Personal Status Rulings in Islamic Sharia
أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية
ناشر
مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة
ایڈیشن نمبر
الثانية
اشاعت کا سال
١٣٥٧هـ- ١٩٣٨م
اصناف
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد، أقمت الدليل، فأنرت السبيل، وأرسلت المرسلين، مبشرين ومنذرين، وقلت وقولك الحق: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا﴾ .
وهذه أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية، جمعت فيها بين مذهب الإمام أبي حنيفة وما عليه العمل الآن بالمحاكم الشرعية المصرية من المذاهب الأخرى، وراعيت قدر استطاعتي أن أبسط عبارة الحكم وأقرنه بدليله وحكمة تشريعه، وأذكر مواد القوانين الموضوعية التي أخذت من المذاهب الأخرى والأسباب الباعثة على الأخذ بها، وما صدر بشأنها من المنشورات والمذكرات الإيضاحية.
وإني أعترف بالفضل للسابقين، وأسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء، ويوفقني إلى ما أبتغيه من خدمة الفقه الإسلامي ونفع طالبيه،
عبد الوهاب خلاف
رجب سنة ١٣٥٥هـ "أكتوبر سنة ١٩٣٦م"
1 / 3
الموضوعات:
الزواج:
تعريفه، حكمة تشريعه ١٣
مقدمات الزواج:
الخطبة، ما يباح فيها١٦، من تباح خطبتها١٨، فسخ الخطبة وما يترتب عليه ٢٠.
أركان الزواج:
الإيجاب والقبول وما يشترط فيهما٢١
شروط الزواج:
شروط انعقاده أربعة ٢٣، شروط صحته اثنان ٢٥، شروط نفاذه اثنان ٢٧، شروط لزومه واحد ٢٨، شروط سماع الدعوى به اثنان ٢٩، شروط تسجيله في الوثيقة الرسمية واحد ٣٢.
صيغة الزواج:
تنجيزها وتعليقها وإضافتها إلى زمن مستقبل واقترانها بشرط ٣٦.
حكم الزواج:
إما فرض أو واجب أو سنة أو حرام أو مكروه ٣٨، حكم الزواج الباطل، حكم الزواج الفاسد ٣٩، حكم الزواج الموقوف، حكم الزواج الصحيح النافذ ٤٢.
المحرمات من النساء:
حكم تحريمهن ٤٤، المحرمات تحريما مؤبدا: بسبب النسب، بسبب المصاهرة ٤٦، بسبب الرضاع ٤٨، المحرمات تحريما مؤقتا: زوجة الغير ومعتدته ٥١، المحرم على المحرم ٥٢، الخامسة لمن في عصمته أربع ٥٣، المطلقة ثلاثا، من لا تدين بدين سماوي ٥٥، الأمة على الحرة ٥٧.
1 / 5
الولاية على الزواج:
من تثبت عليه ولاية التزويج، من تثبت له ولاية التزويج ٥٨، ترتيب الأولياء في حق التزويج ٥٩، شروط الولي، غيبة الولي وعضله ٦١، أحكام تزويج الأولياء ٦٢، أحكام تزوج الكبير أو الكبيرة بنفسه ٦٤.
الوكالة بالزواج:
من له حق التوكيل وسلطة الوكيل في إنابة غيره عنه ومهمته ٦٦، متى ينفذ تزويج الوكيل على موكله ومتى لا ينفذ ٦٧، متى ينفذ تزويج الوكيل على موكلته ومتى لا نيفذ ٦٨.
الكفاءة في الزواج:
التكافؤ للزواج معتبر في أمور ستة ٧٠، من له الحق في الكفاءة ٧٢، فيمن تعتبر الكفاءة ومتى تعتبر٧٤.
حقوق الزوجة على زوجها:
١- المهر: تعريفه وسبب وجوبه ودليل وجوبه ٧٦، أقل المهر شرعا وما يصح أن يكون مهرا ٧٧، من له الحق في المهر ٧٨، متى يكون المهر الواجب عشرة دراهم فقط ٧٩، متى يكون المهر الواجب مهر المثل ٨٠، متى يكون المهر الواجب هو المسمى في العقد، متى يكون المهر الواجب أقل هذين المهرين ٨١، زيادة المهر بعد العقد والحط منه ٨٢، متى يجب للزوجة مهرها بتمامه ٨٣، متى يجب للزوجة نصف مهرها ٨٦، متى يجب للزوجة المتعة ٨٩، متى لا يجب للزوجة شيء من المهر، اقتران المهر بشرط ٩٠، قبض المهر وحق التصرف فيه ٩٣، ضمان المهر ٩٥، هلاك المهر واستهلاكه واستحقاقه ٩٧، قضايا المهر ٩٨، الجهاز وأثاث البيت ١٠٢، قضايا الجهاز والأثاث١٠٤.
٢- نفقة الزوجية: تعريفها ودليل وجوبها وسبب استحقاقها ١٠٦، شروط استحقاقها ومن تستحقها ومن لا تستحقها ١٠٧، تقدير النفقة وأساس تقديرها ١١١، نفقة زوجة الغائب ١١٤، متى تكون نفقة الزوجة دينا على زوجها ١١٦.
٣- عدم الإضرار بالزوجة: دليله وما يترتب على الإضرار ١٢٠.
٤- العدل بين الزوجات: دليله والمراد به شرعا ١٢١.
1 / 6
حقوق الزوج على زوجته:
١- الطاعة: دليلها والمراد منها شرعا ١٢٢.
٢- ولاية التأديب: دليلها وحدودها شرعا ١٢٣.
