المقدمة
أشخاص الرواية
1 - في حجرة رئيسة دار النظام
2 - في غرفة رئيسة دار النظام
3 - في السجن
4 - في المحكمة
المقدمة
أشخاص الرواية
1 - في حجرة رئيسة دار النظام
2 - في غرفة رئيسة دار النظام
نامعلوم صفحہ
3 - في السجن
4 - في المحكمة
نوب حتب
نوب حتب
تأليف
نبوية موسى
المقدمة
تتضمن هذه الرواية أسباب حرب الاستقلال، التي قام بها المصريون، في مدة الأسرة السابعة عشرة، حتى تهيأ لهم طرد الهكسوس في أول عهد الأسرة الثامنة عشرة، على يد الملك أحمس بن سكنن رع الثالث الملقب بالفاتح، كما تتضمن كثيرا من عادات المصريين القدماء، ومعتقداتهم، وطرق محاكمتهم، وكيفية انعقاد المحاكم، وتشريعهم في ذلك الوقت.
وقد ضمنتها كثيرا من الحوادث الشهيرة، التي حدثت في مصر في عهودها الأخيرة، فهي صورة حقيقية لأخلاق بعض الأشخاص المعاصرين، وتأثير التطورات السياسية فيهم، وفيها كثير من المناقشات العلمية والأخلاقية، التي يدور البحث فيها الآن، فهي صورة تاريخية للعصر الحالي طبقت تمام التطبيق على عصر قدماء المصريين، وبطلة الرواية نوب حتب تعتبر رمزا لمصر في حالتها الحاضرة.
أشخاص الرواية
نامعلوم صفحہ
(أ)
الأشخاص التاريخية: (1)
الملك سكنن رع الثالث من الأسرة السابعة عشرة. (2)
الملك أبيبي من الأسرة السابعة عشرة. (3)
الملك أحمس الأول من الأسرة الثامنة عشرة. (4)
الملكة نيفرتاري أحمس زوجة الملك أحمس. (ب)
الأشخاص الموضوعة: (1)
حابي: الكاهن الأعظم لدير آمون بطيبة. (2)
فتاح: النبي الثاني لدير آمون. (3)
سوتيخ: مفتش دور النظام التابعة لدير آمون. (4)
نامعلوم صفحہ
نوب حتب: رئيسة إحدى دور النظام التابعة لدير آمون. (5)
ماريت رع: كاتبة نوب حتب. (6)
نفرتيتي: ضابطة دار النظام. (7)
رودوبيس: معلمة بدار النظام. (8)
خاطي: بواب دار النظام. (9)
كاكا: خادمة نوب حتب. (10)
منقرع: أحد كهنة آمون وأحد قضاة المحكمة الكبرى. (11)
سنفرو: قاضي التحقيق وأحد كهنة آمون. (12)
أمنحتب: والي طيبة وأحد قضاة المحكمة. (13)
طاحوتي: والي عين شمس وأحد قضاة المحكمة. (14)
نامعلوم صفحہ
حوريس: والي منف وأحد قضاة المحكمة. (15)
حرحور: خادم حابي الخاص. (16)
السجانة.
الفصل الأول
في حجرة رئيسة دار النظام
كاكا :
السيدة نفرتيتي تريد مقابلة سيدتي.
نوب حتب :
دعيها تدخل.
