بسم الله الرحمن الرحيم رسالة " قاعدة ضمان اليد " من القواعد المقررة عند الأصحاب " قاعدة ضمان اليد " وقد تداول فيهم الاعتماد عليها، في أغلب الأبواب. والأصل في ذلك النبوي المشهور " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " أو " حتى تؤديه " (1) وإرسال الاستدلال به في كتب الأصحاب قديما وحديثا من غير نكير قطعا.
فلنعطف عنان القلم إلى دلالته، ولقد اطلعت على كلام لبعض المتأخرين، حيث حكم بإجماله من حيث احتياجه إلى التقدير، وتردده بين أمور لا يرجح بعضها على بعض، وأطال الكلام فيه بما لا يخلو كل سطر منه عن وجوه النظر لا يهمنا التعرض لها ونحن نشير إلى ما يساعد إليه النظر بتوفيق الله وإعانة رسول الله والأئمة الاثني عشر - عليهم صلوات الله ما طلعت الشمس والقمر -.
فنقول: بعد مساعدة الظاهر، على أن المأخوذ نفسه، على صاحب اليد، المعبر عنه باليد، لمناسبة أنه الآلة في البطش والقبض غالبا بالنسبة إلى سائر
صفحہ 19
الجوارح كإطلاق العين، على الريبة لمناسبة حصول الاطلاع منها:
إن معنى كون الشئ المأخوذ على صاحب اليد، أنه في عهدته، وهو إطلاق شائع في العرف قريب في تفاهمهم.
وتوضيح ذلك; أنه كما أن الذمة أمر معتبر عند العقلاء، قابلة لأن يعتبر ثبوت المال فيها فيحكم باشتغالها، وأن يعتبر عدمه فيها، فيحكم بفراغها، فكذلك العهدة أيضا اعتبار عقلائي; صح اعتبار ثبوت العين فيها وعدمه.
فكما أن مفاد قول القائل: " علي دين كذا "; الإخبار بثبوت المال في الذمة، فكذا قوله: " علي العين الفلاني "; إخبار بثبوت العين في العهدة، وكلاهما اعتباران عند العقل والعقلاء، موجودان في الخارج بوجود منشأ انتزاعهما كسائر الاعتبارات العقلائية الانتزاعية، كالملك والحق ونحوهما، سيحكمون عليهما بآثار كثيرة في مقاصدهم ومهماتهم.
بل صح الحكم باعتبارهما في وجه واحد، وإنما الفارق بينهما; أنهم يسندون إلى الذمة مطلق المالية الكلية، وإلى العهدة المقيدة منها بالتشخصات العينية، فكلمة " علي " في المقامين; للاستعلاء الحاصل في ثبوت متعلقة على وجه البت والجزم; بحيث يتقطع به الاختيار.
فصار معنى الرواية على ما يساعده النظر بحسب متفاهم العرف ; أن المال المأخوذ نفسه على عهدة الآخذ، أي محكوم بأنه على عهدته، كما هو المحكم في القضايا الشرعية ما لم يثبت أنها أخبار حتى يؤديه إلى مالكه، ولا يذهب عليك أنها مسوقة حينئذ لبيان الحكم الوضعي وأما وجوب الحفظ والأداء، عينا أو بدلا فهو من لوازم العهدة ولا حاجة إلى تقديرها، بل ولا حاجة إلى تقديره العهدة إذ هي عبارة
صفحہ 20
عن ثبوته عليه.
ثم إنه يحتمل أن تكون الرواية مخصوصة بإثبات عهدة العين إلى غاية الأداء من دون تعرض لحكم صورة التلف، وثمرة إثبات العهدة لزوم أدائها.
فإن قلت: إنه لا معنى حينئذ لجعل الأداء غاية لوجوب الأداء، لأنه من توضيح الواضح، لثبوت كل شئ إلى أن يرتفع، وثبوت كل حكم إلى أن يمتثل.
قلت: القضية غير مسوقة بمدلولها المطابقي لوجوب الأداء حتى تكون الغاية ثابتة له، بل إنما مدلولها المطابقي هو: الحكم بثبوت العين في العهدة، وسيقت الغاية غاية لهذا الثبوت، ولا يخفى أن ارتفاع ثبوت العين فيها بالأداء، ليس من الواضحات ولا مما حكم به العقل، إذ من الممكن ثبوتها فيها على وجه الدوام غير ممتد إلى غاية، إلا أنه حكم الشرع الشريف بارتفاعه عند الأداء.
ولازم هذا الوجه; أنه لو تلفت العين; فالعهدة باقية إلى يوم القيامة ولا تسقط بشئ لانحصار الغاية المجعولة في الأداء وإن قلنا بلزوم أداء المثل والقيمة لو قام عليه دليل، إذ الرواية حينئذ ساكتة عن حكم صورة التلف.
