Palestine: So It Won't Become Another Andalusia
فلسطين حتى لا تكون أندلسا أخرى
اصناف
نماذج من إنفاق الصحابة في غزواتهم مع رسول الله وصدقهم في ذلك
حتى نفهم الصورة تعالوا نغوص في أعماق التاريخ، نذهب إلى المعسكر الدائم للإيمان، نذهب إلى المدينة المنورة، نذهب إلى ساحة واسعة يجلس فيها خير الخلق محمد ﷺ، وعن يمينه ويساره وأمامه مجموعات ومجموعات من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، يحفزهم ﷺ على الإنفاق تجهيزًا لجيش عظيم في وقت عصيب، اشتد فيه الحر، وعظم فيه الخطب طال فيه السفر، وقلت فيه المادة، وحان وقت القطاف، لكن لا بد من المغادرة، هذا التجهيز تجهيز جيش العسرة، ترى ماذا فعلوا حتى ينزل الله في حقهم: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ [التوبة:١١٧]؟ لكن قبل أن نرى فعلهم، ونستمتع بصحبتهم تعالوا نعقد مقارنة عجيبة وقياسًا غريبًا، وأعطوني أذهانكم.
مقارنة بين تبوك وفلسطين: تخيل معي بهدوء لو كان رسول الله ﷺ حيًا بين أظهرنا وحدث أمران في وقت متزامن: أمر فلسطين على ما هي عليه الآن من وضع، وأمر تبوك على ما كانت عليه من وضع، وطاقة رسول الله ﷺ لا تكفي إلا لإخراج جيش واحد، ترى ماذا سيكون موقفه؟ أتراه يختار تبوك؟ أم تراه يختار فلسطين؟ أتراه يحفز على تبوك أم تراه يحفز على فلسطين؟ إن تبوك كانت لمقتل رسولين من المسلمين في أرض الشام في طريقهم إلى قيصر، وفلسطين قتل فيها في سنة واحدة ٨٠٠ شخص.
تبوك كان الجيش الروماني يتجهز لحرب رسول الله ﷺ ولم يدخل الجزيرة العربية بعد، بل كان جيش الروم في أرض الشام ولم تكن أرضًا إسلامية آنذاك.
فلسطين يعيث فيها الجيش اليهودي القذر فسادًا، والجيش اليهودي في أرض إسلامية لا يحتل فقط، بل يستبدل أهل فلسطين بأهله! تبوك لم يخرج فيها مسلم من داره، فلسطين أخرج نصف أهل البلد من ديارهم، وربنا يأمر وعلينا الطاعة فيقول: ﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ [البقرة:١٩١].
تبوك كانت تهديدًا ولم يحدث بعد قتال، وفلسطين تعاني من حرب ضارية قائمة بالفعل، وربنا يأمر وعلينا الطاعة، فيقول: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة:١٩٠].
تبوك لم تكن بها مقدسات إسلامية، بل كان بها ديار الظالمين ديار ثمود، أما فلسطين ففيها الأقصى ثالث الحرمين وأولى القبلتين ومسرى رسول الله ﷺ.
فشتان في اعتقادي بين الموقفين، ولو كان رسول الله ﷺ حيًا بين أظهرنا لاختار فلسطين على تبوك إن كان لا بد من الاختيار، فقضية فلسطين أشد خطورة، وكلتا القضيتين خطير.
رسول الله ﷺ في آخر أيامه كان مشغولًا بإنفاذ بعث أسامة بن زيد ﵄ إلى الرومان؛ لكون الرومان بدءوا في قتل من أسلم من أهل الشام، وهذه قضية خطيرة وتجاوزات كبيرة، وفي نفس الوقت قتل مسيلمة الكذاب مدعي النبوة رسول رسول الله ﷺ حبيب بن زيد ﵁، فشق ذلك على رسول الله ﷺ، لكن كان عليه أن يختار هل يرسل جيشًا إلى الرومان الذين بدءوا يعيثون في الأرض فسادًا، ويقتلون المسلمين، ويغيرون على قبائلهم وأرضهم، أم يرسل جيشًا للثأر لقتل رجل؟ فاختار رسول الله ﷺ أن يرسل جيشًا للرومان، هكذا فقه الموازنات وفقه الأولويات.
وانظروا ماذا فعل الصحابة الكرام في تبوك، وتخيلوا كيف كانوا سيفعلون لفلسطين.
فتح الرسول ﷺ باب التبرع علانية حتى يحفز المسلمون بعضهم بعضًا، وكان أول القائمين عثمان بن عفان ﵁، إذ قام فقال: علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فسر رسول الله ﷺ بذلك سرورًا عظيمًا، فهذا عطاء كثير، ثم فتح باب التبرع من جديد، فقام عثمان بن عفان ثانية يزيد الأجر لنفسه قال: علي مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، وسعد به رسول الله ﷺ سعادة عظيمة حتى إنه قال: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم)، ولم يسكن عثمان ولم يطمئن، بل أخذ يدفع من جديد حتى وصل ما تبرع به إلى ثلاثمائة بعير، وفي رواية: تسعمائة بعير ومائة فرس، ثم ذهب إلى بيته، وأتى بألف دينار نثرها في حجر رسول الله ﷺ، ورسول الله ﷺ يقلبها متعجبًا.
أبو بكر الصديق ﵁ الرجل العجيب أتى بأربعة آلاف درهم، قد يقول قائل: إنها أقل بكثير مما جاء به عثمان.
لكنها سبحان الله! تعتبر أكثر نسبيًا من عطاء عثمان؛ لأنها كل مال أبي بكر الصديق، حتى إن رسول الله ﷺ سأله: (وماذا أبقيت لأهلك؟ قال له في يقين: أبقيت لهم الله ورسوله).
أما عمر بن الخطاب
9 / 12