128

نیل: حیات نہر

النيل: حياة نهر

اصناف

والسفن الشراعية وحدها هي التي تسرع بفعل الرياح، ولا مناص للرجل المدير لدفتها من أن يكون شديد اليقظة اجتنابا للضحاضح الكثيرة المتنقلة في النيل، والشاطئ أقل حرارة مما ينتظر، فمن خواص انحدار الماء على شكل سماط أن يرطب ريح بلاد العرب المحرقة.

وفي حياة الأحلام هذه، وفي رواية الناس والطيور هذه، يلوح كل شيء سعيدا خلا خالق هذه الحياة، خلا النيل، والنيل مغموم، والنيل يشعر بأن قوة تقفه، والنيل لا يعرف أية قدرة خفية تقاتله، وكلما امتدت مياه النيل صيفا قدس له أهلوه، فإذا حل فصل الخريف وتقلص النيل ألقى أولئك السكان حبوبهم وحصدوا ما زرعوه بعد ثلاثة أشهر، ويجهل النهر ذلك، وكل ما يعرفه هو أن نظام جريته يقضي عليه بأن يداوم على النزول، وهو - مع ضعف انحداره - يحاول أن يتغلب على القوة التي تقاومه، بيد أنه يتسع بنسبة تقدمه، فيتحول البلد إلى بحر صغير، لا إلى غدير، وتنتصب على بعد جدر وأبراج أعلى وأوسع من جميع ما لاقاه حتى الآن، وهو يدنو من مدينة، وهو ينطلق ليرى أمورا أخرى.

وتزيد المقاومة، وينقص ضغطه الخاص مقدارا فمقدارا، وتعظم الأبراج والصروح،

4

ويزيد عدد الرجال والجمال والأحمال والزبن، ويشعر النيل بهدير لا ينفك يكبر، وهذا هو أشد من كل ما سمعه، وهذا هو صوت نهر يساويه.

ويجاوز النيل جسر ذو سبعة أعمدة مضاعفة مغروزة في مجراه فتهتز هزا خفيفا إذا ما طقطقت عربات القطار فوقه، ولا تزال ترى أمواج قليلة، ثم يهجم على النيل من ناحية اليمين نهر يعدله عرضا ويفوقه صولة، وذلك النهر الهمجي القاتم الباسل المزبد هو الذي كان يقف جريه منذ زمن!

وينطلق النهر الغريب من تحت جسر طويل عال كالذي له، ويضغط النيل الأبيض العريض في مضيق ضيق على ضفته الغربية وينقض على جزيرة دائمة الخضرة ذات حفيف، ثم يقذف الآخر أمام لسانها الغابي

5

بأمواجه الهائلة، وما كانت مياه أحدهما لتمرج

6

نامعلوم صفحہ