الحقوق المشتركة بين الزوجين:
حسن المعاشرة وحرمة المصاهرة والتوارث وملك المتعة ١٢٣.
زواج المسلم بالكتابيات:
حكمه والفروق بينه وبين زواجه بالمسلمة ونظام عقده في مصر ١٢٤.
زواج غير المسلمين بعضهم ببعض:
حكمه ومتى يتعرض لهم فيه ومتى لا يتعرض ١٢٧.
الطلاق:
تعريفه ١٣١، حكمة تشريعه ١٣٢، لم استقل به الزوج دون الزوجة ولم شرع ثلاثا ١٣٣، من يقع منه الطلاق ١٣٤، من يقع عليها الطلاق ١٣٦، ما يقع به الطلاق ١٣٨، عدد الطلقات١٣٩.
صيغة الطلاق:
إما منجزة أو معلقة أو مضافة إلى زمن مستقبل أو يمين ١٤١.
أنواع الطلاق:
إما رجعي أو بائن بينونة صغرى أو بائن بينونة كبرى ١٤٣.
حكم الطلاق:
الأصل فيه الحظر وقد يكون واجبا ومندوبا وسنيا وبدعيا ١٤٦، الطلاق الرجعي وحكمه ١٤٨، الطلاق البائن بينونة صغرى وحكمه ١٥٠، الطلاق البائن بينونة كبرى وحكمه ١٥١. طلاق المريض مرض الموت:
تعريف مرض الموت وحكم الطلاق الواقع فيه ١٥٢.
1 / 7
تفويض الطلاق إلى الزوجة:
تكييف التفويض وصيغته وأحوالها ١٥٤.
الخلع:
تعريفه. شرطه. صفته. بدله. صيغته. حكمه ١٥٧.
الطلاق الذي يوقعه القاضي بناء على طلب الزوجة:
١- لعدم الانفاق ١٦٥.
٢- للعيب ١٦٨.
٣- للضرر ١٧٠.
٤- لغيبة الزوج سنة فأكثر بغير عذر ١٧١.
٥- لحبس الزوج ثلاث سنوات فأكثر ١٧٢.
فسخ الزواج:
الفرق بين الطلاق والفسخ، متى يتوقف الفسخ على القضاء١٧٢.
العدة:
تعريفها وسبب وجوبها ١٧٤، حكمة تشريعها ١٧٦، أنواعها: العدة بالقروء ١٧٦، العدة بالأشهر، العدة بوضع الحمل ١٧٧، تحول العدة من نوع إلى نوع ١٧٨، مبدأ العدة ١٨٠، واجب المعتدة ١٨١، نفقة المعتدة وشرط استحقاقها ومن تستحقها ومن لا تستحقها ١٨٢.
ثبوت النسب بالفراش:
المراد شرعا بالفراش ومتى تعتبر الزوجية فراشا ١٨٥، أقل مدة الحمل وثبوت النسب حال قيام الزواج الصحيح ١٨٧، ثبوت النسب حال قيام الزواج الفاسد، ثبوت النسب بعد الدخول بشبهة ١٨٩، أقصى مدة الحمل وثبوت النسب بعد الفرقة بالطلاق أو الوفاة ١٩٠، مقارنة بين مذهب أبي حنيفة وما عليه العمل بالمحاكم الشرعية المصرية في ثبوت النسب ١٩١.
ثبوت النسب بالإقرار:
الفرق بين الإقرار بالبنوة والأبوة وبين الإقرار بالأخوة والعمومة ١٩٤.
1 / 8
ثبوت النسب بالبينة:
الفرق بين الدعوى بالبنوة والأبوة والدعوى بغيرهما ١٩٧.
اللقيط:
التقاطه والولاية عليه والفرق بينه وبين الدعي ٢٠٠.
الرضاعة:
الرضاعة المحرمة للزواج ٢٠٢، الرضاعة الواجبة للطفل. متى تجب على أمه ٢٠٤، أجرة الرضاعة متى تستحق للأم ولغيرها ٢٠٥، إذا وجدت متبرعة بالرضاعة ٢٠٦.
الحضانة:
تعريفها ومستحقوها وترتيبهم ٢٠٧، شروط الحاضنة ٢٠٨، مدة الحضانة، أجرة الحضانة ومن تستحقها ومتى تستحق ٢١٠، الحضانة فيها حق للصغير والحاضنة ٢١١، التبرع بالحضانة ومقارنته بالتبرع بالرضاعة ٢١٢، سفر الحاضنة بالولد ٢١٣، بعد انتهاء مدة الحضانة ٢١٤.
نفقات الأقارب:
النفقة الواجبة للفرع على أصله في وجود الأب ٢١٧، النفقة الواجبة للفرع على أصله في عدم وجود الأب ٢٢١، النفقة الواجبة للأصل على فرعه ٢٢٢، نفقات ذوي الأرحام بعضهم على بعض ٢٢٤، تقسيم ابن عابدين لمن تجب عليهم النفقة ٢٢٥، زوجة المستحق للنفقة ٢٢٨.
مقارنة بين أنواع النفقات:
من جهة سبب الوجوب ٢٢٩، من جهة حكمة الإيجاب ٢٣٠، من جهة الشرط فيمن تجب عليه ٢٣١، من جهة صيرورتها دينا على من تجب عليه ٢٣١، من جهة الاختصاص القضائي ٢٣٢.
الحجر:
تعريفه ٢٣٤، دليله وحكمة تشريعه ٢٣٥، أسبابه ٢٣٦، أثره في الصغير غير المميز والمجنون ٢٣٧، أثره في الصغير المميز والمعتوه المميز ٢٣٨، أثره في السفيه وذي الغفلة ٢٣٨، متى يثبت الحجر ٢٣٩، الحجر على المدين ٢٤٠، رفع الحجر٢٤١.
