وما ذاك عن بغض لها غير أنه ... يرجي سواها فهو يهوى انتقالها
وكان ظهور الدولة الفاطمية على مسرح السياسة المغربية سببًا لقيام نزاع كبير بينها وبين الأمويين أصحاب الأندلس؛ على المغرب. فما كانت تطفأ لظى الحرب بينهم إلا وتشعل من جديد. وقد لقي المغرب من جراء ذلك عنتًا شديدًا. ثم قامت دولة مغراوة وبني يفرن فكانت دولة مغربية محضة، وإن لم ير المغرب على عهدها إلا الحروب الطاحنة والفتن الداخلية الماحقة؛ فكان عهدًا مظلمًا توقفت فيه جميع الحركات الناشئة من علمية وأدبية، وانقرض العمران، وكادت الفوضى تقضي على هذه البلاد؛ لو لم يتداركها الله بعبد الله بن ياسين مؤسس دولة المرابطين.
الوسط الفكري في هذا العصر
رأينا كيف تأخر فتح المغرب إلى ما بعد منتصف المائة الأولى للهجرة، وأنه لم يقره قراره بعد الفتح الأول، ولا سكنت ثائرته. بل سرعان ما قتل الفاتح في إحدى جولاته بمدن إفريقية، وعادت البلاد كلها إلى عهد الفوضى والاضطراب، مما دعا إلى تجريد حملة ثانية على هذا الإقليم بقيادة موسى بن نصير، رأبت منه الصدع ورتقت الفتق، وشغلت المغاربة إلى حين بالعبور إلى الأندلس والقتال في تلك البلاد التي كانت إلى الأمس القريب تستتبعهم وتتحكم فيهم.
وفيما بين هذين الفتحين كان كثير من المغاربة لم يفهموا حقيقة الدعوة الإسلامية ولم ينظروا إلى العرب إلا كما كانوا ينظرون إلى الرومان والروم وغيرهم، ممن وغل عليهم ودوخ أقطار هم من قبل قصد الاستغلال والاستئثار. ولقد قالت الكاهنة داهية لقومها: «إنما تطلب العرب من المغرب مدنه وما فيها من الذهب والفضة، ونحن إنما نريد المزارع والمراعي، فالرأي أن تخرب هـ ذه المدن والحصون ونقطع أطماع العرب عنها». وبالطبع فإن من يكون هذا رأيه في القوم لا يقبل ما أتوا به من شرع ودين، ولا يتأثر بما يحملونه من علم وعرفان.
ونقل عن ابن أبي زيد القيرواني أنه قال: ارتدت البربر اثنتي عشرة مرة،
1 / 45