نفرتيتي :
نامعلوم صفحہ
لقد مضى على غروب الشمس مدة طويلة يا سيدتي ، ولا تزال التلميذات اللائي أمرت بعقابهن باكيات في حجرة دراستهن، فهل يبقين أكثر من هذا، أم تأمر سيدتي بانصرافهن؟
نوب حتب :
إني أشعر يا نفرتيتي أني أظلم هؤلاء التلميذات، إذ أعاقبهن على الخلاعة والتبرج، ما دامت معلماتهن هن اللائي ينشرن بينهن تلك القدوة السيئة، بتبرجهن المعيب المخجل، وهذه السيدة رودوبيس قد جعلت من وجهها فاتورة لمختلف الألوان المتناقضة، فمن شفاه قرمزية، إلى أهداب وحواجب تكاد تنافس الليل في سواده وكثافته، ويعلو تلك الأهداب والحواجب السوداء شعر أصفر يضرب إلى البياض، كأنه سبائك من الذهب المخلوط بالفضة الناصعة، فهو لا يتناسب مع شعر حواجبها وأهدابها، ولا يوافق بشرة وجهها السمراء القاتمة، وقد أرادت بذلك أن تفوق يد الطبيعة في صنع الجمال، فظهرت للناس سخرية، يزدريها كل من وقع بصره عليها، ولست أدري كيف يستحسن الرجال مثل هذا التصنع الممقوت، الذي يخالف نظام الطبيعة فيما رسمته من فنون الجمال، فزينت السمراء بعينين سوداوين وشعر أسود جميل، كما وهبت الشقراء عينين زرقاوين، وشعرا ذهبيا يتناسب مع بياض بشرتها، فزادتها بذلك جمالا وروعة.
ضحت السيدة رودوبيس بالكرامة والشرف، في سبيل الجمال، فخسرت الثلاثة جميعا، لقد عارضت الآلهة فيما صنعوه من جمال الخلقة الطبيعية، فكفرت بهم وبآياتهم، وهي تعيش في دير آمون رب أرباب مصر، وعلى بعد خطوات من قدس أقداسه، ويساعدها على ذلك الكفر خادم الإله نفسه، فسلام على الدين ورجاله؛ بل سلام على الفضيلة والشرف، اذهبي يا نفرتيتي واصرفي هؤلاء التلميذات البائسات، اللائي قضى عليهن سوء الحظ أن يقوم بتربيتهن وتهذيبهن أمثال هؤلاء المعلمات، فيجنين على آدابهن شر الجناية. (يطلب السيد فتاح مقابلة سيدتي.)
كاكا :
عجبا! وما الذي جاء به في مثل هذا الوقت من الليل؟
نوب حتب :
وقد انصرفت التلميذات، ولم يعد في دار النظام إلا نحن المعلمات بعد أن انتهى عملنا، فماذا يريد منا هذا الرئيس؟
فتاح :
السلام عليك أيتها الرئيسة الفاضلة.
نامعلوم صفحہ
نوب حتب :
سلام يا سيدي.
فتاح :
كيف صحتك يا سيدة نوب حتب؟ وما حال دار النظام في عهدك الآن ؟
نوب حتب :
أشكر لك يا سيدي سؤالك عني، أما دار النظام فقد استطعت بمساعدة الآلهة أن أصلح من نظامها ونظافتها، أما التهذيب وأما الأخلاق، فهو ما أعاني المر فيه بلا جدوى.
فتاح :
إنك يا سيدة نوب حتب تطلبين الكمال المطلق في الأخلاق، وهو ضرب من المحال، ويخيل إلي أنك تجهلين الدنيا، وتريدين الفضيلة المجردة، التي لا وجود لها في هذا العالم؛ ولذلك تشتدين على مرءوساتك، ونصيحتي إليك أن تتساهلي مع المعلمات فيما يملن إليه من التمتع بنعيم هذه الحياة؛ فالفتاة لم تخلق للتقشف وتحمل المتاعب؛ بل هي زهرة تميتها شدة الضغط، فلا تحرمي الكون من أزهاره ورياحينه، فيصبح صحراء قاحلة لا يحب الإنسان البقاء فيها.
نوب حتب :
إننا نحن المعلمات، لا يجوز أن ينظر إلينا الرجال نظرهم إلى سائر النساء؛ بل نحن نقوم بعمل جليل، هو تربية الناشئات وتهذيبهن، وهو عمل لا يتفق مع اللهو والمجون، ولا يخفى عليك يا سيدي أن النفوس بطبيعتها ميالة إلى الفساد؛ ولهذا وجب أن يكون المعلم مثالا كاملا للأخلاق، حتى يضطر التلاميذ إلى محاكاته ولو قليلا، والتلميذات كعجينة لينة نصوغها نحن في القالب الذي نريده، فيجب أن نكون قدوة صالحة لهن، وإلا ضاعت الأخلاق التي لا قوام لأمة بغيرها، فإفساد أخلاق الناشئات أكبر خيانة لوطننا المقدس.
