قضاء حقوق المؤمنين
صفحہ 15
كتاب في ما يتعلق بقضاء حقوق المؤمنين بعضهم لبعض جمع الشيخ الامام العلامة سديد الدين أبي علي بن طاهر الصوري رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين وسلم كثيرا.
إعلم أيها الطالب - أعانك الله على بلوغ درجة المؤمنين، والخروج من حزب المقلدين - أن الايمان شرط في استحقاق الثواب مع مشقة فعل ما امر به وترك ما نهى عنه، وكذلك الامن من الخلود في العقاب الدائم، يحصلان بوجودها، ويرتفعان بعدمها، وكذلك استحقاق ما يستحقه المؤمن على أخيه المؤمن في دار التكليف، من إيصال المنافع إليه والمسار، ودفع الهموم عنه والمضار، ومن لم يكن مؤمنا، لا يستحق ثوابا، ولا يأمن عقابا، ولا حق له على المؤمن، فيجب أن يكون كل واحد منهما - أعني المنعم والمنعم عليه - مؤمنا، ليختص به ما أذكره من الاخبار المروية عن الصادقين، محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين، عليهم أفضل الصلاة والسلام، ولا يستحقون شيئا من ذلك، إلا بشرط أن يكونوا مؤمنين، فإن الإشارة بها إليهم، وهي مقصورة عليهم، لا يشاركهم فيها غيرهم.
فإذا رغبت أيها الطالب أن تعرف المؤمن من هو بحقيقة الايمان، فإنك تقف منه على العلم بما أشرت إليه، ودللتك عليه، فيفصل بين ذلك بين من هو مؤمن، ومن ليس كذلك، فتميز المستحق ممن ليس بمستحق، فتعلم من قد رغب به عن النبي صلى الله عليه وآله، والأئمة الأطهار عليهم السلام إليه (1)، وحثوا المؤمنين عليه.
صفحہ 17
فما جاء من الاخبار في الحث على القيام بحقوق المؤمنين لبعضهم بعضا:
1 - قول النبي صلى الله عليه وآله: إن الله في عون المؤمن، ما دام المؤمن في عون أخيه المؤمن (1).
ومن نفس عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه سبعين كربة من كرب الآخرة (2).
2 - وقال صلى الله عليه وآله: أحب الاعمال إلى الله عز وجل، سرور يدخله مؤمن على مؤمن، يطرد عنه جوعه، أو يكشف عنه كربه (3).
3 - وقال صلى الله عليه وآله: سباب المؤمن فسوق، (وقتال المؤمن كفر) (4) [و] أكل لحمه معصية الله، [و] حرمة ماله كحرمة الله (5).
4 - عدة المؤمن أخذ باليد (6).
يحث صلى الله عليه وآله على الوفاء بالمواعيد، والصدق فيها، يريد أن المؤمن إذا وعد كان الثقة بموعده كالثقة بالشئ إذا صار باليد.
5 - وقال صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم (7).
6 - نية المؤمن خير من عمله (8).
صفحہ 18
7 - لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث (1).
8 - من عارض أخاه المؤمن في حديثه فكأنما خدش وجهه (2).
9 - وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلامه - فيما أوصى به رفاعة بن شداد البجلي قاضي الأهواز في رسالة إليه -: دار المؤمن ما استطعت، فإن ظهره حمى الله، ونفسه كريمة على الله، وله يكون ثواب الله، وظالمه خصم الله فلا تكن (3) خصمه (4).
10 - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تحقروا ضعفاء إخوانكم، فإنه من احتقر مؤمنا لم يجمع الله بينهما في الجنة إلا أن يتوب (5).
11 - وقال صلى الله عليه وآله: لا يكلف المؤمن أخاه الطلب إليه إذا علم حاجته (6).
12 - وقال صلى الله عليه وآله مخاطبا للمؤمنين: تزاوروا (7) وتعاطفوا وتباذلوا، ولا تكونوا بمنزلة المنافق الذي يصف ما لا يفعل (8).