لكن الإنصاف: أن اللوازم المذكورة مما لا يلتزم به الفقيه، لوضوح إمكان تفريغ العهدة عند الفقهاء، وأنه لا مستند لهم في تضمين المثل والقيمة في كثير من الموارد إلا الحديث المذكور بل ترى منهم أنهم استفادوا منه خصوص صورة التلف، فتدبر.
ويحتمل أن تكون مخصوص العين بمرتبتها الشخصية، بل تعمها بجميع مراتبها، الأقرب فالأقرب، والأمثل فالأمثل، فتكون الرواية بمدلولها المطابقي دالة على ثبوت المراتب في العهدة، وهذا هو المناسب لكلمات الأصحاب، والاعتماد
صفحہ 21
عليها لحكم صورة التلف في أغلب الأبواب ولباب التضمين; ويشهد له أن العرف لا يعدون مالية المال أمرا مباينا عنه، بل النظر الأصلي في مهم الأموال على ماليتها، وإن كانت لشخصيتها أيضا مدخلية في أغراضهم الخاصة، فيكون توضيح معناها; أن العين بجميع مراتبها ثابتة في العهدة حتى يؤديها إلى ربها، فإذا أداها إليه فرغت العهدة بمقداره، فإن كان المؤدى عينا حصل الفراغ التام، وإن كان المثل أو القيمة فقد فرغت عن المالية وبقيت مشغولة لشخصية المال، لأنها أيضا كانت مثبوتة فيه ولها دخل في الأغراض.
ثم إن الفراغ عن المالية أيضا يختلف بحسب أداء الفرد من النوع أو الجنس أو المساوي في القيمة; وعليه فلا حاجة في الحكم بوجوب أداء المثل والقيمة، بل ولا في تقديم المثل على القيمة: إلى التماس دليل من خارج، وهذا هو فارق بين هذا الوجه والوجه السابق.
فإن قلت: فعلى هذا صح أداء المثل والقيمة بحكم الرواية مع وجود العين ويحصل معه الخروج عن عهدة المالية ولا ينبغي أن يتفوه به أحد.
قلت: ليس ثبوت مراتب العين على نحو واحد، بل ولا عن سبب واحد، بل المقصود أن المفهوم من الرواية; كون العين بواسطة الأخذ بإذنه بجميع مراتبها في العهدة على نحو التعدد المطلوبي. فنفس الأخذ سبب لثبوت العين ويترتب عليه وجوب أدائها، وهو مع التلف سبب لثبوت المثل فيها، وهما مع تعذر أداء المثل سبب لثبوت القيمة فيها.
إلا أن الإنصاف، أن الالتزام بتعدد السبب مشكل، إذ الرواية غير متعرضة إلا لإثبات ما تسبب عن الأخذ دون ما تسبب عنه شئ آخر.
صفحہ 22
فالوجه أن يقال: إن السبب واحد وهو نفس الأخذ، وإنما يتسبب عنه أمور مترتبة في الوجود، نظير الملكية الحاصلة لمراتب الموقوف عليهم على الترتيب بالجعل الأولي من المالك، بل وأمر المقام أوجه منها; لأن المراتب حاصلة بنفس الحصول الأولي على نحو من الحصول. غاية الأمر أن اختصاص الأداء إنما يحصل بعد تعذر المراتب الفوقانية وهذا كله واضح للمتدبر العارف بوجوه المعاني أو صروف الكلام.
فإن قلت: إن التي تشتمل عليها العين من الحصة أو المالية فهي مقيدة بها متعذر أداؤها بتعذر أدائها، وأما الحصة الأخرى والمالية المطلقة الموجودة في فرد آخر، فثبوتها ووجوب أدائها يحتاج إلى دليل آخر لمغايرتها لما هي الثابتة بثبوت العين.
قلت: لو سلمنا المغايرة عند التدقيق العقلي، فلا يخفى عدمها عند العرف كما عرفت، ومن أن نظرهم الأصلي إلى المالية المطلقة، لا خصوص ما هي القائمة منها بالعين، والرواية مسوقة لإثبات العين مع مراتبها المحكومة في العرف أنها من مراتبها في العهدة، هذا كله.
ولكن الإنصاف أن هذا الوجه أيضا لا يخلو عن تعسف.
ويحتمل أن تكون مخصوصة بحسب الدلالة المطابقية بعهدة العين، ودلت على وجوب أداء المثل والقيمة بالالتزام العرفي، إذ عهدة الشئ يلازم عندهم لوجوب أداء العين مع بقائه، والمثل عند تلفه. فالغاية إنما سيقت لعهدة العين فقط.
لا يقال: لو عمت العهدة صورة التلف فلا يعقل أن يكون الأداء غاية لها، إذ
صفحہ 23
يعتبر فيها إمكان حصولها ويمتنع الأداء مع التلف: لأنا نقول: الغاية إنما تصح في ما بقي فيه الموضوع، وأما مع ارتفاعه فلا تختص بدلالة الاقتضاء بصورة بقاء العين. ثم مع أن فرض التلف قد عرفت أنه ليس في حقيقة العهدة، بل إنما هو من لوازم العهدة.
