Nubadhat al-'Asr fi Akhbar Muluk Bani Nasr
نبذة العصر في أخبار ملوك بني نصر
تحقیق کنندہ
د. محمد رضوان الداية
ناشر
دار حسان
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٠٤
پبلشر کا مقام
دمشق
اصناف
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله المبدئ المعيد المنشئ المبيد الفعال لما يُرِيد الَّذِي جرت أَحْكَامه بمشيئته السَّابِقَة فِي جَمِيع العبيد من إعزاز وإذلال وإدبار وإقبال وإكثار وإقلال وهداية واضلال كل ميسر لما خلق لَهُ وجار على مَا كتب لَهُ ﷾ ﴿لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون﴾
نحمده ﷾ على كل حَال ونشكره على جَمِيع نعمه الَّتِي لَا تحصى شكرا كثيرا دَائِما لَا يَنْقَطِع بِانْقِطَاع الْأَيَّام والليال ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الْمُنْفَرد بِالْعِزَّةِ والجلال
ونشهد أَن سيدنَا وَنَبِينَا ومولانا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله خَاتم النَّبِيين والأرسال
1 / 29
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى مَا لَهُ من الصحب والآل صَلَاة دائمة لَا نفاد لَهَا وَلَا زَوَال
1 / 30
أما بعد فَهَذَا كتاب أذكر فِيهِ نبذة من بعض تواريخ مَا وَقع فِي مُدَّة الْأَمِير أبي الْحسن عَليّ بن نصر بن سعد بن السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد بن السُّلْطَان أبي الْحسن بن الْمُلُوك النصريين وَمُدَّة ملك
1 / 31
ابْنه مُحَمَّد وأخيه مُحَمَّد أَيْضا رحمهمَا الله وَكَيف استولى الْعَدو على جَمِيع بِلَاد الأندلس فِي تِلْكَ الْمدَّة
1 / 32
وعولت فِي ذَلِك على الإختصار والإقتصار وَتركت التَّطْوِيل والإكثار لِأَن باعي فِي التَّأْلِيف قصير وبضاعتي فِي الفصاحة مزجاة وسميته
نبذة الْعَصْر فِي أَخْبَار مُلُوك بني نصر
وَالله الْمُوفق للصَّوَاب وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل
1 / 33
ذكر مَا وَقع للأمير أبي الْحسن عَليّ بن سعد مَعَ قواده عَام ٨٨٢
قَالَ الْمُؤلف عَفا الله عَنهُ لما استقام ملك الأندلس للأمير أبي الْحسن عَليّ بن سعد ودانت لَهُ جَمِيع بِلَاد الأندلس وَلم يبْق لَهُ فِيهَا معاند وَذَلِكَ بعد خطوب وأحداث وكوائن جرت لَهُ مَعَ أَبِيه وَمَعَ قواده بعد موت أَبِيه فِي أَخْبَار وحوادث يطول ذكرهَا
وَذَلِكَ أَنه كَانَ مَحْجُورا للقواد وَلم يكن لَهُ من الْملك إِلَّا اسْمه فَأَرَادَ أَن يقوم بِنَفسِهِ ويزيل عَنْهَا الْحجر فَانْفَرد بِنَفسِهِ عَن قواده كَمَا انْفَرد مَعَه بَعضهم وَوَقعت بَينهم حروب وأحداث
وَذَلِكَ أَنه لما اعتزل عَن قواده أخذُوا أَخَاهُ مُحَمَّد بن سعد وَكَانَ أَصْغَر مِنْهُ سنا فَبَايعُوهُ واشتعلت نَار الْفِتْنَة بَينهم فأظهر
1 / 34
الْأَمِير أَبُو الْحسن التَّوْبَة للنَّاس وَوَعدهمْ إِن قَامُوا بدعوته أَن يصلح شَأْنهمْ وَأَن يظْهر الْأَحْكَام وَينظر فِي مصَالح الوطن وَيُقِيم الشَّرِيعَة فمالت إِلَيْهِ الرّعية وأعانوه على مَا نَوَاه من مُرَاده وغرهم إِلَى أَن أظفره الله بهم بعد حروب كَثِيرَة وَقعت بَينهم
وَذَلِكَ أَن أَخَاهُ مُحَمَّدًا أفلت من أَيدي القواد الَّذين بَايعُوهُ وَسَار إِلَى أَخِيه أبي الْحسن وَقدم الطَّاعَة فَلَمَّا علم القواد بذلك اجْتَمعُوا فِي مَدِينَة مالقة فَحَاصَرَهُمْ الْأَمِير فِيهَا حَتَّى أطاعوه فَأَخذهُم وقتلهم كلهم
