البيوع المحرمة والمنهي عنها
البيوع المحرمة والمنهي عنها
ناشر
دار الهدى النبوي،مصر - المنصورة سلسله الرسائل الجامعيه
ایڈیشن نمبر
الأولى ١٤٢٦ هـ
اشاعت کا سال
٢٠٠٥ م
پبلشر کا مقام
٣٧
اصناف
ـ[البيوع المحرمة والمنهي عنها]ـ
أصل الكتاب: رسالة (دكتوراه)، جامعة الخرطوم، ١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م
المؤلف: عبد الناصر بن خضر ميلاد
الناشر: دار الهدى النبوي، مصر - المنصورة (سلسله الرسائل الجامعيه، ٣٧)
الطبعة: الأولى ١٤٢٦هـ - ٢٠٠٥م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
نامعلوم صفحہ
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الكبير، العليم القدير، الحكيم الخبير، الذي جل عن الشبه والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وصلى الله وسلم على رسوله البشير النذير، السراج الهادي المنير، المخصوص بالمقام المحمود، والحوض المورود، وعلى أصحابه الأطهار الأخيار، وأهل بيته الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وخصهم بالتطهير، وعلى التابعين لهم بإحسان، والمقتدين بهم في كل زمان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الشريعة الإسلامية بقواعدها الكلية، وموازينها المنضبطة، وأسسها الثابتة، وعطائها المستمر، صالحة لكل زمان ومكان، فكمال الشريعة وشمولها من أبرز عوامل ثباتها، فما من نازلة إلاّ ولله سبحانه فيها حكم، ولقد بذل العلماء المسلمون قديمًا وحديثًا جهودًا كبيرة من أجل تقرير قواعدها الشرعية، وإيضاح أحكامها، وتجلية مميزاتها، وترسيخ مفاهيمها، وتجسيدها واقعًا يحتذى به في شتى ضروب الحياة.
وبعد أن وفقني الله في الحصول على شهادة الماجستير، رأيت أن أواصل دراستي العليا، لكي أحصل على شهادة الدكتوراه، وقد رأيت أن يكون بحثي في مجال المعاملات الشرعية.
سبب اختياري للموضوع: إن اختيار الموضوع بالنسبة لطالب العلم ليس بالأمر السهل الهين، بل يحتاج إلى جهد كبير، لأن اختيار موضوع يحتاجه الناس لا يتحقق للباحث بسهولة ويسر دون توفيق من المولى جلّ وعلاّ، ثم بعد الاستخارة والدراسة والمشورة -والحمد لله- فقد يسر الله لي اختيار موضوع "بيع الأعيان المحرمة في الفقه الإسلامي"
وهو موضوع له أهمية عظمى في حياة الناس، لتعلقه بالتعامل وتداول المنافع فيما
1 / 3
بينهم، ويحتاج لوضع الضوابط اللازمة، حتى تظهر أحكامه جلية واضحة، وتحد حدوده حتى لا يقعوا في المحظور، ولا يخفى عليهم غير المحظور، لتتحقق مصالحهم، ويرفع الحرج عنهم، فهداني الله تعالى لأن أخص مسألة "بيع الأعيان المحرمة" بالبحث كي أساهم مع من سبقني في الكتابة في مسائل البيع، لكي يستبين حكم الشرع في بيع الأعيان المحرمة، لأن هذه الأحكام معروضة في كتب الفقه، في أبواب مختلفة، تحتاج إلى جمع ولّم لشملها في موضع واحد، لتسهل معرفتها، خاصة وأن أغلب الناس يجهلون هذه الأحكام، ويصعب عليهم التعامل مع كتب الفقه لاستخلاص أحكامها، وجمع مسائلها، والله أسأل أن أوفيه حقه في البحث وعرض جميع جوانبه، وبذل الجهد والطاقة، بعون الله وتوفيقه.
منهجي في البحث:
بعد أن وفقني الله سبحانه لاختيار موضوع بيع الأعيان المحرمة في الفقه الإسلامي، كان لا بد من تحديد المسلك العلمي اللازم لإعداد هذا البحث في إطار من الوضوح والسهولة واليسر، بغية تحقيق الإفادة الكاملة على النحو المحقق للقصد من البحث، فاقتصرت على المذاهب الفقهية الأربعة، والسبب في هذا أنها معتمدة ومقررة ومقدرة لدى جميع المسلمين، مع تفردها بالاعتدال والوسطية، وفي سبيل هذا راعيت الترتيب الزمني لهذه المذاهب، بدءًا من المذهب الحنفي ثم المالكي ثم الشافعي ثم الحنبلي، بمراعاة ما يرد داخل كل مذهب من أقوال، وذلك في كل مسألة على حدة مهما تناهت في صغرها، مراعيًا في كل مذهب النقل من أمهات الكتب المعتمدة فيه، وذلك بعرض الأقوال داخل المذهب الواحد، موثقًا ذلك بنقل أقوال الأئمة، مرجحًا لما ترجح منها لدي للاعتماد عليه عند الموازنة مع المذاهب الأخرى، حتى يتسنى لي ترجيح الرأي الذي أرى صوابه وصحته وقوة دليله، أو أن الأخذ به والعمل بمقتضاه يحقق مصلحة حقيقية عامة.