نامعلوم صفحہ
فتاح :
إنك تجهلين الحياة يا سيدة نوب حتب، ولست أريد أن أطيل الشرح معك فيما تجهلين، ولكن اسمحي لي أن أقول لك إن مولانا الكاهن الأعظم قد أرسلني إليك؛ لأرجوك في أمرين، أولهما: أن تحسني معاملة السيدة رودوبيس التي تشكو منك مر الشكوى، والثاني: أن تسمحي له بزيارتك وزيارتها ليلا لمجرد المؤانسة؛ لأنه يحب حديثكما، وكثرة عمله أثناء النهار تمنعه من زيارتكما نهارا.
نوب حتب :
إن زيارة رجال التعليم لنا ليلا قد تثير حول اسمنا واسمهم الظنون، وإني - حرصا على سمعتنا - ألتمس من مولانا الكاهن العدول عن رغبته هذه.
فتاح :
إنك يا سيدة نوب حتب شديدة قاسية، لا ترحمين من قاسوا من الحب والهوى ما لا طاقة لهم باحتماله، ومولانا الكاهن الأعظم لا يستطيع العدول عن تلك الرغبة، وقد أشاطره أنا فيها يا سيدتي، فلم تقسين علينا إلى هذا الحد؟ ولم تحرميننا التمتع بنعيم هذه الحياة كباقي رجال العالم؟
نوب حتب :
إني لا أتعرض لكم يا سيدي فيما تمتعون به أنفسكم، بعيدا عن دور التعليم، أما في معاهد العلم، وأما في دور الثقافة، فهو ما لا أسمح به ولا يسمح به شرف التعليم ورفعته.
فتاح :
إنك يا سيدة تنصحين رجالا، هم أكبر منك سنا، وأكثر تجربة، وأسمى مركزا، نحن رؤساؤك، لنا أن نأمر وعليك أن تطيعي، وأنا بصفتي النبي الثاني لدير آمون، وبما لي من الإشراف على هذه الدار، آمرك أن تقومي معي الآن، وأن تدخلي بي إلى حجرة السيدة رودوبيس.
نامعلوم صفحہ
نوب حتب :
أنا لا أسمح لك بذلك.
فتاح :
أنا رئيسك ولي أن أدخل هذه الدار أي وقت شئت، سواء في ذلك أغضبت أم رضيت، فسيري أمامي كملاك طاهر شريف، واتركي العناد فإنه لا يناسب رقتك ولطفك النسائي.
نوب حتب :
ليس لي من الرقة ومن اللطف ما يرضيك، فدع هذا، واعلم أني لا أسمح لك مطلقا بالدخول إلى محال السيدات ليلا.
فتاح :
ولكنني رئيس، أريد أن أدخل لأفتش عليك في غرفة نومك، فقد يكون من أمرك أنت ما يدعو إلى الريبة.
نوب حتب :
أما بعد أن صارحتني بنيتك، فلا أدخل معك ولا أسير إلى جانبك في هذا الظلام، وإذا أردت أن تدخل أنت فسأرسل معك نائبة تأخذك إلى حيث تريد.
نامعلوم صفحہ
فتاح :
ماذا تعنين يا خبيثة بألفاظك، التي تتضمن دائما معنيين؟
نوب حتب :
لا أعني شيئا، أكثر من أني أريد أن أرسل نائبة عني أنا، تأخذك أنت.
فتاح :
كفاك عبثا، وستندمين على هذا يوم لا ينفعك ندم.