1 / 9
الولاية على المال:
من تثبت له الولاية المالية ومن تثبت عليه، ولاية الأب ٢٤٣، ولاية وصي الأب ٢٤٥، ولاية الجد ووصيه ٢٥٠، ولاية القاضي ووصيه ٢٥١، مقارنة بين هذه الأحكام وما عليه العمل بالمجالس الحسبية المصرية ٢٥٣، محاسبة الوصي والولي ٢٥٦، أجرة الوصي٢٥٧، موت الأب أو وصيه مجهلا ٢٥٨.
المفقود:
تعريفه وإدارة شئونه والمختص بشئونه ٢٥٩، أحكامه: ما يعتبر حيا بالنسبة له وما لا يعتبر حيا ٢٦٠، متى يحكم بموته وما يترتب على هذا الحكم ٢٦١، ظهور حياته ٢٦٢.
المريض مرض الموت:
تعريف المرض وتصرفات المريض الإنشائية والإخبارية ٢٦٣، ديون الصحة وديون المرض ٢٦٦.
الهبة:
تعريفها وركنها ٢٦٧، شروطها: في الواهب ٢٦٩، في الموهوب له ٢٧٠، في صيغة الهبة ٢٧١، في الشيء الموهوب ٢٧٢، قبض الموهوب ٢٧٤، هبة المفرز المنفصل عن غيره، هبة المشاع ٢٧٥، هبة المتصل بغيره ٢٧٦، الهبة بشرط العوض ٢٧٧، حكم الهبة: موانع الرجوع فيها ٢٧٧، جهة الاختصاص بقضايا الهبة ٢٧٩.
الوصية:
تعريفها وركنها ٢٨١، شروطها: في الموصي وفي الموصى له ٢٨٣، في الموصى به ٢٨٦، نفاذ الوصية ٢٨٦، ما تنفذ فيه الوصية: الوصية بالمنفعة ٢٨٩، حكم الوصية ٢٩١، القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠: ٢٩٣، القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩: ٢٩٦.
1 / 10
الزواج
مدخل
...
الزواج:
تعريفه:
الزواج في اللغة العربية هو الاقتران والازدواج، يقال: زوج الرجل إبله إذا قرن بعضها ببعض. ومنه قوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ أي: وقرناءهم، والفعل يتعدى بنفسه وبالحرف، يقال: تزوجت فلانة وتزوجت بها، وزوجنيها وليها وزوجني بها.
وفي الشريعة الإسلامية هو عقد يفيد حل استمتاع كل واحد من الزوجين بالآخر على الوجه المشروع، ويجعل لكل منهما حقوقا قبل صاحبه وواجبات عليه.
فهو من عقود التمليك، والملك فيه وارد قصدا على متعة كل واحد من الزوجين بالآخر، ولذا عرفه بعض الفقهاء بقوله: هو عقد يرد على ملك المتعة قصدا.
وهو من عقود التمليك التي يترتب عليها أثرها في الحال غير محدود بزمن، ولذا لا يقبل إضافته إلى زمن مستقبل ولا توقيته بوقت ما طويل أو قصير.
فمتى تحققت أركان العقد وتوافرت شرائطه الشرعية حل استمتاع كل واحد من الزوجين بالآخر بعد ما كان حراما عليهما، واستحقت الزوجة على زوجها المهر والنفقة، والعدل بينها وبين ضرائرها إذا تعددت الزوجات. واستحق الزوج على زوجته الطاعة، وولاية التأديب المشروع، وعدم خروجها عن إذنه. واستحق كل منهما على الآخر حسن المعاشرة، وحرمة المصاهرة، والتوارث. وسنبين بالتفصيل حقوق الزوجية وواجباتها الخاصة المشتركة.
حكمة تشريعه، شرع الله الزواج وأحكامه لحِكَم عدة:
"أولها" بقاء النوع الإنساني على أكمل وجوه البقاء إلى الأجل الذي قدر الله أن ينتهي بقاء الإنسان إليه، وبيان ذلك أن مجرد بقاء النوع يتحقق بمجرد الاختلاط
1 / 13
بين ذكوره وإناثه وتوالدهما، كما بقيت أنواع الحيوانات بمجرد اجتماع ذكورها بإناثها، ولكن الله سبحانه تكريما للنوع الإنساني شرع الزواج وأحكامه نظاما لاجتماع أفراده ليكون بقاؤهم على أكمل وجوه البقاء؛ لأن موجب الزواج الشرعي الاختصاص وأن تكون الزوجة حلالا لزوجها وحده لا يملك غيره حق الاستمتاع بها، وهذا الاختصاص يجعل بقاء النوع الإنساني على أكمل وجوه البقاء من ناحيتين: إحداهما أنه يحول دون تزاحم عدة من الرجال على امرأة واحدة فيأمن الناس التظالم والتقاتل اللذين يؤدي إليهما ذاك التزاحم. والثانية أنه يحفظ الأنساب ويجعل لأولاد كل زوجة أبا معروفا يتكفل برعايتهم والمحافظة عليهم في طفولتهم وبعدها؛ حتى يبلغوا أشدهم فيأمنوا الضياع والفناء.
ففي سد الذريعة إلى التقاتل والتظالم، وفي قيام كل أب بالمحافظة على بنيه والعناية بهم، بقاء لأفراد النوع على أكمل وجوه البقاء.
