الإيمان عنهم ، والذين أخبر عنهم أنهم يؤمنون : يستحيل عدم الإيمان عنهم.
الخامس : إنه تعالى عاب الكفار على أنهم حاولوا فعل شيء على خلاف ما أخبر الله عنه. فقال: ( يريدون أن يبدلوا كلام الله. قل : لن تتبعونا. كذلكم قال الله من قبل ) (1).
فثبت : أن القصد إلى تكوين ما أخبر الله عن عدم وقوعه : قصد إلى تبديل كلام الله. وذلك منهي عنه فلما أخبر الله عنهم : أنهم لا يؤمنون ، كان القصد إلى تكوينه قصدا إلى تبديل كلامه. وذلك منهي عنه وكان ذلك حاصلا ، سواء حاول تكوين الإيمان أو لم يحاول. فثبت : أن الذي علم الله أنه لا يقع ، وأخبر أنه لا يقع ، كان وقوعه ممتنع الحصول.
فإن قيل : علم الله لا يقلب الجائز ممتنعا. ويدل عليه وجوه عقلية ووجوه سمعية.
** أما الوجوه العقلية فعشرة :
الأول : لو كان كذلك ، لوجب أن لا يكون الله قادرا على شيء أصلا. لأنه تعالى إن علم في الشيء أنه سيقع ، كان واجب الوقوع. وما كان واجب الوقوع لم يكن له في وقوعه حاجة إلى المؤثر ، فكان ينبغي أن يستغني وقوعه عن قدرة الله تعالى. فإن علم أنه لا يقع كان ممتنع الوقوع ، والممتنع لا قدرة عليه. فثبت : أن العلم لو اقتضى انقلاب الجائز واجبا أو ممتنعا ، لزم نفي قدرة الله تعالى. وذلك محال.
الثاني : إن العلم يتعلق بالمعلوم على ما هو عليه. فإن كان ممكنا ، علمه ممكنا وإن كان واجبا . ولا شك أن الإيمان والكفر ، بالنظر إلى ذاته من باب الممكنات. ولو صار واجب الوجود ، لصار العلم مؤثرا في المعلوم. وقد بينا أنه محال.
الثالث : لو كان العلم والخبر مانعا ، لما كان العبد قادرا على شيء أصلا. لأن الذي علم الله وقوعه كان واجب الوقوع. والواجب لا قدرة عليه ، والذي علم عدمه كان ممتنع الوقوع ، والممتنع لا قدرة عليه. فوجب أن لا يكون العبد قادرا على شيء أصلا ، فكانت حركاته وسكناته ، جارية مجرى حركات الجمادات ، ومجرى الحركات الاضطرارية للحيوانات. لكنا بالبديهة نعلم فساد ذلك. فإن من رمى إنسانا بالآجرة حتى شجه. فإنه يذم الرامي ، ولا تذم الآجرة ، ويدرك بالبديهة تفرقة بين ما إذا سقطت الآجرة عليه ، وبين ما إذا لكمه إنسان بالاختيار. ولذلك فإن العقلاء ببدائه عقولهم ، يدركون الفرق بين مدح المحسن وذم المسيء ، ويلتمسون ويأمرون ويعاتبون ، ويقولون : لم فعلت؟ ولم تركت؟ فدل ذلك على أن العلم والخبر غير مانعين من الفعل.
الرابع : لو كان العلم بالعدم ، مانعا من الوجود. لكان أمر الله الكافر بالإيمان : أمرا له
صفحہ 59