هذا، ولكن يرد على هذا الوجه لو سلمنا الملازمة العرفية أن مقتضاه ثبوت وجوب أداء المثل والقيمة من دليل خارج، وهذا خلاف ما عليه طريقة الأصحاب من الاعتماد بالحديث لوجوب أداء المثل والقيمة.
إلا أن يقال: إنه بعد ما ثبت أن الحكم من لوازم الموضوع عرفا، فإثبات الموضوع جعلا أو إمضاء إثبات لحكمه كذلك، فتدبر.
هذا كله في الوجوه المحتملة وقد عرفت أن خيرها أخيرها ثم أوسطها.
ثم إنه ينبغي التنبيه على أمور راجعة إلى حال الأخذ والآخذ والمأخوذ، وأما المأخوذ منه فلا تتفاوت فيه الحالات والصفات إلا من جهة الإسلام والكفر، فإن المعتبر فيه أن يكون مسلما أو من بحكمه من أولي الذمة، وأما مال الحربي بشروطه فهو مما ينتقل إلى صاحب اليد بالأخذ على الوجه المقرر في محله.
أما ما يرجع إلى الأخذ فأمور.
الأول: قد يتوهم اختصاص الأخذ بالعدوان والقهر بحسب الاستعمالات العرفية كما يدعى ظهوره فيه بالتتبع في مواردها وعليه; فيختص مورد التضمين بالغصب وهو فاسد لعموم الوضع وعدم حصول النقل العرفي ولا الانصراف المعتد به.
صفحہ 24
نعم في بعض المقامات لخصوصية المقام يستفاد العدوان والقهر، وعليه; فتكون قاعدة اليد أعم من الغصب، بل وهو كذلك قطعا لأن مدار رحى (1) باب الضمانات يدور غالبا عليها فيدخل المقبوض بالسوم (2) والمقبوض بالعقود الفاسدة مجانية كانت أو معوضة، بل وجميع الأيدي المأذونة بالإذن الشرعي، بل والمالكي في وجه كما سيجئ إن شاء الله. ومنه يد الغاصب بعد إذن المالك وغيرها، وهذا واضح للمتدبر والمتتبع في باب الضمانات.
الثاني: قد عرفت عدم اعتبار عنوان القهر على المالك، وهل يعتبر القصد أم لا؟ فنقول: أما القصد إلى عنوان أنه مال الغير فغير معتبر قطعا، لصدق أخذ مال الغير بدونه، وعدم مدخلية القصد والعلم في الحكم الوضعي، فيعم الأخذ السهوي والنسياني والخطائي.
نعم قد يقال: يعتبر القصد إلى عنوان الأخذ، فلو لم يكن قاصدا عنوانه لم يحكم بالعهدة لظهور إرشاد العقل في كونه مقصودا، بل وكونه اختياريا، فلو كان على وجه الاضطرار لم يؤثر، وضعفه واضح لمنع اعتبار القصد والاختيار في نسبة العقل، نعم لو كان الاضطرار بحيث لا يصدق الاستيلاء العرفي أمكن منع التضمين - كما سيأتي إن شاء الله من أن المفهوم هو الاستيلاء العرفي، وعلى هذا فيشمل القاعدة بحكم عموم الخبر لأخذ المجنون والصغير والمضطر ما لم يبلغ إلى ذلك الحد المشار إليه، بل وربما يمكن دعوى شمولها لمثل يد النائم ولكن لم أجد في كتب الأصحاب في مسألة ضمان النائم من حيث التلف السماوي تصريحا بل
صفحہ 25
ولا تلويحا إلا من بعض الطبقة الثالثة (1) في مطاوي كلمات عناوينه، حيث يستفاد منه القبول; ومن الشيخ في بعض أبواب جواهره حيث يستشم منه المنع.
وربما يقرب القبول بعد ما عرفت من عدم اعتبار القصد والاختيار في صدق الأخذ، أن الظاهر عدم الريب عندهم في ضمان ما أتلفه النائم، وليس المدرك فيه إلا عموم قوله: من أتلف، فإذا صدق الاتلاف منه فليصدق الأخذ، هذا مع أنه يمكن دعوى القصد منه ولو من وجه فتدبر، والمسألة محل إشكال.
الثالث: وهل تختص الرواية بالأخذ الحدوثي أو تعمه والاستمراري، فلو كان على غير وجه الضمان من أول الأمر، كما لو كان مالا لذي اليد، ثم إنه انتقل بالأسباب القهرية كحلول الحول في الزكاة، أو الاختيارية، أو كان مال الغير ولم يكن مضمونا بأن يكون وديعة أو غيرها; فيحكم بالعهدة وجهان.
والذي يقتضيه النظر هو الأخير.
