هيفاء كمحدلة الطريق، صوت كأنه زمور، بهيمة بشرية، ضخمة الصدر، هائلة الخدين، منبوشة الشعر، حولاء، متدلية الشفتين، عبدة النفس بلهاء، احتل أنفها زكام أبدي، فهي أبدا تمخط بتنوريتها، ولكن في قبحها وخشونة سلوكها تناسب يهم بأن يكون جمالا. قل عن زليخة ما شئت، ولكنها خفيفة الدم مهضومة.
أبو مرعي
يقول لك فتيان «وادي الأرز»، ويبتسمون: «أبو مرعي»، عمي أبو مرعي، بطل غير مجرب. قذيفة ديناميت لا تدري إذا كان بارودها مبللا، هائلة الجثة، أما الهمة فلا نعلمها. لماذا لا يأخذ بثأر أخيه أبي وسيم؟ وإن كانت الظروف غير مناسبة، فما باله أبدا يبصق كلمات من نار كلها توعد، ويدمدم كلمات من دمدم؟ من الذي شهد بطش أبي مرعي؟ أين كان حين «وقعة العين»، و«معركة السنديانة»، وحين تنادى الشبان في آخر الحرب، وقاتلوا مفرزة من جنود الأتراك مهزومة، أين كان أبو مرعي؟ وما هذه الواقعة في بيروت بينه وبين أربعة من «بني البترون»؟ من شهدها، وشهد البطش الذي يدعيه؟
وقد يكون شكاته على خطأ أو على صواب، ولكن إذا لم يشهد الناس منه بطولة، فمن هذا الذي عرف عنه جبنا؟ أبو مرعي - ككل رجل عظيم - فيه الكثير من اللغز والتناقض، غير أن المعترف به عن أبي مرعي هو أنه لبق في معاملة أبناء الحكومة. كل دعوى له أو عليه أبو مرعي يربحها، نبيل تجاه عائلته، يمونها، ويقوم بحاجاتها. يحمل عصا الناطور شهرا، وينتزعها منه أبناء الحمصي شهرا، والحرب بينه وبينهم سجال.
نار البغض لا تلتهب في نفس وسيم، وهذا نقص لا يسامحه عليه أبو مرعي. ليس فيه من عيب جسدي، إلا أنه ثقيل السمع.
الدكتور نجيب
تمشط الدنيا فلا تجد له مثيلا.
صعب على الناس أن يفهموا الدكتور نجيب؛ لأنه عاش تلك الخمس والستين من حياته، وانصرف عن الدنيا، ولم تظهر نفسه عارية أمام أحد. فنحن نستنتج خصاله بما نرى من أعماله. محاولة صعبة، وقد تكون غير مضبوطة، ولكن ما الحيلة، وفي الناس مئات يدعون صداقته، وليس فيهم واحد آخاه؟ نراه في آخر مراحل العمر، تطغى إرادته القوية على الجسم المتهدم، فيسير بمشية عسكرية مغصوبة توهمك القوة، حتى تلمح كتفين تهدلا، وفكا يتراخى في غير إبان الحذر، فتعلم أن الرجل يقترب من مرقده الأخير. يحدثك عن مستقبله، وعما سيقوم به من الأعمال، فهو سيزيد على المستشفى الكبير الذي يرأسه جناحا في السنة القادمة، وجناحا بعد خمس سنوات، وعلى المختبر أشعة إكس بعد شهرين، و... و... بعد عشر سنين، وعلى ألوف الكتب التي يقتنيها ألوفا أخرى. فتسائل نفسك، ترى، أيعتقد هذا الإنسان أنه سيعيش إلى الأبد؟ وتحاول أن ترمي عليه هذا السؤال، فتصطدم بنظرتين من عينين تصيحان «قف».
تحسبه مبشرا حتى يتكلم، فتسمع من صوته نبرة أمر طبيعية، كأنه خلق ليأمر، وشددت هذه النبرة سنوات قضاها أستاذا في جامعة ، وسنوات كان خلالها ضابطا في جيش.
لعل أعظم ما قام به عجيبتان؛ الأولى: أن الجرائد العربية دعته نابغة وعبقريا، وكان بحق نابغة وعبقريا، إذ إنه كان بدون ريب أعظم طبيب، وأمهر جراح عرفته بلاد سكانها 18 مليونا.
نامعلوم صفحہ