المقتضى لذلك الترجح ، هو قدرة العبد. وفرضنا أن قدرة العبد حاصلة في ذلك الوقت. فعلى هذا التقدير ، كان المقتضى لترجحه حاصلا في ذلك الوقت.
والجواب : إن هذا سوء فهم ، لما ذكرناه. وذلك لأنه تعالى يعلم في الأزل أن وجود الفلاني سيترجح على عدمه في الوقت الفلاني في لا يزال. ووقوع الترجيح ، وإن كان لا يحصل إلا في ذلك الوقت ، إلا أن المفهوم من قولنا : سيترجح : كان حاصلا في الأزل. فهذا المفهوم لما كان حاصلا في الأزل وجب أن يحصل له ما يقتضي حصوله. لكن المقتضي لحصوله ، ليس هو ذاته ، وإلا لكان واجب الحصول لذاته. ولا قدرة العبد ، ولا إرادته ، لأن كل ذلك معدوم. فوجب أن يكون المقتضي له : هو قدرة الله وإرادته. وذلك يقتضي أن يكون وقوع أفعال العباد بقدرة الله وإرادته. فإن لم تكن قدرة الله وإرادته ، يقتضيان ما هو المفهوم من قولنا : إن الفعل الفلاني سيترجح في الوقت الفلاني ، وليس له نقيض آخر. وجب أن لا يحصل هذا المفهوم. وإذا لم يحصل هذا المفهوم ، كان اعتقاد حصوله جهلا. فثبت : أن على هذا التقدير أنه تعالى لو لم يكن موجدا لأفعال العباد ولا لما يكون موجبا لأفعال العباد ، لامتنع كونه تعالى عالما بوقوعها في الأزل. ولما كان هذا باطلا ، ثبت أن الحق ما ذكرناه. واعلم : أن هذه النكتة إنما استنبطناها من مسألة حكمية. وهي: أن الجزم بوقوع الممكن ، لا يمكن إلا بواسطة العلم بعلته وموجبه.
وبالله التوفيق
* البرهان السادس
اعلم : أن هذا البرهان لا يمكن تقريره ، إلا بعد تقديم مقدمة في حقيقة المتناقضين.
** فنقول :
إنهما القضيتان اللتان يجب لذاتهما أن تكون إحداهما صادقة ، والأخرى كاذبة. بعينه ، أو بغير عينه (1). وتقريره : إنا إذا عينا الموضوع أمرا واحدا في نفسه ، وعينا المحمول أمرا واحدا في نفسه ، وعينا الوقت وقتا واحدا في نفسه. فإذا قلنا : ذلك المحمول ، ثبت لذلك الموضوع ، في ذلك الوقت. ثم قلنا : ذلك المحمول ، ما ثبت لذلك الموضوع ، في ذلك الوقت. والعقل قاطع بأنه لا بد في هذا الإيجاب ، وهذا السلب ، أن يكون أحدهما صادقا ، والآخر كاذبا. ثم قالوا : الصادق والكاذب معنيان في الواجب وفي الممتنع وفي الممكن الماضي والحاضر. أما في الواجب فكل ما هو في جانب الثبوت ، فهو الصادق. وكل ما هو في جانب السلب ، فهو الكاذب. وأما في الممتنع ، فبالضد. وأما في الممكن الماضي والحاضر ، فالذي لم يقع هو الكذب في نفسه.
صفحہ 67