ولا كذلك إذا كان الاجتماع على غير نظام الزواج الشرعي ولم يكن الاختصاص بل كان الشيوع والاشتراك فإن هذا يؤدي إلى التقاتل ولا يعرف معه نسب لمولود فينشأ الطفل لا يعرف له أب يدفع عنه غوائل الهلاك في طفولته ويرعاه فيما بعد ذلك حتى يبلغ أشده، فإن نجا من الفناء بقي بقاء الهمل.
فالتناسل، وتوزيع مسئولية المحافظة على النسل والقيام بشئونه بين الآباء وتأمين أفراد النوع من التظالم والتقاتل هي أولى الأغراض من تشريع الزواج وأحكامه.
ومن هذا تفهم الحكمة فيما رواه أبو داود عن معقل بن يسار أن رجلا جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه. ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك. ثم أتاه الثالثة فقال: "تزوجو الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم".
1 / 14
"وثانيها" تحديد العلاقة بين الزوجين وبيان حقوق كل منهما قبل الآخر وواجباته عليه؛ لأنه ما دام اجتماع الذكور بالإناث من الضرورات التي اقتضتها الفطرة الجنسية لا بد من تشريع نظام يقوم على أساسه هذا الاجتماع حتى يأمن أحدهما عدوان صاحبه ويثمر الاجتماع ثمرته المقصودة من تعاون الزوجين، وقيام الزوج بأعباء الحياة الخارجية وقيام الزوجة بالشئون المنزلية، وسكون أحدهما إلى الآخر وأنسه به واطمئنانه إليه وتبادلهما المودة والرحمة التي أشار الله سبحانه إليها بقوله في سورة الروم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ .
"وثالثها" تحصين النفس وقضاء حاجاتها الجنسية من الطريق التي أحلها الله، والبعد بها عن انتهاك الحرمات. وفي هذا حفظ الأخلاق والأعراض ووقاية من الشحناء والبغضاء. قال الله تعالى في سورة النساء بعد بيان المحرمات: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾، أي: إن الله سبحانه أحل لكم من النساء ما عدا هذه المحرمات التي بينها لتبتغوها بأموالكم ومهوركم حلائل لكم قاصدين تحصين أنفسكم من الوقوع في الحرام والزنا. وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء١".
وروى البيهقي أن النبي ﷺ قال: "إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي".
فالزواج نظام إلهي شرعه الله لمصلحة المجتمع الإنساني وسعادة أفراده وحفظ كيان الأسرة التي هي عماد الأمة، ولهذا حث عليه رسول الله ﷺ ورغب فيه بعدة أحاديث صحيحة.
_________
١ الباءة: مئونة الزواج وما يقتدر به عليه. والوجاء: الوقاية.
1 / 15
منها ما رواه مسلم والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة".
وما رواه أبو داود والحاكم عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: "ألا أخبركم بخير ما يكنز المر: المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته".
وما رواه ابن ماجه عن أنس بن مالك أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: "من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر".
وما رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال: "لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل".
وليس شيء أضر بالأمة وأدعى إلى فنائها وانتشار الفسق والفجور فيها من إعراض شبابها عن الزواج، وإذا رئي أن الزواج بين بعض الأزواج مصدر للخصومات والشقاء وتبادل الكيد والإضرار، فليس منشأ هذا أن الزواج نظام غير صالح، وإنما منشؤه أن هؤلا الأزواج أساءوا استعمال هذا النظام ولم يسيروا على سنن الدين لا في خطبة الزوجات ولا في العشرة الزوجية ولم يقفوا عند حدوده، فكانت زوجيتهم مصدر شقائهم، وكذلك كل قانون عادل أو نظام صالح إذا أسيء تطبيقه أنتج نقيض ما شرع لأجله، ولو أن الحياة الزوجية قامت على أساس ما شرعه الله من حسن الاختيار والمعاشرة بالمعروف وقيام كل واحد من الزوجين بواجبه ما كانت مصدر نزاع أو شقاء.
1 / 16
مقدمات الزواج:
ولما كان الغرض من الزواج العشرة الدائمة بين الزوجين للتوالد والتعاون على شئون الحياة وحاجات الإنسان كان لا بد لمن أرادا التزاوج أن يكون كل منهما على بينة من أمر الآخر قبل الارتباط بعقدة الزواج حتى لا يكون الاقتران على عمى. ولهذا شرع الله أحكام الخطبة وهي أن يطلب الرجل المرأة للزواج بها، ومع كون المخطوبة أجنبية من خاطبها ندب الشارع له أن يبصر وجهها وكفيها وقدميها، ويكرر هذا الإبصار إذا دعت الحال، ولكن لا يباح له أن يبصر مخطوبته مختليا بها، بل لا بد أن يكون معهما مَحْرم لها كأبيها أو أخيها أو عمها.
والأصل في هذا ما روي من أن المغيرة بن شعبة خطب امرأة فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسل: "أنظرت إليها"؟ قال لا: فقال ﵇: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".
والحكمة في إباحة إبصار الوجه أنه جماع محاسن الإنسان الخلقية، وملامحه وأسرته تنم عن جملة الحال النفسية فإذا تراءى الخاطب ومخطوبته تعرف منها مثل ما تتعرف منه ووقعت في قلب كل منهما للآخر إحدى المنزلتين من الميل أو النفور.
والحكمة في إباحة إبصار الكف والقدمين أنهما تنمان عن حال الجسم.
