[خُطْبَةُ الْكِتَاب]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَيَّدَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
هَذِهِ حَوَاشٍ مُفِيدَةٌ جَلِيلَةٌ وَفَوَائِدُ جَمَّةٌ جَمِيلَةٌ، وَتَحْقِيقَاتٌ وَتَحْرِيرَاتٌ، وَأَبْحَاثٌ وَتَدْقِيقَاتٌ، أَفَادَهَا عَلَّامَةُ الْأَنَامِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الضِّيَاءِ وَالنُّورِ، نُورُ أَئِمَّةِ الدِّينِ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ فِي زَمَانِهِ، وَإِمَامُ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ فِي عَصْرِهِ وَأَوَانِهِ، مَنْ إلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ، وَاسْتِخْرَاجُ نَتَائِجِ الْأَفْكَارِ الصَّحِيحَةِ بِقَرِيحَتِهِ الْمُتَلَأْلِئَةِ الْمُضِيئَةِ، أُسْتَاذُ الْأُسْتَاذِينَ، نُورُ أَئِمَّةِ الدِّينِ، الْأُسْتَاذُ أَبُو الضِّيَاءِ وَالنُّورِ [عَلِيٌّ الشبراملسي] أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِهِ وَبِعُلُومِهِ الْبَاهِرَةِ، فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ.
أَمْلَاهَا عَلَى شَرْحِ مِنْهَاجِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ لِلْعَلَّامَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، مُحَمَّدٍ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالدِّينِ ابْنِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَحْمَدَ شِهَابِ الدِّينِ الرَّمْلِيِّ تَغَمَّدَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ بِرَحْمَتِهِ وَرِضْوَانِهِ آمِينَ، ثُمَّ أَشَارَ بِتَجْرِيدِهَا مِنْ هَوَامِشِ نُسْخَةِ مُسْتَمْلِيهِ الْعُمْدَةِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الدَّمَنْهُورِيِّ، بَعْدَ أَنْ كَتَبَهَا مِنْ لَفْظِهِ، وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى عِنْدَ مُطَالَعَةِ دُرُوسِهِ وَتَقَاسِيمِهِ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ، نَفَعَ اللَّهُ بِهَا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.
(قَوْلُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَيَّدَ) أَيْ رَفَعَ، وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ شَبَّهَ إظْهَارَ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ، الْقَائِلُ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْأَمِينُ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
[أَمَّا بَعْدُ] فَيَقُولُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ " أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَغْرِبِيُّ ثُمَّ الرَّشِيدِيُّ ": هَذِهِ بَنَاتُ أَفْكَارٍ وَخَرَائِدُ أَبْكَارٍ تَتَعَلَّقُ بِنِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ إلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، لِسَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَعُمْدَةِ النَّاسِ فِي هَذَا الْحِينِ شَمْسِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ مَوْلَانَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِلَا نِزَاعٍ، وَخَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ بِلَا دِفَاعٍ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ حَمْزَةَ الرَّمْلِيِّ، تَغَمَّدَهُمَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَأَسْكَنَهُمَا فَسِيحَ جَنَّتِهِ، مِمَّا أَجْرَاهُ قَلَمُ التَّقْدِيرِ عَلَى يَدِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ، غَالِبُهَا مُلْتَقَطٌ مِنْ دَرْسِ شَيْخِي وَأُسْتَاذِي وَقُدْوَتِي وَمَلَاذِي الْبَدْرِ السَّارِي وَالْكَوْكَبِ النَّهَارِيِّ مُحَقِّقِ الزَّمَانِ وَمُدَقِّقِ الْوَقْتِ وَالْأَوَانِ مَوْلَانَا وَسَيِّدِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَلِيِّ الدِّينِ الْبُرُلُّسِيِّ، أَمْتَعَ اللَّهُ الْوُجُودَ بِعُلُومِهِ، وَأَقَرَّ
1 / 3
بِمِنْهَاجِ دِينِهِ أَرْكَانَ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْإِسْلَامُ بِرَفْعِ الْبِنَاءِ وَتَقْوِيَتِهِ بِالشِّيدِ رَفْعًا تَامًّا، وَاسْتَعَارَ لَهُ اسْمَهُ وَهُوَ التَّشْيِيدُ. وَفِي الْمُخْتَارِ: الشِّيدُ بِالْكَسْرِ كُلُّ شَيْءٍ طُلِيَتْ بِهِ الْحَائِطُ مِنْ جِصٍّ وَبَلَاطٍ، وَشَادَهُ جَصَّصَهُ مِنْ بَابِ بَاعَ، وَالْمَشِيدُ بِالتَّخْفِيفِ الْمَعْمُولُ بِالشِّيدِ، وَالْمُشَيَّدُ بِالتَّشْدِيدِ الْمُطَوَّلُ اهـ.
وَمِنْهُ يُعْلَمُ صِحَّةُ كَوْنِهِ اسْتِعَارَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَبَّهَ إظْهَارَهُ بِتَشْيِيدِ الْبِنَاءِ الَّذِي هُوَ تَطْوِيلُهُ، هَذَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْمَلْزُومِ وَهُوَ التَّشْيِيدُ وَإِرَادَةٌ لَازِمَةٌ وَهُوَ التَّقْوِيَةُ (قَوْلُهُ: بِمِنْهَاجِ دِينِهِ) أَيْ بِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى دِينِهِ وَهُوَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَالْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهِ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالْأَئِمَّةُ الَّذِينَ قَامُوا بِإِظْهَارِ ذَلِكَ وَتَحْرِيرِهِ وَنَقْلِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالشَّرِيعَةِ مُضَافَةً لِلْأَرْكَانِ هُوَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَهُوَ عَيْنُ الدِّينِ الْمُفَسَّرِ بِمَا مَرَّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ الَّذِي أَظْهَرَ بِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ أَرْكَانَ ذَلِكَ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا أَقَامَ الظَّاهِرَ الَّذِي مَرْجِعُهُ الدِّينِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ وَهُوَ لَفْظُ الشَّرِيعَةِ لِيَصِفَهُ بِالْغَرَّاءِ.
وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالْأَرْكَانِ: الْأَجْزَاءُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ الْأَحْكَامُ الْمَشْرُوعَةُ عَلَيْهَا كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا، وَيَكُونُ إطْلَاقُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا مَجَازًا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكَسْرِ عَلَى اسْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْفَتْحِ (قَوْلُهُ: الشَّرِيعَةُ الْغَرَّاءُ) هِيَ فِي الْأَصْلِ تَأْنِيثُ الْأَغَرِّ وَهُوَ اسْمٌ لِلْفَرَسِ الَّذِي فِي جَبْهَتِهِ بَيَاضٌ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَعْيُنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِوَافِرِ فُهُومِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ لِلْكِتَابِ الْمَرْقُومِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، مَعَ مُذَاكَرَةِ إخْوَانِ الصَّفَاء وَخِلَّانِ الْوَفَاءِ مِمَّنْ عَادَتْ عَلَيْهِ بَرَكَةُ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ السَّعِيدِ بِثَغْرِ رَشِيدٍ، جَعَلَهُ اللَّهُ وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ دَارَ إسْلَامٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَحَمَاهُ مِمَّنْ قَصَدَهُ بِسُوءٍ وَرَامَهُ، دَوَّنْتهَا لِتُسْتَفَادَ وَيَعُمُّ نَفْعُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْعِبَادِ، أَقْتَصِرُ فِيهَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِأَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَأُوجِزُ الْكَلَامَ حَسْبَ الطَّاقَةِ إلَّا حَيْثُ اقْتَضَى الْمَقَامُ، لَا أَتَعَرَّضُ فِيهَا لِمَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا بَرَكَةُ الْوُجُودِ وَمَحَطُّ رِحَالِ الْوُفُودِ، الْمُجْمَعُ عَلَى أَنَّهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ وَالْإِمَامُ الْأَوْحَدُ، قَامُوسُ الْعُلُومِ وَقَابُوسُ الْفُهُومِ، الْبَصِيرُ بِقَلْبِهِ مَوْلَانَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ الشبراملسي، أَمْتَعَ اللَّهُ الْوُجُودَ بِحَيَاتِهِ، وَعَادَ عَلَيَّ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَرَكَاتِهِ وَلَحَظَاتِهِ فِيمَا أَمْلَاهُ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، وَالْغَرَضُ تَجْدِيدُ الْفَائِدَةِ لِلطُّلَّابِ إلَّا حَيْثُ سَنَحَ لِلْخَاطِرِ مَا تَظْهَرُ نُكْتَتُهُ لِلنَّاظِرِ. وَأَنَا أَقُولُ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ الَّتِي هِيَ الدِّينُ وَإِرْشَادُ الْمُسْتَرْشِدِينَ، لَا تَبَجُّحًا وَافْتِخَارًا؛ لِأَنِّي دُونَ ذَلِكَ رُتْبَةً وَمِقْدَارًا: إنَّ هَذِهِ الْفَوَائِدَ وَالصِّلَاتِ وَالْعَوَائِدَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ مُرَاجَعَتُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ النَّاسِ فِي هَذَا الْحِينِ مِنْ الْمُسْتَفِيدِينَ وَالْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ، فَإِنَّهَا مُتَكَفِّلَةٌ حَسْبَ الطَّاقَةِ بِتَتَبُّعِ مَوَادِّ الْكِتَابِ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى مَا عَدَلَ فِيهِ عَنْ صَوْبِ الصَّوَابِ كَمَا سَتَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاطِنِهِ مِنْ الدُّرِّ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ مَعَادِنِهِ.