13 - وقال صلى الله عليه وآله: اطلب لأخيك عذرا، فإن لم تجد له عذرا فالتمس له عذرا (9).
14 - وقال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: ما من جبار إلا وعلى بابه
صفحہ 19
ولي لنا، يدفع الله [به] عن أوليائنا، أولئك لهم أوفر حظ من الثواب يوم القيامة (1).
15 - وقال عليه السلام: المؤمن المحتاج رسول الله تعالى إلى الغني القوي، فإذا خرج الرسول بغير حاجته، غفرت للرسول ذنوبه، وسلط الله على الغني القوي، شياطين تنهشه [قال: قلت: كيف تنهشه؟] (2) قال: يخلى بينه وبين أصحاب الدنيا، فلا يرضون بما عنده حتى يتكلف لهم: يدخل عليه (3) الشاعر فيسمعه فيعطيه ما شاء، فلا يؤجر عليه، فهذه الشياطين الذي تنهشه (4).
16 - وعنه عليه السلام أنه قال: ما على أحدكم أن ينال الخير كله باليسير، قال الراوي: قلت: بماذا جعلت فداك؟ قال: يسرنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا (5).
17 - وعنه عليه السلام أنه قال لرفاعة بن موسى (6) وقد دخل عليه: يا رفاعة ألا أخبرك بأكثر الناس وزرا؟ قلت: بلى جعلت فداك، قال: من أعان على مؤمن بفضل كلمة ثم قال: ألا أخبركم بأقلهم أجرا؟ قلت: بلى جعلت فداك، قال: من ادخر عن أخيه شيئا مما يحتاج إليه في أمر آخرته ودنياه، ثم قال: ألا أخبركم بأوفرهم نصيبا من الاثم؟ قلت: بلى جعلت فداك، قال: من عاب عليه شيئا من قوله وفعله، أو رد عليه احتقارا له وتكبرا عليه.
ثم قال: أزيدك حرفا آخر يا رفاعة، ما آمن بالله، ولا بمحمد، ولا بعلي من إذا أتاه أخوه المؤمن في حاجة لم يضحك في وجهه، فإن كانت حاجته عنده سارع إلى
صفحہ 20
قضائها، وإن لم يكن عنده تكلف من عند غيره (1) حتى يقضيها له، فإذا كان بخلاف ما وصفته (2) فلا ولاية بيننا وبينه (3).
18 - وعنه عليه السلام في حديث طويل، قال في آخره: إذا علم الرجل أن أخاه المؤمن محتاج فلم يعطه شيئا حتى يسأله ثم أعطاه لم يؤجر عليه (4).
19 - وعنه عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه: خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم، فمن صالح الاعمال بر الاخوان، والسعي (5) في حوائجهم، ففي ذلك مرغمة للشيطان، وتزحزح عن النيران، ودخول الجنان، أخبر بهذا غرر أصحابك، قال: قلت: من غرر أصحابي جعلت فداك؟ قال: هم البررة بالاخوان (6) في العسر واليسر (7).
20 - وعنه عليه السلام أنه قال: من مشى في حاجة أخيه المؤمن، كتب الله عز وجل له عشر حسنات، ورفع له عشر درجات، وحط عنه عشر سيئات، وأعطاه عشر شفاعات (8).
21 - وقال عليه السلام: إحرصوا على قضاء حوائج المؤمنين، وإدخال السرور عليهم، ودفع المكروه عنهم، فإنه ليس من الاعمال عند الله عز وجل بعد الايمان أفضل من إدخال السرور على المؤمنين (9).
22 - وعن الباقر محمد بن علي عليهما السلام، أن بعض أصحابه (سأله
صفحہ 21
فقال) (1): جعلت فداك إن الشيعة عندنا كثيرون، فقال: هل يعطف الغني على الفقير؟
ويتجاوز المحسن عن المسئ؟ ويتواسون؟ قلت: لا، قال عليه السلام: ليس هؤلاء الشيعة، الشيعة من يفعل هذا (2).