فبإبصار الوجه والكفين والقدمين وتكرير هذا الإبصار عند الاقتضاء يتعرف كل منهما جملة حال صاحبه. وأما تعرف الحال الخلقية بالتفصيل فهذا سبيله التحري ممن خالطوا الاثنين بالمعاشرة أو الجوار ولا يجدي في معرفته اجتماع مرة أو مرات في بضع ساعات قد يظهر كل واحد منهما فيها بغير نفسه الحقيقية، كما قيل في أمثال الناس "كل خاطب كاذب".
والحكمة في حظر خلوة الخاطب بمخطوبته، واشتراط أن يكون معهما محرم لها؛ هو سد الذرائع إلى الشر ومقاومة دواعي النفس الأمارة بالسوء.
وهذا السنن في الخطبة هو السنن المستقيم والوسط المعتدل بين إفراط من غلوا في الحجاب، ومنعوا أن يبصر الخاطب مخطوبته فيتم الزواج بين اثنين قد لا تأتلف
1 / 17
روحاهما ولا يؤدم بينهما وهذا مصدر للشقاء، وبين تفريط من أسرفوا في الخيال وأباحوا للخاطب الخلوة والخلطة فعرضوا الأعراض للأخطار ومقالة السوء وخاصة إذا عدل الخاطب عن خطبته، فالإفراط والتفريط غير محمودي العاقبة والخير في الاعتدال.
من تباح خطبتها، ولا يباح للخاطب أن يخطب امرأة للزواج بها إلا إذا توافر فيا أمران: "أولهما" أن تكون المخطوبة خالية من الموانع الشرعية التي تمنع زواجه بها في الحال. و"ثانيهما" ألا تكون مخطوبة لغيره خطبة شرعية.
فإن لم تكن خالية في الحال من الموانع الشرعية بأن كانت محرمة عليه بسبب من أسباب التحريم المؤبدة، كأخته نسبا أو رضاعا، أو المؤقتة كزوجة غيره أو معتدته؛ فلا تباح له خطبتها؛ لأن الخطبة وسيلة إلى العقد ومقدمة له، وإذا كانت النتيجة غير ممكنة الحصول في الحال فالاشتغال بالوسيلة عبث يصان العاقل عنه؛ ولأن في خطبة زوجة الغير أو معتدته إيذاء لهذا الغير واعتداء عليه والله لا يحب المعتدين. ولهذا لا تحل خطبة معتدة الغير سواء كانت معتدة من وفاة أو طلاق رجي أو بائن بينونة صغرى أو كبرى؛ لأنها ما دامت في العدة فحق زوجها متعلق بها، وفي خطبتها اعتداء عليه سواء كانت الخطبة بصريح العبارة أو بطريق التعريض.
واستثنى من هذا حال واحدة، وهي ما إذا كانت المعتدة معتدة وفاة فإنه تباح خطبتها بطريق التعريض فقد ولا تباح بالتصريح.
ودليل هذا الاستثناء قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ .
المراد بالنساء في هذه الآية معتدات الوفاة؛ لأن الآية التي قبلها في شأن الذين يتوفون ويذرون أزواجا، والله نفى الجناح والإثم في التعريض بخطبتهن، فخطبة المتوفى
1 / 18
عنها زوجها بطريق التعريض مباحة. والحكمة في هذا الاستثناء أن الوفاة قطعت رباط الزوجية لا إلى عودة، وهذا من شأنه أن يجعل الراغب في زواج المتوفى زوجها لا يتحرج من خطبتها في عدتها، وإلى هذا أشار الله ﷾ بقوله: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ . ولكن لمراعاة جانب ورثة المتوفى وعدم إيذائهم بخطبة زوجة مورثهم وهي لا تزال في عدته. ولحال الحزن والحداد التي تكون عليها المتوفى عنها زوجها وفاء له، حظر التصريح بخطبتها واكتفى بإباحة التعريض بها فقط.
والفرق بين التصريح والتعريض: أن التصريح هو أن تذكر كلاما صريحا تقصد ما يدل عليه، كأن يقول الخاطب: أرغب في زواجك أو أريد أن تكوني زوجة لي. وأما التعريض فهو أن تذكر كلاما لا تريد معناه الظاهر بل تريد به معنى آخر يفهم منه بالقرائن، كأن يقول الخاطب: أنت خير زوجة أو وددت لو يسرت لي زوجة صالحة، والقرائن تدل على ما يريد من خطبتها.
وإن كانت ممن تحل له ولكنها مخطوبة لغيره خطبة شرعية فلا تباح له خطبتها ما دامت خطبة غيره قائمة ولم يبت في أمرها؛ لأن هذا اعتداء على الغير. وقد قال رسول الله ﷺ: "المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر".
وإذا خطب خاطب امرأة لا تباح له خطبتها شرعا أثم ديانة، ولكن لا أثر لهذا الإثم قضاء، فلو خطب معتدة غيره ثم بعد انقضاء عدتها عقد زواجه بها صح العقد ما دام قد استوفى شرائطه الشرعية. وإثمه الذي ارتكبه بخطبتها خطبة غير مباحة لا أثر له في صحة العقد بعد أن صارت غير محرمة عليه.
ومن مقدمات الزواج التي اعتاد بعض الناس تقديمها عليه: قراءة الفاتحة للدلالة على التراضي به، وحصول الوعد به من الجانبين، وقبول كل منهما هدايا الآخر، وقبول الزوجة أو وليها المهر كله أو بعضه.
1 / 19
وهذه المقدمات من الخطبة أو قراءة الفاتحة أو التواعد أو التهادي أو قبول المهر أو بعضه لا تعتبر زواجا شرعا، ولا تربط أحدهما بالآخر برباط الزوجية، فللخاطب أن يعدل عن خطبته وللمخطوبة أن تعدل عن قبوله، ولكل منهما أن ينقض وعده١.
