2
الفضية فيدخل السهل، ويعتز السهل به وتحييه أنهار الريف وجداول الجبال فرحة وتهتف قائلة: أخي! أخي! خذ إخوتك معك وأت بهم جميعا أباك الشائب: المحيط الخالد.
غوته
الفصل الأول
الرياح سببه! ومن أين يأتي المطر لولا وجود الرياح الموسمية ولولا وصولها في الوقت المناسب وفي الاتجاه المرتقب؟ والنيل الأزرق وليد المطر والجبل، وما مصدر معجزة هذا النيل الثاني إلا تنازع العناصر والبراكين وما عليها من سحاب مزدحم، ولولا جبال الحبشة الشواهق - ولو لم تكن هذه الشواهق براكين تتحطم عليها الرياح وتصب عليها سيول الماء - ما تكون هذا النهر منسابا كالحية نحو السهل، آخذا من الحواجز الصخرية أجزاء معدنية تؤدي إلى إحياء الصحراء بعد ألف ميل.
وتتحول تلك الأجزاء إلى غرين، والغرين إلى واحة، ومصر - حين تئن من الجدب البعيد المدى في المكان والبعيد الأمد في الزمان - تراها مدينة في كيانها للبراكين والسحب والأمطار والرياح، وإذ إن عمل العناصر ذلك يتجدد بانتظام في غضون القرون وتحت أعين الناس في كل عام فقد أسفر تناسق المد والجزر هذا عن معرفة الشهور ومنازل القمر للمرة الأولى، وعن أول دراسة للشمس والسيارات، وعن أول تنظيم وأول حق، والفلاح - كما في كل بلد آخر - يرقب المطر، وكان رجال الصحراء أولئك ينتظرون واقفين في مجرى النهر ورود الفيضان الحبشي الذي لولاه لهلكوا، ولا يزالون يصنعون ذلك حتى الزمن الراهن.
ومن أين تأتي تلك الرياح؟ يجب أن تتصادم هي ورياح أخرى، وأن تذعن لها جلبا للمطر، والمقاومة وحدها هي التي تجعلها ملائمة. وفي الشتاء تأتي رياح الشمال الشرقي الموسمية بالمطر من آسية إلى البحر الأحمر ما دامت الريح الشمالية تهب، ولكن مع جفافها تقريبا حين بلوغها الهضاب العالية في الحبشة، وفي الربيع، حينما تهب الريح الجنوبية الغربية من جنوب الأطلنطي وفوق أفريقية، تضيف إلى ندوة البحر جميع رطوبة الغابة البكر في خط الاستواء، وهكذا تجوب السودان مثقلة حتى تلطم الجبال التي تنتصب أمامها وتفرغ ما يحمله البخار من ماء منقول في ألوف الكيلومترات عند مس تلك الجدر الوعرة، ويقول الفلاح الحبشي: إن المطر يأتي عندما تهب الريح من تلقاء الصحراء، ومثل هذا ما يقوله مهندسو دلتا النيل الذين يستندون في حساباتهم إلى تلك الرياح.
وهكذا تؤدي رياح أفريقية إلى وجود النهر الأفريقي في المكان الذي ينعم فيه على التراب بالإخصاب، ولا تتخلى هذه الرياح في غير الخريف عن موضعها لأخواتها العدوات؛ أي لرياح الشمال الجافة المرسلة من الهند، وتؤثر كل من الرياح والجبال في الأخرى، ويوجب ارتفاع هذه الجبال ووعورها امتداد فصل الأمطار وإن ساعدت الرياح على شكل ذرا الجبال الغريب، ويقلب المطر المواسم رأسا على عقب حين ينظمها؛ أي إنه يتفق للهضاب الوسطى العالية، التي يترجح ارتفاعها بين ألفي متر وثلاثة آلاف متر، شتاء كز
1
من غير أن يكون باردا أبدا، وذلك لعدم ميل أشعة الشمس كثيرا في الدرجة الثانية عشرة من العرض، ولأن المطر يلطف حرارة الصيف من ناحية أخرى فتتوازن أحوال الجو التي لا يزيد اختلافها على سبع درجات في السنة.
نامعلوم صفحہ