وكل هذا بمراعاة الدقة الكاملة، تحقيقًا لمبدأ الأمانة العلمية كأحد أهم أسس المنهج العلمي السليم، محاولًا تدعيم كل قول ورد في مذهب من المذاهب الأربعة بما استدل له به، مع عقد المناقشة اللازمة للأدلة عندما يستدعي الترجيح ذلك، موردًا كل المناقشات والرد
1 / 4
عليها، غير متعصب لرأي مذهب معين، أو فقيه بذاته، واضعًا نصب عيني قوة الدليل، وصحة الاستدلال به، وخلوه من الاعتراض والمناقشة، وتحقيقه للمصلحة أو درءه للمفسدة.
ومن الجدير الإشارة إليه أنني سوف أحرص على مراعاة عرض الخلاصة المعقولة لكل مذهب، أظهر من خلالها ما يستفاد من نصوصه، وهذا التلخيص للمذهب سيسعفني عند عقد الموازنة بين أقوال أصحاب المذاهب الأربعة لإجراء المقابلة والمقارنة بينها، ولتحقيق دمج ما يمكن دمجه منها، لإبراز خلاصة المذاهب مجتمعة في المسألة، لأن هذا سيكون معينًا عند عرض الأدلة ومناقشتها، كي انتهي إلى ترجيح ما هو راجح في كل مسألة على حدة، بناء على قوة ما استدل به، أو على أساس مناقشته لما استدل به خصمه، مع مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية من تحقيق مصالح العباد، تفضلا من الله سبحانه، ورفعًا للحرج، ودفعًا للضيق عنهم.
وعزوت الآيات القرآنية، وخرجت الأحاديث النبوية، وترجمت للأعلام الوارد ذكرها في ثنايا البحث، عند أول ذكر لهذه الأمور، واعتمدت فهرسًا خاصًا بكل منها بعد نهاية البحث، ثم وثقت لأهم المراجع التي استعنت بها، سواء كان ذلك من كتب الفقه المعتمدة، أم الأصول، أم كتب السنة والسيرة والتاريخ، أم كانت من كتب اللغة العربية، أو مقررات المؤتمرات الإسلامية في العالم الإسلامي، واللجان المنعقدة بشأن ما يخصنا في البحث، والفتاوى الصادرة في مسائل البحث على مستوى العالم الإسلامي وحذفتها عند الطباعة حتى لا يكبر حجم الكتاب.
ولقد واجهتني صعوبات جمة في سبيل إعداد هذا البحث بسبب أن موضوعه يشتمل على أمرين مهمين: أحدهما يعد من التراث نصًا. والآخر من المسائل المستحدثة، ومن ذلك على سبيل المثال بيع أجزاء الإنسان، وبيع الأشرطة المسجل عليها بعض الأفلام، والمسلسلات، والصور الفوتوغرافية ونحوها.
فقد كنت أعتقد سهولة الموضوع، غير أنني بعد الولوج فيه وجدته على قدر
1 / 5
كبير من الصعوبة من حيث جمع المادة العلمية، والأدلة، خاصة عند الترجيح لما أراه راجحًا.
فقد استعصت عليّ بعض المسائل، خاصة ما تباينت فيها الآراء، وكثر فيها الجدل، لأن كتب المذاهب فيها كثير من الأخذ والرد والتأييد والنقد والتنازع فيما بينها عند اختلاف وجهات النظر، كما أن بعضها لم يتعرض لذكر الأدلة، أو التعليل لما جاء فيه من أحكام مختلفة، خلال عرضها للأقوال في المسألة داخل المذهب في أغلب الأحيان.
فاستعنت بالله سبحانه فكان توفيقه بمساندة ومساعدة فضيلة الدكتور عبد الرحمن الصديق دفع الله الأستاذ المشارك المشرف على الرسالة في إزالة تلك الصعاب حتى بات الأمر -بحمد الله- في متناول يدي.
خطة البحث:
وقد رأيت أن تكون خطة البحث على النحو التالي:
المقدمة: وتشتمل على سبب اختيار الموضوع، ومنهجي في البحث، وخطة البحث.
التمهيد: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالبيع. وفيه أربعة مطالب.
المبحث الثاني: مشروعية البيع وحكمه.
المبحث الثالث: المقصود بالأعيان المحرمة. وفيه أربعة مطالب.
الباب الأول: في النجاسات: وفيه تمهيد وستة فصول:
التمهيد في بيان اختلاف الفقهاء في حرمة بيع النجاسات وأسبابه
1 / 6
الفصل الأول: بيع الميتة: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: حكم بيع الميتة.
المبحث الثاني: حكم بيع أجزاء الميتة. وفيه ثلاثة مطالب.
المبحث الثالث: خلاصة ما قاله الفقهاء بشأن بيع الميتة.
الفصل الثاني: بيع الدم وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الدم المسفوح.
المبحث الثاني: حكم بيع الدم المسفوح.
المبحث الثالث: خلاصة ما قاله الفقهاء بشأن بيع الدم.
الفصل الثالث: بيع فضلات الإنسان والحيوان: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم المني وحكم بيعه: وفيه مطلبان:
المبحث الثاني: حكم أرواث الحيوانات وحكم بيعها: وفيه ثلاثة مطالب.
الفصل الرابع: بيع الكلب والخنْزير: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم الكلب، وحكم بيعه: وفيه مطلبان.
المبحث الثاني: حكم الخنْزير، وحكم بيعه، وحكم بيع أجزائه. وفيه ثلاثة مطالب.