وَاعْلَمْ أَنِّي حَيْثُ أَنْسُبُ إلَى التُّحْفَةِ فَمُرَادِي تُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ الَّذِي هُوَ شَرْحُ خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ الشِّهَابِ " ابْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ " سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ، وَاَللَّهُ الْمَأْمُولُ وَالْمَسْئُولُ فِي التَّفَضُّلِ بِالْإِثَابَةِ وَالْقَبُولِ.
(قَوْلُهُ: ﵀ وَنَفَعَنَا بِهِ: بِمِنْهَاجِ دِينِهِ) أَيْ طَرِيقِهِ بِمَعْنَى دَلَائِلِهِ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِالْأَحْكَامِ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا جَمْعُ حُكْمٍ، فَالْمَعْنَى شَيَّدَ دِينَهُ بِدَلَائِلِهِ إذْ الشَّرِيعَةُ هِيَ الدِّينُ مَاصَدَقًا، وَهُوَ احْتِرَاسٌ إذْ الْمُشَيِّدُ لِأَرْكَانِ الشَّيْءِ بِغَيْرِ طَرِيقِهِ لَا يَأْمَنُ الْخَطَأَ، وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ، شَبَّهَ الشَّرِيعَةَ بِالْبِنَاءِ، وَأَثْبَتَ لَهُ الْأَرْكَانَ تَخْيِيلًا وَالتَّشْيِيدَ تَرْشِيحًا، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي نَظَائِرِهِ الْآتِيَةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ شَيْخِنَا لَهُ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ التَّبَعِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ
1 / 4
وَسَدَّدَ بِأَحْكَامِهِ فُرُوعَ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ مَنْ عَمِلَ بِهِ فَقَدْ اتَّبَعَ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ خَرَجَ عَنْ مَسَالِكِ الْمُعْتَبِرِينَ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا عَلَّمَ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا هَدَى وَقَوَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْمَالِكُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَنُورًا لِسَائِرِ الْخَلَائِقِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَرْسَلَهُ حِينَ دَرَسَتْ أَعْلَامُ الْهُدَى وَظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدَى، وَانْطَمَسَ مَنْهَجُ الْحَقِّ وَعَفَا، وَأَشْرَفَ مِصْبَاحُ الصِّدْقِ عَلَى الأنطفا، فَأَعْلَى مِنْ الدِّينِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَوْقَ الدِّرْهَمِ لَكِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْخِيَارِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا (قَوْلُهُ: وَسَدَّدَ بِأَحْكَامِهِ) أَيْ اللَّهِ أَوْ الدِّينِ، وَعَلَى الثَّانِي فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّينَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الدِّينِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فُرُوعَ الْحَنِيفِيَّةِ) أَيْ الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ وَالْحَنِيفُ الْمَائِلُ عَنْ الْبَاطِلِ إلَى الْحَقِّ (قَوْلُهُ: السَّمْحَاءِ) أَيْ السَّهْلَةِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ اتَّبَعَ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ) أَيْ طَرِيقَهُمْ الْمُوَصِّلَةِ إلَى الْحَقِّ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ) وَفِي نُسْخَةٍ وَقَفَ: أَيْ حَبَسَ نَفْسَهُ عَنْهُ بِأَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا عَلَّمَ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى عَلَى تَعْلِيمِهِ أَوْ عَلَى الَّذِي عَلَّمَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا هَدَى) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَقَوَّمَ) أَيْ أَصْلَحَ، وَهَذَانِ الْفِعْلَانِ مُنَزَّلَانِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ كَمَا فِي فُلَانٍ يُعْطِي، وَالْمَعْنَى عَلَى هِدَايَتِهِ وَتَقْوِيمِهِ.
(قَوْلُهُ: الْمَالِكُ) مِنْ الْمِلْكِ بِالْكَسْرِ وَهُوَ التَّعَلُّقُ بِالْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ، وَالْمَلِكُ مِنْ الْمُلْكِ بِالضَّمِّ وَهُوَ التَّصَرُّفُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: الْمَالِكُ لِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (قَوْلُهُ: وَنُورًا لِسَائِرِ الْخَلَائِقِ) عَطْفٌ مُغَايِرٌ لِلرَّحْمَةِ مَفْهُومًا، فَإِنَّ النُّورَ فِي الْأَصْلِ كَيْفِيَّةٌ تُدْرِكُهَا الْبَاصِرَةُ أَوَّلًا، وَبِوَاسِطَتِهَا تُدْرَكُ سَائِرُ الْمُبْصِرَاتِ، وَهُوَ فِي حَقِّهِ ﷺ بِمَعْنَى مُنَوِّرٌ، فَهُوَ مُسَاوٍ لِلرَّحْمَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَاصَدَقَ أَوْ هُوَ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا (قَوْلُهُ: حِينَ دَرَسَتْ) أَيْ عَفَتْ، يُقَالُ دَرَسَ الرَّسْمُ عَفَا وَبَابُهُ دَخَلَ، وَدَرَسَهُ الرِّيحُ وَبَابُهُ نَصَرَ يَتَعَدَّى وَيَلْزَمُ اهـ مُخْتَارٌ.
فَعَلَى اللُّزُومِ هُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَعَلَى التَّعَدِّي لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: أَعْلَامُ الْهُدَى) أَيْ آثَارُهُ، وَفِي الْمُخْتَارِ الْعَلَمُ بِفَتْحَتَيْنِ الْعَلَامَةُ، وَهُوَ أَيْضًا الْجَبَلُ وَعَلَمُ الثَّوْبِ وَالرَّايَةُ (قَوْلُهُ وَظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدَى) بِالْقَصْرِ، يُقَالُ رَدِيَ بِالْكَسْرِ كَصَدِيَ: أَيْ هَلَكَ انْتَهَى مُخْتَارٌ. وَفِي الْقَامُوسِ: رَدَى كَرَمَى (قَوْلُهُ: وَانْطَمَسَ مَنْهَجُ الْحَقِّ) أَيْ خَفِيَ (قَوْلُهُ: وَعَفَا) أَيْ ذَهَبَ (قَوْلُهُ وَأَشْرَفَ) أَيْ قَارَبَ (قَوْلُهُ: فَأَعْلَى مِنْ الدِّينِ) أَيْ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى أَرْسَلَ عَطْفُ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِأَحْكَامِهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ حُكْمٍ فَالضَّمِيرُ فِيهِ لِلدِّينِ أَوْ لِلَّهِ أَوْ بِكَسْرِهَا مَصْدَرُ أَحْكَمَ: أَيْ أَتْقَنَ، فَالضَّمِيرُ فِيهِ لِأَحَدِ ذَيْنِك، أَوْ لِلتَّشْيِيدِ الْمَفْهُومِ مِنْ شَيَّدَ، وَهَذَا هُوَ الْأَنْسَبُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعَلَى الْفَتْحِ فَالْمُرَادُ بِالْفُرُوعِ مَوْضُوعَاتُ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَرِدُ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ، وَعَلَى الْكَسْرِ فَالْمُرَادُ بِهَا نَفْسُ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ: مَنْ عَمِلَ بِهِ) أَيْ بِالدِّينِ أَوْ بِالْمِنْهَاجِ، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِمَا فُسِّرَتْ بِهِ آيَةُ ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ١١٥] مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِسَبِيلِهِمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ (قَوْلُهُ: وَنُورًا) أَيْ رَحْمَةً بِقَرِينَةِ نِسْبَتِهِ إلَى سَائِرِ الْخَلَائِقِ الشَّامِلِ لِلدَّوَابِّ وَالْجَمَادَاتِ وَغَيْرِهِمَا، الْمُسْتَحِيلُ فِي حَقِّهَا مَعْنَى الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: حِينَ دُرِسَتْ أَعْلَامُ الْهُدَى) أَيْ الدِّينِ بِمَعْنَى الْأَحْكَامِ، وَقَوْلُهُ وَانْطَمَسَ مَنْهَجُ الْحَقِّ: أَيْ طَرِيقُهُ بِمَعْنَى دَلَائِلِهِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ فَأَعْلَى مِنْ الدِّينِ مَعَالِمَهُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَانْطَمَسَ مَنْهَجُ الْحَقِّ إلَخْ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، وَقَوْلُهُ فَانْشَرَحَ بِهِ: أَيْ بِالدِّينِ، وَقَوْلُهُ وَانْزَاحَتْ بِهِ: أَيْ بِإِعْلَاءِ دَلَائِلِ حُكْمِ الشَّرْعِ إذْ الشُّبَهُ إنَّمَا تَنْزَاحُ بِالدَّلَائِلِ، فَفِيهِ أَيْضًا لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَأَشْرَفَ مِصْبَاحُ الصِّدْقِ عَلَى الِانْطِفَاءِ، وَلَمْ يَقُلْ وَانْطَفَأَ كَسَوَابِقِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَحْرِصُونَ عَلَى الصِّدْقِ وَعَدَمِ الْكَذِبِ، فَالصِّدْقُ كَانَ مَوْجُودًا بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: فَأَعْلَى مِنْ الدِّينِ) الْمُرَادُ مِنْهُ مَا مَرْجِعُهُ الْعَقَائِدُ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَرَّرَ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَهُ، وَهُوَ
1 / 5
مَعَالِمَهُ، وَسَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ دَلَائِلَهُ، فَانْشَرَحَ بِهِ صُدُورُ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَانْزَاحَتْ بِهِ شُبُهَاتُ أَهْلِ الطُّغْيَانِ.