23 - وقال الكاظم موسى بن جعفر عليهما السلام: من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنما هي رحمة من الله ساقها إليه، فان فعل ذلك فقد وصله بولايتنا، وهي موصلة بولاية الله عز وجل، وان رده عن حاجته وهو يقدر عليها، فقد ظلم نفسه وأساء إليها (3).
24 - قال رجل من أهل الري: ولي علينا بعض كتاب يحيى بن خالد (4)، وكان علي بقايا يطالبني بها، وخفت من إلزامي إياها خروجا عن نعمتي وقيل لي: انه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي إليه وأمت به إليه، فلا يكون كذلك، فأقع فيما لا أحب، فاجتمع رأيي على أني هربت إلى الله تعالى وحججت ولقيت مولاي الصابر (5) - يعني موسى بن جعفر عليهما السلام - فشكوت حالي إليه فأصحبني مكتوبا نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم إعلم أن لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلا من أسدى إلى أخيه معروفا، أو نفس عنه كربة، أو أدخل على قبله سرورا، وهذا أخوك والسلام.
قال: فعدت من الحج إلى بلدي، ومضيت إلى الرجل ليلا واستأذنت عليه،
صفحہ 22
وقلت: رسول الصابر عليه السلام، فخرج إلي حافيا ماشيا، ففتح لي بابه، وقبلني، وضمني إليه، وجعل يقبل عيني، ويكرر ذلك، كلما سألني عن رؤيته عليه السلام، وكلما أخبرته بسلامته وصلاح أحواله استبشر وشكر الله تعالى.
ثم أدخلني داره، وصدرني في مجلسه، وجلس بين يدي، فأخرجت إليه كتابه عليه السلام، فقبله قائما، وقرأه، ثم استدعى بماله وثيابه فقاسمني دينارا دينارا، ودرهما درهما، وثوبا ثوبا، وأعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته، وفي كل شئ من ذلك يقول: يا أخي هل سررتك؟ فأقول: إي والله، وزدت على السرور، ثم استدعى العمل فأسقط ما كان باسمي، وأعطاني براءة مما يوجبه (1) علي منه وودعته وانصرفت عنه.
فقلت: لا أقدر على مكافاة هذا الرجل إلا بأن أحج في قابل وأدعو له، وألقى الصابر عليه السلام واعرفه فعله، ففعلت، ولقيت مولاي الصابر - عليه السلام - وجعلت أحدثه، ووجهه يتهلل فرحا، فقلت: يا مولاي هل سرك ذلك؟ فقال: اي والله لقد سرني، وسر أمير المؤمنين، والله لقد سر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، ولقد سر الله تعالى (2).
25 - واستأذن علي بن يقطين مولانا الكاظم موسى بن جعفر عليهما السلام في ترك عمل السلطان، فلم يأذن له، وقال: لا تفعل، فإن لنا بك أنسا، ولإخوانك بك عزا، وعسى أن يجبر الله بك كسرا، أو يكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه.
يا علي كفارة أعمالكم الاحسان إلى إخوانكم، إضمن لي واحدة وأضمن لك ثلاثا، إضمن لي أن [لا] تلقى أحدا من أوليائنا إلا قضيت حاجته، وأكرمته، وأضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبدا، ولا ينالك حد سيف أبدا، ولا يدخل الفقر بيتك أبدا، يا علي من سر مؤمنا فبالله بدأ، وبالنبي صلى الله عليه وآله ثنى، وبنا ثلث (3).
26 - وقال عليه السلام: إن لله تعالى حسنة ادخرها لثلاثة: لإمام عادل،
صفحہ 23
ومؤمن حكم أخاه في ماله، ومن سعى لأخيه المؤمن في حاجته (1).
