قاعدة في الصبر لشيخ الإسلام ابن تيمية أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم
المتوفى سنة (٧٢٨هـ)
تحقيق
أد. محمد بن خليفة التميمي
الأستاذ في كلية الدعوة في الجامعة
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢] .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء ١] .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب ٧٠-٧١] .
أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وبعد، فإن الصبر من أعظم خصال الخير التي حث الله عليها في كتابه العظيم، وأمر بها رسوله الكريم ﷺ في سنته المطهرة، وقد وردت مادة (صبر) في القرآن الكريم في مائة وأربعة مواضع، على تنوع في مواردها وأسباب ذكرها.
فقد أمر الله نبيه بخلق الصبر فقال: ﵁ ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ﴾ [النحل ١٢٧] وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف ٣٥] .
وأمر الله به المؤمنين، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا﴾
1 / 73
[آل عمران ٢٠٠] .
وأثنى على أهله، فقال تعالى: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة ١٧٧] .
وأخبر بمحبته للصابرين، فقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران ١٤٦]، ومعيته لهم، فقال تعالى: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال ٤٦] .
وأخبر أن الصبر خير لأصحابه، فقال تعالى: ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ [النحل ١٢٦] .
ووعدهم أن يجزيهم أعلى وأوفى وأحسن مما عملوه، فقال تعالى: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل ٩٦] وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر ١٠] . وبشرهم فقال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة ١٥٥] وأخبر أن جزاءهم الجنة فقال تعالى: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ [الإنسان ١٢] .
وقد قرن الله الصبر بالقيم العليا في الإسلام، فقرنه باليقين، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة ٢٤]، وقرنه بالتوكل، قال تعالى: ﴿َنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [العنكبوت ٥٨، ٥٩]، وقرنه بالصلاة في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاة﴾ [البقرة ١٥٣]، وقرنه بالتقوى في عدة آيات منها: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [آل عمران ١٨٦]، وفي قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ [آل عمران ١٢٠]، وقوله تعالى في سورة يوسف: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف ٩٠] .
وقرن الله ﵎ الصبر بالعمل، فقال: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود ١١]، وقرنه بالجهاد، في قوله
1 / 74
تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل ١١٠]، وفي قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين﴾ [محمد ٣١]، وقرنه بالاستغفار: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالأِبْكَارِ﴾، وقرنه بالتسبيح، في قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور ٤٨] وفي قوله تعالى في سورة طه: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ [طه ١٣٠]، وقرن الصبر في القرآن الكريم بالحق، في قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر ١-٣]، وقرنه بالرحمة، قال تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [البلد ١٧]، وقرنه بالشكر في عدة آيات، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم ٥] .
وحديث القرآن عن الصبر متنوع وممتع مما يدل على أهميته ومكانته العظيمة، وكذا الشأن في السنة النبوية، فقد حث النبي ﷺ أمته على هذا الخلق الكريم، وكانت سيرته ﷺ أنموذجًا يحتذى في التخلق بخلق الصبر بشتى أنواعه وأعلى درجاته، ومن قرأ في سيرته العملية وسنته القولية سيجد أن للصبر شأنًا عظيمًا.
ولقد وقفت على مؤلف لطيف لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى - في موضوع الصبر بعنوان (قاعدة في الصبر) حوى - على لطافته وصغر حجمه - فوائد غزيرة وتأصيلات مفيدة وبخاصة في جانب الصبر على أذى الغير، صاغها المؤلف ﵀ بأسلوب مميز فريد، جلى فيه مميزات هذا النوع من الصبر وبين فوائده، وما إن انتهيت من مطالعته وقراءته، حتى عقدت العزم على تحقيقه وإخراجه بغية الانتفاع به في خاصة نفسي، وتسهيل
1 / 75
انتفاع عامة المسلمين بما حواه من فوائد وفرائد، وقد قدمت لهذا المؤلف بمقدمة في التعريف بهذه الرسالة، ووصف نسخها الخطية، والعمل الذي قمت به، وذلك على النحو التالي:
القسم الأول: في التعريف بالرسالة ووصف نسخه الخطية وعملي فيها.