1 / 35
وانقرضت أَعْلَام الْفِتْنَة وخمدت نارها ودانت لَهُ جَمِيع بِلَاد الأندلس وَلم يبْق لَهُ فِيهَا معاند وَهُوَ مَعَ ذَلِك يَغْزُو بِلَاد الرّوم الْمرة بعد الْمرة حَتَّى غزا غزوات كَثِيرَة وَأظْهر الْأَحْكَام
1 / 36
وَنظر فِي مصَالح الْحُصُون ونمى الْجَيْش فهابته النَّصَارَى وصالحته برا وبحرا وَكثر الْخَيْر وانبسطت الأرزاق ورخصت الأسعار وانتشر الْأَمْن فِي جَمِيع بِلَاد الأندلس وشملتهم الْعَافِيَة فِي تِلْكَ الْمدَّة وَضربت سكَّة جَدِيدَة طيبَة
عرض الْجَيْش والفرسان فِي حَمْرَاء غرناطة من ١٩ ذِي الْحجَّة ٨٨٢ إِلَى ٢٢ محرم ٨٨٣
ثمَّ إِن الْأَمِير أَرَادَ أَن يُمَيّز الْجَيْش وَأَن يظْهر للنَّاس مَا مَعَه من الفرسان ليزيدهم فِي المغارم فَهَيَّأَ مَوضِع الميز بِمَدِينَة الْحَمْرَاء من غرناطة بالموضع الْمَعْرُوف بالطبلة عِنْد بَاب
1 / 37
الْغدر فَبنى مَكَانا لجلوسه وَأصْلح الطَّرِيق والرحبة لمجال الْخَيل وَندب الفرسان
ثمَّ ابْتَدَأَ الميز يَوْم الثُّلَاثَاء التَّاسِع عشر لذِي الْحجَّة عَام اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وثمان مئة فَكَانَ أهل غرناطة يخرجُون كل يَوْم الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان للسبيكة وَمَا حول الْحَمْرَاء يتنزهون
1 / 39
فَأَقْبَلت فرسَان الأندلس بأجمعها من شرقيتها وغربيتها فَكَانَ الْأَمِير يُمَيّز كل يَوْم طَائِفَة مِنْهُم إِلَى يَوْم الثَّانِي وَالْعِشْرين لمحرم فاتح عَام ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ وثمان مئة بموافقة السَّادِس وَالْعِشْرين لشهر إبريل العجمي
فَكَانَ من قَضَاء الله ﷿ وَمَا قدره فِي ذَلِك الْيَوْم وَهُوَ آخر الميز وَكَانَ عِنْدهم المهرجان الْكَبِير والنزهة الْعُظْمَى فاحتفلت النَّاس وَخرج جلّ أهل غرناطة من رجال وَنسَاء وصبيان وشيوخ وكهول
1 / 40
وَجَاء كثير من أهل الْقرى من حوز غرناطة للنزهة فَاجْتمعُوا فِي السبيكة من الْحَمْرَاء وَمَا حولهَا وامتلأت تِلْكَ الْمَوَاضِع بالخلق الْكثير وَأَقْبَلت الفرسان وصاروا يتألفون فِي السبيكة وَذَلِكَ وَقت الضُّحَى
حَادِثَة سيل غرناطة الْعَظِيم عَام ٨٨٣
فَبَيْنَمَا النَّاس كَذَلِك فِي المهرجان إِذا بسحابة عَظِيمَة قد أَنْشَأَهَا الله تَعَالَى فِي السَّمَاء فأرعدت وأبرقت وانتشرت من ساعتها بقدرة مكون الْأَشْيَاء على السبيكة وَمَا قرب مِنْهَا وعَلى غرناطة وَمَا حولهَا وعَلى وَادي هداره وَجَاءَت بمطر عَظِيم وَلم يزل
1 / 41
الْمَطَر يزْدَاد ويعظم وَيكثر حَتَّى صَار كالأنهار الْعَظِيمَة وَجَاءَت السُّيُول من كل نَاحيَة وَعظم أمرهَا وعاين النَّاس الْهَلَاك من عظم مَا رَأَوْا من شدَّة الْمَطَر وَكَثْرَة السُّيُول من كل نَاحيَة وَاحْتمل السَّيْل الطّرق وَمَا حولهَا وَانْقطع النَّاس وَحَال السَّيْل بَينهم وَبَينه فَكَانَ لَا يسمع إِلَّا بكاء الصّبيان وضجيج النسوان وأصوات الرِّجَال بِالدُّعَاءِ إِلَى الله تَعَالَى والإبتهال إِلَى أَن ارْتَفع الْمَطَر وَجَاء وَادي هداره الَّذِي يشق غرناطة بسيل عَظِيم احْتمل مَا على ضفتيه من الْأَشْجَار الْعِظَام من الميس
