نور وقاد
النور الوقاد على علم الرشاد لمحمد الرقيشي
اصناف
المسألة السادسة عشر : في معنى الجبر وصفته والجائز للإمام فعله والدليل عليه وهل الأفضل فعله أو تركه أما معنى الجبر فهو إلزام الخروج وعقوبة المتخلف عنه بغير عذر وإما الأفضل إذا كان بترك الجبر لا يخاف فسادا في الأمر ولا فشلا في الدولة ولا تضييعا في الرعية فترك الجبر أولى لأنه الأحوط في دين المولى وإما القول بتركه مطلقا فلو أدى إلى فساد الأمر واضمحلال الدولة وبطلان الإمامة فهو قول زهاد الفقهاء الذين بدينهم من شاهق إلى شاهق ليس لهم في النظر إلى الدولة الإسلامية أصل راسخ ولا فرع باسق وما وقعوا فيه من فساد الدولة الإسلامية أعظم مما هربوا منه وأضر على الإسلام وأهله وأما القوام بأمر الله والدعاة إليه أهل النظر في الأمانة والضبط في الممالك الإسلامية بعظم الايالة يأبون ذلك ويرون أنه مؤد إلى انحلال نظام الملك الإسلامي وتعويج طريقه العدل ولكن ذلك مقام هائل لا يحسنه إلا أهل المقامات العليا ولا يتصدى له إلا أهل المناصب العظيمة فأنظر إلى النبي سليمان بن داود عليهما السلام لما خرج الهدهد بغير أمره قال لأعذبنه عذابا شديدا ولأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ومن كان هذه حالته في العقوبات مع الطير وهو من غير المكلفين فما ظنك به وما يكون في العصات المخالفين ولو سلك طريق الزهاد في التخفيف على العباد لما اختار أن يحشر له الجن والأنس والطير فهم يوزعون ولا يكون الحشر إلا بأمره فهو من الهيبة العظيمة بحيث لا يحسن أحد عن التخلف عنه لعظم ايالته فيهم وقهره فأنظر كيف وصفه الله بذلك وقد أثنى عليه هنالك الله ورسله هم القدوة في كل شيء وقد سمعت ما جرى من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الثلاثة المتخلفين عنه في غزوة تبوك وهم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه العزيز وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية فهجرهم وأمر الناس بهجرهم وباعتزال نسائهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وأي عقوبة أعظم من هذه وأوجع وما كانت هذه الغزوة دفاعا وإنما هي جهاد فهو دليل على جواز ذلك في الجهاد والدفاع جميعا ثم أن الجهاد فرض كفاية وقد حصلت الكفاية عن هؤلاء الثلاثة بخروج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه وأي قائم أقوم به منهم فلم يعذرهم بذلك فدل على جواز العقوبة للمتخلف ولو حصلت الكفاية بغيره وفي قواعد الأثر من حصلت الكفاية بغيره فقد سقط الفرض عنه وهذا دليل على جواز العقوبة ولو في الوسيلة إذا دعاهم الإمام لذلك وما جازت العقوبة فيه فقد ثبت معنى الجبر فيه قال الشيخ الخليلي فليتأمل فإنه بحث غريب وكان عمر بن الخطاب هو المتقدم في أمور السياسة والمشهور بها وكان لا يضع الدرة من يده ومن عظيم ايالته وهو في مرض الموت أمره بضرب أعناق الشورى إذا لم يتفقوا على الإمامة إلى ثلاثة أيام وبمثلها قتل المنافق الذي جاء إليه يطلب الحكم بعد حكم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من غير أن يستأذن الرسول في ذلك وقد كان الإمامان مهنا بن جيفر وناصر بن مرشد رحمهما الله لهما اليد الطولى في السياسة وبالجملة لا يترك ذلك ويستأهل فيه إمام إلا وهت كلمته وقوى عليه خصمه ووصف بالعجز ووسم بإضاعة الحزم ولله در أبي الطيب حيث يقول :
صفحہ 157