قال أصحابنا القدماء: إن أسلوب ابن المقفع هو السهل الممتنع، وأنا أقول لك: إن كل أسلوب ممتنع، سواء أسهلا كان أم صعبا. ولم يخطئ القائل: الإنشاء هو الرجل، فكن ذاتك ولا تقلد أحدا. لا تحاول فإنك مخفق دون ريب.
تأمل مقلدي الأوراق النقدية، هل التبس الزائف منها على الناس! كذلك محاولتك أنت، فإنك تظل زائفا حتى تقع على ذاتك.
لكل حادث حديث
(1) الحيوان الباكي
عندما كنت فتى، سمعت حكاية الحيوان الباكي. سردها كاهن من على منبر كنيسته، وفحواها أن بين الوحوش حيوانا مفترسا، يبكي حين يفرغ من التهام فريسته. يفترش الأرض ويأخذ جمجمة الضحية ويقعد يبكي عليها.
قال الكاهن: أعرفتم لماذا بكى يا إخوتي؟ لم يبك رحمة ولا توبة؛ بكى لأنه لم يبق له منها شيء يأكله! وهذا هو معنى قولكم: دموع التمساح.
إن منا - نحن البشر - تماسيح كثيرة، تماسيح أعوذ بالله من شرها. الحيوانات الضارية تأخذ الأرواح «بالمفرق» وأخونا الإنسان، بعدما تمدن وتثقف، صار تاجر جملة. الحيوان يعمل بقول المسيح لنا: أعطنا خبزنا كفاف يومنا، أما الإنسان الذي يدعي أنه مؤمن بتعاليمه فيحسب حساب الدهور والأجيال ولا يرضى أن يهتم بما للغير فقط. الإنسان يدخر أما الحيوان فلا يهتم، وهو عائش ونحن عائشون! ...
سمعت هذه الكلمات من كاهن ساذج عندما نشبت الحرب العالمية الأولى، ولما انقضى دور التدمير وجاء دور التعمير تذكرت حكاية ذاك الخوري، وقلت: ها هو التمساح يبكي. إنه يعمر ليجد في الغد ما يدمر.
ولما وقع الاعتداء على مصر قلت في نفسي: اليوم خمر وغدا أمر. اليوم يهدمون وغدا يبنون. غدا يتسابقون إلى التعمير؛ حبا بالإنسانية، فيصح فيهم القول: ليتك لم تزني ولم تتصدقي.
إن الطبيعة الحمقاء تدمر ولا تعمر؛ لأنها لا تعرف الرياء، أما الإنسان، الإنسان الكافر؛ فقد وضع لاعتداءاته شرعة ضحك منها الشاعر، حين صور ما نحن فيه بالذات فقال:
نامعلوم صفحہ