27 - وقال جعفر بن محمد الفاطمي (2) حججت ومعي جماعة من أصحابنا، فأتيت المدينة، فأفردوا لنا مكانا ننزل فيه، فاستقبلنا أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام على حمار أخضر، يتبعه طعام، ونزلنا بين النخل، وجاء فنزل واتي بالطست والأشنان، فبدا بغسل يديه، وأدير الطست عن يمينه حتى بلغ آخرنا، ثم أعيد إلى من على يساره حتى أتى على آخرنا.
ثم قدم الطعام فبدأ بالملح، ثم قال: كلوا بسم الله، ثم ثنى بالخل، ثم أتي بكتف مشوي، فقال: كلوا بسم الله، فهذا طعام كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم اتي بسكباج (3) فقال: كلوا بسم الله، فهذا طعام كان يعجب أمير المؤمنين صلوات الله عليه [ثم اتي بلحم مقلو فيه باذنجان، فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فإن هذا طعام كان يعجب الحسن عليه السلام]، ثم اتي بلبن حامض قد ثرد فيه، فقال:
كلوا بسم الله فهذا طعام كان يعجب الحسين عليه السلام فأكلنا، ثم اتي بأضلاع باردة، فقال: كلوا بسم الله، فإن هذا طعام كان يعجب [علي بن] الحسين عليه السلام.
ثم اتي (بجبن مبزر) (4) ثم قال: كلوا بسم الله فإن هذا طعام كان يعجب محمد بن علي عليهما السلام، ثم اتي بتور (5) فيه بيض كالعجة (6) فقال: كلوا
صفحہ 24
بسم الله، فإن هذا طعام كان يعجب أبا عبد الله عليه السلام، ثم اتي بحلوى، ثم قال: كلوا فإن هذا طعام يعجبني.
ورفعت المائدة، فذهب أحدنا ليلقط ما كان تحتها، فقال عليه السلام: مه إن ذلك يكون في المنازل تحت السقوف، فأما في مثل هذا المكان فهو لعامة الطير والبهائم، ثم اتي بالخلال فقال: من حق الخلال أن تدير لسانك في فيك، فما أجابك ابتلعته، وما امتنع فبالخلال، (1) [واتي] بالطست والماء فابتدأ بأول من على يساره حتى انتهى إليه، فغسل ثم غسل من على يمينه إلى آخرهم.
ثم قال: يا عاصم كيف أنتم في التواصل والتساوي (2)؟ قلت: على أفضل ما كان عليه أحد، قال: أيأتي أحدكم (إلى دكان) (3) أخيه، أو منزله عند الضائقة فسيخرج كيسه ويأخذ ما يحتاج إليه فلا ينكر عليه؟ قال: لا، قال: فلستم على ما أحب في التواصل (4).
28 - وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلامه لكميل ابن زياد النخعي رحمه الله: يا كميل مر أهلك أن يسعوا في المكارم، ويدلجوا (5) في حاجة من هو نائم، فوالذي نفسي بيده ما أدخل أحد على قلب مؤمن سرورا إلا خلق الله من ذلك السرور لطفا، فإذا نزلت به نائبة كان إليها أسرع من السيل في انحداره، حتى يطردها عنه، كما يطرد غريبة الإبل (6).
29 - وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجة متقبلة بمناسكها، وعتق ألف نسمة لوجه الله تعالى، وحملان ألف فرس في سبيل الله تعالى بسرجها ولجمها (7).
صفحہ 25
30 - وقال عليه السلام: مياسير شيعتنا أمناؤنا على محاويجهم فاحفظونا فيهم يحفظكم الله (1).
31 - وعن إسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: من طاف بهذا البيت طوافا واحدا كتب الله له ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة ، وكتب له عتق ألف نسمة، وقضى له ألف حاجة، وغرس له ألف شجرة في الجنة.
