الباب الثامن والسبعون والمائتان فيمن يسأل الله برحمته وفضله وكرمه
من قال: اللهم ارحمني برحمتك، ففيه اختلاف.
وكتب بعض المسلمين إلى بعض:
عافانا الله وإياك برحمته.
مسألة:
وما عندك. هل يجوز أن يسأل العبد خالقه بفضله ومنه، وكرمه ورحمته. فيقول: وقنا برحمتك عذاب النار؟ ويقال: أنعم علينا بهدايتك، وتفضل علينا بعفوك؟
الجواب: قد عرفت جواز ذلك؛ لقول الله تعالى: { وقنا عذاب النار } .
وقد قال: { واسألوا الله من فضله } وقال: { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا } .
وإذا سأل الله: أن يمن بعفوه ورحمته وهدايته، على عبده، فذلك جائز؛ لأن مسألته إنما يريد بذلك، أن يمن عليه بذلك، لا أنه يسأله برحمته وعفوه وهدايته، متوسلا إلى الله تعالى. فذلك لا يجوز. والله أعلم.
وفيمن يقول: اللهم ارحمني برحمتك، وتب علي بتوبتك.
قال بعض: لا أرى بذلك بأسا، على استنباط المعنى، لأن المراد بذلك: الله أصبني برحمتك، وأمسسني نعمتك.
قال الشيخ أحمد بن عبدالله بن موسى: وجدت في جواز ذلك اختلافا.
ولا يجوز أن يقال: اللهم ارحمني برحمتك.
قال المؤلف: قد تقدم الاختلاف في ذلك. ولعل ذلك إذا سأله مستشفا إليه برحمته، ومتوسلا.
وأما إذا قال: أصبني برحمتك، يسأله أن يرحمه. فذلك جائز. والله أعلم.
قال الشيخ أبو محمد عبدالله بن محمد بن بركة: وكل شيء يسأله السائل ربه أن يفعله، فهو على ضربين: أحدهما: شيء من حكم الله، أن يفعله، دعا به الداعي، أو لم يدع به. وشيء من حكم الله أن لا يفعله إلا بعد دعائه.
فأما الذي هو من حكمه، أن يفعله دعا به الداعي، أو لم يدع. فكالذي حكاه الله، من دعاء الملائكة -عليهم السلام-: فقال: { ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم } الآية. وقد علمنا أن الله يدخل المؤمنين الجنة، وأنه يغفر للذين تابوا، دعا بذلك داع، أو لم يدع.
صفحہ 200