نور و فراشہ
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
اصناف
لن يمكننا المضي في هذا التتبع إلى ما لا نهاية؛ إذ تغنينا عنه مئات البحوث المتخصصة والندوات واللقاءات الأدبية والثقافات التي تتقصى قضية تلقي أدب معين من جانب الآداب واللغات الأخرى.
4
والواقع أن الأمر في هذه اللقاءات الخصبة من خلال موضوع أدبي معين أكبر من أن نتعرض له في هذه السطور؛ إذ يكفي أن ننظر في موضوع واحد مثل أوديب لنرى تحولاته وصيغه الكثيرة من سوفوكليس إلى كوكتو وهينر مولر والحكيم وباكثير وكاتب هذه السطور،
5
وما أصابه في السنوات الأخيرة على خشبة المسرح المصري من كوارث يهون بجانبها قتل أبيه وزواج أمه وفقء عينيه! ويكفي أيضا أن ننظر في قصة ليلى والمجنون منذ الروايات العربية القديمة إلى (نظامي) الشاعر الفارسي (1140-1203م) وشوقي وصلاح عبد الصبور ومحمد إبراهيم أبو سنة، أو فاوست منذ الكتاب الشعبي الذي وضعه مؤلف ألماني مجهول من القرن السادس عشر (1587م) إلى مارلو وجوته الذي جعل منه قصيدة كونية كبرى، إلى عدد لا يحصى من الأدباء والشعراء والفنانين من مختلف الشعوب صوروه وما زالوا يصورونه في صور شعرية ومسرحية وقصصية مختلفة، بل لقد نفذت روح فاوست - وهي روح الفعل والمغامرة وإرادة التمرد على كل حد وإدراك المجهول وتعمق المبدأ والأصل - في قشرة الجمود العربي، فوجدنا لبعض أدبائنا محاولات قد تكون متواضعة حقا، ولكنها ذات دلالات هامة على تسرب مارد الثورة والحيرة إلى القمقم الشرقي العريق، وعلى الجهد الهائل الذي تبذله السلحفاة العربية لتشق الدرع الحصين الذي يطوقها ويخنقها. نذكر من هذه المحاولات مسرحية «عبد الشيطان » لفريد أبو حديد و«نحو حياة أفضل» لتوفيق الحكيم و«فاوست الجديد» للمرحوم على أحمد باكثير. هل كان من الممكن أن تتعدد هذه الصيغ والمحاولات لولا أن جهود الشهداء المجهولين - الذين نسميهم عادة بالمترجمين! - قد يسرت كنوز الثقافة العالمية للمواهب والطاقات المبدعة، وتركتها بين أيديها حتى تفتحت عبر الأجيال في أعمال استلهمت الأصل البعيد، وانطوت في نفس الوقت على نبض أصحابها وأنفاسهم؟
مهما يكن من شيء، فلم أقصد هنا تتبع اللقاء بين الآداب الغربية والشرقية، فلذلك مجال آخر يضيق عنه هذا المجال. لقد كان كل همي أن أثير قضية، وأقدم تجربة وليست الصفحات التالية إلا شهادة على هذه التجربة الفريدة، ومثلا على اهتمام شاعر الألمان الكبير - الذي يعرفه القارئ بغير شك من ترجمات بعض مؤلفاته إلى العربية
6 - بالآداب العالمية وبالأدبين الفارسي والعربي في المرحلة الأخيرة من حياته وإنتاجه. ولقد عبر عن هذا بنفسه قبل وفاته بسنوات قليلة في أحد أحاديثه الرائعة مع تلميذه وصديقه الأمين «أكرمان» في آخر أيام شهر يناير سنة 1827م عندما قال له:
إنني أزداد مع تقدم العمر إيمانا بأن الأدب ملك مشاع بين الناس جميعا، وأنه يظهر دائما وفي كل العصور لدى المئات والمئات منهم، كل ما هناك من فرق بينهم هو أن أحدهم قد يفضل غيره قليلا أو كثيرا، أو قد يسبح على السطح أكثر من صاحبه، ولهذا فإنني أحب دائما أن أقلب الطرف في آداب الأمم الأخرى، وأنصح كل إنسان أن يفعل نفس الشيء من جانبه. إن الأدب القومي لم يعد له اليوم من معنى. لقد آن أوان الأدب العالمي، وعلى كل امرئ أن يشارك بجهده في التعجيل به.
جوته والأدب العربي
لشاعر الألمان الأكبر كتاب يتضوع بعبير الشرق وأنفاسه، وتسري فيه روح الإسلام بسماحتها وحكمتها، وقناعتها واعتدالها. ويعد هذا الكتاب الذي سماه الديوان الشرقي- الغربي أو الديوان الشرقي للمؤلف الغربي من أجمل أعماله وأكثرها رقة وسخرية وعذوبة. ولقد شاء الشاعر الكبير أن يتقمص شخصية الباحث التاريخي والحضاري المتمكن، فعقب على ديوانه تعليقات وافية ، أضاف إليها عددا من البحوث والتعليقات التي تعين قارئه الغربي على تفهم عالم الشرق والإسلام، وتعرف شعرائه من عرب وعجم، بقدر ما أسعفته مذكرات الرحالة ودراسات المستشرقين وترجماتهم التي استطاع التوصل إليها في ذلك الحين.
نامعلوم صفحہ