تقريب فتاوى ابن تيمية
تقريب فتاوى ابن تيمية
ناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٤١ هـ
پبلشر کا مقام
السعودية
اصناف
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَيِّتِ أو الْغَائِبِ مِن الْأَنْبيَاءِ وَالصَّالِحِينَ: اُدْعُ اللهَ لِي، أَو اُدْعُ لَنَا رَبَّك، أَو اسْأَل اللهَ لَنَا، كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى لِمَرْيَمَ وَغَيْرِهَا، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَسْتَرِيبُ عَالِمٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَأَنَّهُ مِن الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِن سَلَفِ الْأُمَّةِ.
فَعُلِمَ أَّنهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ الْمَيِّتُ شَيْئًا، لَا يُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ لَهُ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْكَى إلَيْهِ شَيْءٌ مِن مَصَائِبِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَلَو جَازَ أَنْ يُشْكَى إلَيْهِ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ لَا يُفْضِي إلَى الشِّرْكِ، وَهَذَا يُفْضِي إلَى الشِّرْكِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَيَاتِهِ مُكَلَّفٌ اُّنْ يُجِيبَ سُؤَالَ مَن سَأَلَهُ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِن الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ مُكَلَّفًا.
وَلَا يَلْزَمُ مِن جَوَازِ الشَّيءِ فِي حَيَاتِهِ جَوَازُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ فَإِنَّ بَيْتَهُ كل كَانَت الصَّلَاةُ فِيهِ مَشْرُوعَةَ، وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مَسْجِدًا، وَلَمَّا دُفِنَ فِيهِ حَرُمَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا؛ كَمَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (^١) عَنْهُ بأَنَّهُ قَالَ: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"، يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا.
الثَّالِثَةُ: اُّنْ يُقَالَ: أَسْأَلُك بِفُلَان، أَو بِجَاهِ فُلَانٍ عِنْدَك وَنَحْوِ ذَلِكَ، الَّذِي تَقَدَّمَ عَن أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.
وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عَن الصَّحَابَةِ؛ بَل عَدَلُوا عَنْهُ إلَى التَّوَسُّلِ بِدُعَاءِ الْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِ.
وَقَد تبَيَّنَ مَا فِي لَفْظِ "التَوَسُّلِ" مِن الاِشْتِرَاكِ بَيْنَ مَا كَانَت الصَّحَابَةُ تَفْعَلُهُ، وَبَيْنَ مَا لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ؛ فَإِنَّ لَفْظَ التَّوَسُّلِ وَالتَّوَجهِ فِي عُرْفِ الصَّحَابَةِ وَلُغَتِهِمْ: هُوَ التَّوَسُّلُ وَالتَّوَجُّهُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، وَلهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَسَّلَ وَيَتَوَجَّهَ بِدُعَاءِ كُل مُؤْمِنٍ.
[١/ ٣٥٠ - ٣٥٦]، [١/ ١٨ - ٢٠]
(^١) البخاري (٤٣٦)، ومسلم (٥٢٩).
1 / 171