وقال: قلت: هذا كله لمن طاف بالبيت طوافا واحدا؟ قال: نعم، أولا أخبرك بأفضل منه؟ قلت: بلى جعلت فداك، قال عليه السلام: قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف حتى عد عشرة (2).
32 - وعن ابن مهران قال: كنت جالسا عند مولاي الحسين بن علي عليهما السلام، فأتاه رجل فقال: يا ابن رسول الله إن فلانا له علي مال، ويريد أن يحبسني، فقال عليه السلام: والله ما عندي مال أقضي عنك، قال: فكلمه، قال عليه السلام: فليس لي (3) [به] انس، ولكني سمعت أبي أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من سعى في حاجة أخيه المؤمن فكأنما عبد الله تسعة آلاف سنة صائما نهاره، وقائما ليله (4).
33 - وعن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: يا مفضل كيف حال الشيعة عندكم؟ قلت: جعلت فداك ما أحسن حالهم وأوصل بعضهم بعضا، وأبر بعضهم ببعض، قال: أيجئ الرجل منكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه ويأخذ منه حاجته لا يجبهه ولا يجد في نفسه ألما؟ قال: قلت: لا والله ما هم كذا، قال: والله لو كانوا كذا ثم اجتمعت شيعة جعفر بن محمد على فخذ شاة لأصدرهم (5).
34 - قال جعفر بن محمد بن أبي فاطمة: قال لي أبو عبد الله الصادق
صفحہ 26
عليه السلام: يا ابن أبي فاطمة إن العبد يكون بارا بقرابته، ولم يبق من أجله إلا ثلاث سنين فيصيره الله ثلاثا وثلاثين سنة، وإن العبد ليكون عاقا بقرابته وقد بقي من أجله ثلاث وثلاثون سنة فيصيره الله ثلاث سنين، ثم تلا هذه الآية يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب (1) قال: قلت: جعلت فداك فإن لم يكن له قرابة؟ قال: فنظر إلي مغضبا، ورد علي شبيها بالزبر (2): يا ابن أبي فاطمة لا يكون القرابة إلا في رحم ماسة المؤمنون بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، فللمؤمن على المؤمن أن يبره فريضة من الله، يا ابن أبي فاطمة تباروا وتواصلوا فينسئ الله في آجالكم، ويزيد في أموالك، وتعطون العاقبة (3) في جميع أموركم، وإن (صلاتهم وصومهم وتقربهم) (4) إلى الله أفضل من صلاة غيرهم (5)، ثم تلا هذه الآية وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون (6).
35 - وقال أبو عبد الله عليه السلام لبعض أصحابه بعد كلام تقدم: إن المؤمنين من أهل ولايتنا وشيعتنا إذا اتقوا (7) لم يزل الله تعالى مطلا عليهم بوجهه حتى يتفرقوا، ولا يزال الذنوب تتساقط عنهم كما يتساقط الورق، ولا يزال يد الله على يد أشدهم حبا لصاحبه (8).
36 - حدثنا إسماعيل بن مهران، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن إسحاق بن عمار، قال:
قال لي إسحاق: لما كثر مالي أجلست على بابي بوابا يرد عني فقراء الشيعة، فخرجت إلى مكة في تلك السنة فسلمت على أبي عبد الله عليه السلام
صفحہ 27
فرد علي (1) بوجه قاطب (2) مزور (3) فقلت له: جعلت فداك ما الذي غير حالي عندك؟ قال:
تغيرك على المؤمنين، فقلت: جعلت فداك والله إني لأعلم أنهم على دين الله ولكن خشيت الشهرة على نفسي.
فقال: يا إسحاق أما علمت أن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله بين إبهاميهما مائة رحمة، تسعة وتسعين لأشدهما حبا، فإذا اعتنقا غمرتهما الرحمة، فإذا التثما لا يريدان بذلك إلا وجه الله تعالى، قيل لهما: غفر لكما، فإذا جلسا يتساءلان قالت الحفظة بعضها لبعض: اعتزلوا بنا عنهما، فإن لهما سرا وقد ستره الله عليهما، قلت:
جعلت فداك فلا تسمع الحفظة قولهما ولا تكتبه وقد قال تعالى: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (4).