1 / 42
الدردار والجوز واللوز وَغير ذَلِك من الْأَشْجَار الْعِظَام الثَّابِتَة فِي الأَرْض وَدخل الْبَلَد وَاحْتمل مَا على ضفتيه من الدّور والحوانيت والمساجد والفنادق وَدخل الْأَسْوَاق وَهدم الْبناء المشيد وَلم يبْق من القناطير إِلَّا الأقواس وَذهب بِكُل مَا كَانَ عَلَيْهَا من الْبُنيان ثمَّ جَاءَ السَّيْل بِتِلْكَ الْأَشْجَار الْعِظَام الَّتِي اقتلعت فتراكمت فِي الْبَلَد فِي آخر قنطرة مِنْهُ فَسدتْ
1 / 43
مجاري الْوَادي فتراكم السَّيْل وَالشَّجر فِي قلب الْبَلَد وعاين الأهالي الْهَلَاك وَدخل السَّيْل تياره والقيسارية حَتَّى دخل بعض حوانيتها وَوصل إِلَى رحبة الْجَامِع الْأَعْظَم وَإِلَى القراقين والصاغة والحدادين وَغير ذَلِك من الْأَسْوَاق
1 / 44
والدور فلطف الله تَعَالَى بعباده فنفض السَّيْل بِقُوَّة تراكمه بالقنطرة والسور وَخرج ذَلِك كُله خَارج الْبَلَد وَكَانَ هَذَا الْيَوْم من أعظم الْأَيَّام شَاهد فِيهِ كل من رَآهُ قدرَة الْقَادِر القهار الْملك العلام ﷾
وَلم يسمع المعمرون بِمثل ذَلِك الْيَوْم
قَالَ المؤرخ عَفا الله عَنهُ وَمن وَقت هَذَا السَّيْل الْعَظِيم بَدَأَ ملك الْأَمِير أبي الْحسن فِي التقهقر والإنتكاس والإنتقاض وَذَلِكَ أَنه اشْتغل باللذات والإنهماك فِي الشَّهَوَات وَاللَّهْو بِالنسَاء المطربات وركن إِلَى الرَّاحَة والغفلات وضيع الْجند وَأسْقط كثيرا من نجدة الفرسان وَثقل المغارم وَكثر الضرائب فِي الْبلدَانِ ومكس الْأَسْوَاق وَنهب الْأَمْوَال وشح بالعطاء إِلَى غير ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي لَا يثبت مَعهَا الْملك
1 / 45
وَكَانَ للأمير أبي الْحسن وَزِير يُوَافقهُ على ذَلِك وَيظْهر للنَّاس الصّلاح والعفاف وَهُوَ بعكس ذَلِك
وَكَانَ الْأَمِير الْمَذْكُور متزوجا بابنة عَمه الْأَمِير مُحَمَّد الْأَيْسَر
1 / 46
وَله مِنْهَا ولدان مُحَمَّد ويوسف فَمن جملَة
1 / 47
انهماكه أَنه اصْطفى على زَوجته رُومِية اسْمهَا ثريا وهجر ابْنة عَمه وَأَوْلَادهَا مِنْهُ
فَأدْرك ابْنة عَمه من الْغيرَة مَا يدْرك النِّسَاء على أَزوَاجهنَّ وَوَقع بَينهمَا نزاع كثير وَقَامَ الْأَوْلَاد مُحَمَّد ويوسف مَعَ أمهما وغلظت الْعَدَاوَة بَينهم
وَكَانَ الْأَمِير أَبُو الْحسن شَدِيد الْغَضَب والسطوة فَكَانَت الْأُم تخَاف على ولديها مِنْهُ فَبَقيت الْحَال كَذَلِك مُدَّة والأمير مشتغل باللذات منهمك فِي الشَّهَوَات ووزيره يضْبط المغارم
1 / 49
ويثقلها وَيجمع الْأَمْوَال ويأتيه بهَا ويعطيها لمن لَا يَسْتَحِقهَا ويمنعها عَمَّن يَسْتَحِقهَا ويهمل كل من فِيهِ نجدة وشجاعة من الفرسان وَيقطع عَنْهُم الْمَعْرُوف وَالْإِحْسَان حَتَّى بَاعَ الْجند ثِيَابهمْ وخيلهم وآلات حربهم وأكلوا أثمانها وَقتل كثيرا من أهل الرَّأْي وَالتَّدْبِير والرؤساء والشجعان من أهل مدن الأندلس وحصونها
انْقِضَاء معاهدة الصُّلْح واستئناف الْحَرْب بَين النَّصَارَى وَالْمُسْلِمين محرم عَام ٨٨٧
وَلم يزل الْأَمِير مستمرا على حَاله والجيش فِي نقص وَالْملك فِي ضعف إِلَى أَن انْقَضى الصُّلْح الَّذِي كَانَ بَينه وَبَين النَّصَارَى فَلم يشْعر بهم أحد حَتَّى دخلُوا مَدِينَة الْحمة
1 / 50