وتوضيح ذلك; أنه لا ريب أن الأخذ بخصوص الجارحة المخصوصة وهي اليد ليس له خصوصية، بل نقطع بعدم اعتباره، بل وكذلك الأخذ بمطلق الجوارح، فلا بد من الخروج عن الظاهر البدوي; إما بالتزام أو مجاز مرسل، وحينئذ فقد يتوهم أنه كناية عن الاستيلاء المطلق وهو ضعيف، لأنه مع عدم كونه أقرب إلى المعنى الحقيقي; مستلزم لأن يكون كل على التصرف ضامنا كالسلطان القادر على التصرف في ما بأيدي رعاياه، وكالقوي القادر على ما في أيدي الضعفاء وهو بديهي البطلان، مخالف للإجماع بل الضرورة، بل التحقيق أنه كناية عن التسلط الفعلي الصادق عليه الأخذ عرفا، وهو يختلف باختلاف المقامات، فقد يحتاج إلى
صفحہ 26
التقليب والتحريك وقد لا يحتاج إليه نظير القبض المختلف في المنقولات وغيرها، وهذا ليس اختلافا في معنى الأخذ والقبض، بل لهما حقيقتان وجدانيتان، وإنما الاختلاف بحسب خصوصيات المقام، فالمال المطروح في صندوقه الذي بيده مفتاحه; مقبوض ومأخوذ بلا تحريك، بل ولا قصد مثل المطروح في جيبه، وأما المطروح في الصحراء مثلا فيحتاج في صدق الأخذ عليه غالبا إلى نحو من التقليب والتحريك، ولا يكفي فيه القصد فضلا عن عدمهما، وقد يكفي فيه القصد ولا يحتاج إلى تحريك وتقليب، فالأوجه إحالة المصاديق إلى العرف، فإن ضبطها على الوجه الكلي متعسر بل متعذر. والميزان هو ما عرفت من صدق الاستيلاء الفعلي.
إذا عرفت هذا، فنقول: قد يتوهم ظهور الأخذ في الحدوثي من جهة أن الماضي بهيئته ظاهر فيه، وهو ممنوع، ولو سلمناه فهو ظهور بدوي لا اعتداد به بعد ما يستفاد من الحديث ومن سائر الأخبار المتفرقة في الأبواب; في أن المناط في التضمين هو الاستيلاء على مال الغير.
والإنصاف; أن هذا الظهور كظهور كون الأخذ على وجه العدوان لو سلمناه في بعض المقامات، فإنما هو لخصوصيات فيها. فالمرجع في المقام هو العموم يعني الحكم بتضمين مطلق الأخذ، عدوانيا كان أو غيره، حدوثيا أو استمراريا بمقتضى الظهور الوضعي بعد منع الانصراف، نعم قد يقال: إن في الاستيلاء الاستمراري يعتبر القصد إلى الاستمرار لعدم صدق الأخذ مع عدمه، إذ يعتبر فيه بحسب تفاهم العرف جهة اتصال إلى المالك وفيه تأمل، لاختلاف الاستمرار بحسب المقامات، فما كان في حدوثه لا يحتاج إلى القصد كالمقبوض
صفحہ 27
باليد; لا يحتاج إليه في الاستمرار، إذ الأخذ أمر مستمر على الفرض، وإنما المعتبر هو عنوان كونه ماله أو مال الغير وهو غير محتاج إلى القصد حاصل في نفسه، وأما انتساب الأخذ إليه كما هو ظاهر الخبر فهو أيضا حاصل بدون القصد، وإن قلنا بأن نسبة الفعل ظاهر في الاختيار، إذ الاستمرار تابع للحدوث فتأمل.
والحاصل أن حال الأخذ في الحدوث والاستمرار واحد، وإن اختلف بحسب موارد صدقه. ثم إن ما ذكرناه من شمول اليد للاستمرار والحدوث مما اتفقت عليه كلمة الأصحاب في مطاوي الأبواب، فإن بناءهم في أبواب الأمانات كلية على أن الأمين إذا تعدى أو فرط يضمن وإن لم يكن التلف مستندا إلى فعله، بل إلى الآفة السماوية، بل ويضمنون الودعي بمجرد قصد الخيانة لزوال أمانته به.
إلا أن يقال: إن الأخذ كما سيأتي يقتضي الضمان حتى في الأمناء، وإنما خرجت بالدليل، فإذا زال المانع وهو الأمانة فلا مانع من تأثير الأخذ الأولي، وهذا بخلاف ما إذا كان المال أولا مال الآخذ به فإن أخذ مال الغير يقتضي الضمان لا مال نفسه، وفيه مع ما يجئ من منع الاقتضاء على وجه العموم أولا، وعدم معنى لتأثير الأخذ الأولي ثانيا كما لا يخفى، إن حكمهم بضمان قيمة يوم الخيانة أو يوم التلف ينافي أن يكون المؤثر هو الأخذ الحدوثي فتدبر، ومن هنا يمكن تطبيق حكمهم بأن تلف المبيع، بل وكل مقبوض قبل القبض من مال بائعه على القاعدة من وجه، وإن كان ينافيه التضمين بخصوص الثمن فتأمل.