فنكس رأسه طويلا ثم رفعه وقد فاضت دموعه على لحيته وقال: إن كانت الحفظة لا تسمعه، ولا تكتبه فقد سمعه عالم السر وأخفى، يا إسحاق خف الله كأنك تراه، فالله يراك، فإن شككت أنه يراك فقد كفرت، وإن أيقنت أنه يراك ثم بارزته بالمعصية فقد جعلته أهون الناظرين إليك (5).
37 - وعن إسحاق بن أبي إبراهيم بن يعقوب (6) قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده المعلى بن خنيس إذ دخل عليه رجل من أهل خراسان، فقال: يا ابن رسول الله (موالاتي إياكم) (7) أهل البيت، وبيني وبينكم شقة بعيدة، وقد قل ذات يدي، ولا أقدر أتوجه إلى أهلي إلا أن تعينني.
صفحہ 28
قال: فنظر أبو عبد الله عليه السلام يمينا وشمالا، وقال: ألا تسمعون ما يقول أخوكم؟ إنما المعروف ابتداء فأما ما أعطيت بعد ما سئلت، فإنما هو مكافاة لما بذل لك من وجهه.
ثم قال: فيبيت ليلته متأرقا متململا (1) بين اليأس والرجاء، لا يدري أين يتوجه بحاجته، فيعزم على القصد إليك، فأتاك وقلبه يجب (2) وفرائصه ترتعد، وقد نزل دمه في وجهه، وبعد هذا فلا يدري أينصرف من عندك بكآبة الرد، أم بسرور التنجح (3)، فإن أعطيته رأيت أنك قد وصلته، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة وبعثني بالحق نبيا لما يحشم (4) من مسألته إياك، أعظم مما ناله من معروفك.
قال: فجمعوا للخراساني خمسة آلاف درهم، ودفعوها إليه (5).
38 - وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال ما عبد الله بشئ أفضل من أداء حق المؤمن (6).
39 - وقال عليه السلام: وإن الله انتجب (7) قوما من خلقه لقضاء حوائج شيعته (8) لكي يثيبهم على ذلك الجنة (9).
40 - وعنه عليه السلام، قال: ما من مؤمن يمضي لأخيه المؤمن في حاجة فينصحه فيها إلا كتب الله [له] بكل خطوة حسنة، ومحا عنه سيئة، قضيت الحاجة أم لم تقض، فإن لم ينصحه فيها خان الله ورسوله، وكان النبي صلى الله عليه وآله
صفحہ 29
خصمه يوم القيامة (1).
41 - وقال عليه السلام: إن لله تبارك وتعالى حرمات: حرمة كتاب الله، وحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله، وحرمة بيت المقدس، وحرمة المؤمن (2).
42 - وقال إسماعيل بن عباد الصيرفي (3): قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك المؤمن رحمة المؤمن، قال: نعم، قلت: فكيف ذاك؟ قال: أيما مؤمن أتاه أخ له في حاجة فإنما ذلك رحمة من الله ساقها إليه وسببها له، وذخرت تلك الرحمة إلى يوم القيامة، فيكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها ، إن شاء صرفها إليه، وإن شاء صرفها إلى غيره.
ثم قال: يا إسماعيل من أتاه أخوه المؤمن في حاجة، وهو يقدر على قضائها فلم يقضها، سلط الله عليه شجاعا (4) ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة، كان مغفورا له أو معذبا (5).