الفصل الخامس: بيع الخمر: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: حكمة تحريم الخمر.
المبحث الثاني: حكم الخمر.
1 / 7
المبحث الثالث: حكم التداوي بالخمر، وحكم بيعها: وفيه مطلبان.
الفصل السادس: حكم بيع المتنجسات والانتفاع بها.
الباب الثاني: ما نهى الشارع عن الانتفاع به، ويشتمل على ستة فصول:
الفصل الأول: بيع أواني الذهب والفضة: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم أواني الذهب والفضة. وفيه مطلبان.
المبحث الثاني: حكم المضبب بالذهب والفضة وفيه تسعة مطالب.
الفصل الثاني: بيع الأصنام والصور: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: بيان حكم الشرع للصور بأنواعها: وفيه مطلبان.
المبحث الثاني: حكم بيع الصور بأنواعها.
المبحث الثالث: في المستثنيات.
الفصل الثالث: بيع آلات اللهو: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: آلات اللهو: وفيه مطلبان.
المبحث الثاني: النرد: وفيه مطلبان
المبحث الثالث: الشطرنج: وفيه مطلبان.
الفصل الرابع: بيع المخدرات والمفترات: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالمخدرات والمفترات.
المبحث الثاني: حكم بيع المخدرات.
المبحث الثالث: حكم بيع المفترات.
1 / 8
الفصل الخامس: بيع الإنسان الحر وأجزائه وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم بيع الإنسان الحر.
المبحث الثاني: حكم نقل وبيع بعض أجزاء الإنسان الحر: وفيه مطلبان.
الفصل السادس: بيع الأشياء المحرمة لقدسيتها: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: بيع المصحف.
المبحث الثاني: بيع المصحف للكافر.
المبحث الثالث: بيع أرض مكة المكرمة.
ثم أنهيت البحث بعمل خاتمة ثم خلاصة وافية لأهم ما ورد فيه، ثم عرضت لتنظيم الفهارس الفنية، مع بيان بأهم المراجع والفهارس العامة للرسالة.
وأسأل الله سبحانه أن ينال عملي هذا القبول، وأن يكون خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به يوم أن نلقاه، وعلى الله قصد السبيل، وصلى الله وسلم وأنعم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
وعرفانًا بالفضل واعترافا بالجميل وعملا بقوله تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ ١.
وقوله ﷺ: "من لم يشكر النّاس لم يشكر الله" ٢.
أتقدم بالشكر الجزيل إلى جمهورية السودان التي فتحت أبوابها لطلبة العلم، كما وأشكر جامعة الخرطوم ممثلة بكلية القانون ممثلة بقسم الشريعة الإسلامية الذي أتاح لي هذه الفرصة الثمينة لمواصلة الدراسة في هذا العلم الشريف لنشر تعاليم الإسلام الحنيف، فأسأل الله تعالى أن يوفق القائمين عليها وأن يسدد خطاهم ويجزيهم عنا خير الجزاء.
كما أتقدم بخالص الشكر وعظيم التقدير إلى من وجدت منه شيم العلماء العاملين، ويقين المخلصين وأخلاق العباد الصالحين، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله
_________
١ سورة إبراهيم: آية ٧.
٢ أخرجه الترمذي في البر والصلة ٤/٣٣٩، وقال حسن صحيح حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 9
أحد. فضيلة الدكتور/ عبد الرحمن الصديق دفع الله أستاذ الشريعة الإسلامية المشارك بكلية القانون، الذي أعتز بالتتلمذ على يديه، حيث عاملني معاملة الوالد لولده والأخ لأخيه، فما بخل بنصح وما ضن عليّ بإرشاد، فكان واسع الصدر بشوش الوجه لين الجانب كثير الصبر، فما مل من اتصالي ولقائي، ولا قصر في جواب عن سؤالي، حتى خرج البحث على هذه الصورة، فقد وجدته عالمًا عاملًا مدققًا محققا صاحب إشارات دقيقة وعبارات رقيقة، فكانت توجيهاته نافعة، وفرت علىّ جهدًا ووقتًا كبيرًا، فنصحني بألطف وأدق إشارة، فمند تفضله بقبول الإشراف على هذه الرسالة -رغم شواغله الجمة- وهو يتعهدني بالرعاية والعناية والنصح السديد والإشارات القيمة، فكان نعم الأستاذ والمعلم والموجه - حفظه الله ذخرا للإسلام والمسلمين - فقد قوي عزمي على يديه حيث شد ساعدي وأقال عثراتي وذلل لي الصعاب، فالله أسأل أن يحفظه ويبارك فيه ويطيل عمره ويمده بالصحة والعافية، وأن يجعل هذا العمل في سجل حسناته، وأن يجزيه عني خير الجزاء إنه نعم المولى ونعم النصير.
كما لا يفوتني أن أشكر كل من قدم لي معروفا أو أسدى إليّ نصحًا أو وقف بجانبي في إنجاح هذا العمل من الأخوة والأصدقاء والزملاء.
فجزى الله الجميع خير الجزاء، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 / 10
التمهيد
المبحث الأول: التعريف بالبيع
المطلب الأول: البيع لغة
البيع لغة: مقابلة شيء بشيء على وجه المعاوضة، فهو مقابلة المال بالمال، وقيل: المبادلة.