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ خُلَفَاءِ الدِّينِ وَحُلَفَاءِ الْيَقِينِ، مَصَابِيحِ الْأُمَمِ وَمَفَاتِيحِ الْكَرَمِ، وَكُنُوزِ الْعِلْمِ وَرُمُوزِ الْحِكَمِ، صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ بِدَوَامِ النَّعَمِ وَالْكَرَمِ.
(وَبَعْدُ) فَإِنَّ الْعُلُومَ وَإِنْ كَانَتْ تَتَعَاظَمُ شَرَفًا وَتَطْلُعُ فِي سَمَاءِ كَوْكَبِهَا شُرَفًا، وَيُنْفِقُ الْعَالِمُ مِنْ خَزَائِنِهَا وَكُلَّمَا زَادَ ازْدَادَ رُشْدًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: مَعَالِمُهُ) أَيْ عَلَامَاتُهُ وَفِي الْمُخْتَارِ الْمَعْلَمُ الْأَثَرُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: فَانْشَرَحَ بِهِ) أَيْ بِالرَّسُولِ ﷺ وَهُوَ عَطْفُ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ (قَوْلُهُ: وَانْزَاحَتْ بِهِ) أَيْ انْدَفَعَتْ وَهُوَ مُطَاوِعُ زَاحَ، تَقُولُ زُحْتُهُ فَانْزَاحَ بِمَعْنَى نَحَّيْته.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: زَاحَ الشَّيْءَ عَنْ مَوْضِعِهِ يَزُوحُ زَوْحًا مِنْ بَابِ قَالَ، وَيُزِيحُ زَيْحًا مِنْ بَابِ سَارَ تَنَحَّى، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ فَيُقَالُ زُحْته، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَزَحْته إزَاحَةً اهـ.
(قَوْلُهُ: خُلَفَاءِ الدِّينِ) أَيْ الَّذِينَ صَارُوا خُلَفَاءَ عَلَى الدِّينِ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ الَّذِينَ اسْتَخْلَفَهُمْ النَّبِيُّ ﷺ أَوْ اللَّهُ،
وَفِي الْمِصْبَاحِ: خَلَفْت فُلَانًا عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ خِلَافَةً صِرْت خَلِيفَتَهُ، وَخَلَفْته جِئْت بَعْدَهُ، وَالْخِلْفَةُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْهُ كَالْقَعْدَةِ لِهَيْئَةِ الْقُعُودِ، وَاسْتَخْلَفْته جَعَلْته خَلِيفَةً، فَخَلِيفَةٌ يَكُونُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَبِمَعْنَى مَفْعُولٍ (قَوْلُهُ: وَحُلَفَاءِ الْيَقِينِ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا عَاهَدُوهُ وَوَفَّوْهُ بِعُهُودِهِمْ كَانُوا كَالْمُقْسِمِينَ بِأَيْمَانٍ وَوَفَّوْا بِهَا فَجَعَلَهُمْ حُلَفَاءَ وَأَضَافَهُمْ إلَى الْيَقِينِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَبَّهَهُمْ فِي انْقِيَادِهِمْ لِلرَّسُولِ ﷺ وَعَدَمِ مُخَالَفَتِهِمْ لَهُ بِالْمُتَحَالَفِينَ عَلَى أَمْرٍ مُتَيَقَّنٍ لَا يَتَخَلَّفُونَ عَنْهُ، فَتَكُونُ اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً تَبَعِيَّةً.
(قَوْلُهُ: وَكُنُوزِ الْعِلْمِ) وَفِي نُسْخَةٍ: وَكُنُوزِ أَهْلِ الْحِكَمِ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ بِالْكَنْزِ هُنَا الْمَحَلُّ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ الْعِلْمُ وَفِي الْأَصْلِ الْمَالُ الْمَكْنُوزُ، فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِّ فِيهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَعَادِنِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا جَمْعُ مَعْدَنٍ وَهُوَ الْمَكَانُ (قَوْلُهُ: وَرُمُوزِ الْحِكَمِ) أَيْ هُمْ رُمُوزٌ لِلْحِكَمِ لِاسْتِفَادَتِهَا وَأَخْذِهَا مِنْهُمْ، وَسَمَّاهُمْ رُمُوزًا؛ لِأَنَّهُمْ يُشِيرُونَ إلَيْهَا بِبَيَانِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَصَدَّوْا لِتَدْوِينِهَا، بَلْ كَانُوا يُجِيبُونَ عَمَّا سُئِلُوا عَنْهُ بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ، وَالرَّمْزُ: الْإِشَارَةُ وَالْإِيمَاءُ بِالشَّفَتَيْنِ وَالْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: تَتَعَاظَمُ شَرَفًا) أَيْ فِي الْمِقْدَارِ: أَيْ لَا يَعْظُمُ عِنْدَهَا شَيْءٌ، لَكِنَّ الْفِقْهَ أَشْرَفُهَا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فَلَا مِرْيَةَ إلَخْ (قَوْلُهُ: شَرَفًا) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الشَّرَفُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ: الْعُلُوُّ وَالْمَكَانُ الْعَالِي، ثُمَّ قَالَ: وَشُرْفَةُ الْقَصْرِ وَاحِدَةٌ الشُّرَفِ كَغُرْفَةٍ وَغُرَفٍ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضْبَطَ قَوْلُهُ تَتَعَاظَمُ شَرَفًا بِالْفَتْحِ، وَقَوْلُهُ كَوَاكِبُهَا شُرَفًا بِضَمِّ الشِّينِ وَفَتْحِ الرَّاءِ؛ وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا وَإِنْ تَعَاظَمَتْ فِي عُلُوِّ الْمِقْدَارِ وَطَلَعَتْ أَمَاكِنَ الْكَوَاكِبِ الْمُرْتَفِعَةِ فَلَا مِرْيَةَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَكُلَّمَا زَادَ) أَيْ فِي الِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ: ازْدَادَ رُشْدًا) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ وَفَتْحِهِمَا، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
خِلَافُ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعُلُومَ وَإِنْ كَانَتْ إلَخْ) وَقَعَ مِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي خُطْبَةِ الْكَنْزِ لِلْحَنَفِيَّةِ وَلَفْظُهُ: وَهُوَ وَإِنْ خَلَا عَنْ الْعَوِيصَاتِ وَالْمُشْكِلَاتِ فَقَدْ تَحَلَّى بِمَسَائِلِ الْفَتَاوَى وَالْوَاقِعَاتِ.
قَالَ شَارِحُهُ مِسْكِينٌ، أَيْ لِمَنْ يَخْلُو وَإِنْ خَلَا عَنْ الْعَوِيصَاتِ فَقَدْ تَحَلَّى، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْفَاءُ لِلْجَزَاءِ وَتَكُونُ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ، وَإِنْ عَلَى أَصْلِهِ لِلشَّرْطِ إلَّا أَنَّهَا فِي اسْتِعْمَالِهَا الشَّائِعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ؛ وَالْمَعْنَى: وَإِنْ تَحَقَّقَ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ خَلَا عَنْ الْعَوِيصَاتِ وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ إفَادَةِ مَعْنَى الشَّرْطِ فَتُجْعَلُ لِلْوَصْلِ وَتُجْعَلُ الْوَاوُ لِلْحَالِ مَعَ التَّكَلُّفِ فِي ذِي الْحَالِ، وَأَيْضًا الْفَاءُ لَا تَدْخُلُ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَإِ إلَّا فِي الْمَوْصُولِ بِالْفِعْلِ وَالظَّرْفِ وَالنَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِهِمَا انْتَهَى.
وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِيمَا هُنَا فَيُقَدَّرُ خَبَرٌ مُنَاسِبٌ، وَلَك أَنْ تَلْتَزِمَ الْوَجْهَ الثَّانِيَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ الْمُجِيزِ لِاقْتِرَانِ الْفَاءِ بِالْخَبَرِ مُطْلَقًا، وَمَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ الْمُجِيزِ لِمَجِيءِ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَإِ (قَوْلُهُ: وَتَطْلُعُ فِي سَمَاءِ كَوْكَبِهَا شَرَفًا) أَيْ فِي مَنْزِلَةِ الشَّرَفِ الْمَعْرُوفَةِ
1 / 6
وَعَدِمَ سَرَفًا، فَلَا مِرْيَةَ فِي أَنَّ الْفِقْهَ وَاسِطَةُ عِقْدِهَا وَرَابِطَةُ حُلَلِهَا وَعِقْدِهَا وَخَالِصَةُ الرَّائِجِ مِنْ نَقْدِهَا، بِهِ يُعْرَفُ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَيَدِينُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَتَبِينُ مَصَابِيحُ الْهُدَى مِنْ ظَلَامِ الضَّلَالِ وَضَلَالِ الظَّلَامِ، قُطْبُ الشَّرِيعَةِ وَأَسَاسُهَا، وَقَلْبُ الْحَقِيقَةِ الَّذِي إذَا صَلَحَ صَلَحَتْ وَرَأْسُهَا، وَأَهِلَّةُ سُرَاةِ الْأَرْضِ الَّذِينَ لَوْلَاهُمْ لَفَسَدَتْ بِسِيَادَةِ جُهَّالِهَا وَضَلَّتْ أُنَاسُهَا:
لَا تُصْلِحُ النَّاسَ فَوْضَى لَا سُرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سُرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
إيه وَلَوْلَاهُمْ لَاتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَخَبَطُوا خَبْطَ عَشْوَاءَ حَيْثُمَا قَامُوا وَحَلُّوا وَشَكَتْ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَقْعَ أَقْدَامِ قَوْمٍ اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ فَزَلُّوا، فَلِلَّهِ دَرُّ الْفُقَهَاءِ هُمْ نُجُومُ السَّمَاءِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
رَشَدَ يَرْشُدُ مِثْلَ قَعَدَ يَقْعُدُ وَرُشْدًا بِضَمِّ الرَّاءِ، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى مِنْ بَابِ طَرِبَ اهـ (قَوْلُهُ: وَعَدِمَ سَرَفًا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَسْرَفَ إسْرَافًا جَاوَزَ الْقَصْدَ، وَالسَّرَفُ بِفَتْحَتَيْنِ اسْمٌ مِنْهُ، وَسَرِفَ سَرَفًا مِنْ بَابِ تَعِبَ جَهِلَ أَوْ غَفَلَ فَهُوَ سَرَفٌ، وَطَلَبْتهمْ فَسَرِفْتهمْ بِمَعْنَى أَخْطَأْت أَوْ جَهِلْت (قَوْلُهُ: فَلَا مِرْيَةَ) الْفَاءُ زَائِدَةٌ فِي خَبَرِ إنَّ، وَجُمْلَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ، وَالْمِرْيَةُ الشَّكُّ.
قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الْمِرْيَةُ الشَّكُّ، وَقَدْ يُضَمُّ، وَقُرِئَ بِهِمَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] .
(قَوْلُهُ: وَاسِطَةُ عِقْدِهَا) أَيْ أَشْرَفُهَا وَالْعِقْدُ بِالْكَسْرِ الْقِلَادَةُ (قَوْلُهُ: بِهِ يُعْرَفُ) أَيْ بِالْفِقْهِ يُعْرَفُ (قَوْلُهُ: وَيَدِينُ بِهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ) أَيْ يَتَعَبَّدُ بِهِ إلَخْ، وَيُقَالُ دَانَهُ يَدِينُهُ دِينًا بِالْكَسْرِ: أَذَلَّهُ وَاسْتَعْبَدَهُ فَدَانَ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَتَبِينُ مَصَابِيحُ إلَخْ) أَيْ تَظْهَرُ بِهِ إنْ قُرِئَ بِالتَّاءِ، فَإِنْ قُرِئَ بِالْيَاءِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَا تَقْدِيرَ؛ لِأَنَّ فَاعِلَهُ يَعُودُ عَلَى الْفِقْهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُظْهِرُ مَصَابِيحَ الْهُدَى وَيُمَيِّزُهَا (قَوْلُهُ: وَأَسَاسُهَا) كَالتَّفْسِيرِيِّ؛ لِأَنَّ قُطْبَ الشَّيْءِ هُوَ أَصْلُهُ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَمِنْهُ قُطْبُ الرَّحَا وَقُطْبُ الْقَوْمِ سَيِّدُهُمْ الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَرَأْسُهَا) أَيْ الَّذِي هُوَ مِنْهَا كَالرَّأْسِ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ سَرَاةُ الْأَرْضِ) أَيْ سَادَاتُهُمْ جَمْع سَرِيٍّ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ.
قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَهُوَ جَمْعٌ عَزِيزٌ إذْ لَمْ يُجْمَعْ فَعِيلٌ عَلَى فَعَلَةِ وَلَا يُعْرَفُ غَيْرُهُ اهـ بِحُرُوفِهِ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَالسَّرِيُّ الرَّئِيسُ وَالْجَمْعُ سَرَاةٌ، وَهُوَ جَمْعٌ عَزِيزٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فَعِيلٌ عَلَى فَعَلَةِ، وَجَمْعُ السَّرَاةِ سَرَوَاتٌ اهـ (قَوْلُهُ: لَا سَرَاةَ لَهُمْ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِفَوْضَى.
وَفِي الْمُخْتَارِ: قَوْمٌ فَوْضَى بِوَزْنِ سَكْرَى لَا رَئِيسَ لَهُمْ اهـ (قَوْلُهُ: إيهِ) اسْمُ فِعْلٍ أَيْ زِدْنِي (قَوْلُهُ: خَبْطَ عَشْوَاءَ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الْعَشْوَاءُ النَّاقَةُ الَّتِي لَا تُبْصِرُ مَا أَمَامَهَا فَهِيَ تَخْبِطُ بِيَدَيْهَا كُلَّ شَيْءٍ. وَرَكِبَ فُلَانٌ الْعَشْوَاءَ: إذَا خَبَطَ أَمْرَهُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: عَشِيَ عَشًّا مِنْ بَابِ تَعِبَ ضَعُفَ بَصَرُهُ فَهُوَ أَعْشَى وَالْمَرْأَةُ عَشْوَاءُ اهـ (قَوْلُهُ: وَشَكَتْ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) هُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ، فَإِنَّهُ شَبَّهَ الْأَرْضَ بِالْعُقَلَاءِ الَّذِينَ يَتَظَلَّمُونَ وَأَثْبَتَ لَهَا الشِّكَايَةَ تَخْيِيلًا (قَوْلُهُ: وَقْعَ أَقْدَامِ قَوْمٍ) بَدَلٌ مِنْ الْمَجْرُورِ بِمِنْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ فَهُوَ بِالْجَرِّ أَوْ مِنْ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فَيَكُونُ مَنْصُوبًا، وَقَوْلُهُ قَوْمٌ مِنْ إقَامَةِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ، وَكَأَنَّهُ لِيَصِفَهُمْ بِقَوْلِهِ اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ إلَخْ (قَوْلُهُ: الشَّيْطَانُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّيْطَانُ كُلُّ جِنِّيٍّ كَافِرٍ سُمِّيَ شَيْطَانًا؛ لِأَنَّهُ شَطَنَ: أَيْ بَعُدَ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ شَاطٌّ بِأَعْمَالِهِ: أَيْ احْتَرَقَ بِسَبَبِهَا.