أ- التعريف بالرسالة.
أولًا: اسم الرسالة.
ثانيًا: توثيق نسبة الرسالة إلى المؤلف.
ثالثًا: موضوع الرسالة.
ب- وصف النسخ الخطية.
ج- عملي في الرسالة.
القسم الثاني: تحقيق النص.
وإذ أقدم هذه الرسالة لأرجو الله أن ينفع بها من اطلع عليها، وأن يجعل عملي عملًا صالحًا لوجهه خالصًا، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
1 / 76
القسم الأول
التعريف بالرسالة ووصف النسخ الخطية وعملي فيها
أولًا: التعريف بالرسالة.
أ- اسم الرسالة: اسم الرسالة كما هو مسجل في الصفحة الأولى من النسختين الخطيتين هو: (قاعدة في الصبر) .
ولكن جاء في رسالة (أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية) تأليف: محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن رُشَيق المغربي (ت ٧٤) وكذا في العقود الدرية لابن عبد الهادي تسميتها بـ: (قاعدة في الصبر والشكر. نحو ستين ورقة) ١.
وهذا الكلام يدل على أن الرسالة التي بين أيدينا هي جزء من مؤلف أكبر يشمل موضوعي الصبر والشكر، ويؤكد ذلك مقدمة الرسالة ونهايتها حيث ذكر المصنف الشكر فقال في المقدمة: "وإذا اعتبر العبد الدين كله رآه يرجع بجملته إلى الصبر والشكر" وقال في نهاية الرسالة: "والأصل الثاني الشكر وهو العمل بطاعة الله تعالى".
ولكن لم أقف على تكملة هذه الرسالة.
ب- توثيق نسبة الرسالة إلى المؤلف:
يدل على صحة نسبة الرسالة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية أمور منها:
١- ما جاء على طرة الرسالة من قول الناسخ: (قاعدة في الصبر للشيخ تقي الدين ابن تيمية ﵀ .
٢- ما جاء في رسالة (أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية) تأليف:
_________
١ انظر: الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية (ص ٢٣) ط دار عالم الفوائد. وانظر: العقود الدرية (ص ٣٩) .
1 / 77
محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن رُشَيِّق المغربي (ت ٧٤٩) حيث قال: (قاعدة في الصبر والشكر. نحو ستين ورقة) ١.
٣ - ما جاء في كتاب العقود الدرية لابن عبد الهادي (ص ٣٩) حيث ذكر أن من مؤلفات ابن تيمية (قاعدة في الصبر والشكر) .
ج - موضوع الرسالة:
بدأ المؤلف ﵀ هذه الرسالة ببيان أن الدين كله يرجع بجملته إلى أمرين هما: الصبر والشكر، واستدل لذلك بقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ وبقوله ﷺ: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله عجب، لا يقضي الله لمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".
ثم بين أن الصبر عمومًا ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
أولًا: صبر على الطاعة حتى يفعلها.
ثانيًا: صبر عن المنهي عنه حتى لا يفعله.
ثالثًا: الصبر على ما يصيبه بغير اختياره من المصائب.
ثم بين أن المصائب نوعان:
النوع الأول: نوع لا اختيار للخلق فيه، كالأمراض وغيرها من المصائب السماوية، وهذا النوع يسهل الصبر فيه لأن العبد يشهد فيه قضاء الله وقدره، وأنه لا مدخل للناس فيه فيصبر إما اضطرارًا وإما اختيارًا.
والنوع الثاني: المصائب التي تحصل للعبد بفعل الناس، في ماله أو عرضه أو نفسه، وهذا النوع يصعب الصبر عليه جدًا لأن النفس تستشعر المؤذي لها
_________
١ الرسالة مطبوعة ضمن (الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية) (ص ٢٣٦) ط دار عالم الفوائد.
