وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون (النحل: 101). والمعنى أن هناك آيات تم استبدالها بأخرى، مع إشارة واضحة إلى احتساب المشركين لذلك التبديل افتراء من النبي
صلى الله عليه وسلم
على الله جل وعلا، والله منه بريء. إلا أن الآيات أوضحت بلا إبهام أن من يرفضون منطق الاستبدال والتحول «أكثرهم لا يعلمون»، وهو ما دعمته الآيات بقولها:
يمحو الله ما يشاء ويثبت (الرعد: 39). وهو ما يشير ليس فقط إلى الاستبدال، بل إلى محو آيات بعينها، ثم بقولها:
ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها (البقرة: 106).
وقد جاء عن ابن عباس من تفسير الآية
يمحو الله ما يشاء ويثبت : «أن الله يبدل ما يشاء من القرآن فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدله، وما يبدل وما يثبت إلا في كتاب.» وعن قتادة عن عكرمة قال: «إن الله ينسخ الآية بالآية فترفع وعنده أم الكتاب، أي أصل الكتاب.» وعن قتادة أيضا في شرح الآية
منه آيات محكمات (آل عمران: 7)، قال: «المحكمات هي الآيات الناسخة التي يعمل بها.»
11
مما يشير إلى غير المحكمات التي لا يعمل بها، على ذمة قتادة. وإزاء القول بأن الآيات، المنسوخ منها والناسخ، المعلوم لدينا أو المجهول - لنسخه أو محوه - إنما في كتاب أزلي محفوظ هو أم الكتاب، يقول د. نصر أبو زيد: «النسخ هو إبطال الحكم وإلغائه، سواء ارتبط الإلغاء بمحو النص الدال على الحكم ورفعه من التلاوة، أو ظل النص موجودا دالا على الحكم المنسوخ، لكن ظاهرة النسخ تثير في وجه الفكر الديني السائد المستقر إشكاليتين يتحاشى مناقشتهما، الإشكالية الأولى: كيف يمكن التوفيق بين هذه الظاهرة بما يترتب عليها من تعديل للنص بالنسخ والإلغاء، وبين الإيمان الذي شاع واستقر بوجود أزلي للنص في اللوح المحفوظ. والإشكالية الثانية ... هي إشكالية جمع القرآن ... ومشكلة الجمع ما يورده علماء القرآن من أمثلة قد توهم أن بعض أجزاء النص قد نسيت من الذاكرة الإنسانية ... ولم يناقش العلماء ما تؤدي إليه ظاهرة نسخ التلاوة، أو حذف النصوص سواء بقي حكمها أم نسخ أيضا، من قضاء كامل على تصورهم الذي سبقت الإشارة إليه لأزلية الوجود الكتابي للنص في اللوح المحفوظ ... فإن نزول الآيات المثبتة في اللوح المحفوظ ثم نسخها وإزالتها من القرآن المتلو، ينفي هذه الأبدية المفترضة الموهومة ... فإذا أضفنا إلى ذلك المرويات الكثيرة عن سقوط أجزاء من القرآن ونسيانها من ذاكرة المسلمين، ازدادت حدة المشكلة ... والذي لا شك فيه أيضا، أن فهم قضية النسخ عن القدماء لا يؤدي فقط إلى معارضة تصورهم الأسطوري للوجود الأزلي للنص، بل يؤدي أيضا إلى القضاء على مفهوم النص ذاته.»
نامعلوم صفحہ