وإجلاء العرب عنه كما صار في نهاية القرن التاسع الهجري فذهبت ريح العروبة والإسلام منه إلى الآن، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ويحلو لنا أن نختم هذا الفصل بكلمة في الموضوع للعلامة الناصري صاحب الاستقصا فإنه قد شعر أيضًا بهذه الحملة المدبرة ضد أمير المسلمين فكتب قائلًا: وأعلم أنه قد يوجد هنا لبعض المؤرخين حط من رتبة أمير المسلمين وغض عليه: إما في كونه بربريًا من أهل الصحراء بعيدًا عن مناحي الملك والأدب ورقة الحاشية؛ وإما في كونه تحامل على ملوك الأندلس حتى فعل بهم ما فعل وذلك حيث عاين حسن بلادهم ورفاهية عيشهم. . وأعلم أن هذا الكلام جدير بالرد، وأصله من بعض أدباء الأندلس الذين كانوا ينادمون ملوكهم ويستظلون بظلهم ويغدون ويروحون في نعمتهم، فحين فعل أمير المسلمين بسادتهم ورؤسائهم ما فعل، أخذهم من ذلك ما يأخذ النفوس البشرية من الذب عن الصديق والمحاماة عن القريب حتى باللسان، وإلا فقد كان أمير المسلمين ﵀ من الدين والورع على ما قد علمت، ومن ركوب الجادة وتحري طريق الحق على الوصف الذي سمعت، وهذا ابن خلدون إمام الفن ومتحري الصدق قد نقل أن ملوك الأندلس كانوا يظلمون رعاياهم بضرب المكوس وغيرها، ثم وصلوا أيديهم بالطاغية وبذلوا له الأموال في مظاهرته إياهم على أمير المسلمين؛ ثم لم يقدم على قتالهم واستنزالهم عن سرير ملكهم حتى تعددت لديه فتاوى الأئمة الأعلام من أهل المشرق والمغرب بذلك. قافهم هذا واعرفه، والله تعالى يقابل الجميع بالعفو والصفح الجميل بمنه وكرمه».
الحياة الفكرية في هذا العصر
لقد آن للبحث العلمي أن ينصف دولة المرابطين ويقول فيها كلمة عادلة لا تتأثر بعصبية بلدانية ولا بمحمية دينية. فقد رأينا كيف كان التشيع للأندلس سببًا في تشويه شخصية يوسف بن تاشفين من بعض الكتاب والأدباء حتى أدى الحال إلى تجاهل عمله العظيم في إنقاذ ذلك القطر العزيز من المصير المؤسف الذي صار إليه فيها بعد. ونجد بعض المؤرخين المسيحيين من أمثال المستشرق الهولندي رينهيرت
1 / 65