هذا في حال الأخذ، وأما ما رجع إلى الآخذ فأمور:
الأول: لا إشكال في شمول الخبر لأخذ من لم يكن مأذونا من المالك، ولم يقع الأخذ برضاه، وإنما الكلام والإشكال في مقامين: الأول: أنه هل يعم المأذون أيضا
صفحہ 28
فيكون خروج ما خرج من الأيدي المأذونة من باب التخصيص أو لا يعمه؟
والثاني: أن الخارج تخصيصا أو تخصصا مطلق اليد المأذونة، بل وما كانت برضا المالك كالأخذ بشاهد الحال ونحوه أو خصوص الأمين.
أما المقام الأول; فمقتضى ظاهر قالب ألفاظ الخبر في نفسه كما عرفت هو الشمول لجميع الأيادي. لكن يمكن أن يقال: إنه لا يشمل مثل يد الأمين، وتوضيح ذلك يحتاج إلى بسط في الكلام فنقول:
قد يدعي أن أيدي الأمناء منزلة منزلة يد المالك، فإن حقيقة الاستيمان استنابة عن المالك ومعه فخروج الأمناء يساوق خروج المالك في أنه خروج موضوعي، إلا أن الدعوى المذكورة لا شاهد لها الفقد الدليل العام الدال على التنزيل وما ثبت من الاستنابة، فإنما هي في خصوص الحفظ وما عنه من التقليب والتحريك، مع أنها لو سلمناها فإنما هي مختصة بمثل يد الوكيل والودعي، وأما سائر الأمناء كالمستأجر والمستعير وغيرهما فدعوى الاستنابة فيها ساقطة جدا، والحاصل أن في أغلب الموارد ليست حقيقة الاستيمان استنابة، ولم يدل دليل شرعي أو عقلي من خارج أيضا على التنزيل.
فالأوجه، أن يقال: إن إطلاق الرواية منصرف إلى غير الأمين. والسر فيه أن أسباب الانصراف كثيرة ومن جملتها المناسبات الحكمية، فإن مناط الحكم وإن كان ظنيا; قد يوجب الانصراف كما عليه بنائهم في كثير من الموارد ومنها: اعتبار الملاقاة، ونجاسة الماء القليل مع إطلاق مفهوم قوله - عليه السلام - " إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (1) وعلى هذا فيمكن دعوى أن المناط في تضمين الآخذ لمال
صفحہ 29
الغير، ولو بالتلف السماوي، إما مراعاة عدم وقوع الضرر على المالكين من جهة أنه لو انحصر المضمن في الاتلاف والتعدي لكان طريق إثبات الاتلاف والتعدي مسدودا غالبا، لصعوبة إثباتهما، وإما من جهة مال المسلم وأن وقوع اليد عليه يوجب الغرامة صيانة لماله وكلا الوجهين لا يأتيان في أيدي الأمناء إذ بعد تسليط المالك الغير على ماله على وجه الاطمينان به كما هو مفاد الاستيمان لا وجه للملاحظتين لأنه المسلط غيره على ماله. وإن شئت توضيح ذلك بوجه أمتن، فنقول: إذا فرض تسليط المالك غيره على ماله على عنوان الاطمينان به كما عليه بناء العقود الاستيمانية فإن القبض فيها على هذا العنوان وإن كان للتغير محل لا يثق به المالك فالاطمئنان المذكور وإن كان لا يقتضي إلا الفراغ عن جهة التعدي والتفريط إلا أن إعطاءه على هذا الوجه يلازم عرفا لرفع اليد عن نفس تلفه أي عن جهة احترام ماله من حيث التلف السماوي إذ لا معنى لرفع التعدي والتفريط بملاحظة الاطمينان مع كون التلف ولو بدونهما مضمنا إذ عليه فهو ضامن على كل تقدير، فلا ثمرة في الملاحظة المذكورة، فهي إنما تنفع بعد رفع اليد عن الجهات الأخر. وربما يشهد لهذا المعنى الأخبار الواردة في أبواب الاستيمان وتعليلاتها، مثل ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: سأته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ فقال: ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا (1) فإن نفي الغرم عن المستبضع على الإطلاق وتعليله بأنه أمين إما أن يشمل التغريم مطلقا ولو من جهة التلف السماوي كما هو فرض السؤال، أو يختص بدعوى التعدي والتفريط، كما هو المناسب للتعليل فيكون
صفحہ 30
عدم الضمان من جهة التلف السماوي مفروغا عنه بين السائل والمسؤول عنه - عليه السلام - من حيث إن من المركوزات عند العقلاء أن الاستبضاع ونحوه من الاستيمانات، ليس فيها اقتضاء من جهة التلف .
ومثل قوله - عليه السلام -: ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته. (1) فإن النهي عن الاتهام لا يناسب مع كون التلف مضمنا، فدل على أن عدم الضمان بالتلف أمر لا حاجة إلى بيانه لفراغ العقلاء عنه بعد الاستيمان.