قَالَ الْجَاحِظُ: الْجِنِّيُّ إذَا كَفَرَ وَظَلَمَ وَتَعَدَّى وَأَفْسَدَ فَهُوَ شَيْطَانُ، فَإِنْ قَوِيَ عَلَى حَمْلِ الْمَشَاقِّ وَالشَّيْءِ الثَّقِيلِ وَعَلَى اسْتِرَاقَةِ السَّمْعَ فَهُوَ مَارِدٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عِفْرِيتٌ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُرْدَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَخَالِفْ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ وَاعْصِهِمَا. (قَوْلُهُ: فَلِلَّهِ دَرُّ الْفُقَهَاءِ) صِيغَةُ مَدْحٍ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ: إنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ فِعْلِ الْمَمْدُوحِ الصَّادِرِ، وَإِنَّمَا أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَصْدًا لِإِظْهَارِ التَّعَجُّبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
عِنْدَ أَهْلِ الْهَيْئَةِ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الشَّرَفِ هُنَا مَأْخُوذًا مِنْ الشَّرَفِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي اصْطِلَاحِهِمْ اسْمًا لِأَمْرٍ مَخْصُوصٍ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَقْعَ) مَعْمُولٌ لِشَكَتْ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ خِلَافًا لِجَعْلِ شَيْخِنَا لَهُ بَدَلًا
1 / 7
تُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالْأَكُفِّ الْأَصَابِعُ وَشُمُّ الْأُنُوفِ، يَخْضَعُ إلَيْهِمْ كُلُّ شَامِخِ الْأَنْفِ رَافِعٍ، حَلَّقُوا عَلَى سُوَرِ الْإِسْلَامِ كَسِوَارِ الْمِعْصَمِ قَائِلِينَ لِأَهْلِهِ وَالْحَقُّ سَامِعٌ:
أَخَذْنَا بِآفَاقِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمْ ... لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُومُ الطَّوَالِعُ
زَيَّنَ اللَّهُ الْأَرْضَ بِمَوَاطِئِ أَقْدَامِهِمْ فَالشِّفَاهُ تُقَبِّلُ خِلَالَهَا، وَبِإِحَاطَةِ أَحْكَامِهِمْ وَإِحْكَامِهِمْ تَذْكُرُ حَرَامَهَا وَحَلَالَهَا، وَتَرْشُفُ مِنْ زُلَالِهَا مَا حَلَا لَهَا، وَلَقَدْ سَارُوا فِي مَسَالِكِ الْفِقْهِ غَوْرًا وَنَجْدًا، وَدَارُوا عَلَيْهِ هَائِمِينَ بِهِ وَجْدًا، فَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ عَلَى مَنْهَجِ مِنْهَاجِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ أَحْسَنَ سَيْرٍ، وَجَرَى فِي أَحْوَالِهِ عَلَى مِنْوَالِهِ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ إلَى غَيْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ دَأْبَهُ رَدَّ الْخُصُومِ وَخَصْمَ الْمُخَالِفِينَ فَلَا يَفُوتُهُ الطَّائِفُ فِي الْأَرْضِ وَلَوْ أَنَّهُ الطَّائِرُ فِي السَّمَاءِ يَحُومُ، وَإِقَامَةَ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ مِنْهَا مَعَالِمُ لِلْهُدَى وَمَصَابِيحُ لِلدُّجَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تَعَالَى مُنْشِئُ الْعُجَابِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ لِلَّهِ دَرُّهُ، فَارِسًا: مَا أَعْجَبَ فِعْلَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّعَجُّبُ مِنْ لَبَنِهِ الَّذِي ارْتَضَعَهُ مِنْ ثَدْيِ أُمِّهِ: أَيْ مَا أَعْجَبَ هَذَا اللَّبَنَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ مِثْلُ هَذَا الْوَلَدِ الْكَامِلِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: تُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالْأَكُفِّ الْأَصَابِعُ) فَالْأَصَابِعُ فَاعِلُ أَشَارَتْ، وَبِالْأَكُفِّ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ حَالٌ مِنْهَا: أَيْ أَشَارَتْ الْأَصَابِعُ حَالَةَ كَوْنِهَا مَعَ الْأَكُفِّ، يُرِيدُ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَقَعَتْ بِمَجْمُوعِ الْأَصَابِعِ وَالْأَكُفِّ اهـ دَمَامِينِيٌّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ فِيهِ قَلْبًا وَالْأَصْلُ أَشَارَتْ الْأَكُفُّ بِالْأَصَابِعِ (قَوْلُهُ شُمُّ الْأُنُوفِ) هُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، وَاللَّامُ فِي الْأُنُوفِ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ: أَيْ أُنُوفُهُمْ شُمٌّ جَمْعُ أَشَمَّ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الشَّمَمُ ارْتِفَاعُ الْأَنْفِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ: مِنْ بَابِ تَعِبَ، فَالرَّجُلُ أَشَمُّ وَالْمَرْأَةُ شَمَّاءُ مِثْلَ أَحْمَرَ وَحَمْرَاءَ اهـ.
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْأَشَمُّ السَّيِّدُ وَالْمَنْكِبُ الْمُرْتَفِعُ (قَوْلُهُ: شَامِخٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: شَمَخَ الْجَمَلُ عَلَا وَطَالَ، وَالرَّجُلُ بِأَنْفِهِ تَكَبَّرَ (قَوْلُهُ: حَلَّقُوا) أَحَاطُوا بِهِ وَدَارُوا حَوْلَهُ كَدَوَرَانِ السِّوَارِ عَلَى الْمِعْصَمِ. وَفِي النِّهَايَةِ: فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ: أَيْ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ بِأُصْبُعَيْهِ الْإِبْهَامِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا، وَعَقَدَ عَشْرًا: أَيْ بِأَنْ جَعَلَ رَأْسَ السَّبَّابَةِ فِي وَسَطِ الْإِبْهَامِ اهـ مِنْهُ (قَوْلُهُ غَوْرًا وَنَجْدًا) الْمَعْنَى: يَبْحَثُونَ عَنْ الْأَحْكَامِ خَفَايَاهَا وَجَلَايَاهَا كَأَنَّهُمْ سَارُوا فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ فِي الطَّرَقَاتِ الْمُنْخَفِضَةِ وَالْمُرْتَفِعَةِ، وَالْغَوْرُ فِي الْأَصْلِ: قَعْرُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالنَّجْدُ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: مَنْ سَارَ عَلَى مَنْهَجٍ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ مَعْنَى هَذَا التَّرْكِيبِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمَنْهَجِ وَالْمِنْهَاجِ مَعْنَاهُ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالطَّرِيقِ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَنْهَجِ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ لِاسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ مِنْ الدَّلِيلِ، وَبِالطَّرِيقِ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمِنْهَاجِ الْأَدِلَّةُ أَنْفُسُهَا كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبِالطَّرِيقِ الْوَاضِحِ دِينُ الْإِسْلَامِ، كَمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ الصِّرَاطَ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦] .
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ دَأْبَهُ) أَيْ شَأْنَهُ وَعَادَتَهُ كَالْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: رَدَّ الْخُصُومِ) أَيْ مَنْ أَرَادَ الطَّعْنَ فِيمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَوْلُهُ فَلَا يَفُوتُهُ الطَّائِفُ: أَيْ لَا يَفُوتُهُ مَنْ أَبْدَى شُبْهَةً وَإِنْ بَعُدَ وَانْتَهَى فِي الْبُعْدِ إلَى أَنَّ أَشْبَهَ الطَّائِرَ فِي السَّمَاءِ (قَوْلُهُ: وَخَصَمَ الْمُخَالِفِينَ) أَيْ غَلَبَهُمْ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: خَاصَمْته مُخَاصَمَةً وَخِصَامًا وَخَصَمْته أَخْصِمُهُ مِنْ بَابِ قَتَلَ: إذَا غَلَبْته فِي الْخُصُومَةِ، وَقَالَ فِي غَلَبَ غَلَبَهُ غَلَبًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَالِاسْمُ الْغَلَبُ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْغَلَبَةُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: مِنْهَا مَعَالِمُ لِلْهُدَى) أَيْ مِنْ الْبَرَاهِينِ: يَعْنِي أَنَّ أَدِلَّتَهُمْ مِنْهَا مَا قَصَدَ بِهِ إثْبَاتَ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مِنْ مَجْرُورٍ مِنْ بَدَلِ اشْتِمَالٍ (قَوْلُهُ: حَرَامَهَا وَحَلَالَهَا) أَيْ الْأَحْكَامَ أَوْ الْأَرْضَ وَقَوْلُهُ وَيُرْشَفُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَقَوْلُهُ مَا حَلَا لَهَا أَيْ مِنْهَا: أَيْ الْأَحْكَامِ أَوْ الْأَرْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الضَّمَائِرُ رَاجِعَةً إلَى الشِّفَاهِ فَيُقْرَأُ تُذْكَرُ وَتُرْشَفُ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ (قَوْلُهُ: وَخَصْمَ الْمُخَالِفِينَ) بِمَعْنَى قَطْعِهِمْ وَإِفْحَامِهِمْ، لَا بِمَعْنَى مُخَاصَمَتِهِمْ الَّتِي هِيَ مُغَالَبَتُهُمْ وَفَخْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَأْبَاهَا اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى وَإِنْ قَالَ بِهِ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: مِنْهَا مَعَالِمُ لِلْهُدَى إلَخْ) شَبَّهَ الْحُجَجَ وَالْبَرَاهِينَ بِالنُّجُومِ
1 / 8