والبيع مصدر باع يبيع بيعًا مبيعًا وهو شاذ وقياسه مباعًا، والابتياع الاشتراء، وهو والشراء ضدان١.
فقد جاء في لسان العرب: "البيع: ضد الشراء، والبيع: الشراء أيضًا، وهو من الأضداد، وبعت الشيء شريته أبيعه بيعًا ومبيعًا وهو شاذ، وقياسه مباعًا، والابتياع الاشتراء ... وابتاع الشيء: اشتراه، وأباعه: عرضه للبيع ... والبيعان: البائع والمشتري، والبيع اسم المبيع ... والبياعات: الأشياء التي يبتاع بها في التجارة ... والبيع: الصفقة"٢.
ويطلق البيع على الشراء أيضًا، والعرب تقول: بعت الشيء بمعنى اشتريته، فالبيع من أسماء الأضداد التي تطلق على الشيء وضده، مثل الشراء.
جاء في مختار الصحاح: "باع الشيء يبيعه بيعًا ومبيعًا شراه، وهو شاذ، وقياسه مباعًا، وباعه أيضًا اشتراه، فهو من الأضداد"٣.
فلفظ البيع والشراء يطلق كل منهما على ما يطلق عليه الآخر، فهما من الألفاظ المشتركة بين المعاني المتضادة، فيطلق على كل من المتعاقدين أنه بائع ومشتر، يقال: بعت الشيء بمعنى بعته أي أخرجته عن ملكي وبمعنى اشتريته أي أدخلته في ملكي،
_________
١ الضدان: هما صفتان وجوديتان يتعاقبان في موضع واحد يستحيل اجتماعهما ويمكن ارتفاعهما كالسواد والبياض. راجع: التعريفات للجرجاني صفحة ١٨.
٢ ابن منظور ١/٥٥٦ - ٥٥٨.
٣ محمد بن أبي بكر الرازي صفحة ٥٣.
1 / 13
ويقال: شريت الشيء بمعنى شريته وبعته، قال تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ ١ أي باعوه، غير أنه إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة، وإذا أطلق المشتري فالمتبادر دافع الثمن.
جاء في المصباح المنير: "ويطلق على كل واحد من المتعاقدين أنه بائع، ولكن إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة، ويطلق البيع على المبيع"٢.
والبيع مشتق من الباع، وذلك لأن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه للأخذ والعطاء، ويحتمل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه أي يصافحه عند البيع، فسمي البيع صفقة، وذلك لأن أحد المتعاقدين يصفق يده على يد صاحبه٣.
وعلى هذا: فالمستقر عند علماء اللغة أن البيع يطلق على المبادلة، وأن لفظ البيع والشراء يطلق كل منهما على ما يطلق عليه الآخر، فهما من الألفاظ المشتركة بين المعاني المتضادة، وأن عرف الناس والفقهاء قائم على تخصيص البيع بجانب باذل السلعة، وتخصيص الشراء بجانب باذل الثمن، فالمبادلة للمال بالمال هي الأصل اللغوي للبيع.
_________
١ سورة يوسف: الآية ٢٠.
٢ أحمد محمد الفيومي ١/ ٦٩.
٣ البيوع الشائعة وأثر ضوابط المبيع على شرعيتها للدكتور/ محمد توفيق البوطي صفحة ٢٢ – ٢٣.
المطلب الثاني: البيع اصطلاحًا اختلفت عبارة الفقهاء بشأن تعريف البيع في الاصطلاح الفقهي، والثابت لديهم أنه مبادلة ما ل بمال على وجه مخصوص: الحنفية: يرون أن البيع مبادلة مال بمال بشرط تراضي الطرفين. فقد جاء في شرح فتح القدير: "هو مبادلة المال بالمال بالتراضي بطريق الاكتساب"١. المالكية: عرفوا البيع بأنه عقد معاوضة على غير منافع. جاء في مواهب الجليل: "دفع عوض في معوض"٢. وفي الشرح الصغير: "عقد معاوضة على غير _________ ١ ابن الهمام ٦/٢٤٧. ٢ الحطاب ٤/٢٢٢.
المطلب الثاني: البيع اصطلاحًا اختلفت عبارة الفقهاء بشأن تعريف البيع في الاصطلاح الفقهي، والثابت لديهم أنه مبادلة ما ل بمال على وجه مخصوص: الحنفية: يرون أن البيع مبادلة مال بمال بشرط تراضي الطرفين. فقد جاء في شرح فتح القدير: "هو مبادلة المال بالمال بالتراضي بطريق الاكتساب"١. المالكية: عرفوا البيع بأنه عقد معاوضة على غير منافع. جاء في مواهب الجليل: "دفع عوض في معوض"٢. وفي الشرح الصغير: "عقد معاوضة على غير _________ ١ ابن الهمام ٦/٢٤٧. ٢ الحطاب ٤/٢٢٢.
1 / 14
منافع"١.
الشافعية: يرون أن البيع هو عقد معاوضة مالية يؤدي إلى ملك عين أو منفعة مباحة على التأبيد.
جاء في حاشية قليوبي: " ... عقد معاوضة مالية يفيد ملك عين أو منفعة على التأبيد لا على وجه التحريم"٢.
الحنابلة: عرفوا البيع بأنه مبادلة مال بمال – أو منفعة مباحة على التأبيد في مقابل عوض مالي. جاء في كتاب الوجيز نقلًا عن الإنصاف: "تمليك عين مالية أو منفعة مباحة على التأبيد بعوض مالي ... "٣.