ومثل قوله - عليه السلام -: في مكاتبة القاساني بعد السؤال عن رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا أو غير ذلك، فاشتراه فسرق أو قطع عليه الطريق من مال من ذهب المتاع من مال الآمر أو من مال المأمور؟ فكتب - عليه السلام -: من مال الآمر. (2) فإن الظاهر منه أن الأمر والتسليط ينافي التطمين.
ومثل قوله - عليه السلام -: صاحب الوديعة والعارية مؤتمن. (3) بالتقريب المتقدم.
إلى غير ذلك من الأخبار التي تشهد له بالتقريبات المتقدمة مما قدمناها.
هذا تمام ما يمكن في توجيه دعوى الانصراف في الحديث الشريف للمناسبة الحكمية، تارة بالرجوع إلى الوجدان، وأخرى باستكشافها من كلمات من علمهم الله جل جلاله الحكمة والبيان ونزل عليهم القرآن والفرقان، عليهم صلوات الله الملك المنان.
صفحہ 31
ولكن الإنصاف، أن النفس بعد في تزلزل من ذلك إذ نعلم مناط اقتضاء اليد على مال الغير، أن يكون عليه تلفه حتى يدعي انتفاؤه في الأمين، إذ من الممكن، أن يكون الوجه أمرا ساريا في جميع الأيادي، ومجرد استنباط مناط لم يعلم كونه مظنونا فضلا عن كونه معلوما لا يوجب صرف الإطلاق بعد إحراز كونه في مقام البيان، لأن الانصراف في قوة التقييد بل هو تقييد لبي لا يصار إليه إلا بعد ثبوت المقيد على الوجه المعتب ولا يكفي الاحتمال فيه.
وأما الأخبار الواردة، فممنوعة، بشهادتها على التقييد اللبي، سواء كان نفي الضمان المسبب عن التلف السماوي مدلوله التضمني أو الالتزامي، أو لعله من جهة مفروغيته من جهة الشرع، هذا ولكن مع هذا ليس دعوى الانصراف بذلك البعيد، فتدبر.
المقام الثاني: قد يتوهم أن الخارج من قاعدة اليد مطلق الأيادي المأذونة، من المالك أو من قام مقامه، بل وما كان برضاه وإن لم يكشف عنه فعل، ولا لفظ كالأخذ بشاهد الحال، وربما يؤيده تعليل كثير من الأصحاب في كثير من الأبواب لعدم الضمان، بأنها مأذونة، بل ربما يدعي أن الأمين الذي علل به عدم الضمان في الأخبار وفي كلمات الأخيار هو مطلق المأذون إذ ليس المعتبر، الوثاقة الواقعية، بل كونه أمينا، من جهة تسليط المالك إياه على وجه الاطمينان وهذا موجود في موارد الإذن كلها، إذ العاقل لا يسلط على ماله أحدا إلا على وجه الاطمينان ببقائه، وعدم إتلافه وعليه، فالخارج من القاعدة، بمقتضى استيناس الحكم وأخبار الأمين ومعاقد الإجماعات، هو المأذون من المالك المساوي في الصدق مع الأمين.
وأورد عليه، بانتقاض ذلك بموارد كثيرة، حكموا بالضمان، مع وجود الإذن
صفحہ 32
كالمقبوض بالسوم والمقبوض بالعقد الفاسد والغاصب الذي أذن له المالك ومع عدم التوكيل في القبض، والطبيب والصائغ، والملاح والمكاري والأجير وغير ذلك.
أقول: ولا يخفى عدم ورود أكثر موارد النقض كالمقبوض بالعقد الفاسد الذي أذن المالك فيه على وجه الضمان وكالطبيب والصائغ وغيرهما إذ الحاكم بالضمان فيها لو قلنا به، فإنما هو للأخبار الواردة فيها ولا غرو في ثبوت المخصص في اليد المأذونة إذ ليس مما يدعي عدم قابليته للتخصيص، نعم يبقى مثل المقبوض بالسوم والغاصب المأذون لو قلنا فيها بالضمان.
فالتحقيق في المقام، بحيث يرتفع عنه غواشي الأوهام أن يقال: إن الثابت من الأدلة وهي الإجماعات المحكية البالغة حدا يمكن تحصيل الإجماع منها، والأخبار المعللة المستفيضة والمتفرقة في أبواب الاستيمانات التي سنتلوا عليك طائفة منها، هو خروج الأمين، ولم يدل دليل على خروج المأذون بهذا العنوان إلا دعوى الانصراف للمناسبة الحكمية التي لو سلمناها فهي مقصورة على الأمين.
ودعوى أن مطلق المأذون أمين مدفوعة، بوضوح الفرق بين الاستيمان والإذن، فإن الإذن ليس إلا إعلام الرضا ورفع المنع، والاستيمان تسليط الغير على المال على وجه الإبانة أي المعاملة معه معاملة الأمين، ومن المعلوم أن الثاني أخص من الأول إذ لم يؤخذ في الأول تسليط فضلا عن كونه على وجه الاطمينان.