نوب حتب :
أنا يا سيدي لا أندم، إلا إذا قصرت في عملي ولم أقم بواجبي، ولا يؤلمني شيء إلا تأنيب الضمير، وما دمت شريفة النفس مرتاحة الضمير، فلا آسف على شيء في هذه الحياة، وسيان عندي الموت والحياة والفقر والغنى، فالعمر مهما طال لا بد أن ينتهي، وخير للإنسان أن يموت شابا عن أن يكابد آلام الشيخوخة، وما أكل الغني الذهب والجواهر، ولا مات الفقير جوعا؛ بل كلاهما يأكل ليعيش، ولا يستطيع الغني أن يلتهم أكثر من سعة جوفه، فعلام يتحمل الإنسان الضيم، أو يفرط في الشرف حبا في المال، وهو متاع زائل؟
فتاح :
كفاك فلسفة خيالية لا قيمة لها، وسنرى ما تفعلين يوم تدور على رأسك الدائرة، وسيكون عقابك قريبا، وأمد تمتعك بهذا الخيال قصير المدى. (يخرج فتاح)
نامعلوم صفحہ
نوب حتب :
يا كاكا، ادعي السيدة ماريت رع إلى هنا.
كاكا :
سمعا وطاعة.
نوب حتب :
هل أنجزت الخطابات التي أمرتك بكتابتها؟
ماريت رع :
نعم يا سيدتي، ولي رجاء واحد، وهو ألا ترسلي هذا الإنذار إلى السيدة رودوبيس، وأنت تعلمين مكانتها عند مولانا الكاهن الذي يكاد يعبدها، وربما كان في ذلك ضرر عظيم عليك، وأرى يا سيدتي ألا تتعرضي لذلك الفاسد في أطماعه وشهواته، فإنه قوي قادر، وتعرضك له لا يفيدك شيئا؛ بل سيتغلب عليك في النهاية وينفذ مآربه.
نوب حتب :
إني يا مريت رع أعلم ذلك حق العلم، ولكن ضميري لا يسمح لي أن آذن بإفساد الأخلاق في معهد وكل إلي بمقتضى وظيفتي إصلاح الأخلاق فيه، إن هؤلاء الرجال يظلمونني في تحديهم لي، فأنا لم أتعرض لأحد منهم في منزله، ولا في دور الفساد التي يغشونها بعيدا عن معاهد التعليم، ولكني أنتقد بحق مشروع رجلا يوكل إليه تهذيب النفوس في معاهد علمية، فيقوم هو بإتلافها، وأنا أفضل كل شيء؛ بل وأفضل الموت نفسه عن أن أقصر في واجب ألقي على عاتقي القيام به.
نامعلوم صفحہ
ماريت رع :
ليكن يا سيدتي ما تريدين. (تخرج ماريت رع.)
الفصل الثاني
في غرفة رئيسة دار النظام
نوب حتب :
لقد بدأ الكاهن يحاربني حربا لا حول لي عليه ولا قوة، وسيفوز بما يريده من الانتقام مني، ولكن هذا أخف على نفسي من وخز الضمير، فإن العذاب في سبيل الشرف والذمة خير من نعيم هذه الحياة مقرونا بالعار وسوء السيرة، وما كنت يوما أقدمت على مخالفة الكاهن أجهل نتيجة عملي؛ بل كنت أعلم أن الفضيلة المجردة لا بقاء لها بين هؤلاء الناس، وأني سأذهب ضحية لأطماعهم، ولكني فضلت ما تريده الآلهة؛ فإن أيام الدنيا قليلة فانية، ويليها نعيم دائم أو عذاب لا خلاص منه.
فلا تتركي المعروف يا نفس واعلمي
بأن لهذا العمر ما طال آخرا
وإن كدرت دار الحياة التي هي
طريقك للأخرى فقد يحمد السرى
نامعلوم صفحہ
ومر مذاق السير لولاه ما غدت
حلاوة وضع الرحل تغري المسافرا
وغاية نيل المجد طلبتك التي
أرتك نياب الدهر سودا كواشرا
وقد أبت الأيام تتميمها فلا
فؤادك مرتاحا ولا النجح ظاهرا
كاكا :
أحد الكهنة يريد مقابلتك يا سيدتي.
نوب حتب :
دعيه يدخل.
نامعلوم صفحہ
منقرع :
السلام عليك يا تاج الكمال والشرف.
نوب حتب :
وعليك السلام يا سيدي الفاضل تفضل.
منقرع :
لعلك لا تعرفينني يا سيدة نوب حتب.
نوب حتب :
نعم يا سيدي وسأتشرف بمعرفتك الآن.