وإذا فسخت الخطبة سواء أكان بسبب عدول الخاطب أو المخطوبة أو عدولهما معا فإن ما قدمه الخاطب من المهر له الحق في استرداده، فإن كان قائما يجب رده إليه بعينه، وإن كان هالكا أو مستهلكا يجب رد مثله أو قيمته؛ لأنه دفع على أنه مما يجب بالزواج، وما دام الزواج لم يوجد فلم يستحق شيء من هذا الواجب وهو حق خالص للخاطب يجب رده إليه. وأما ما قدمه الخاطب من الهدايا فهو هبة وحكم الهبة أن الواهب له حق الرجوع فيها ما لم يوجد مانع من موانع الرجوع. وعلى هذا إذا كان ما أهداه الخاطب لمخطوبته قائما في يدها لم يطرأ عليه ما يمنع الرجوع فيه، كخاتم أو ساعة أو عقد لم يطرأ عليه طارئ، فللخاطب الحق في استرداده، وأما إذا كان ما أهداه الخاطب لمخطوبته ليس قائما عندها على حاله بأن هلك أو استهلك أو تغير بالزيادة أو باعته، كأن كان طعاما فأكل أو خاتما فضاع أو قماشا فخيط ثوبا، ففي كل هذا ليس للخاطب الحق في استرداد ما أهداه ولا استرداد بدل عنه؛ لأن هلاك الموهوب وخروجه من يد الموهوب له، والزيادة المتصلة فيه كلها من
موانع الرجوع في الهبة على ما سيبين في موضعه، وإذا اختلف الخاطب والمخطوبة في أن ما قدم مهر أو هدية فسيبين الحكم في هذا في قضايا المهر.
وإنما الذي يربط أحدهما بالآخر هو عقد الزواج الشرعي الذي تحققت أركانه واستوفى شرائطه.
_________
١ وهذا هو حكم الفقة والقضاء، وهو مبني على أنه ما دام لم يوجد العقد فلا إلزام ولا التزام، وأما حكم الأخلاق فلا ينبغي للإنسان أن يخلف وعده ويرجع في عزمه. فمن فسخ الخطبة لغير ضرورة ملجئة فقد ارتكب رذيلة وأجرم خلقيا.
وقد حكمت بعض المحاكم الأهلية والمختلطة بالتعويض على من فسخ الخطبة لغير مبرر، وبنت حكمها على أن العدول عن الخطبة حق للخاطب والمخطوبة ولصاحب الحق أن يستعمل حقه، ولكن إذا أدى استعمال حقه إلى إلحاق الضرر بغيره بدون مبرر فعليه التعويض عن هذا الضرر، فله حق العدول وعليه تعويض الضرر، فأساس الحكم أمران: سوء استعمال الحق وترتب الضرر، وقد أفتى المرحوم الشيخ محمد بخيت بأن لا وجه للإلزام بهذا التعويض. وفتواه منشورة بمجلة المحاماة الشرعية ع -١س-٢ وهي موضع نظر.
1 / 20
أركان الزواج:
أركان كل عقد هي أجزاؤه التي يتركب منها، ويتحقق بها وجوده وانعقاده وهي العاقدان، والمعقود عليه، وصيغة العقد المكونة من الإيجاب والقبول. ولما كان وجود الصيغة يستلزم وجود العاقدين والمعقود عليه اقتصر أكثر الفقهاء في بيان أركان الزواج على قولهم: أركان الزواج الإيجاب والقبول.
فالإيجاب هو ما صدر أولا من أحد العاقدين تعبيرا عن إرادته في إيجاد الارتباط وإنشائه. والقبول هو ما صدر ثانيا من الآخر للدلالة على موافقته ورضاه بما أوجبه الأول، وقد يكون الموجب أي: البادئ هو الزوج أو وكيله أو وليه. والقابل هي الزوجة أو وكيلها أو وليها، وقد يكون العكس. وقد يتولى صيغة العقد اثنان وهو الكثير الغالب. وقد يتولاها واحد قائم مقام اثنين كأن يكون وليا على الزوجين١ أو وكيلا عنهما٢ أو أصيلا من جانب ووليا أو وكيلا من الجانب الآخر٣، فعبارة هذا الواحد بمنزلة عبارتين، وهو تارة ذو صفة واحدة، وتارة ذو صفتين مختلفتين.
ولا بد في الإيجاب والقبول من تحقق أمرين: أحدهما من حيث صورتهما اللفظية. والثاني من حيث مادتهما واشتقاقهما.
فأما من حيث صورتهما فلا بد أن يكونا بلفظين على صورة الفعل الماضي مثل زوجتك موكلتي، قبلت. أو وهبت لك نفسي، قبلت؛ لأن الغرض من
_________
١ كرجل يزوج بنت أخيه الصغيرة من صغير هو ابن أخيه الآخر والصغيران في ولايته.
٢ كرجل يزوج موكلته من موكله.
٣ كرجل يزوج نفسه من بنت عمه الصغيرة المشمولة بولايته، أو يزوج نفسه ممن وكلته بأن يزوجها نفسه.
1 / 21
الصيغة التعبير عن حصول رضا من الطرفين وتوافق بين إرادتيهما، والذي يدل على حصول هذا فعلا وقت التعاقد هو ما كان على صيغة الماضي، وأما ما كان على صيغة الحال أو المستقبل فلا يدل قطعا على حصول الرضا فعلا، فلو قال أحدهما تزوجني موكلتك، فقال الآخر: أقبل. لا تتكون بهذين اللفظين صيغة عقد الزواج؛ لأنهما ما دلا قطعا على حصول رضا وقت التكلم؛ لأنه يحتمل أن يراد باللفظ الأول الاستيعاد وبالثاني الوعد. والوعد بالزواج مستقبلا ليس عقدا له في الحال، فما دامت الصيغة تحتمل معنى غير العقد لا ينعقد بها الزواج.