توضيح ذلك، أن معنى كون العقود الاستيمانية مثل الإجارة والوكالة والرهن والمضاربة والمساقات ونحوها استيمانات، أنها بحقائقها تقتضي تسليط الغير على المال، إذ به تتحقق الانتفاعات المقصودة بالأصالة، وهذا معاملة مع
صفحہ 33
الغير معاملة الأمين، لأنه سلطه على أن ينتفع ويثقه، وإلا فليس المعتبر فيها أن يكون الغير أمينا موثوقا به قطعا، وأما مطلق الإذن فهو عبارة عن رفع المنع عن التصرف، نظير الأمانة الشرعية، ومن المعلوم أن هذا المقدار ليس تسلطا فضلا عن كونه على الوجه الخاص، ولا منافاة بينه وبين القسمين، وإنما المسلم، لو تنزلنا منافاته مع تسليطه.
والحاصل، أنه لا ينبغي الريب في أن المالك لو صرح " بأبي لا أمنعك عن التصرف " وقد ارتفع من جانبه المنع من التصرف، فلا يقتضي ذلك لرفع اليد عما تقتضيه اليد من الضمان، عند التلف وليس هذا استيمانا حتى يتمسك بذيل أدلة الأمين، نعم لو سلطه ببعثه على الأخذ، أمكن القول بالمنافاة، نظرا إلى ما عرفت من أن من لوازمه عرفا رفع اليد عما تقتضيه اليد مراعاة للمالك وأنه استيمان، وقد اطلعت على كلمات كثيرة من الأصحاب تشهد بما ادعيناه من مغايرة الإذن والاستيمان وإن كانت كثيرة منها تشهد بخلافه، حيث صرحوا في باب العارية بأن حقيقته الإذن وأنه لا يعتبر فيها لفظ خاص ولا مطلق اللفظ، قال في التذكرة: " ويكفي قرينة الإذن بالانتفاع من غير لفظ دال على الإعارة أو الاستعارة " (1) وإن كان ربما يستشكلون في مثل الفراش المبسوطة للانتفاع، إلا أنه من جهة اعتبارهم الإذن لشخص خاص، لا لعدم كفاية الإذن فتسالمهم على أن العارية إذن وأنها لا ضمان فيها لأنها استيمان يكشف عن أن الاستيمان عندهم مساوق للآذن.
ومما يشهد لما ادعيناه ما صرح به في التذكرة أيضا في باب الوكالة " إذا تعدى
صفحہ 34
الوكيل أو فرط مثل أن يلبس الثوب الذي دفعه الموكل ليبيعه، ضمن إجماعا لأن الوكالة تضمنت شيئين الأمانة والإذن في التصرف فإذا تعدى زالت الأمانة وبقي الإذن بحاله " (1).
وهذا صريح في أن الإذن بنفسه لا يقتضي سقوط الضمان، فلا بد من تأويل في ظاهر كلامه السابق من إرادة الإذن الخاص، فتأمل، وإن أبيت عن ذلك فكلماتهم تسبب التشويش ولا يصح الاعتماد عليها، ولا يحسب ما هو المتيقن منها من التسليطات الخاصة الحاصلة في العقود الاستيمانية، ولو تنزلنا فمطلق التسليط، وأما مطلق الإذن فلا دليل عليه لما عرفت من تشويش كلمات الأصحاب ومعاقد الإجماع، ولقد اطلعت على كلام شيخنا الأستاذ الأكبر في مطاوي كلامه، في قاعدة " ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده " ينطبق على بعض ما قررناه " قال: فإن قلت: إن الفاسد وإن لم يكن له دخل في الضمان إلا أن مقتضى عموم " على اليد " هو الضمان خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي تكون مواردها غير مضمونه وبقي الباقي، قلت: ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به المقبوض بفاسدها وهي عموم ما دل " أن من لم يضمنه المالك سواء ملكه إياه بغير عوض أو سلطه على الانتفاع به، أو استأمنه عليه لحفظه أو دفعه إليه لاستيفاء حقه أو تصرفه بلا أجرة أو معها، إلى غير ذلك فهو غير ضامن " أما في غير التمليك بلا عوض، أعني: الهبة فإنه مثل المخصص لقاعدة الضمان، عموم ما دل على أن من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن بل ليس لك أن تتهمه، وأما في الهبة الفاسدة، فيمكن الاستدلال على خروجها بفحوى ما ذكر - إلى أن قال -
صفحہ 35
فحاصل أدلة عدم ضمان المتأمن، أن في دفع المالك إليه ملكه على وجه لا يضمنه بعوض واقعي، أعني: المثل والقيمة ولا جعلي، فليس عليه نماؤه، انتهى كلامه ".
وفيه مواقع للتأمل.