1 / 78
وهي تكره الغلبة فتطلب الانتقام، ولا يصبر على هذا النوع إلا النبيون والصديقون.
وقد اقتصر كلام المصنف ﵀ في بقية الرسالة على الأسباب التي تعين العبد على الصبر على المصائب التي تصيبه بفعل الناس، وذكر ذلك من عشرين وجهًا.
وختم المصنف كلامه بالإشارة إلى الأصل الثاني وهو: الشكر وفسره بأنه العمل بطاعة الله واقتصر على ذلك وخلت الرسالة من تفصيل القول في ذلك، ولعل السبب في ذلك هو تصرف من أفرد الرسالة بالذكر وفصلها عن باقي التصنيف وإلا فالرسالة لها تتمة، ويشهد لذلك ما ذكره ابن رشيق في تعداده لمؤلفات ابن تيمية حيث قال: "قاعدة في الصبر والشكر. نحو ستين ورقة" فقد تصرف المختصر في العنوان واقتصر كذلك على ما كتب في موضوع الصبر فقط، ولم يكمل بقية الرسالة، والله أعلم.
ولعل في ذلك ما يبرر كون الرسالة قد خلت من الخاتمة وكتب بدلًا من ذلك في آخرها "تمت بحمد الله وعونه".
ب- وصف النسخ الخطية:
اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسختين خطيتين.
النسخة الأولى: نسخة جامعة أكسفورد.
وتقع ضمن مجموع فيه كتاب العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولها صورة فلمية في قسم المخطوطات بعمادة شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، برقم (ف ٨٥٧٠/٥) .
وعدد لوحاتها: ٤ أربع لوحات.
وعدد الأسطر: يبلغ ما بين عشرين وواحد وعشرين سطرًا.
1 / 79
وعدد الكلمات: متوسط عدد الكلمات في كل سطر خمس عشرة كلمة.
اسم الناسخ: جاء في صفحة العنوان العبارة التالية:
"هذه الرسالة بخط العلامة بيدكين التركماني، تلميذ ابن تيمية مؤلف هذه الرسالة". وقد ذكر الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي في كتابه "شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث وعلومه": "أن من تلاميذ ابن تيمية إدريس ابن بيدكين بن عبد الله التركي الحنفي مؤلف كتاب اللمع في الحوادث والبدع. تتلمذ على شيخ الإسلام"١.
تاريخ النسخ: جاء في آخر النسخة: "تمت - بحمد الله تعالى وعونه - في يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانمائة".
نوع الخط ووصفه: كتبت هذه النسخة بخط نسخ عادي منقوط، واضح ومقروء، وهي سالمة من الخرم والعيوب، ولكنها خالية من المقابلة أو السماعات.
وقد رمزت لهذه النسخة بالرمز (أ) .
النسخة الثانية: نسخة جامعة برنستون بنيوجرسي بالولايات المتحدة الأمريكية.
وهي في ضمن مجموع فيه كتاب (العرش) للذهبي، و(لمعة الاعتقاد) لابن قدامة و(فصل في شرح حديث سيد الاستغفار) لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولها صورة فيلمية في قسم المخطوطات بعمادة شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (٩٧٤٢/٣) .
وعدد لوحاتها: ٨ ثماني لوحات.
وعدد الأسطر: ١٣ ثلاثة عشر سطرًا.
_________
(١/١١٨)
1 / 80
وعدد الكلمات: متوسط عدد الكلمات في السطر اثنتا عشرة كلمة.
اسم الناسخ: محمد بن إسحاق التميمي داري.
تاريخ النسخ: لم يذكر.
نوع الخط ووصفه: كتبت هذه النسخة بخط نسخ عادي منقوط واضح ومقروء وسالم من الخرم والعيوب، وخالية من المقابلة والسماعات.