43 - وعنه، عن صدقة الحلواني، قال: بينا أنا أطوف وقد سألني رجل من أصحابنا قرض دينارين، فقلت له: اقعد حتى أتم طوافي، وقد طفت خمسة أشواط، فلما كنت في السادس اعتمد علي أبو عبد الله عليه السلام ووضع يده على منكبي فأتممت السابع ودخلت معه في طوافه كراهية أن أخرج عنه، وهو معتمد علي، فأقبلت كلما مررت بالآخر (6) وهو لا يعرف أبا عبد الله يرى أني قد توهمت حاجته فأقبل ويومئ ويبدر إلي بيده.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: مالي أرى هذا يومئ بيده؟ فقلت: جعلت فداك ينتظر حتى أطوف وأخرج إليه، فلما اعتمدت علي كرهت أن أخرج
صفحہ 30
وأدعك، قال: فاخرج عني (1) ودعني واذهب فاعطه.
قال: فلما كان من الغد أو بعده دخلت عليه وهو في حديث مع أصحابه، فلما نظر إلي قطع الحديث ثم قال: لان أسعى مع أخ لي في حاجة حتى تقضى أحب إلي من أن أعتق ألف نسمة م وأحمل على ألف فرس في سبيل الله مسرجة ملجمة (2).
44 - وقال عبد المؤمن الأنصاري: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام، وعنده محمد بن عبد الله بن محمد الجعفي فتبسمت إليه، فقال: أتحبه؟ قلت: نعم، وما أحببته إلا فيكم، فقال: هو أخوك، المؤمن أخو المؤمن لامه وأبيه، فملعون من غش أخاه، وملعون من لم ينصح أخاه، وملعون من حجب أخاه، وملعون من اغتاب أخاه (3).
45 - وسئل الرضا علي بن موسى عليه السلام: ما حق المؤمن على المؤمن؟ فقال: إن من حق المؤمن على المؤمن: المودة له في صدره، والمواساة له في ماله، والنصرة له على من ظلمه، وإن كان فئ للمسلمين وكان غائبا أخذ له بنصيبه، وإذا مات فالزيارة إلى قبره، ولا يظلمه، ولا يغشه، ولا يخونه، ولا يخذله، ولا يغتابه، ولا يكذبه، ولا يقول له أف، فإذا قال له: أف، فليس بينهما ولاية، وإذا قال له: أنت (علي عدو) (4) فقد كفر أحدهما صاحبه، وإذا اتهمه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء.
ومن أطعم مأمنا كان أفضل من عتق رقبة، ومن سقى مؤمنا من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن كسا مؤمنا من عري كساه الله من سندس وحرير الجنة، ومن أقرض مؤمنا قرضا يريد به وجه الله عز وجل حسب له ذلك حساب الصدقة حين يؤديه إليه، ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة، ومن قضى لمؤمن حاجة كان أفضل من صيامه واعتكافه
صفحہ 31
في المسجد الحرام، وانما المؤمن بمنزلة الساق من الجسد (فإذا سقطت تداعى لها سائر الجسد) (1).
وإن أبا جعفر الباقر عليه السلام استقبل القبلة (2) وقال: الحمد لله الذي كرمك وشرفك وعظمك وجعلك مثابة للناس وامنا، والله لحرمة المؤمن أعظم حرمة منك.
ولقد دخل عليه رجل من أهل الجبل فسلم عليه، فقال له عند الوداع: أوصني، فقال:
أوصيك بتقوى الله، وبر أخيك المؤمن، فأحببت له [ما] تحب لنفسك، وإن سألك فاعطه وإن كف عنك وأعرض (3) لا تمله فإنه لا يملك، وكن له عضدا، فإن وجد عليك فلا تفارقه حتى تزيل (4) سخيمته، فإن غاب فاحفظه في غيبته، وإن شهد فاكنفه، واعضده، وزره، وأكرمه، والطف به، فإنه منك وأنت منه، ونظرك لأخيك المؤمن، وإدخال السرور عليه، أفضل من الصيام وأعظم أجرا (5).
