* البرهان الثامن
لو حدث بقدرة العبد شيء ، لامتنع أن يقال : إنه إنما صدر عنه هذا الفعل ، لأنه صدر عنه فعل آخر. وإلا لزم التسلسل وهو محال. بل لا بد وأن تنتهي أفعال العبد إلى فعل أول صدر عنه ذلك الفعل ، لا بواسطة فعل آخر منه ، فنقول : صدور ذلك الفعل عنه ، لا بد وأن يكون لأجل اتصاف ذاته بصفات حصلت بتخليق الله تعالى فنقول : ذاته مع مجموع تلك الأمور المعتبرة في كونه موجدا لذلك. إما أن يكون كافيا في صدور ذلك الأثر عنه ، أو لا يكون. فإن كان كافيا ، كان الفعل مع ذلك المجموع واجبا. إذ لو لم يجب ، لجاز أن يتخلف. ولو جاز أن يتخلف ، لكان صدور الأثر عن ذلك المجموع ممكنا ، لا واجبا. فكان يفتقر إلى زائد آخر. ولو كان كذلك ، لما كان الحاصل قبل ذلك كافيا في صدور الأثر عنه. وكنا قد فرضناه كذلك. هذا خلف. فثبت: أن حصول الأثر عند ذلك المجموع ، يكون واجبا. وهو الجبر.
وأيضا : إذا كان حصول الأثر عند حصول ذلك المجموع غير واجب. بل يجوز أن يحصل الفعل تارة ، وأن لا يحصل أخرى ، ولم يكن تميز حصول الفعل عن لا حصوله ، بأمر آخر يضمه العبد إلى المجموع ، الذي كان حاصلا. فحينئذ يكون حصول الفعل محض الاتفاق. وهذا أيضا محض الجبر.
وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : ذات العبد مع مجموع العبد مع مجموع تلك الأمور : غير كاف في كونها مصدرا لذلك الفعل. فحينئذ لا بد من ضم شيء آخر إليه ، وذلك الأمر الآخر ، إن كان فعلا له ، فهو محال. وإلا لزم أن يحصل فعل ، قبل حصول أول الأفعال. وذلك محال. وإن لم يكن فعلا له ، بل كان فعلا لله تعالى ، فعند حصوله قد تم كل ما لا بد منه في كونه مصدرا لأفعاله. فإما أن يكون صدور أفعاله عنه واجبا ، أو لا يكون وحينئذ يعود التقسيم المذكور بعينه. فثبت : أن حصول الفعل عند حصول كل ما لا بد منه في المؤثرية : واجب. وثبت : أن عند فقدان كل تلك الأمور ، وعند فقدان بعضها ، يكون صدور الفعل عن العبد ممتنعا. وعلى هذا التقدير ، فإنه يكون القول بالجبر لازما.
وبالله التوفيق
* البرهان التاسع
نقول للمعتزلة : إذا جوزتم كون العبد موجدا. فما الأمان من أن يكون محدث المعجزات واحدا من الشياطين والأبالسة. وعلى هذا التقدير فإنه يخرج المعجز من أن يدل على الصدق؟.
قالوا : الدليل دل على أن غير الله لا يقدر على خلق الجسم والحياة. وتقرير ذلك الدليل ، أن نقول : لو قدر أحد من الخلق على ذلك ، لكان ذلك القادر. إما أن يكون قادرا لذاته ، وإما أن يكون قادرا بالقدرة. والقسمان باطلان ، فبطل القول بكون أحد من الخلق قادرا على خلق
صفحہ 71