أولئك إلى أرحام هؤلاء حتى اختاره الله هاديا مهديا من أوسط العرب نسبا. فهو من صميم قريش التي لها القدم الأولى في الشرف وعلو المكانة بين العرب، ولا تجد في سلسلة ابائه إلّا كراما ليس فيهم مسترذل بل كلّهم سادة قادة، وكذلك أمهات ابائه من أرفع قبائلهن شأنا، ولا شكّ أن شرف النسب وطهارة المولد من شروط النبوّة، وكل اجتماع بين ابائه وأمهاته كان شرعيّا بحسب الأصول العربية، ولم ينل نسبه شيء من سفاح الجاهلية بل طهّره الله من ذلك والحمد لله.
زواج عبد الله بامنة وحملها
كان عبد الله بن عبد المطلب من أحب ولد أبيه إليه، فزوجه امنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وسنه ثماني عشرة سنة، وهي يومئذ من أفضل نساء قريش نسبا وموضعا. ولما دخل عليها حملت بالرسول ﷺ. ولم يلبث أبوه أن توفي بعد الحمل بشهرين، ودفن بالمدينة عند أخواله بني عدي بن النجار، فإنه كان قد ذهب بتجارة إلى الشام. فأدركته منيته بالمدينة وهو راجع «١»، ولمّا تمّت مدة حمل امنة وضعت ولدها، فاستبشر العالم بهذا المولود الكريم «٢» الذي بثّ في أرجائه روح الاداب وتمّم مكارم الأخلاق. وقد حقّق المرحوم محمود باشا الفلكي أن ذلك كان صبيحة يوم الاثنين تاسع ربيع الأوّل الموافق لليوم العشرين من أبريل سنة ٥٧١ من الميلاد، وهو يوافق السنة الأولى من حادثة الفيل «٣» .
وكانت ولادته في دار أبي طالب بشعب بني هاشم «٤» . وكانت قابلته الشّفاء أم عبد
_________
(١) دفن في دار النابغة في دار الصغرى إذا دخلت الدار على يسارك في البيت وله خمس وعشرون سنة.
(٢) روى مسلم في صحيحه أن أعرابيا سأل رسول الله ﷺ عن صيام يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه وأنزل عليّ فيه، وروى أحمد في حديث تفرد به أنه ولد يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين، والجمهور على أنه كان في ربيع الأول ويقول النووي: ونقل ابراهيم بن المنذر الخزاعي شيخ البخاري وخليفة ابن خياط واخرون الإجماع عليه أي على أنه ولد عام الفيل- واتفقوا على أنه ولد يوم الاثنين من شهر ربيع الأول.
(٣) حادثة شهيرة حصلت بمكة فأرخت بها العرب كعادتهم وكل أمة في التاريخ بالأمور المهمة وقد ذكر القران هذه الحادثة في سورة الفيل وحاصلها أن ملكا من ملوك الحبشة- الذين امتلكوا اليمن بعد حمير أغار على مكة وقصد هدم كعبتها، وكان معه فيل عظيم لم يكن العرب رأوا مثله، فاكراما للنبي المنتظر وغيرة على بيته الكريم جعل الله كيد الأعداء في تضليل، وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول، وأراح قريشا من عناء مقاومتهم أهـ. المؤلف.
(٤) في المكان المعروف بسوق الليل في الدار التي صارت تدعى بدار محمد بن يوسف الثقفي أخي
1 / 9