كان بعضها يخالف بعضها إلا أنها متشاركة في أنها لا تصلح لخلق الجسم ، أما تلك القدرة المفروضة فهي مخالفة لجملة هذه القدر. من حيث إن تلك القدرة صالحة لخلق الجسم ، وجملة هذه القدر ، لا تصلح لخلق الجسم. وكانت مخالفة هذه القدرة لجملة هذه القدر ، أشد من مخالفة بعض هذه القدر لبعض. فإن ادعيتم أن الأمر ليس كذلك ، فهو عين محل النزاع.
الثاني : سلمنا أن مخالفة تلك القدرة لهذه القدر ، ليست أشد من مخالفة بعض هذه القدر لبعض. إلا أن هذه القدر ، لها ماهيات مخصوصة ، ولها أيضا : أن بعضها مخالف لبعض. فعلى هذا : الامتناع ليس هو كون بعضها مخالفا للبعض ، حتى يطرد هذا الحكم في جميع القدر ، التي يخالف بعضها بعضا. بل علة هذا الامتناع : تلك الماهية المخصوصة. ولما كانت تلك الماهية المخصوصة ، غير حاصلة في سائر القدر : سقط ما ذكرتم.
الثالث : إن هذا الكلام يلزم عليه أن يصح على ذات الله تعالى ، كل ما يصح على كل الحوادث. فإنه يقال : ذات الله تعالى إما أن تكون مساوية لهذه الذوات ، أو تكون مخالفة لها. فإن كان الأول ، وجب أن يصح عليه تعالى كل ما يصح على هذه الحوادث. وإن كان الثاني لم تكن مخالفة ذاته لهذه الذوات ، إلا كمخالفة بعض هذه الحوادث. وإن كان الثاني لم تكن مخالفة ذاته لهذه الذوات ، إلا كمخالفة بعض هذه الذوات لبعض. فكما أن هذه الذوات مع مخالفة
صفحہ 75