وقد رمزت لهذه النسخة بالرمز (ب) .
وهناك نسخة ثالثة لهذه الرسالة وقفت على معلومات عنها ضمن (ثبت فيه قوائم ببعض مخطوطات شيخ الإسلام ابن تيمية) تصنيف الشيخ علي بن عبد العزيز الشبل.
جاء فيه (ص ٩١): "رسالة في الصبر في ٨ ورقات بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد، برقم (٤٧١٥/٢)، كتبها سلطان بن ملا حسين القره غول، سنة ١٢١٧؟".
ولم أستطع الوقوف عليها للأوضاع الراهنة في العراق.
ج- عملي في الكتاب:
١- نسخت النص وفق القواعد الإملائية الحديثة، مع الضبط بالشكل لما قد يشكل.
٢- عزوت الآيات القرآنية إلى سورها مع ذكر رقمها في الحاشية.
٣- قمت بتخريج الأحاديث النبوية المرفوعة مع بيان حكم أهل العلم عليها، كما اجتهدت في تخريج الآثار الموقوفة حسب ما وقفت عليه.
٤- شرحت ما يحتاج لشرح من الألفاظ الغريبة الواردة في النص.
٥- وضعت للكتاب مقدمة فيها تعريف بالكتاب ومحتواه، وبالنسخ الخطية، وعملي فيه.
1 / 81
نماذج من النسخ الخطية
1 / 82
P٨٣
صورة من الورقة الأولى من النسخة (أ)
1 / 83
P٨٤
صورة من الورقة الأخيرة من النسخة (أ)
1 / 84
P٨٥
صورة من الورقة الأولى من النسخة (ب)
1 / 85
P٨٦
صورة من الورقة الأخيرة من النسخة (ب)
1 / 86
التحقيق
مدخل
...
القسم الثاني
التحقيق
قاعدة في الصَّبر
للشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة (ت ٧٢٨) ﵀
ورحم جميع أموات المسلمين
1 / 87
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اعف واغفر.
قال الشيخ الإمام العامل شيخ الإسلام، مفتي الأنام تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية١.
فصل:
جعل الله ﷾ عباده المؤمنين بكل منزلة خيرًا منه، فهم دائمًا في نعمة من ربهم، أصابهم ما يحبون، أو ما يكرهون، وجعل أقضيته وأقداره التي يقضيها لهم ويقدرها عليهم متاجر يربحون بها عليه، وطرقًا يصلون منها إليه، كما ثبت في الصحيح عن إمامهم ومتبوعهم الذين إذا دعي يوم القيامة كل أناس بإمامهم دعوا به - صلوات الله وسلامه عليه -٢
_________
١ افتتحت نسخة (ب) بعد البسملة بالعبارة التالية: "وصلي الله على سيدنا محمد، قال الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام، مفتي الأنام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني ﵁".
٢ أخرج الخطيب في تاريخ بغداد (١/٣١٧) عن أنس في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ الآية [٧١] من سورة الإسراء قال: "نبيهم"، وأورده السيوطي في الدر المنثور (٥/٣١٦) وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه.
وروي مثله عن مجاهد أخرجه ابن جرير في تفسيره (١٥/١٢٦)، وأورده السيوطي في الدر المنثور (٥/٣١٦) وعزاه لابن المنذر.
1 / 88
أنه قال: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله عجب لا١يقضي الله لمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له"٢.
فهذا الحديث يعم جميع أقضيته لعبده المؤمن وأنها خيرله إذا صبر على مكروهها وشكر لمحبوبها، بل هذا داخل في مسمى الإيمان كما٣ قال بعض السلف: "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر"٤ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ
_________
١ في (ب): (ما) .
٢ أخرجه مسلم،كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير (٨/٢٢٧)، وأخرجه الإمام أحمدفي المسند (١/١٧٣)، وأخرجه الدارمي في سننه، كتاب الرقائق،باب المؤمن يؤجر في كل شيء (٢/٣١٨)، بلفظ: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ... الحديث".