وَالْأُخْرَيَاتُ رُجُومٌ، وَسَيِّدُ طَائِفَةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْقَرْنِ السَّادِسِ وَإِلَى هَذَا الْحِينِ وَصَاحِبُ الْفَضْلِ عَلَى أَهْلِ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ذُو الْفَضْلِ الْمُبِينِ، الضَّارِبُ مَعَ الْأَقْدَمِينَ بِسَهْمٍ وَالنَّاسُ تَضْرِبُ فِي حَدِيدٍ بَارِدٍ، فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ كُلِّ صَادِرٍ وَوَارِدٍ، تَقَدَّمَ عَلَى أَهْلِ زَمَنِهِ تَقَدُّمَ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ، وَسَبَقَ وَهِيَ تُنَادِيهِ مَا فِي وُقُوفِك سَاعَةٌ مِنْ بَاسِ، وَتَصَدَّرَ وَلَوْ عُورِضَ لَقَالَ لِسَانُ الْحَالِ «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» مَنْ أَنْفَقَ مِنْ خَزَائِنِ عِلْمِهِ وَلَمْ يَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إقْلَالًا هَكَذَا هَكَذَا وَإِلَّا فَلَالَا، قَالَ: فَلَمْ يَتْرُكْ مَقَالًا لِقَائِلٍ، وَتَسَامَى فَلَمْ يَسْمَعْ أَيْنَ الثُّرَيَّا مِنْ يَدِ الْمُتَنَاوِلِ وَتَعَالَى فَكَأَنَّمَا هُوَ لِلنَّيِّرَيْنِ مُتَطَاوِلٌ، وَتَصَاعَدَ دَرَجَ السِّيَادَةِ حَتَّى فَاقَ الْآفَاقَ وَتَبَاعَدَ عَنْ دَرَجَاتِ مُعَارِضِيهِ فَسَاقَ أَتْبَاعَهُ أُمَمًا وَسَاقَ، وَمَضَى وَخَلَّفَ ذِكْرًا بَاقِيًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْوَاضِحِ، وَمِنْهَا مَا قَصَدَ بِهِ إبْطَالَ شُبَهِ الْمُبْطِلِينَ، فَأَشْبَهَتْ الشُّهُبُ الَّتِي تُرْجَمُ بِهَا الشَّيَاطِينُ الْمُسْتَرِقُونَ لِلسَّمْعِ (قَوْلُهُ: وَالْأُخْرَيَاتُ رُجُومٌ) أَيْ كَالْحِجَارَةِ يُرْمَى بِهَا وَهِيَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا، وَمِنْهَا مَا قَصَدَ بِهِ إبْطَالَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَسَيِّدُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي الْقُطْبُ الرَّبَّانِيُّ إلَخْ
١ -
(قَوْلُهُ: مِنْ الْقَرْنِ السَّادِسِ) الصَّوَابُ الْقَرْنُ السَّابِعُ لَا السَّادِسُ، فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ مَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ عَنْ نَحْوِ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً اهـ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ آخِرِ الْقَرْنِ السَّادِسِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ وِلَادَتُهُ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ وَكَثِيرًا مَا تَمْتَدُّ حَيَاةُ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْقَرْنِ السَّادِسِ إلَى زَمَنِ وِلَادَةِ الْمُصَنِّفِ، وَيَسْتَفِيدُ مِمَّا قَالَهُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ فَتَكُونُ لَهُ السِّيَادَةُ عَلَى مَنْ اسْتَفَادَ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ السَّادِسِ، بَلْ وَعَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَتَمَيَّزَ عَلَيْهِمْ الْمُصَنِّفُ بِفَضِيلَتِهِ، كَأَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ السِّيَادَةُ عَلَى أَهْلِهِ جَمِيعًا، فَتَكُونُ سِيَادَتُهُ مِنْ أَوَّلِهِ وَهُوَ عَقِبَ الْقَرْنِ السَّادِسِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ عِنْدَ كُلِّ صَادِرٍ وَوَارِدٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: صَدَرَ الْقَوْلَ صُدُورًا مِنْ بَابِ قَعَدَ وَأَصْدَرْته بِالْأَلِفِ وَأَصْلُهُ الِانْصِرَافُ، يُقَالُ صَدَرَ الْقَوْمُ وَأَصْدَرْنَاهُمْ: إذَا صَرَفْتهمْ، وَصَدَرْت مِنْ الْمَوْضِعِ صَدْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ: رَجَعْت اهـ.
وَفِيهِ وَرَدَ الْبَعِيرُ وَغَيْرُهُ الْمَاءَ يَرِدُهُ وُرُودًا: بَلَغَهُ وَوَافَاهُ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ، وَقَدْ يَكُونُ دُخُولًا، وَالِاسْمُ الْوَرْدُ بِالْكَسْرِ، وَأَوْرَدْته الْمَاءَ وَالْوِرْدُ خِلَافُ الصَّدْرِ، وَالْإِيرَادُ خِلَافُ الْإِصْدَارِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَهِيَ تُنَادِيهِ) أَيْ أَهْلُ زَمَنِهِ، وَأُنِّثَ لِكَوْنِ الْأَهْلِ بِمَعْنَى الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عُورِضَ) أَيْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُعَارِضَهُ (قَوْلُهُ: لَقَالَ لِسَانُ الْحَالِ) أَيْ فِي حَقِّهِ (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ تَكَلَّمَ ذَلِكَ الْإِمَامُ فَلَمْ يَتْرُكْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَتَسَامَى) أَيْ ارْتَفَعَ، وَقَوْلُهُ فَلَمْ يُسْمَعْ: أَيْ فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لِشِدَّةِ عُلُوِّهِ صَعِدَ السَّمَاءَ فَلَمْ يُسْمَعْ لِكَمَالِ بُعْدِهِ قَوْلُ الْقَائِلِ فِي حَقِّهِ: أَيْنَ الثُّرَيَّا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَتَعَالَى) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى تَسَامَى (قَوْلُهُ: مُتَطَاوِلٌ) أَيْ مَنَاظِرُ لَهُمَا فِي الْعُلُوِّ وَالنُّورِ (قَوْلُهُ: حَتَّى فَاقَ الْآفَاقَ) أَيْ أَهْلَ جَمِيعِ النَّوَاحِي، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ (قَوْلُهُ: فَسَاقَ أَتْبَاعَهُ أُمَمًا) أَيْ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ، فَهُوَ تَمْيِيزٌ لِأَتْبَاعِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَقَوْلُهُ وَسَاقَ: أَيْ خَلَّفَ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ سَاقَةُ الْجَيْشُ لِمُؤَخَّرِهِمْ كَمَا فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَقَسَّمَهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ثَابِتَةٍ لَهَا فِي الْقُرْآنِ بِهَا الْعِنْوَانُ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: وَسَيِّدُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مُحْيِي الدِّينِ أَوْ قَدْ مَلَأ (قَوْلُهُ: مِنْ الْقَرْنِ السَّادِسِ) صَوَابُهُ السَّابِعُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ كُلِّ صَادِرٍ وَوَارِدٍ) أَيْ كُلُّ مَنْ يَصْدُرُ، وَيَرِدُ مِنْ النَّاسِ، أَوْ كُلُّ مَا يَصْدُرُ، وَيَرِدُ مِنْ الْوَقَائِعِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ الْمَعَالِي، وَالْمَرَاتِبُ الْمَعْلُومَةُ مِنْ الْمَقَامِ عَلَى حَدِّ ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص: ٣٢]، وَيَجُوزُ رُجُوعُهُ إلَى أَهْلِ الْمَشَارِقِ، وَالْمَغَارِبِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَتَسَامَى فَلَمْ يُسْمَعْ أَيْنَ الثُّرَيَّا إلَخْ) بِبِنَاءِ يُسْمَعُ لِلْمَفْعُولِ، وَالْمَعْنَى: تَسَامَى فِي نَيْلِ الْفَضَائِلِ فَحَصَلَ أَعْلَاهَا الْمُشَبَّهُ بِالثُّرَيَّا فِي الْبُعْدِ، فَبَطَلَ هَذَا الْمَثَلُ الَّذِي هُوَ أَيْنَ الثُّرَيَّا إلَخْ الَّذِي قُصِدَ مِنْهُ الِاسْتِبْعَادُ فَلَمْ يُسْمَعْ بَعْدَ ذَلِكَ، إذْ بَعْدَ وُقُوعِ النَّيْلِ بِالْفِعْلِ لَا اسْتِبْعَادَ فَتَأَمَّلْهُ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: مُتَطَاوِلٌ) الْأَوْلَى مُطَاوِلٌ
1 / 9
مَا سَطَرَ عِلْمَهُ فِي الْأَوْرَاقِ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِلَا نِزَاعٍ وَبَرَكَةُ الْأَنَامِ بِلَا دِفَاعٍ الْقُطْبُ الرَّبَّانِيُّ وَالْعَالِمُ الصَّمَدَانِيُّ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَنَفَعَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِبَرَكَتِهِ بِجَاهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعِتْرَتِهِ، قَدْ مَلَأَ عِلْمُهُ الْآفَاقَ وَأَذْعَنَ لَهُ أَهْلُ الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ، وَأَجَلُّ مُصَنَّفٍ لَهُ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ وَتُسْكَبُ عَلَى تَحْصِيلِهِ الْعَبَرَاتُ، كِتَابُ الْمِنْهَاجِ مَنْ لَمْ تَسْمَحْ بِمِثْلِهِ الْقَرَائِحُ، وَلَمْ تَطْمَحْ إلَى النَّسْجِ عَلَى مِنْوَالِهِ الْمَطَامِحُ، بَهَرَ بِهِ الْأَلْبَابَ وَأَتَى فِيهِ بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ، وَأَبْرَزَ مُخَبَّآتِ الْمَسَائِلِ بِيضَ الْوُجُوهِ كَرِيمَةَ الْأَحْسَابِ، أَبْدَعَ فِيهِ التَّأْلِيفَ وَزَيَّنَهُ بِحُسْنِ التَّرْصِيعِ وَالتَّرْصِيفِ، وَأَوْدَعَهُ الْمَعَانِيَ الْغَزِيرَةَ بِالْأَلْفَاظِ الْوَجِيزَةِ، وَقَرَّبَ الْمَقَاصِدَ الْبَعِيدَةَ بِالْأَقْوَالِ السَّدِيدَةِ، فَهُوَ يُسَاجِلُ الْمُطَوَّلَاتِ عَلَى صِغَرِ حَجْمِهِ، وَيُبَاهِلُ الْمُخْتَصَرَاتِ بِغَزَارَةِ عِلْمِهِ، وَيَطْلُعُ كَالْقَمَرِ سَنَاءً وَيُشْرِقُ كَالشَّمْسِ بَهْجَةً وَضِيَاءً، وَلَقَدْ أَجَادَ فِيهِ الْقَائِلُ حَيْثُ قَالَ:
قَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ وَاخْتَصَرُوا فَلَمْ ... يَأْتُوا بِمَا اخْتَصَرُوهُ كَالْمِنْهَاجِ
جَمَعَ الصَّحِيحَ مَعَ الْفَصِيحِ وَفَاقَ بِال ... تَرْجِيحِ عِنْدَ تَلَاطُمِ الْأَمْوَاجِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: مَا سَطَرَ عِلْمَهُ فِي الْأَوْرَاقِ) أَيْ مُدَّةَ تَسْطِيرِ مَا أَلَّفَهُ فِي الْأَوْرَاقِ (قَوْلُهُ: الْقُطْبُ الرَّبَّانِيُّ) أَيْ الْمُتَأَلِّهُ وَالْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى اهـ مُخْتَارٌ. وَالْمُتَأَلِّهُ الْمُتَعَبِّدُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا: الرَّبَّانِيُّ الْمَنْسُوبُ إلَى الرَّبِّ: أَيْ الْمَالِكُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ: الرَّبَّانِيُّ هُوَ مِنْ أُفِيضَتْ عَلَيْهِ الْمَعَارِفُ الْإِلَهِيَّةُ فَعَرَفَ رَبَّهُ وَرَبَّى النَّاسَ بِعِلْمِهِ انْتَهَى. فَمَا ذَكَرَهُ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّبِّ (قَوْلُهُ: وَالْعَالِمُ الصَّمَدَانِيُّ) أَيْ الْمَنْسُوبُ إلَى الصَّمَدِ: أَيْ الْمَقْصُودُ فِي الْحَوَائِجِ، قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ اهـ.