لهذا استعمل الشارع لإنشاء العقود الصيغة التي تدل على تحقق الرضا ووجوده فعلا وهي صيغة الماضي؛ لأنها قطعية في الدلالة على حصول الرضا من العاقدين بالارتباط ولا تحتمل معنى آخر.
ولو قال الخاطب لمخطوبته: زوجيني نفسك، فقالت: زوجتك نفسي انعقد الزواج، مع أن إحدى العبارتين على صيغة المستقبل لا الماضي، ولكن ليس في هذا مخالفة لما تقدم؛ لأن الحقيقة هي أن قوله: زوجيني نفسك ليس هو الإيجاب، وإنما هو توكيل لها في أن تزوجه نفسها، فقولها: زوجتك نفسي عبارة قائمة مقام العبارتين وهي تولت طرفي العقد بالإصالة من جانبها والوكالة عنه وعبارتها على صيغة الماضي. وهذا توجيه قول الفقهاء، وينعقد بإيجاب وقبول وضعا للمضي أو وضع أحدهما للمضي والآخر للاستقبال.
وأما من حيث مادتهما واشتقاقهما فالقبول لا يشترط اشتقاق لفظه من مادة خاصة بل يتحقق بأي لفظ يدل على الموافقة والرضا من أي مادة كانت، مثل: قبلت، رضيت، وافقت، أجزت، نفذت، أمضيت. وأما الايجاب فلا بد أن يكون بلفظ مشتق من الزواج أو النكاح، أو مشتق مما يدل على تمليك العين في الحال مثل: الهبة والتمليك والبيع، وما يرادف ذلك من أي لغة، أما ما لا يدل على التمليك أصلا كالإباحة والإحلال والإيداع، وما يدل على تمليك المنفعة لا العين كالإجارة والإعارة، وما يدل على تمليك العين لكن لا في الحال كالوصية فلا يتحقق
1 / 22
الايجاب بلفظ منها؛ لأن معانيها تنافي معنى الزواج الشرعي المقصود به ملك المتعة في الحال على سبيل التأييد والدوام.
وإذا كان العاقدان حاضرين تكو الصيغة منهما بالعبارة؛ لأنها أدل طرق الدلالة فحيث أمكنت لا يعدل عنها إلى غيرها، وإذا كان أحدهما غائبا عن الآخر تكون الصيغة بالكتابة لتعذر المشافهة، وإذا كان العاقد أخرس فإن كان يحسن الكتابة عقد بها، وإن كان لا يكتب عقد بإشارته المعهودة الدالة على قصده، فلا عقد بالكتابة إلا حيث تعذرت المشافهة بالعبارة. ولا عقد بالإشارة إلا حيث تعذرت الدلالة على القصد بالكتابة، وفي هذا جمع بين الاحتياط واليسر. ولذا قال في الدرر "لو كتب الحاضر على شيء لامرأة زوجيني نفسك فكتبت المرأة على ذلك الشيء عقبه زوجت نفسي منك لا ينعقد الزواج".
شروط الزواج: للزواج شروط شرعية لانعقاده، ولصحته، ولنفاذه للزومه، وشروط وضعية لسماع الدعوى به قانونا في محاكمنا الشرعية المصرية، وتسجيله في الوثيقة الرسمية. وهذا بيان الشروط جميعها: شروط الانعقاد: شروط انعقاد الزواج هي التي تلزم لتحقق أركانه ويترتب على الإخلال بواحد منها إخلال بركن من أركان الزواج فلا ينعقد شرعا ولا تترتب عليه آثار الزواج الشرعي، وهي أربعة: ١- أهلية العاقدين بالتمييز، فإذا كان أحد العاقدين فاقد الأهلية للعقد بفقده التمييز بأن كان مجنونا أو صغيرا غير مميز فلا ينعقد الزواج بعبارته كما لا ينعقد منه أي عقد أو تصرف؛ لأن فاقد التمييز لا إرادة له ولا يتصور منه رضا يعتد به. ٢- اتحاد مجلس الايجاب والقبول والمراد باتحاد مجلسهما أنه إذا صدر الايجاب لا يوجد من العاقدين أو أحدهما ما يدل على الإعراض عنه، والاشتغال بغيره حتى يصدر القبول؛ لأنه إن وجد ذلك يعد منهيا للايجاب فلا يصادف القبول
شروط الزواج: للزواج شروط شرعية لانعقاده، ولصحته، ولنفاذه للزومه، وشروط وضعية لسماع الدعوى به قانونا في محاكمنا الشرعية المصرية، وتسجيله في الوثيقة الرسمية. وهذا بيان الشروط جميعها: شروط الانعقاد: شروط انعقاد الزواج هي التي تلزم لتحقق أركانه ويترتب على الإخلال بواحد منها إخلال بركن من أركان الزواج فلا ينعقد شرعا ولا تترتب عليه آثار الزواج الشرعي، وهي أربعة: ١- أهلية العاقدين بالتمييز، فإذا كان أحد العاقدين فاقد الأهلية للعقد بفقده التمييز بأن كان مجنونا أو صغيرا غير مميز فلا ينعقد الزواج بعبارته كما لا ينعقد منه أي عقد أو تصرف؛ لأن فاقد التمييز لا إرادة له ولا يتصور منه رضا يعتد به. ٢- اتحاد مجلس الايجاب والقبول والمراد باتحاد مجلسهما أنه إذا صدر الايجاب لا يوجد من العاقدين أو أحدهما ما يدل على الإعراض عنه، والاشتغال بغيره حتى يصدر القبول؛ لأنه إن وجد ذلك يعد منهيا للايجاب فلا يصادف القبول
1 / 23
محله ولا ترتبط العبارتان، وليس المراد باتحاد مجلسهما الفور، وأن يكون القبول أثر الإيجاب فورا؛ لأنه لو طال المجلس وتراخى القبول عن الإيجاب ولم يصدر بينهما ما يدل على الاشتغال والإعراض فمجلسها متحد.
