وبحض رسول الله ﷺ، على اقتنائها، وتنويهه بفضلها، وتفخيم شأنها، اكتسبت حب الشرع وحب الطبع، فكانت عندهم كأفلاذ الأكباد، أعز عليهم من الأنفس والأولاد، وكان الرجل يبيت طاويًا، ويشبع فرسه، ويؤثره على نفسه وأهله وولده.
وقال دريد بن الصمة لأبي النضر: "قد رأيت منكم خصالًا لم أرها من غيركم، رأيت أبنيتكم متفرقة، ونتاج خيلكم قليلًا، وسرحكم يجيء معتمًا، وصبيانكم يتضاوغون من غير جوع. قال أجل: أما تفرق أبنيتنا فمن غيرتنا على النساء، وأما قلة نتاج خيلنا فنتاج هوازن يكفينا، وأما بكاء صبياننا، فإنا نبدأ بالخيل قبل العيال، وأما تمسينا بالنعم فإن فينا الأرامل والغرائب، فتخرج المرأة إلى ما لها حيث لا تراها الرجال". وقال أكثم بن صيفي: "عليكم بالخيل، فأكرموها فإنها حصون العرب، ولا تضعوا رقاب الإبل في غير حقها، فإن فيها ثمن الكريمة ورقوء الدم وبألبانها يتحف الكبير، ويغذى الصغير". وقال ابن عباس ﵄:
أحبوا الخيل واصطبروا عليها ... فإن العز فيها والجمالا
إذا ما الخيل ضيعها أناس ... ربطناها فأشركت العيالا
نقاسمها المعيشة كل يوم ... ونكسوها البراقع والجلالا
وقال خالد بن جعفر بن كلاب:
أديروني أداتكم فإني ... وحذفة كالشجى تحت الوريد
مقربة أسومها بخز ... وألحفها ردائي في الجليد
وأوصي الراغبين ليؤثروها ... لها لبن الخلية والصعود
تراها في الغزاة وهن شعث ... كقلب العاج في رسغ الجليد
يبيت رباطها بالليل كفي ... على عود الحشيش وعير غود
لعل الله يفردني عليها ... جهادًا من زهير أو أسيد
وقال مالك بن نويرة:
إذا ضيع الأنذال في المحل خيلهم ... فلم يركبوا حتى تهيج المضايف
كفاني دوائي ذو الخمار وصيفق ... على حين لا يقوى على الخيل عاتف
أعلل أهلي عن قليل متاعهم ... وأسقيه غص الشول والحي هاتف
وقال فارس جروة شداد بن معاوية العبسي:
فمن يك سائلًا عني فإني ... وجروة كالشجي تحت الوريد
أقوتها بقوتي إن شتونا ... وألحفها ردائي في الجليد
وقال:
ومن يك سائلًا عني فإني ... وجروة لا تباع ولا تعار
مقربة الشتاء ولا تراها ... أمام الحي يتبعها المهار
لها بالصيف جرجار وجل ... وست من كرائمها غزار
والمعنى: أنه اقتناها للحرب، فلا تباع ولا تعار، ولا يطلب نسلها، ولها من كرائم الإبل ست نوق تشرب من ألبانها.
وقال أيضًا:
ألا لا تطلبوا فرسي لبيع ... فجروة لا تباع ولا تعار
لنا من ظهرها حصن منيع ... وفي وثباتها نور ونار
فنفديها إذا جاءت إلينا ... مع الرعيان تتبعها المهار
وندخرها لأيام الرزايا ... فتنجينا إذا طلع الغبار
فجروة مهرة في الخيل تسمو ... كما يسمو على الليل النهار
تطير مع الرياح بغير ريش ... ولم يلحق لها أبدًا غبار
وكان لعنترة بن شداد فرس اسمه الأبجر ابن نعامة وكان يسقيه الحليب قبل أن يسقي زوجته عبلة فعاتبته على ذلك فقال:
لا تحسدي مهري وما أسقيته ... ما أنت إلا في مقام أعظم
فإذا غضبت فلي إليك وسيلة ... إما بعقد أو بثوب معلم
وابن النعامة ما إليه وسيلة ... إلا بطيبة مشرب أو مطعم
إن كان حبك في الفؤاد محله ... في أعظمي يجري كما يجري دمي
فاروي صداه من الظما فلعله ... ينجيك من هول الغبار المظلم
إني أحاذر أن تقولي مرة ... هذا غبار ساطع فتقدم
فيخونني وقت الطعان فتصبحي ... مسبية بتحسر وتندم
وقال أيضًا:
ولا تذكري فرسي وما أطعمته ... فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
إن الغبوق له، وأنت مسوءة ... فتأوهي ما شئت ثم تحوبي
كذب العتيق وماء شن بارد ... إن كنت سائلتي غبوقًا فاذهبي
إن الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
ويكون مركبك القعود وحدجه ... وابن النعامة عند ذلك مركبي
وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة ... أقرن إلى شر الركاب وأجنب
إني أحاذر أن تقول ظعيتني ... هذا غبار ساطع فتلبب
1 / 4