ولم أقف على الحديث بلفظ: " ... كله عجب" كما أورده المؤلف.
٣ في (ب): "فإنه كما قال ... "
٤ أخرجه وكيع بن الجراح في الزهد (٢/٤٥٦) برقم (٢٠٣)،والطبراني في الكبير (٩/١٠٧)، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤/١٧١ ح ٤٩٧٦)، موقوفًا على ابن مسعود بلفظ: "الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله".
والبخاري في صحيحه (١/٤٥) كتاب الإيمان باب قول النبي ﷺ: "بني الإسلام على خمس" تعليقًا واقتصر على شطر منه من قول ابن مسعود بلفظ: "اليقين الإيمان كله".
والخرائطي في فضيلة الشكر لله على نعمته (ص ٣٩) برقم (١٨) بلفظ: "الإيمان نصفان: فنصف في الصبر ونصف في الشكر".
وابن الأعرابي في معجمه (١/٣٠٩)، وأبو نعيم في الحلية (٥/٣٤)، وتمام في فوائده (٢/٤٠)، وأبو الحسن الأزدي في المجلس الأول من المجالس الخمسة (١٦-١٧)، والقضاعي في مسند الشهاب (١/١٢٦ - ١٢٧)، والبيهقي في شعب الإيمان (٧/١٢٣) برقم (٩٧١٥)،والأصبهاني في الترغيب والترهيب (٢/٦٦١) برقم (١٥٨٢)، والخطيب في تاريخ بغداد (١٣/٢٢٦)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (٢/٣٣٠-٣٣١)، والذهبي في مختصر العلل (٣/١١٢٥)، مرفوعًا بلفظ: "الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله"
وابن أبي الدنيا في الشكر برقم (١٤) بلفظ: "الشكر نصف الإيمان، والصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله".
والبيهقي في الزهد (١/٢٨) موقوفًا على ابن مسعود: "الإيمان نصفان، نصف في الصبر ونصف في الشكر".وقال: "قد روي هذا من وجه آخر غير قوي مرفوعًا"، وقال في الشعب: "والمحفوظ عن ابن مسعود من قوله غير مرفوع".
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (١/٥٧) وقال عن إسناد الطبراني: "رجاله رجال الصحيح".
والسيوطي في الجامع الصغير (مع الفيض ٤/٢٣٣) ورمز لضعفه، وأعله المناوي بيعقوب بن حميد، وهو ضعيف من قبيل حفظه.
وقال الحافظ في الفتح (١/٤٨): "هذا التعليق طرف من أثر وصله الطبراني بسند صحيح، وبقيته: والصبر نصف الإيمان". وقال: "وأخرجه أبو نعيم والبيهقي من حديثه (أي ابن مسعود) في الزهد مرفوعًا ولا يثبت رفعه". وقال في اللسان (٥/١٥٢): "قال أبو علي النيسابوري: هذا الحديث منكر، لا أصل له من حديث زبيد ولا من حديث الثوري".
ولم يحسنه غير العراقي في تخريج الإحياء (١/٧٢، ١/٢٣١) .
وقال عنه الألباني كما في سلسلة الأحاديث الضعيفة (١/٥٠٦-٥٠٧) برقم (٤٩٩):"منكر".
وخلاصة القول في هذا الأثر أنه صحيح موقوفًا، وضعيف مرفوعًا، وقول ابن تيمية هنا "قال بعض السلف" يؤيد بكونه موقوفًا.
1 / 89
لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ ١ وإذا اعتبر العبد الدين كله رآه يرجع بجملته إلى الصبر والشكر، وذلك لأن الصبر ثلاثة أقسام:
صبر على الطاعة حتى يفعلها، فإن العبد لا يكاد يفعل المأمور به إلا بعد
_________
١ الآية [٥] من سورة إبراهيم والآية [٣١] من سورة لقمان والآية [١٩] من سورة سبأ والآية [٣٣] من سورة الشورى
1 / 90
صبرٍ ومصابرة ومجاهدة لعدوه الباطن والظاهر١، فبحسب هذا الصبر يكون أداؤه للمأمورات وفعله للمستحبات.