الموازنة: اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف البيع، إلاَّ أن المعنى واحد، وهو مبادلة مال بمال عن طريق التراضي، ومع ذلك نجد اختلافًا في بيع المنافع، فالحنفية لا يعتبرون المنافع مالًا وعليه لا يصح بيعها، والمالكية وإن اعتبروا المنافع أموالًا إلاَّ أنهم لم يعتبروا تبادل المنفعة بيعًا، في حين أن الشافعية والحنابلة اعتبروا أن تبادل المنفعة بالمال بيعٌ إذا كان تمليك المنفعة على وجه التأبيد.
وأرى أن ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة هو الصواب، والتعريف الراجح لدي هو الذي ذكره صاحب الوجيز من أنه: "تمليك عين مالية أو منفعة مباحة على التأبيد بعوض مالي".
_________
١ أحمد محمد الدردير ٢/٣٤١ – ٣٤٢.
٢ ٢/١٥٢.
٣ المرداوي ٤/٢٤٩.
المطلب الثالث: أركان البيع اختلف الفقهاء في تحديد أركان البيع هل هي الصيغة الإيجاب والقبول أو مجموع الصيغة والعاقدين البائع والمشتري والمعقود عليه أو محل العقد المبيع والثمن. مذهب الحنفية: اعتبروا ركن البيع هو الإيجاب والقبول فقط، فقد جاء في بدائع الصنائع: " ... وأما ركن البيع فهو مبادلة شيء مرغوب فيه بشيء مرغوب فيه، وذلك قد يكون بالقول، وقد يكون بالفعل، أما القول فهو المسمى بالإيجاب والقبول
المطلب الثالث: أركان البيع اختلف الفقهاء في تحديد أركان البيع هل هي الصيغة الإيجاب والقبول أو مجموع الصيغة والعاقدين البائع والمشتري والمعقود عليه أو محل العقد المبيع والثمن. مذهب الحنفية: اعتبروا ركن البيع هو الإيجاب والقبول فقط، فقد جاء في بدائع الصنائع: " ... وأما ركن البيع فهو مبادلة شيء مرغوب فيه بشيء مرغوب فيه، وذلك قد يكون بالقول، وقد يكون بالفعل، أما القول فهو المسمى بالإيجاب والقبول
1 / 15
في عرف الفقهاء ... "١.
مذهب المالكية: ذكروا أن أركان البيع عندهم خمسة هي: البائع، والمشتري، والمبيع، والثمن، والصيغة الإيجاب والقبول. جاء في الشرح الصغير: " ... وركنه أي أركانه التي تتوقف عليها حقيقته ثلاثة، هي في الحقيقة خمسة: عاقد من بائع ومشتري ومعقود عليه من ثمن ومثمن والثالث صيغة أو ما يقوم مقامها مما يدل على الرضا، وإليه أشار بقوله: وما دل على الرضا في قول، أو إشارة، أو كتابة، من الجانبين أو أحدهما، بل وإن كان ما يدل عليه معاطاة من الجانبين ولو في غير المحقرات ... "٢.
مذهب الشافعية: عدوا أركان البيع ستة هي: البائع، والمشتري، والمبيع، والثمن، والإيجاب، والقبول. فقد جاء في مغني المحتاج: " ... وأركانه كما في المجموع ثلاثة، وهي في الحقيقة ستة: عاقد وهو بائع ومشتري ومعقود عليه وهو ثمن ومثمن، وصيغة هي إيجاب وقبول ... "٣.
مذهب الحنابلة: ذكروا أن أركان البيع ثلاثة: عاقد ومعقود عليه ومعقود به، فمرادهم بالعاقد البائع والمشتري، وبالمعقود عليه المبيع والثمن، وبالمعقود به الصيغة وهي الإيجاب والقبول.
فقد جاء في شرح منتهى الإرادات: " ... وأركان البيع ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، ومعقود به وهو الصيغة ... "٤.
الموازنة: بمراجعة ما ذكره الفقهاء نجد أنهم قد اختلفت عباراتهم في عد أركان البيع، إلاَّ أنهم رغم ذلك متفقون في الجملة في عد هذه الأركان، فالحنفية الذين قالوا إن ركن البيع هو الصيغة فالصيغة عندهم تقتضي إيجابًا وقبولًا، والإيجاب يقتضي بائعًا ومبيعًا، والقبول يقتضي مشتريًا وثمنًا، فالذي يتضح لنا أن أقوال الفقهاء تؤدي إلى أن أركان البيع هي: البائع والمشتري والمبيع والثمن والصيغة "الإيجاب والقبول".
_________
١ الكاساني ٥/١٣٣.
٢ أحمد محمد الدردير ٢/٣٤٢ – ٣٤٣.
٣ الشربيني ٢/٤.
٤ البهوتي: ٢/٦١١.
1 / 16
المطلب الرابع: شروط المعقود عليه "المبيع"
بما أن موضوع بحثنا هو بيع الأعيان المحرمة، وكما هو معلوم فإنه لا بد من توافر شروط معينة في كل ركن من أركان البيع، فسوف أذكر باختصار شروط المبيع عند الفقهاء، لأن المعقود عليه هو محل العقد وهو موضوع دراستنا.