وَلَعَلَّ الْمُرَادَ هُنَا مِنْ النِّسْبَةِ أَنَّهُ يَعْتَمِدُ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا عَلَى اللَّهِ بِحَيْثُ لَا يَلْتَجِئُ إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى فِي أَمْرٍ مَا اهـ (قَوْلُهُ: مُحْيِي الدِّينِ) لَقَبُهُ وَاسْمُهُ يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَعِتْرَتِهِ) بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ، وَالْعِتْرَةُ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ نَسْلُ الرَّجُلِ وَرَهْطُهُ الْأَدْنَوْنَ اهـ (قَوْلُهُ: وَأَذْعَنَ لَهُ) أَيْ انْقَادَ (قَوْلُهُ: عَلَى تَحْصِيلِهِ) أَيْ حَفِظَهُ (قَوْلُهُ: الْعَبَرَاتِ) أَيْ الدُّمُوعَ (قَوْلُهُ: كِتَابُ الْمِنْهَاجِ مَنْ لَمْ إلَخْ) أَيْ كِتَابُ مَنْ لَمْ إلَخْ نَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ الْعَاقِلِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِمَنْ لِكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ كَمَا يُنْتَفَعُ بِأَصْحَابِ الرَّأْيِ فَيَكُونُ اسْتِعَارَةً مُصَرَّحَةً (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَطْمَحْ) أَيْ تَلْتَفِتْ، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: طَمَحَ بَصَرُهُ إلَى الشَّيْءِ: ارْتَفَعَ، وَبَابُهُ خَضَعَ، وَطِمَاحًا أَيْضًا بِالْكَسْرِ اهـ (قَوْلُهُ: بَهَرَ بِهِ) أَيْ غَلَبَ بِهِ اهـ مُخْتَارٌ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: بَهَرَهُ بَهْرًا مِنْ بَابِ نَفَعَ: غَلَبَهُ وَفَضَلَهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَمَرِ الْبَاهِرُ لِظُهُورِهِ عَلَى جَمِيعِ الْكَوَاكِبِ (قَوْلُهُ: بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ) أَيْ بِالشَّيْءِ الْغَرِيبِ بِالنِّسْبَةِ لِأَمْثَالِهِ مِمَّا هُوَ عَلَى حَجْمِهِ، فَالْعُجَابُ وَصْفٌ قَصَدَ بِهِ الْمُبَالَغَةَ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرٍ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥]: أَيْ بَلِيغٌ فِي الْعَجَبِ، فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا وَمَا نُشَاهِدُهُ مِنْ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَفِي عِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ بِالْأَشْيَاءِ الْكَثِيرَةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالتَّرْصِيفُ) قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي التَّرْصِيفِ مَا حَاصِلُهُ: لَمْ يُسْمَعْ الْفِعْلُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ إلَّا مُجَرَّدًا، يُقَالُ رَصَفْت الْحِجَارَةَ بِالتَّخْفِيفِ رَصْفًا: إذَا وَضَعْت بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ. وَقَالَ فِي الْمُخْتَارِ: بَابُهُ نَصَرَ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: التَّرْصِيعُ التَّرْكِيبُ اهـ (قَوْلُهُ فَهُوَ يُسَاجِلُ) أَيْ يُعْطِي كَعَطَائِهَا: أَيْ يُفِيدُ كَإِفَادَتِهَا، وَأَصْلُهُ يُغَالِبُ فِي الْإِعْطَاءِ فَيَغْلِبُ غَيْرَهُ وَهُوَ بِالْجِيمِ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَيُبَاهِلُ الْمُخْتَصَرَاتِ) أَيْ يُغَالِبُ (قَوْلُهُ: وَيَطْلُعُ) بَابُهُ دَخَلَ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ كَالْقَمَرِ سَنَاءً) بِالْمَدِّ: أَيْ شَرَفًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مَا سَطَرَ عِلْمُهُ) مَا فِيهِ مَصْدَرِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَتُسْكَبُ) الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً لِجَوَازِ عَطْفِ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْمِ الشَّبِيهِ بِالْفِعْلِ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُصَنَّفٍ، وَيَنْحَلُّ الْمَعْنَى إلَى قَوْلِنَا، وَأَجَلُّ مَا صَنَّفَهُ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ، وَأَجَلُّ مَا تُسْكَبُ، وَيَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرَاتِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَحْصِيلِهِ) أَيْ فِي شَأْنِ تَحْصِيلِهِ فَوْتًا أَوْ حُصُولًا فَعَلَى بِمَعْنَى فِي (قَوْلُهُ: تُطْمَحُ) أَيْ تُرْفَعُ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ، وَهُوَ أَصْوَبُ مِمَّا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: الْمَطَامِحُ) أَيْ مَحَلَّاتُ الطَّمَحِ، وَهُوَ الْإِبْصَارُ (قَوْلُهُ: بِيضٍ) بِالْجَرِّ وَصْفُ الْمُخَبَّآتِ أَوْ بِالنَّصْبِ حَالٌ مِنْهُ، وَهُوَ أَبْلَغُ لِإِفَادَتِهِ أَنَّهُ الَّذِي بَيَّضَهَا بِالتَّرْفِيهِ وَنَحْوِهِ، وَأَظْهَرَ كَرَامَةَ أَنْسَابِهَا
1 / 10
لِمَ لَا وَفِيهِ مَعَ النَّوَوِيِّ الرَّافِعِيُّ ... حَبْرَانِ بَلْ بَحْرَانِ كَالْعَجَاجِ
مَنْ قَاسَهُ بِسِوَاهُ مَاتَ وَذَاكَ مِنْ ... خَسْفٍ وَمِنْ غَبْنٍ وَسُوءِ مِزَاجٍ
وَقَالَ الْآخَرُ:
لَقِيت خَيْرًا يَا نَوِيُّ ... وَوُقِيَتْ مِنْ أَلَمِ النَّوَى
فَلَقَدْ نَشَا بِك عَالِمٌ ... لِلَّهِ أَخْلَصَ مَا نَوَى
وَعَلَا عُلَاهُ وَفَضْلُهُ ... فَضْلَ الْحُبُوبِ عَلَى النَّوَى
جَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ صَنِيعِهِ جَزَاءً مَوْفُورًا، وَجَعَلَ عَمَلَهُ مُتَقَبَّلًا وَسَعْيَهُ مَشْكُورًا، وَلَمْ تَزَلْ الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا كُلٌّ مِنْهُمْ مُذْعِنٌ لِفَضْلِهِ وَمُشْتَغِلٌ بِإِقْرَائِهِ وَشَرْحِهِ، وَعَادَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ بَرَكَةُ عَلَّامَةٍ نَوَى فَبَلَغَ قَصْدَهُ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَبَعْضُ شُرُوحِهِ عَلَى الْغَايَةِ فِي التَّطْوِيلِ، وَبَعْضُهَا اقْتَصَرَ فِيهِ غَالِبًا عَلَى الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ.