46 - وقال عليه السلام: للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة، ما من حق منها إلا وهو واجب، وإن خالفه خرج من ولاية الله تعالى وترك طاعته، ولم يكن له في الله نصيب، قيل فما هي؟
قال: أيسر حق منها: أن تحب له ما تحب لنفسك.
والحق الثاني: أن تمشي في حاجته، وتتبع رضاه، ولا تخالف قوله.
والحق الثالث: أن تصله بنفسك ومالك ويدك ورجلك وقلبك ولسانك.
والحق الرابع: أن تكون عينه ودليله ومرآته وقميصه .
والحق الخامس: أن [لا] (6) تشبع ويجوع، وتلبس ويعرى، وتروى ويظمأ.
صفحہ 32
والحق السادس: أن يكون لك امرأة وخادم وليس لأخيك امرأة ولا خادم فتبعث خادمك فيغسل ثيابه، وتصنع له طعاما، وتمهد فراشه، فإن ذلك صلة لله تعالى، لما جعل بينك وبينه.
والحق السابع: أن تبر قسمه، وتجيب دعوته، وتشهد جنازته، وتعود مرضه، وتشخص بذلك في قضاء حوائجه، فإذا حفظت ذلك منه فقد وصلت ولايتك بولايته، وولايته بولاية الله عز وجل (1).
ولقد حدثني أبي، عن جدي، أن رجلا أتى الحسين عليه السلام لتعينه على ما حاجتك (2) فقال له: قد فعلت بأبي أنت وأمي، فذكر أنه معتكف، فقال: أما أنه لو أعانك على حاجتك كان خيرا له من اعتكافه شهرا.
47 - وقيل لابي عبد الله عليه السلام: لم سمي المؤمن مؤمنا؟ قال: لأنه اشتق للمؤمن [اسما] من أسمائه تعالى، فسماه مؤمنا، وإنما سمي المؤمن لأنه يؤمن [من] عذاب الله تعالى، ويؤمن على الله يوم القيامة فيجيز له ذلك، وأنه (لو أكل أو) (3) شرب، أو قام أو قعد، أو نام، أو نكح، أو مر بموضع قذر حوله الله له من سبع أرضين طهرا لا يصل إليه من قذرها شئ.
وإن المؤمن ليكون يوم القيامة بالموقف مع رسول الله صلى الله عليه وآله فيمر بالمسخوط عليه المغضوب غير الناصب ولا المؤمن، وقد ارتكب الكبائر فيرى منزلة شريفة عظيمة عند الله عز وجل وقد عرف المؤمن في الدنيا وقضى له الحوائج، فيقوم (4)
صفحہ 33
المؤمن اتكالا على الله عز وجل فيعرفه بفضل الله فيقول: اللهم هب لي عبدك ابن فلان، قال: فيجيبه الله تعالى إلى ذلك كله.
قال: وقد حكى الله عز وجل عنهم يوم القيامة قولهم: فما لنا من شافعين (1) من النبيين ولا صديق حميم (2) من الجيران والمعارف، فإذا آيسوا من الشفاعة قالوا: - يعني من ليس بمؤمن - فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين (3) 48 - حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن [بن] الصباح، قال: حدثنا محمد بن المرادي، قال: سمعت علي بن يقطين يقول: استأذنت مولاي أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام في خدمة القوم فيما لا يثلم ديني، فقال: لا ولا نقطة قلم، إلا بإعزاز مؤمن، وفكه من أسره.
ثم قال عليه السلام: إن خواتيم أعمالكم قضاء حوائج إخوانك، والاحسان إليهم ما قدرتم، وإلا لم يقبل منكم عمل، حنوا على إخوانكم وارحموهم تلحقوا بنا (4).
49 - وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا (5).
50 - وقال النبي صلى الله عليه وآله: أقرب ما يكون العبد إلى الله عز وجل إذا أدخل على قلب أخيه المؤمن مسرة (6).
تمت الأحاديث، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف الذوات البشرية، محمد وآله الطيبين خير الذرية وسلم.
صفحہ 34