الحنفية: يرون أنه يشترط في المعقود عليه عدة شروط، منها: كونه موجودًا حين العقد، وعلى هذا فلا يصح بيع المعدوم مثل بيع المضامين والملاقيح، ومنها: كونه مالًا، وقالوا إن المال هو ما يميل إليه الطبع، ويجري فيه البذل، فما ليس بمال ليس محلًا للبيع، وسبب اشتراطهم هذا الشرط لانعقاد البيع أنهم يعتبرون البيع مبادلة مال بمال، ومنها: كونه مملوكًا للعاقد ملكًا تامًا، أو مأذونًا في بيعه، فلا ينعقد البيع لما ليس بمملوك، ومنها: كون المبيع مقدورًا على تسليمه للمشتري، فلا ينعقد البيع إلاَّ إذا كان المبيع مقدور التسليم، وعلى هذا فلا ينعقد بيع الجمل الشارد ونحو ذلك، لما في هذا من الغرر المؤثر في العقد.
فقد جاء في بدائع الصنائع: "وأما الذي يرجع إلى المعقود عليه فأنواع: منها: أن يكون موجودًا، فلا ينعقد بيع المعدوم ... ومنها: أن يكون مالًا، لأن البيع مبادلة المال بالمال ... ومنها: أن يكون مملوكًا، لأن البيع تمليك فلا ينعقد فيما ليس بمملوك ... ومنها: أن يكون مقدور التسليم ... "١.
المالكية: اشترطوا في المعقود عليه عدة شروط بحيث لا يصح العقد عند الإخلال بأحد هذه الشروط، سواء فيما يتعلق بالمبيع أم بالثمن، ومن هذه الشروط: كون المعقود عليه ثمنًا، أو مثمنًا طاهرًا، فلا يصح بيع نجس العين كالميتة والدم والخنْزير، ولا المتنجس الذي لا يمكن تطهيره، ومنها: كونه مباحًا منتفعًا به انتفاعًا شرعيًا، فلا يصح بيع غير المباح ولو مكروهًا، ولا بيع الحشرات لعدم الانتفاع بها، ومنها: كونه مقدورًا على تسليمه، فلا يصح بيع الآبق لعدم إمكان تسليمه، وكذا الطير في الهواء
_________
١ الكاساني ٥/١٣٨، ١٤٠، ١٤٦، ١٤٧.
1 / 17
والسمك في الماء ونحو ذلك، ومنها: كون المعقود عليه غير منهي عنه، فلا يصح بيع ما نهي عنه كبيع المزابنة١ ونحوه، وقد عبروا عن هذا الشرط بكونه غير محرم البيع، حتى ولو كان التحريم يتعلق ببعض المعقود عليه فقط، ومنها: كون المعقود عليه غير مجهول لكل من المتعاقدين، وذلك لأن الجهالة مبناها الغرر وهذا من الأمور النافية لصحة التعاقد، فلا يصح بيع المجهول سواء كان مجهول الذات أم الجنس أم الصفة أم القدر أم الأجل ونحو ذلك، حتى يحصل العلم بكل ما يميز المبيع عن غيره.
فقد جاء في الشرح الكبير: "وشرط للمعقود عليه أي شرط لصحة بيع المعقود عليه ثمنًا أو مثمنًا طهارة وانتفاع به وإباحة وقدرة على تسليمه وعدم نهي وجهل به ... وشرط له عدم نهي من الشارع عن بيعه وشرط له قدرة عليه أي على تسليمه وتسلمه ... وشرط للمعقود عليه "عدم حرمة" لبيعه ... أو لبعضه ... وشرط عدم جهل منهما أو من أحدهما بمثمون ... أو ثمن ... ولو تفصيلًا ... "٢.
الشافعية: يشترطون في المبيع طهارة عينه، فلا يصح بيع النجس عندهم كالخمر والخنْزير والميتة والدم ونحو ذلك، وكونه منتفعًا به فلا يصح بيع ما لا ينتفع به كالحشرات ونحوها، ومن شروط المبيع عندهم كونه مقدورًا على تسليمه فبيع الشارد والناد والطير في الهواء والسمك في الماء غير صحيح لفقدان هذا الشرط، ومنها: كون المبيع مملوكًا لمن له العقد، فلا يصح بيع مال الغير إلاَّ إذا أجازه مالكه، ويشترط على كل من المتبايعين العلم بالمبيع، وعليه لا يصح بيع المجهول لهما لأنه يؤدي للمنازعة بسبب ما يشوبه من غرر، وقد اختلف الشافعية بشأن صحة بيع الغائب، فالأظهر في المذهب أنه لا يصح، والثاني يقول بصحته مع إثبات الخيار عند الرؤية.
فقد جاء في مغني المحتاج: "وللمبيع شروط: طهارة عينه ... النفع ... إمكان
_________
١ المزابنة: بضم الميم، مفاعلة من الزبن وهو الدفع الشديد، ومنه الزبانية ملائكة النار، لأنهم يزبنون الكفرة فيها أي يدفعونهم.
واصطلاحا: بيع شيء رطب بيابس من جنسه تقديرا. راجع: المصباح المنير للفيومي صفحة ٢٥١، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية للدكتور محمود عبد الرحمن عبد المنعم ٣/٢٦٥-٢٦٦.
٢ الدردير ٣/١٠ –١٥.