منقرع :
لا تهمك معرفتي، وما جئت إلا لأؤدي خدمة لسيدة اضطهدت لمجرد استقامتها وكمالها، فدفعني حب الفضيلة إلى مساعدتك دون سابق معرفة، وذلك بإخبارك بما يخبئه لك القدر، عسى أن ينفعك هذا الإخبار.
نامعلوم صفحہ
نوب حتب :
تفضل يا سيدي، ولك مني ألف شكر على تكرمك بمساعدتي دون معرفة سابقة.
منقرع :
تعلمين أيتها السيدة ما فعله الهكسوس ببلادنا المحبوبة، وكيف تغلبوا على القطر البحري، وخربوا معابده، وهدموا آثاره التي شيدها الفراعنة الأقدمون، واستعبدوا المصريين، وسخروا من آلهتهم، وكيف ضربوا علينا نحن في القطر القبلي الجزية واعتبرونا أتباعا لهم، ثم تغلبت عليهم مدنيتنا، فاقتدوا بنا في عبادتهم، ولكنهم لم يختاروا من آلهتنا إلا إله الشر سوتيخ، فعبدوه، واضطروا إخواننا في القطر البحري أن يعدلوا عن عبادتهم للإله رع إله عين شمس المشهور، وأن يعبدوا إله الهكسوس سوتيخ.
فلما انتصر مولانا الملك - متعته الآلهة بالصحة والعافية - في حروبه الأخيرة على النوبيين والإثيوبيين، خشي ملك أبيبي ملك هؤلاء الهكسوس أن يخرج عليه ملكنا الفاتح سكنن راع الثالث، فيطرده من بلاد آبائه الفراعنة، فأراد أن يهاجمه قبل أن تقوى سلطته ويشتد بأسه، فأخذ يرسل إليه الرسول تلو الرسول، ليطلب منه طلبات لا معنى لها، وما أراد بها ذلك الملك العاتي إلا فتح باب الحرب، وخشي مولانا الملك على أمته من بأس هؤلاء الطغاة، فأخذ ينفذ للملك أبيبي كل مطالبه معقولة كانت أو غير معقولة.
نوب حتب :
نعم يا سيدي أعلم ذلك، ومن بين هذه المطالب الغريبة ألا نعبد نحن سكان القطر القبلي إلا الإله آمون، وألا نذكر مع اسمه لا زوجته موت ولا ابنه الإله خنسو؛ بل نقصر عبادتنا على الإله آمون وحده، ومع غرابة ذلك المطلب فقد قام مولانا الملك بإجابته، وأرسل إلينا أوامره بذلك.
منقرع :
نعم أيتها السيدة، وقد استعمل الكاهن الأعظم لدير آمون هذا الطلب وسيلة إلى الإيقاع بك ودبر المكيدة لقتلك، فأمر مفتش دور النظام أن يقدم إليه تقريرا يقول فيه إنك كفرت بالإله آمون، وأنك تعلمين البنات ذلك الكفر، وقدم السيد فتاح تقريرا آخر قال فيه: إن الكاهن الأعظم لما اطلع على تقرير المفتش، أرسله ليتبين الخبر وينصح لك بالعدول عن غيك، فلم تقبلي ذلك، وقلت له إنك لا تسمحين لأحد بالتدخل في عقيدتك الدينية، وقد قدمت رودوبيس تقريرا ثالثا بهذا المعنى، وقدم الكاهن الأعظم هذه التقارير الثلاثة إلى مولانا الملك - متعته الآلهة بالصحة والعافية - وطلب منه محاكمتك فلم يعبأ مولانا الملك بهذه التقارير، فأرسل الكاهن إلى الملك أبيبي ملك الهكسوس خطابا، يقول له فيه: إن ملك مصر العليا، وإن كان يجيب طلباتك بالقول إلا أنه لا ينفذها فعلا، واستدل على ذلك بعدم محاكمتك، مع أنك خالفت الأوامر الصادرة منه بعبادة آمون وحده وعبدت الثالوث.
نوب حتب :
نامعلوم صفحہ
يا لها من دسيسة دنيئة! أيخون الكاهن الأعظم بلاده، ويحرض عليها الغاصبين سعيا وراء أطماعه ومفاسده؟ فبئس ما فكر ودبر.
