نور و فراشہ
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
اصناف
والمقطوعتان الأوليان تقدمان عرض الواضح، وفي الثالثة والرابعة يتكلم الميت ويلقي على قريبه عبء الثأر له. والخامسة والسادسة ترتبطان من حيث المعنى بالأولى، وتقفان من الناحية الشعرية الغنائية في غير موضعيهما. ومن السابعة حتى الثالثة عشرة نجد تمجيدا للميت يهدف إلى الإحساس بفداحة الخسارة، ومن الرابعة عشرة حتى السابعة عشرة نجد وصفا للغارة على الأعداء. والثامنة عشرة ترجع القهقري، والتاسعة عشرة والعشرون كان من الممكن أن توضعا مباشرة بعد المقطوعة الأولى، والحادية والعشرون والثانية والعشرون يمكن أن توضعا بعد المقطوعة السابعة عشرة، ثم تأتي نشوة الانتصار والمتعة في مأدبة الاحتفال، أما الخاتمة فنجد فيها اللذة المخيفة لرؤية الأعداء فرائس للضباع والنسور. وأروع ما في هذه القصيدة في رأينا هو أن النثر الخالص الذي يصور الفعل يصير شعريا بنقله مختلف الحوادث من مواضعها. ولهذا السبب، ولأنها تكاد تخلو خلوا تاما من كل تزويق خارجي، يزداد جلال القصيدة، ومن يقرؤها بإمعان لا بد أن يرى الأحداث من البداية حتى النهاية وهي تنمو وتتشكل أمام خياله.
3
وننتقل إلى ميدان آخر فنجد مجموعة من الحكم المنظومة التي كتبها جوته في أواخر حياته وسجل فيها حكمة شيخوخته وسخطه على معاصريه من شعراء وعلماء وأدعياء، في حكم لاذعة ساخرة. واسم هذه المجموعة هو
Zahme Xenien ، أي الحكم الساخرة الأليفة، تمييزا لها عن مجموعة أخرى نظمها قبل ذلك بسنوات طويلة بالاشتراك مع صديقه شيلر. وتاريخ نشأة هذه الأشعار القصيرة يحوطه الغموض من كل ناحية. وإذا كنا نعلم اليوم أنه بدأ في نشرها سنة 1820م، فإننا لا نعلم على وجه التحديد متى بدأ في كتابتها. ولكن الشواهد تدل على كل حال على أنه شغل بها ابتداء من سنة 1815م، فنحن نجد في مذكراته اليومية (بتاريخ 25 من ديسمبر سنة 1816م) هذه الملاحظة العجيبة «زهير»، وبهذا يسجل للمرة الأولى بوضوح اسم أحد شعراء المعلقات. وقد ثبت للباحثين أنه كان مشغولا في تلك الفترة - التي تدفقت عليه فيها أغاني الديوان! - بقراءة المعلقات . والظاهر أن زهيرا بالذات كان قريبا من فكره وإحساسه في ذلك الحين.
ومعلقة زهير تفيض بالأبيات التي تصور حكمته، كما تعبر عن سأم الشيخوخة وزهدها وصرامتها وتأملاتها في مصائر البشر والقدر والموت والحياة. وهذا الموضوع نفسه هو الذي يأتي في المقام الأول في حكم جوته اللاذعة. ولو قارنا بين بعض أبيات زهير وبين بعض هذه الحكم لوجدنا تقابلا مذهلا، يسمح لنا أن نفترض وجود تأثر مباشر لا شك فيه.
فحين يقول زهير:
وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده
وإن الفتى بعد السفاهة يحلم
فإن جوته يتحدث عن أخطاء الشيخوخة التي لا تغتفر ويقول:
إذا كان الشاب أحمق سفيها
نامعلوم صفحہ