1 / 18
تسليمه ... المِلكُ لمن له العقد ... العلم به ... والأظهر أنه لا يصح بيع الغائب، والثاني يصح ويثبت الخيار عند الرؤية"١.
الحنابلة: اشترطوا في المعقود عليه سواء كان مبيعًا أم ثمنًا عدة شروط: منها: كونه مالًا، وذلك لأن كلًا منهما في مقابلة المال فعنصر المالية يشترط في كل من المبيع والثمن لاعتبار العقد صحيحًا شرعًا، ومنها: كون المبيع مملوكًا للبائع، فلا يصح بيع غير المملوك للعاقد حين العقد، ومنها: كون المبيع وكذا الثمن مقدورًا على تسليمه حال العقد، وذلك لأن غير المقدور على تسليمه شبيه المعدوم، والمقرر لديهم أن بيع المعدوم غير صحيح، فكان بيع غير المقدور على تسليمه غير صحيح لذات السبب، ومنها: كون المبيع معلومًاُ للمتعاقدين، فلا يصح بيع المجهول، لأن الجهالة تفضي إلى المنازعة بين المتعاقدين بسبب ما تحمله من غرر مؤثر في العقد.
فقد جاء في كشاف القناع: "أن يكون المبيع والثمن مالًا، لأنه مقابل بالمال ... أن يكون المبيع مملوكًا لبائعه ... أن يكون المبيع ومثله الثمن مقدورًاُ على تسليمه حال العقد، لأن ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم، والمعدوم لا يصح بيعه، فكذا ما أشبهه ... أن يكون المبيع معلومًا لهما ... "٢.
الموازنة: بعد مراجعة أقوال الفقهاء ونصوص كتبهم في تحديد شروط المعقود عليه نجد أنهم قد اتفقوا في تحديد بعض الشروط والنص عليها، كما وجدنا أن بعضهم قد انفرد بذكر شروط لم يتعرض لذكرها أو النص عليها غيرهم.
أولًا: الشروط التي اتفق عليهما جميع الفقهاء:
١- أن يكون المعقود عليه مالًا
٢- أن يكون مملوكًا للعاقد أو لموكله أو لمن هو تحت ولايته.
٣- أن يكون مقدورًا على تسليمه.
_________
١ الشربيني ٢/١٥ – ٢٦.
٢ البهوتي ٤/١٣٨٢، ١٣٨٨، ١٣٩٢، ١٣٩٣.
1 / 19
٤- أن يكون المبيع موجودًا حين العقد، فلا يصح بيع المعدوم وقت البيع إلاَّ في السلم.
٥- أن يكون معلومًا لكل من العاقدين فلا يصح بيع المجهول، والعلم يحصل بكل ما يميز المبيع من غيره ويمنع المنازعة.
ثانيًا: الشروط التي أوردها بعض الفقهاء:
١- نص كل من المالكية والشافعية على شرط الطهارة في المبيع في حين أن الحنفية والحنابلة لم ينصوا على هذا الشرط.
فالحنفية لا يشترطون الطهارة في المبيع، فيصح بيع النجس عندهم، أما الحنابلة وإن لم ينصوا على شرط طهارة المبيع فإنه لا يصح بيع النجس عندهم١، وزاد المالكية أن يكون المبيع منتفعًا به انتفاعًا شرعيًا، فلا يصح عندهم بيع الحشرات لعدم الانتفاع بها، وانفردوا بذكر شرطين آخرين هما:
أـ أن لا يكون المبيع منهيًا عن بيعه كبيع الكلب، أو منهيًا عن بعضه إذا علم المتبايعان أو أحدهما بالنهي عن بيع البعض لا إن لم يعلما بذلك وهذا يفيد أنه لا يجوز بيع غير المباح حتى ولو كان مكروهًا فقط.
ب - أن لا يكون المبيع محرمًا بيعه، وذكر الدردير٢ أن هذا الشرط مستغنىً عنه بالشرط السابق، وهو عدم النهي، وسبب ورود ذكره هو ليرتب عليه قوله أو لبعضه.
_________
١ وسوف يأتي تفصيل هذا في فصل بيع النجاسات من هذا البحث.
٢ الشرح الكبير ٣/١٥.
والدردير: هو أبو البركات أحمد بن محمد العدوي الأزهري الشهير بالدردير، ولد ﵀ عام ١١٢٧؟ في بني عدي بمصر وتعلم بالأزهر، من مصنفاته أقرب المسالك وشرحه، ونظم الخريدة السنية في التوحيد توفي رحمه الله تعالى بالقاهرة سنة ١٢٠١؟. راجع: شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف صفحة ٣٥٩، الأعلام للزركلي ١/٢٤٤.
1 / 20
المبحث الثاني: مشروعية البيع وحكمه
ثبتت مشروعية البيع بالكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا﴾ ١، وقوله: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ ٢
وقوله: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ ٣، وقوله سبحانه: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ ٤.
فهذه الآيات الكريمة تقرر حل البيع وإباحته للناس، كأسلوب لتبادل المنافع مما لا غنى للإنسان عنه، وفي هذا التوسعة وتحقيق التكامل بين العباد، فالتبايع والتجارة عن رضا، ومن خلال ما شرعه الله سبحانه محل عناية الشرع حلًا وإباحة وحثًا للناس على صونها بالأطر التي حددتها الشريعة الإسلامية الغراء.
