تقريب فتاوى ابن تيمية
تقريب فتاوى ابن تيمية
ناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٤١ هـ
پبلشر کا مقام
السعودية
اصناف
يُرِيدُ -وَاللهُ أَعْلَمُ-: أَنَّهُم لَا يَنْفَعُونَ وَلَا يَضُرُّونَ.
وَأَمَّا الشِّرْكُ الْخَفِيُّ فَهُوَ الَّذِي لَا يَكَادُ أَحَدٌ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهُ؛ مِثْلُ أَنْ يُحِبَّ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ.
فَإِنْ كَانَت مَحَبَّتُه للهِ؛ مِثْل حُبِّ النَّبِيّينَ وَالصَّالِحِينَ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ: فَلَيْسَتْ مِن هَذَا الْبَاب؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ أَنْ يُحِبَّ الْمَحْبُوبَ وَمَا أَحَبَّهُ، ويكْرَهَ مَا يَكْرَهُهُ، وَمَن صَحَّتْ مَحَبّتهُ امْتَنَعَتْ مُخَالَفَتُهُ.
وَهَذَا مِيزَان لَمْ يَجْرِ عَلَيْكَ: كُلَّمَا قَوِيَتْ مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ صَغُرَتْ عِنْدَهُ الْمَحْبُوبَاتُ وَقَلَّتْ، وَكُلَّمَا ضَعُفَتْ كَثُرَتْ مَحْبُوبَاتُهُ وَانْتَشَرَتْ.
وَكَذَا الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَمُلَ خَوْفُ الْعَبْدِ مِن رَّبهِ لَمْ يَخَفْ شَيْئًا سِوَاهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٣٩].
وَإِذَا نَقَصَ خَوْفُهُ خَافَ مِن الْمَخْلُوقِ. وَعَلَى قَدْرِ نَقْصِ الْخَوْفِ وَزِيادَتِهِ يَكونُ الْخَوْفُ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَحَبَّةِ وَكَذَا الرَّجَاءُ وَغَيْرُهُ، فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ الَّذِي لَا يَكَادُ أَحَدٌ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهُ إلَّا مَن عَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَقَد رُوِيَ أَنَّ الشِّرْكَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِن دَبِيبِ النَّمْلِ (^١).
وَطَرِيقُ التَّخَلُّصِ مِن هَذِهِ الْآفَاتِ كُلِّهَا: الْإِخْلَاصُ للهِ ﷿، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾. [الكهف: ١١٠].
وَلَا يَحْصُلُ الْإِخْلَاصُ إلَّا بَعْدَ الزُّهْدِ (^٢)، وَلَا زُهْدَ إلَّا بِتَقْوَى، وَالتَّقْوَى مُتَابَعَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. [١/ ٨٨ - ٩٤]
* * *
(^١) رواه أحمد (١٩٦٠٦).
(^٢) ومن الزهد: الزهدُ في حبّ المدح، والزهد في فضول المباحات، والزهدُ في التعلق بالدنيا ولذّاتها ومتعها.
1 / 119