وبفرض أن الزوجة الشرقية الراقية نقصت قليلا عن أختها الغربية، فلماذا لا يرشدها بعلها إلى مواضع خطئها بالرفق ويريها ما يحب وما لا يحب؟! لا سيما وأن أحب شيء إلى الزوجين المتحدين أن يبذل أحدهما وسعه ليرضي الآخر، فانصراف شباننا لتلقي العلوم الحديثة في أوروبا يجب أن يكون لخير البلاد لا لشرها، فكما يتعلمون لنفع أنفسهم يجب أن يقرنوا ذلك النفع بنفع مواطنيهم أيضا، وإلا فلو اتبع كل واحد يرى عيبا في صاحبه طريقة هؤلاء الشبان لما كان لأحد من أهل بلده خليل «ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها؟!» فواجبهم الوطني يقضي عليهم بأن يدخلوا كل ما يرونه صالحا في بلادهم مع الاستغناء عن الأجنبي على قدر الإمكان، فصانع الحرير الوطني إذا رأى معامل أوروبا وسرعتها وجب أن يشتري لبلاده الآلات اللازمة لسرعة إنجاز العمل، لا أن يدخل تلك الصناعة بعينها ويقضي على صناعته الجميلة، فيكون قد اقتبس شكلا وأبطل آخر، فنحن إذا اتبعنا كل شيء غربي قضينا على مدنيتنا، والأمة التي لا مدنية لها ضعيفة هالكة لا محالة، فشباننا يدعون أنهم يأتون بنساء أوروبا؛ لأنهم رأوهن أرقى من نساء مصر. إذن، يجب أن يحضروا لنا تلاميذ أوروبا؛ لأنهم أرقى من تلاميذ مصر وعمال أوربا لأنهم أرقى من عمال مصر؛ لأن النظرية واحدة فماذا تكون الحال لو تم ذلك؟ وهل إذا سافرت زوجة مصرية لأوروبا ورأت الأطفال هناك أجمل بشرة وأحلى منظرا من مثلهم في مصر أيصح أن تترك أولادها، وتأتي بغيرهم من الغربيين، أم أن تجتهد في تجميلهم وتقريبهم من الشكل الذي أعجبت به؟! وإذا كانت أحط فتاة غربية تتزوج مصريا يتبرأ منها أهلها، أفنرضى نحن عنها وقد شغلت محل أشرف فتاة منا، وصار زوجها مثالا لغيره من الشبان؟ أنا أول من يعجب بنشاط المرأة الغربية وإقدامها، وأول من يحترم من تستحق الاحترام منهن، ولكن يجب أن لا ينسينا احترام الغير منفعة الوطن. والمصلحة العامة فوق الإعجاب، وإننا في كثير من أمورنا نسير وفق ما يراه الرجال، فليرونا ما يحبون وكلنا مستعدات للسير بمقتضاه بشرط أن لا يكون ظلما لنا ولا إجحافا بحقوقنا.
يؤلمني أن درجة احترام الرجال لنا ليست بالدرجة التي نحب، وإذا بحثنا وجدنا أننا نحن اللاتي وضعنا أنفسنا في هذا الموضع غير المرضي؛ ذلك أن الإنسان ينزله الناس في المنزلة التي يختارها هو لنفسه ويسير عليها، كما قال زهير: «ومن لم يكرم نفسه لا يكرم» لا يكرم المرء نفسه بأن يقول: سعادتي وحضرتي أو البك والباشا في نفسه ، كبعض الجهلاء الذين ينالون رتبا جديدة، ولكن لا يستهين بذاته فيهينها ويشعر من نفسه بالضعة فيهينه الغير أيضا، فهل نضع نحن أنفسنا عادة في الموضع اللائق بها؟ كلا، يحكى أن أحد الخلفاء بينما كان يروض نفسه في الطريق إذ سمع صوتا في خربة؛ فاتجه نحوه فوجد فيها زبالا يقول:
وأكرم نفسي إنني إن أهنتها
وحقك لم تكرم على أحد بعدي
فقال له: وأي إكرام لنفسك وأنت تحمل التراب والأقذار؟! قال: نعم؛ أفعل ذلك لأكفي نفسي مهانة السؤال من مثلك. إن معتقداتنا وأفعالنا كانت سببا عظيما في قلة احترام الرجل إيانا، أيعتبر رجل عاقل امرأة تعتقد في السحر والشعوذة وكرامة الأموات وتجعل من الدلالات والبلانات، بل ومن الشياطين عليها سلطانا؟! أيحترم المرأة ولا حديث لها إلا (فساتين) جارتها ومصوغات صاحبتها وجهاز فلانة وأخبار علانة؟! هذا فضلا عما انطبع في ذهنه من أن المرأة أضعف منه وأقل ذكاء، إن تهاوننا في هذه النقطة اعتراف بأن حالتنا مرضية فهل هي كذلك؟ وإذا لم تكن فماذا يرقينا في أعين الرجال؟ يرقينا حسن التربية والتعليم الصحيح، فإذا حسنت تربيتنا وتعلمنا علما حقا لا قشور بعض اللغات الأجنبية و(دوري مي فاسول) والعلم يشمل أيضا تدبير المنزل والصحة والأطفال، وإذا تركنا الخلاعة في الطريق جانبا، وإذا أثبتنا لأزواجنا بحسن سلوكنا وقيامنا بواجباتنا حق القيام، أننا آدميات نشعر وأن لنا نفوسا لا تقل عن نفوسهم فلا نسمح لهم بحال من الأحوال بإيلام شعورنا أو بالاستهانة بنا، إذا فعلنا كل ذلك فمن أين يجد الرجل العادل طريقا لاحتقارنا؟! أما غير العادل فكان حريا بنا أن لا نقبل الزواج منه.