النوع الثاني: صبر عن المنهي عنه٢ حتى لا يفعله، فإن النفس ودواعيها، وتزيين الشيطان، وقرناء السوء، تأمره بالمعصية وتجرئه عليها، فبحسب قوة صبره يكون تركه لها، قال بعض السلف: أعمال البر يفعلها البر والفاجر ولا يقدر على ترك المعاصي إلا صديق٣.
النوع الثالث: الصبر على ما يصيبه بغير اختياره من المصائب وهي نوعان:
نوع لا اختيار للخلق فيه، كالأمراض وغيرها من المصائب السماوية، فهذه يسهل الصبر فيها، لأن العبد يشهد فيها قضاء الله وقدره، وإنه لا مدخل للناس فيها، فيصبر إما اضطرارا، وإما اختيارا، فإن فتح الله على قلبه باب الفكرة في فوائدها وما في حشوها٤ من النعم والألطاف٥ انتقل من الصبر عليها إلى الشكر
_________
١ في (ب): "الظاهر والباطن ... ".
(عنه) ساقطة من (ب) .
٣ أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (١٠ /١٩٧) بإسناده عن سهل بن عبد الله التستري ضمن كلام له طويل بلفظ "ليس من عمل بطاعة الله صار حبيب الله، ولكن من اجتنب ما نهى الله عنه صار حبيب الله، ولا يجتنب الآثام إلا صديق مقرب، وأما أعمال البر يعملها البر والفاجر".
٤ معنى الحشى: الناحية، والمقصود نواحيها أو داخلها. انظر: لسان العرب مادة (حشا) (١٤/١٨٠-١٨١) .
٥ اللطيف من الكلام: ما غمض معناه وخفي، واللطف في العمل: الرفق فيه. انظر: لسان العرب مادة (لطف) (٩/٣١٦) .
1 / 91
لها والرضا بها، فانقلبت حينئذ في حقه نعمة، فلا يزال هجيرى١ قلبه ولسانه٢ رب أعني على ذكرك٣ وشكرك٤ وحسن عبادتك٥، وهذا يقوى ويضعف بحسب [قوة] ٦ محبة العبد لله وضعفها، بل هذا يجده أحدنا في الشاهد كما قال الشاعر٧ يخاطب محبوبا له [ناله ببعض ما يكره] ٨:
لئن ساءني أن نِلتِنِي بمساءة
لقد سرني أني خطرت ببالِكِ٩
النوع الثاني١٠: أن١١ يحصل له بفعل الناس في ماله أو عرضه أو نفسه.
_________
١ أي دأبه وشأنه. انظر: لسان العرب مادة (هجر) (٥/٢٥٤) .
٢ في (ب): "ولسانه فيها".
(ق ٢/ب) .
(شكرك) ساقطة من (ب) .
٥ يشير إلى حديث معاذ ﵁ أن رسول الله ﷺ أخذ بيده وقال: "يا معاذ والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، أخرجه أبو داود في سننه (٢/١٨١) كتاب الوتر باب في الاستغفار برقم (١٥٢٢) .
والنسائي في سننه (٣/٥٣) كتاب السهو باب نوع آخر من الدعاء.
والإمام أحمد في المسند (٥/٢٤٥،٢٤٧) .
٦ ساقطة من (أ) .
٧ في (ب): (بعض الشعراء) .
٨ ساقطة من (أ) .
٩ انظر ديوان ابن الدمينة (ص١٧) تحقيق أحمد راتب النفاخ، مكتبة دار العروبة ط الأولى عام ١٣٧٩.
١٠ في (أ): (الثالث)، وفي (ب): (الرابع) والصواب ما أثبته.
١١ في (ب): (إذا) .
1 / 92