صلى الله عليه وسلم
بحسبانه يسعى إلى إلغاء سادة القبائل من شفعاء، ليصبح هو السيد الأوحد لكل القبائل، لتنتقل له وحده الشفاعة، من حيث كونه صاحب العلاقة مع الله وليس الشفعاء ولا الكهان ولا التجار. أي صاحب القرار القاطع والنهائي الناطق باسم الله، وذلك عبر الشهادة له بأنه رسول الله، هو ما يتهدد مصالحهم التجارية جميعا بالدمار.
وفي ظل ذلك الوضع يمكن قراءة حديث الغرانيق مرة أخرى، ففي تلك الظروف، ومع مهاجرة الأتباع للحبشة، ومع قسوة الواقع ومرارته، ومع الغربة وسط الأهل، ومع الظرف النفسي الذي - لا بد - تركته تلك الأوضاع في النبي
صلى الله عليه وسلم ، تمنى، فتدخل الشيطان، فقال ما قال، فتبعته قريش وخاصة سادتها الذين تواجدوا تلك اللحظة بالحرم؛ لأنه هكذا لن يمس الأمر مصالحهم، فسجدوا بسجود النبي
صلى الله عليه وسلم ، وصلوا معه صلاته. وهنا كانت الفتنة المقصودة بقول الآيات:
ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض. والقاسية قلوبهم (الحج: 53). والقلوب كانت آنذاك بمعنى العقول، أي الذين لا يفقهون ولا يدركون المرامي البعيدة لدعوة النبي
صلى الله عليه وسلم ، تلك المرامي التي سبق أن أدركها العقلاء منهم رغم عدم إيمانهم، وأفادوهم بها، وشرحوها لهم، وهو ما لمسناه في قول عتبة بن ربيعة لهم بعد أن التقى النبي
صلى الله عليه وسلم ، وأدرك الأهداف الكبرى للدعوة، ولا شك أن عتبة بن ربيعة، وهو أحد الأرستقراطيين الكبار، قد أدرك الأبعاد الكبرى للدعوة، والتي كانت تبغي توحيدهم جميعا في دولة كبرى تناجز الروم والعجم، دون إضرار بمصالحهم التجارية، وهو ما حدث بعد ذلك بالفعل. بل وبعد انتصار الدعوة تم تمكين هذه المصالح وتقويتها ودعمها، فالنبي بعد فتح مكة لم يضمن للمكيين مكانتهم بين العرب فقط، بل ضمن لقريش ولزعامتها مركزهما في الإسلام. والناظر لفتح مكة بقليل من وضوح الرؤية يكتشف أن فتح مكة لم يكن هزيمة لقريش، وهو الأمر الذي نلحظه في تذمر الأنصار، ثم بعد ذلك عمل النبي
صلى الله عليه وسلم
بنفسه على تكريس الوضع الاجتماعي القائم، عن طريق الأعطيات والإقطاعات، ثم دعم الوحي ذلك بتكريس الملكية الفردية:
نامعلوم صفحہ