فبالحري ذكر الأخبار التي عثرت عليها في الأبواب المتفرقة مما يدل على عدم ضمان الأمين لأنه أمين، تيمنا بها ولعله يستفاد منها ما يغنينا عن هذه الكلمات بالمرة فإن كلامهم - عليهم السلام - نور للقلب وضياء للباصرة.
فمنها: ما رواه القاساني: كتبت إليه - يعني: أبا الحسن - عليه السلام - - وأنا بالمدينة سنة إحدى وثلاثين ومائتين: جعلت فداك رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا أو غير ذلك فاشتراه فسرق منه أو قطع عليه الطريق من مال من ذهب المتاع؟ من مال الآمر أو من مال المأمور؟ فكتبت - عليه السلام -: من مال الآمر. (1) ويمكن أن يستفاد من هذا الخبر أن مطلق التسليط والبعث، موجب لصرف الضمان.
ومنها: ما رواه يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الرجل يبيع للقوم بالآجر وعليه ضمان مالهم؟ قال: إنما كره ذلك من أجل أني أخشى أن يغرموه أكثر مما يصيب عليهم فإذا طابت نفسه فلا بأس. (2) أقول: تعلق الضمان على طيب النفس مما لا يصح إلا بأن يراد السؤال عن اشتراط الضمان فليس هذا بذلك البعيد خصوصا بعد ما عرفت وعليه فلا دخل للرواية بالمقام إلا من جهة مفروغية عدم ضمان الأجير للتلف.
صفحہ 36
ومنها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: سألته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال: ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا. (1) أقول: قوله - عليه السلام - " بعد أن يكون الرجل أمينا " يحتمل أن يكون شرطا للحكم في قوة القول، بأنه ليس عليه غرم إذا كان أمينا، ويحتمل أن يكون علة للحكم في قوة القول، بأنه كذا لأنه أمين أي من جهة استبضاعه الذي وضع على الاستيمان، فيدل على أن الأمين لا يدخله التغريم، لكن غير بعيد ظهوره في الوجه الأول كما يشهد له جملة من الأخبار في أبواب الاستيمانات، مثل قوله - عليه السلام -:
إذا كان عدلا مسلما فليس عليه ضمان. (2) وقوله - عليه السلام -: لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت، إذا كان مأمونا. (3) وقوله - عليه السلام -: العامل إن كان مأمونا فليس عليه شئ وإن كان غير مأمون فهو ضامن. (4) إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع في الأبواب، ولكن يبعده، أن الظاهر نفي الضمان بحسب الواقع وهذا لا يدخل للأمانة والعدالة فيه إلا إذا كان المراد الضمان من جهة التعدي والتفريط، مع أن الضمان من جهتهما أيضا تابع لواقعهما فلا بد أن يراد بالنفي نفي التغريم بلا بينة من مدعيهما فيكون معنى النفي تقديم قوله في مقام الدعوى، ويؤيده، العدول في التعبير عن الضمان إلى الغرم، ولكن مع هذا لا ينفع لاستفادة كلية عدم ضمان الأمين بالتلف السماوي
صفحہ 37
منه إلا من جهة المفروغية التي تطابق عليها الأخبار عند الإنصاف، وإلا فالأخبار المتقدمة مع شهادة ما عرفت منها في التصريح باشتراط الأمانة ظاهرة في دعوى التفريط والتعدي فحمل على الكراهة، وإلا فدعوى التعدي والتفريط، مسموعة حتى على الأمين العادل.
ومنها: قول الصادق - عليه السلام - في رواية الحلبي: صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان. (1) أقول: وهذا أحسن روايات الباب من جهة دلالتها على أن الايتمان أمر مفروغ عنه بحسب الحكم بحيث يغني ذكر موضوعه عن حكمه، ولكن فيها ما عرفت فيما تقدم من أنها لا تدل على أزيد من أن الأمين يقدم قوله في دعوى التعدي والتفريط، فإنها ناظرة إلى المرسلة المشهورة: ليس على الأمين إلا اليمين.
نعم هي كسوابقها تدل على عدم الضمان بالتلف السماوي من جهة المفروغية وأنه لا وجه لنفي توجه شئ عليه إلا اليمين، مع كون تلفه مضمنا مطلقا، والحاصل، أن القدر المتيقن من آثار الأمانة هي ما عرفت وهو المناسب لعنوان الأمانة.
ومنها: ما رواه السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي - عليه السلام - في رهن اختلف فيه الراهن والمرتهن فقال الراهن: هو بكذا وكذا، وقال المرتهن: هو بأكثر، قال علي - عليه السلام -: يصدق المرتهن حتى يحيط بالثمن لأنه أمينه. (2) أقول: مع ضعف سندها وإعراض الأصحاب غير الإسكافي عنها لبنائهم على تقديم قول الراهن الموافق للأصل في وجه للأخبار المدعى في محكي جامع
صفحہ 38