أضحت به السنة الغراء واضحةً ... قد استقامت لمختار ومجتاز
له مباحث كم قد أحرقت شبها ... بشهبها فمن الزاري على الرازي!
وأنشدني من لفظه شيخنا الإمام الحافظ أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بالديار المصرية سنة ثمان وعشرين وسبعمائة قال: أنشدنا شيخنا النسابة حافظ المشرق والمغرب شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدمياطي يوم الاربعاء الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة ثمانين وستمائة بالقاهرة بقراءتي عليه قال: أنشدنا الشيخ العالم الصاحب عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن حسين بن أبي الحديد المعتزلي ببغداد، ومولده بالمدائن مستهل ذي الحجة سنة ست وثمانين وخمسمائة لنفسه:
لولا ثلاثٌ لم أخف صرعتي ... ليست كما قال فتى العبد
أن أنصر التوحيد والعدل في ... كل مكان باذلا جهدي
وأن أناجي الله مستمتعا ... بخلوةٍ أحلى من الشّهد
وأن أتيه الدهر كبرا على ... كل لئيمٍ أصعر الخد
لذاك أهوى لا فتاةٍ ولا ... خمرٍ ولا ذي ميعة نهد
قول ابن أبي الحديد هنا: لولا ثلاث.. البيت، إشارة إلى قول طرفة بن العبد:
فلولا ثلاثٌ هنّ من لذّة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عوّدي
فمنهن سبقي العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزيد
وكري، إذا نادى المضاف، مجنبا ... كسيد الغضا، نبهته، المتورد
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الخباء المعمّد
ومن شعر ابن أبي الحديد قصيدة بائية من جملة مدائحه في علي بن أبي طالب ﵁:
ألا إن نهج المجد أبيض محلوب ... على أنه جم المسالك مرهوب
هو العسل الماذيّ يشتاره امرؤ ... بغاه وأطراف الرماح اليعاسيب
ذق الموت إن شئت العلا واطعم الردى ... فنيل الأماني بالمنيّة مكسوب
خض الحتف تأمن خطة الخسف إنما ... يبوح ضرام الخطب والخطب مشبوب
ألم تخبر الأخبار عن فتح خيبر ... ففيها لذي اللب الملب أعاجيب
وفوز عليٍ بالعلا فوزها به ... فكلٌ إلى كلٍ مضافٌ ومنسوب
حصونٌ حصان الفرج حيث تبرجت ... وما كل ممتط الجزارة مركوب
تناط عليها للنجوم قلائد ... وتسفل عنها للغمام أهاضيب
منها:
وأرعن موار العنان يمورها ... فلم يغن عنها جرّ مجرٍ وتلبيب
فللخطب عنها والصروف صوارفٌ ... كما كان عنها للنوائب تنكيب
منها
نهار سيوفٍ في دجى ليل عثيرٍ ... فأبيض وضاحٌ وأسود غربيب
ينوح عليها نوح قارون يوشعٌ ... ويذري عليها دمع يوسف يعقوب
بها من زماجير الرجال صواعق ... ومن صوب آذيّ الدماء شآبيب
منها
يمج منونا سيفه وسنانه ... ويلهب نارا غمده والأنابيب
ومن مدائحه في علي بن أبي طالب ﵁، قصيدة أولها:
عن ريقها يتحدّث المسواك ... أرجا فهل شجر الأراك أراك
ولطرفها خنث الجبان فإن رنت ... باللحظ فهي الضيغم الفتاك
شرك القلوب ولم أخل من قبلها ... أن القلوب تصيدها الأشراك
منها
يا وجهها المصقول ماء شبابه ... ما الحتف لولا طرفك الفتاك
أم هل أتاك حديث وقفتها ضحى ... وقلوبنا بشبا الفراق تشاك
لا شيء أقطع من نوى الأحباب أو ... سيف الوصيّ كلاهما سفاك
1 / 3