يرقينا أن نطرح الكسل أرضا، فإن عمل أكثرنا في المنزل هو القعود على (الشلتة) كل النهار، أو الخروج للزيارات كأن رد فعل القعود أدار لولب أرجلنا ونفخ في شراع حبرنا فلم نقو على ضبط جماحنا، والتي تعرف القراءة منا ففيم تقضي أوقات فراغها؟! في قراءة الروايات فقط، فهلا قرأت قانون الصحة أو بعض الكتب المفيدة فتنتفع وتنفع؟! إن انغماسنا في الكسل أو الترف أدى إلى ضعف أجسامنا وشحوبنا، فيجب أن نبحث لنا عن عمل نزاوله في منازلنا، والمتأمل يرى لأول نظرة أن الطبقات العاملة هي الأسلم صحة والأكثر نشاطا والأنجب نسلا، ألا تنظرن إلى أولاد الطبقة الوسطى والسفلى فإنهم كلهم تقريبا أصحاء الجسم أقوياء البنية؟ أما أولاد (الذوات) فأكثرهم مرضى أو نحفاء، يتأثرون بأقل العوارض، مع ما يبذله آباؤهم من الاعتناء بهم بعكس أولاد الطبقة الدنيا مثلا فإنهم في إهمال شديد من والديهم، العمل يخرج الفضلات الزائدة في الدم ويقوي العضل ويبعث على النشاط، والطبقة أو الأمة العاملة يزداد نسلها فتعتز بأبنائها وإن الأمة الألمانية لشاهد حسي على ما أقول، فإن التعداد يظهر أن النسل هناك يزداد بسرعة هائلة حتى ضاق رحب ألمانيا بأهلها؛ فأخذوا يبحثون عن أراض يستعمرونها ليصرفوا فيها الزائد من السكان، والذين زاروا أوروبا أخبروا أن أهل ذلك البلد مجدون نشيطون رجالا ونساء، بعكس المرأة الفرنسية فإن ترفها الزائد كان سببا في قلة نسلها فضلا عن انصراف كثير من تلك الأمة عن الزواج، وقد بح صوت الاقتصاديين والاجتماعيين في نصح مواطنيهم بالاعتدال واتباع الطريق القويم فلم يفلحوا، لاحظت وأنا في البادية أن بين نساء البدو ورجالهم كثيرا من العجائز ممن بلغوا الثمانين والمائة، وقد رأى معظمهم أربعة أعقاب من ذريته، مع أني لم أر في القاهرة ولا في المدن الأخرى ما يشبه ذلك، ولا شك أن هذا نتيجة عيشتهم الطبيعية واعتدالهم، فإنهم كلهم مبكرون في كل شيء؛ مبكرون في الاستيقاظ وفي النوم وفي تناول الأغذية وفي الأخذ بأول كل شيء وكلهم عاملون، ولم أر بينهم امرأة واحدة حتى من نساء أغنيائهم، تقضي النهار في الكسل كما نقضيه نحن، فإذا كان الفلاسفة والأطباء يبحثون عن أكسير الحياة فها أنذا قد اكتشفته، ذلك هو العمل والاعتدال في المعيشة أو العيش الطبيعي، ولعل في هذا القدر عن المرأة كفاية اليوم.
بقي علينا أن نبين الطريق العملي الذي يجب أن نسير عليه ولو كان لي حق التشريع لأصدرت اللائحة الآتية :
المادة الأولى:
تعليم البنات الدين الصحيح، أي: تعاليم القرآن والسنة الصحيحة.
المادة الثانية:
نامعلوم صفحہ