وهذا إذا كان العقد بالمشافهة بين عاقدين حاضرين. أما إذا كان العقد بين غائبين بطريق الكتابة أو الرسول فإن مجلس الإيجاب هو مجلس قراءة الغائب للكتاب أما الشهود أو إسماعهم رسالة الرسول، فإذا كتب الرجل إلى امرأة زوجيني نفسك، أو أرسل إليها رسولا بذلك، فلما وصل إليها الكتاب أو الرسول أحضرت الشهود وقرأت عليهم الكتاب، أو عرفتهم مضمونه أو أبلغتهم رسالة الرسول، وأشهدتهم أنها زوجت نفسها منه انعقد الزواج، فلا بد من القبول في مجلس قراءة الكتاب أو بلاغ الرسول بحضرة الشهود ليتحد مجلس الإيجاب والقبول. ولا بد أن يسمع الشهود ما في الكتاب أو رسالة الرسول، ثم يسمعوا القبول ليكونوا سمعوا شطري العقد وشهدوا الإيجاب والقبول.
٣- موافقة القبول للايجاب ولو ضمنا حتى يتحقق اتفاق إرادتي العاقدين على شيء واحد، فإذا خالف القبول الايجاب كله أو بعضه لا ينعقد الزواج، إلا إذا كانت المخالفة إلى خير للموجب فإنها تكون موافقة ضمنية.
فإذا قال الموجب: زوجتك ابنتي فلانة على مهر قدره ستون جنيها فقال القابل: قبلت زواجها على المهر المسمى، انعقد الزواج للموافقة الصريحة، وكذا لو قال قبلت زواجها على ثمانين للموافقة الضمنية. أما لو قبل القابل زواج ابنته الأخرى أو على مهر أقل فلا ينعقد الزواج إلا إذا قبل الموجب الزيادة أو النقص في المجلس حينما تكون المخالفة في المهر.
٤- سماع كل من العاقدين كلام الآخر مع علم القابل أن قصد الموجب بعبارته إنشاء الزواج وإيجابه، وعلم الموجب أن قصد القابل الرضا به والموافقة عليه وإن لم يفهم كل واحد منهما معاني المفردات لعبارة الآخر؛ لأن العبرة للمقاصد.
1 / 24
وهذه الشروط الأربعة ترجع عند التحقيق إلى شيء واحد وهو تحقق رضا الطرفين وتوافق إرادتيهما؛ لأن الشرط الأول وهو تميز العاقدين؛ إنما شرط لأن الرضا لا يكون إلا ممن له إرادة وفاقد التمييز لا إرادة له فلا يتصور منه رضا. والشروط الثلاثة الباقية إنما شرطت ليتحقق ارتباط رضا كل من العاقدين برضا الآخر، وتتفق إرادتهما على شيء معين دلت عليه عبارتهما.
شروط الصحة:
شروط صحة الزواج هي ما يتوقف عليها صحته بعد انعقاده، وليست شروطا لتحقق أركانه وهي اثنان.
١- أن تكون الزوجة غير محرمة على من يريد التزوج بها بأي سبب من أسباب التحريم المؤبد أو المؤقت؛ لأن للشارع حكمة في تحريم بعض النساء على الرجل، فمن عقد على من لا تحل له فزواجه غير صحيح ولا يحل ما حرم الله.
٢- أن يحضر عقد الزواج شاهدان رجلان أو رجل وامرأتان؛ لأنه عقد له خطره وشأنه لما يترتب عليه من آثار وحقوق فلهذا امتاز شرعا عن سائر العقود بأن اشترط لصحته حضور الشهود؛ ولأنه يترتب على عدم إعلانه بحضور الشهود أن يرتاب الناس ويسيئوا الظن إذا رأوا رجلا يتردد على امرأة من غير أن يكون قد أعلن زواجه بها. ولذا ورد في الحديث: "لا نكاح إلا بشهود١".
ويشترط في الشاهدين أن يكونا عاقلين بالغين حرين؛ لأن هذا العقد الذي له خطره وشأنه لا يعلن إلا عن طريق العقلاء الأحرار البالغين، وأن يسمعا معا كلام العاقدين مع فهمهما أن الغرض منه إيجاب الزواج وقبوله، وإن لم يفهما مفرداته؛ لأنهما إن لم يسمعا معا الصيغة بتمامها فاهمين المراد منها لم يشهدا العقد، فالأصم والنائم والسكران الذي لا يعي ما يسمع لا يصح الزواج بحضورهم؛ لأنهم لا سماع ولا فهم.
_________
١ وقال الإمام مالك: ليس حضور الشهود شرطا لصحة الزواج، وإنما الشرط إعلانه بأي طريق حتى لا يكون سرا، فلو أعلن بغير الشهود صح ولو حضره الشهود وشرط عليهم كتمانه لم يصح.
1 / 25