أما السنة: فمنها أحاديث كثيرة ومن هذا: قوله ﷺ حين سئل أي الكسب أطيب قال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور" ٥، أي لا غش فيه ولا خيانة.
وقوله ﷺ: "إنما البيع عن تراض" ٦، وقوله ﷺ: "لأن يأخذ أحدكم حبلة على
_________
١ سورة البقرة: الآية ٢٧٥.
٢ سورة البقرة: الآية ٢٨٢.
٣ سورة النساء: الآية ٢٩.
٤ سورة البقرة: الآية ١٩٨.
٥ الحديث أخرجه البزار في مسنده ٩/٢٥٩، والحاكم في المستدرك ٢/١٢ وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في السنن ٥/٢٦٣، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٤/٦٠ راجع: التلخيص الحبير ٣/٥-٦.
٦ الحديث أخرجه ابن ماجه في السنن ٢/٧٣٦-٧٣٧ برقم ٢١٨٥ وابن حبان في صحيحه ١١/٣٤٠ والبيهقي في السنن ٦/١٧. وصححه الشيخ الألباني، راجع: إرواء الغليل للشيخ الألباني ٥/١٢٥-١،٢٦ برقم ١٢٨٣.
1 / 21
ظهره فيأتي بحزمة حطب فيبيعها فيكف بها وجهه خير من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه" ١، وقوله ﷺ: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" ٢.
وقد بعث النبي ﷺ والناس يتبايعون فأقرهم عليه وقال: "التاجر الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" ٣.
فهذه النصوص تقرر أن البيع هو أطيب ما كسبه الإنسان، وأنه لا يقل عن عمل الرجل بيده، فالبيع المبرور - وهو غير المقرون بالغش والخيانة والقائم على الرضا بين المتعاقدين - هو أساس التنمية، وفيه سد لإحتياجات الناس، طالما كان ذلك بصدق وأمانة.
وأن التجار الملتزمين بضوابط الأمانة مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
وقد أجمعت الأمة على جواز البيع والتعامل به من عهد رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا، فضلًا عن أن الحكمة تقتضيه، لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه وصاحبه لا يبذله بغير عوض، ففي شرع البيع وتجويزه طريق لوصول كل إنسان إلى غرضه ودفع حاجته.
الحكمة من مشروعية البيع: البيع مشروع للتوسعة على العباد لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه وصاحبه لا يبذله بغير عوض، فكان تشريع البيع طريقًا إلى تحقيق كل واحد غرضه ودفع حاجته والإنسان مدني بالطبع، لا يستطيع العيش بدون التعامل والتعاون مع الآخرين، فالإنسان بمفرده لا يستطيع توفير حاجياته من الغذاء والكساء وغيرها، وقد يجنح بمقتضى حاجته الملحة إلى أخذ ما في يد الغير عن طريق المغالبة أو المقاهرة، أو يلجأ إلى السؤال وتكفف أيدي الناس، وفي ذلك من المفاسد العظام ما لا
_________
١ الحديث أخرجه البخاري ٢/١٨ وابن ماجة في السنن ١/٥٨٨ برقم ١٨٣٦ وأحمد ١/١٦٤، ١٦٧ من حديث الزبير بن العوام ﵁.
٢ الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري ٨٢-٨٣ برقم ٢٠٧٩ ومسلم ٣/١١٦٤ برقم ١٥٣٢.
٣ الحديث أخرجه الترمذي ٢/٤٩٨ برقم ١٢٠٩ والدارمي ٢٥٤٢ والدارقطني ٣/٧.
1 / 22
يخفى، ومن الذل والصغار ما لا يقدر عليه الإنسان.
فالبيع قد شرعه الله سبحانه توسعة منه على عباده، فإن لكل فرد من أفراد النوع الإنساني ضرورات من الغذاء والكساء وغيرها مما لا غنى للإنسان عنه ما دام حيًا، وهو لا يستطيع وحده أن يوفرها لنفسه
لأنه مضطر إلى جلبها من غيره، وليس ثمة طريق أكمل من المبادلة، فيعطي ما عنده مما يمكنه الاستغناء عنه، بدل ما يأخذه من غيره مما هو في حاجة إليه.
ولكل هذا: اقتضت حكمة البارىء سبحانه شرعية البيع والشراء، وتنظيمه بما يكفل رفع الحرج والمشقة عن الناس ودوام البقاء.
هذا: ويعتبر البيع والشراء في الجملة من الأمور الحاجية١ التي قصد التشريع الإسلامي توفيرها للناس، وقد يرقى إلى الأمور الضرورية عند ما يؤدي عدمه إلى فوات أصل من الأصول الخمسة، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
_________
١ الحاجيات: هي التي يحتاج إليها الناس للتيسير عليهم ورفع الحرج ودفع المشقة عنهم بحيث إذا فقدت وقع الناس في ضيق دون أن تختل الحياة، ولهذا فكل ما قصد به دفع المشقة ورفع الحرج والاحتياط للكليات الخمس فهو حاجي.
والضروريات: هي التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت اختل نظام الحياة، وعمت الفوضى والمفاسد، وضاعت المصالح، وفات النعيم، وحل العقاب في الآخرة، فهي كل ما يؤدي عدمه إلى فوات أصل من الأصول الخمسة. أصول الفقه/ للدكتور زكي الدين شعبان صفحة ٢٩٧.
1 / 23