منقرع :
إنه يا سيدتي لا يعرف أمام أطماعه وشهواته لا دينا ولا وطنا، ولهذا فعل فعلته هذه، غير آسف ولا نادم، وقد أرسل الملك أبيبي إلى مولانا الملك رسولا، يطلب منه القبض عليك حالا، وسجنك تمهيدا لمحاكمتك على الكفر بآمون إله طيبة الأعظم.
نوب حتب :
أيتهمني الكافرون بالكفر؟ فيا سبحان الله! لقد انقلبت الحقائق.
منقرع :
هكذا كان تدبيرهم، وقد اضطر مولانا الملك تلافيا للخلاف ودفعا للنكبة عن بلاده، أن يأمر بالقبض عليك، وسيقبضون عليك بعد ساعتين، وقد جئت لأنصح لك بالهرب، فإن هذه المحاكمة لا تنجلي إلا بالحكم عليك بالقتل، وسيثور ضدك الشعب المصري متى علم بكفرك، وهو شديد التمسك بدينه، فبادري إلى الهرب الآن قبل أن يقبض عليك قاضي التحقيق.
نوب حتب :
لست بمجرمة حتى أهرب من وجه القضاء، ولا أنا بخائنة بلادي مهما كانت الظروف؛ فإن هربي الآن قد يثير الظنون حول تصرف مولانا الملك بالنسبة لملك الهكسوس، فيظن ذلك الملك العاتي أن مولانا الملك هو الذي دبر لي طريقة النجاة، ويتخذ ذلك وسيلة لإشهار الحرب علينا، وما كنت لأضحي ببلادي في سبيل إنقاذ نفسي، ولهذا سأبقى لينفذ في أمر مولانا الملك، وإن كان في موتي خلاص للبلاد فسأموت باسمة مطمئنة.
منقرع :
نامعلوم صفحہ
هكذا تكون الشهامة يا سيدة نوب حتب، وهكذا تكون الوطنية، فعسى أن تهيئ لك الآلهة سبيل النجاة حتى لا تخسر مصر المسكينة مخلصة مثلك، فإلى الملتقى أيتها الضحية الطاهرة.
نوب حتب :
مصحوبا بالسلامة يا سيدي تحرسك الآلهة، فقد أديت لي من المساعدة ما قد يكون فيه نجاتي دون أن أخون مصر العزيزة أو أفرط في حقوقها، ولكن ألا أتشرف بمعرفة اسمك يا سيدي؟
منقرع :
اسمي منقرع. (يخرج منقرع)
نوب حتب :
هكذا يبيع هؤلاء الرجال الشرف والوطن والفضيلة في سبيل شهواتهم، فعفوك أيها الإله المشرق على عباده من سماء ملكوته، نعم عفوك يا آمون ورحمتك، فإني لم أخنك، ولست آسف أن أفارق تلك الدنيا المدنسة، ولكني كنت أود أن أموت ميتة يعلم منها أبناء وطني أني ضحيت بحياتي في سبيل هذا الوطن، فأكون بذلك مثالا لهم في التضحية وحب البلاد، لا أن أخرج من بينهم كافرة في اعتقادهم مغضوبا علي من الجميع، فعفوك أيتها الآلهة، فإني أول من يستحق الرحمة.
كفروا بآمون وألقوا إثمهم
ظلما على رأس البريء الآمن
مالوا إلى الإجرام إلا أنهم
نامعلوم صفحہ
ستروا فضائحهم بغدر المائن
يا ويح هذا الحظ في إدباره
يلقي على المطعون ثوب الطاعن
يا مصر كم أوذيت في إرضائك
وهوى بما أرجوه لهو الماجن
لله ما أحلى العذاب إذا أتى
من أجل مصر وفي هواها الكامن
يا رب مصر أغث فتاة أرهقت
واهد الأمين ورد كيد الخائن
آمون هل يرضيك ظلم غشومهم
نامعلوم صفحہ
وتنام عينك عن عقاب الكاهن (تدخل ماريت رع.)
ماريت رع :
قد أنجزت كتابة الخطابات التي أمرت بها.
نوب حتب :
دعي هذا جانبا يا ماريت رع، فإن لدي الآن ما هو أهم منه واجلسي أتحدث إليك، فإنه سيقبض علي اليوم بعد ساعتين، وسأقدم للمحكمة الكبرى بتهمة الكفر، فهل أنت مستعدة أن تضحي من أجلي، مع العلم إن فعلت فقد ينالك ضرر عظيم.
ماريت رع :
إن مصلحتي الشخصية قد أصبحت مرتبطة بمصلحتك، فأنا مضطرة أن أضحي في سبيل مصلحتنا المشتركة بكل ما أستطيع، تضحية اليائس الذي يصدق عليه قول الشاعر:
أنا الغرق فما خوفي من البلل
لأن ما بيني وبين السيدة رودوبيس من العداوة الآن يجعل بقائي بعدك ضربا من المحال، ولو بقيت لفعلت بي أشد مما فعلت بك، فأمري بما ترين تجدي مني صديقة صادقة.
نوب حتب :
نامعلوم صفحہ
سأخبرك بكل شيء يا ماريت رع؛ لتكوني على علم بالحالة تماما، وتستطيعي مساعدتي بما يعن لك من الآراء، علنا نلتمس طريق النجاة، أنت تعلمين ما يقوم به الكاهن الأعظم من إفساد أخلاق معلمات دار النظام سعيا وراء شهواته، وكيف كان يقضي معهن شطرا من الليل فيما تحرمه الآلهة، سواء أكان في هذه الدار المقدسة أم خارجها، وقد أراد أن يصل إلى غايته هذه في مدة رياستي، فرفضت طلبه رفضا باتا، فعول على أن يزور رودوبيس في مخدعها خفية، وأرسل إليها خطابا ولما علمت أن الخطاب من عنده فضضته واطلعت عليه ثم نقلته في خطاب آخر محاكية خطه بدقة، وسلمت الخطاب الذي كتبته إلى رودوبيس، واحتفظت بخطابه الأصلي حجة عليه، وها هو الخطاب أقرؤه عليك الآن؛ لتسمعي ما يقوله ذلك الكاهن، الذي ينظف جسمه مرات عديدة في اليوم ليدخل على آمون في قدس أقداسه طاهر البدن والثياب، وهو ملوث الروح بأفظع القاذورات.
معبودتي رودوبيس
لم تسمح رئيستك اللعينة بدخولي إليكن، وسأنتقم منها شر انتقام، ولكني لا أستطيع أيتها المحبوبة أن أبعد عنك، ريثما أتخلص من تلك الشريرة، ولهذا دفعني الشوق العظيم إلى رؤيتك أن أخاطر وأزورك الليلة عند منتصف الليل تماما، وسأتسلق السور الغربي من حديقة دار النظام، فكوني في انتظاري هناك لأسير معك إلى مخدعك.
عبدك حابي
هذا هو كلام رجل الدين الذي يدعي أنني كفرت بالإله آمون، وهذا هو مقدار إيمانه بالآلهة العظام، يدنس معابدهم ويعيث فسادا في أماكنهم المقدسة.
ماريت رع :
وما الذي تم يا سيدتي في تلك الليلة؟
نوب حتب :
أمرت خاطي بواب الدار أن يسهر في ذلك المكان من الحديقة، وقلت له إنه بلغني أن لصا سيتسلق ذلك السور في منتصف الليل، وفي الساعة المعينة ذهبت إلى مخدع السيدة رودوبيس لأعوقها عن الذهاب إلى ذلك المكان، فوجدتها على أهبة الخروج، فبقيت معها أحادثها بعض دقائق، ثم ذهبت إلى الحديقة، ولما وصلت إلى المكان الذي عينه الكاهن، وجدت أن خاطي قد قبض عليه، ولما تبين وجهه على ضوء القمر وعرفه خاف منه وخر له ساجدا، فذهب الكاهن مسرعا من حيث أتى وسقط منه أثناء هربه صولجانه الكهنوتي، فأخذت الصولجان وحفظته عندي دليلا على جريمته وها هو.
ماريت رع :
نامعلوم صفحہ