هَذَا وَقَدْ أَرْدَفَهُ مُحَقِّقُ زَمَانِهِ وَعَالِمُ أَوَانِهِ وَحِيدُ دَهْرِهِ وَفَرِيدُ عَصْرِهِ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ، الْمَنْثُورِ مِنْهَا وَالْمَنْظُومِ، شَيْخُ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ عُمْدَةُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ جَلَالُ الدِّينِ الْمَحَلِّيُّ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ، بِشَرْحٍ كَشَفَ بِهِ الْمُعَمَّى وَجَلَا الْمُغْمَى، وَفَتَحَ بِهِ مُقْفَلَ أَبْوَابِهِ وَيَسَّرَ لِطَالِبِيهِ سُلُوكَ شِعَابِهِ، وَضَمَّنَهُ مَا يَمْلَأُ الْأَسْمَاعَ وَالنَّوَاظِرَ وَيُحَقِّقُ مَقَالَ الْقَائِلِ كَمْ تَرَكَ الْأَوَّلُ لِلْآخِرِ إلَّا أَنَّ الْقَدَرَ لَمْ يُسَاعِدْهُ عَلَى إيضَاحِهِ وَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ خَشْيَةَ فَجْأَةِ الْمَقْضِيِّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَرِفْعَةً مُخْتَارٌ، فَهُوَ تَمْيِيزٌ أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ (قَوْلُهُ مَاتَ) أَيْ هَلَكَ حَسْرَةً (قَوْلُهُ: مِنْ خَسْفٍ) وَفِي نُسْخَةٍ حَنَقٍ، وَمَعْنَى مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ التَّغَيُّرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ الْمُشْبِهُ لِذَهَابِ ضَوْءِ الْقَمَرِ، وَمَعْنَى الثَّانِي الْغَيْظُ، يُقَالُ حَنِقَ حَنَقًا مِنْ بَابِ تَعِبَ اغْتَاظَ (قَوْلُهُ: وَعَلَا عُلَاهُ) وَفِي نُسْخَةٍ عَدَاهُ فَضْلُهُ: أَيْ عَلَا فَضْلُهُ عَلَى أَعْدَائِهِ (قَوْلُهُ: بَرَكَةُ عَلَّامَةٍ نَوَى) كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ بَرَكَتُهُ، لَكِنَّهُ أَقَامَ الظَّاهِرَ مَقَامَ الضَّمِيرِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ جَلَالُ الدِّينِ) كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَمَاتَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَعُمْرُهُ نَحْوُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَأَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيِّ، وَهُوَ عَنْ الشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ الْعَطَّارِ، وَهُوَ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ (قَوْلُهُ: الْمُعَمَّى) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَهُ: وَزَاحَ بِهِ، بَدَلَ قَوْلِهِ: وَجَلَا بِهِ الْمُغَمَّى (قَوْلُهُ: سُلُوكَ شِعَابِهِ) أَيْ طُرُقَهُ الضَّيِّقَةَ كَذَا قِيلَ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الشِّعْبُ بِالْكَسْرِ الطَّرِيقُ، وَقِيلَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ وَالْجَمْعُ شِعَابٌ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ بِالضَّيِّقَةِ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الطَّرِيقِ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ ذَلِكَ، وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُتَبَادِرُ التَّفْسِيرُ بِالطُّرُقِ لَا بِقَيْدٍ (قَوْلُهُ: فَجْأَةَ الْمَقْضِيِّ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ فَجِئْت الرَّجُلَ أَفْجَأَهُ مَهْمُوزٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَفِي لُغَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ جِئْته بَغْتَةً، وَالِاسْمُ الْفُجَاءَةُ بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ، وَفِي لُغَةٍ وِزَانَ تَمْرَةٍ، وَفَجِئَهُ الْأَمْرُ مِنْ بَابَيْ تَعِبَ وَنَفَعَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مِنْ سَحْقٍ) بِسِينٍ ثُمَّ حَاءٍ؛ وَفِي نُسْخَةٍ حَنَقٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ وَذَاكَ لِلْقِيَاسِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَاسَهُ؛ لِأَنَّ السَّحْقَ لَا يُؤَدِّي إلَى الْمَوْتِ عَادَةً، وَفِي نُسْخَةِ مِنْ خَسْفٍ بِتَقْدِيمِ الْخَاءِ عَلَى السِّينِ، وَفِيهَا رِكَّةٌ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْآخَرُ: لَقِيت خَيْرًا يَا نَوَى إلَخْ) الْأَنْسَبُ سِيَاقُ هَذَا فِيمَا مَرَّ فِي مِدْحَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي مِدْحَةِ الْكِتَابِ.
(قَوْلُهُ: عَلَامَةُ نَوَى) الْمَقَامُ هُنَا لِلْإِظْهَارِ كَمَا صَنَعَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ فِي مِدْحَةِ الْكِتَابِ خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَ الْمَقَامَ لِلْإِضْمَارِ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُهَا اُقْتُصِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: كَشَفَ مِنْهُ الْمُعْمَى إلَخْ) أَيْ بِأَنْ حَلَّ مِنْهُ الْعِبَارَاتِ وَلَوْ بِالْإِشَارَةِ إلَى ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ وَجِيزَةٍ لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ الْآتِي فَتَرَكَهُ عَسِرَ التَّفَهُّمِ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَشَفَ مِنْهُ) فِي نُسْخَةٍ بِهِ بَدَلَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ وَفَتَحَ إلَخْ، إلَّا أَنَّ النُّسْخَةَ الْأُولَى أَبْلَغُ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ الْأَبْلَغُ مِنْ الْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: مَا يَمْلَأُ الْأَسْمَاعَ وَالنَّوَاظِرَ) لَا يَمْتَلِئَانِ إلَّا مِنْهَا لِإِعْرَاضِهِمَا عَمَّا عَدَاهَا (قَوْلُهُ: عَلَى إيضَاحِهِ) أَيْ الشَّرْحِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ خَشْيَةُ إلَخْ) فِيهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ تَرْكَهُ عَلَى هَذَا النَّمَطِ مَقْصُودٌ لَهُ: أَيْ مَقْصُودٌ
1 / 11
مِنْ مَحْتُومِ حَمَامِهِ، فَتَرْكُهُ عُسْرَ الْفَهْمِ كَالْأَلْغَازِ لِمَا احْتَوَى عَلَيْهِ مِنْ غَايَةِ الْإِيجَازِ، وَلَقَدْ طَالَمَا سَأَلَنِي السَّادَةُ الْأَفَاضِلُ وَالْوَارِثُونَ عِلْمَ الْأَوَائِلِ فِي وَضْعِ شَرْحٍ عَلَى الْمِنْهَاجِ يُوَضِّحُ مَكْنُونَهُ وَيُبْرِزُ مَصُونَهُ، فَأَجَبْتهمْ إلَى ذَلِكَ فِي شَهْرِ الْقَعْدَةِ الْحَرَامِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ بَعْدَ تَكَرُّرِ رُؤْيَا دَلَّتْ عَلَى حُصُولِ الْمَرَامِ، وَأَرْدَفْتهمْ بِشَرْحٍ يُمِيطُ لِثَامَ مُخَدَّرَاتِهِ وَيُزِيحُ خِتَامَ كُنُوزِهِ وَمُسْتَوْدَعَاتِهِ، أُنَقِّحُ فِيهِ الْغَثَّ مِنْ السَّمِينِ، وَأُمَيِّزُ فِيهِ الْمَعْمُولَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ بِتَوْضِيحٍ مُبِينٍ، أُورِدَ الْأَحْكَامَ فِيهِ تَتَبَخْتَرُ اتِّضَاحًا، وَأَتْرُكُ الشَّبَهَ تَتَضَاءَلُ افْتِضَاحًا، أَطْلُبُ حَيْثُ يَقْتَضِي الْمَقَامُ، وَأُوجِزُ إذَا اتَّضَحَ الْكَلَامُ، خَالٍ عَنْ الْإِسْهَابِ الْمُمِلِّ، وَعَنْ الِاخْتِصَارِ الْمُخِلِّ، وَأَذْكُرُ فِيهِ بَعْضَ الْقَوَاعِدِ وَأَضُمُّ إلَيْهِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْفَوَائِدِ، فِي ضِمْنِ تَرَاكِيبَ رَائِقَةٍ وَأَسَالِيبَ فَائِقَةٍ، لِيَتِمَّ بِذَلِكَ الْأَرَبُ وَيُقْبِلُ الْمُشْتَغِلُونَ يَنْسَلُّونَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ، مُقْتَصِرًا فِيهِ عَلَى الْمَعْمُولِ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، غَيْرَ مُعْتَنٍ بِتَحْرِيرِ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ رَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ فِي الْأَغْلَبِ.
فَحَيْثُ أَقُولُ فِيهِ قَالَا أَوْ رَجَّحَا فَمُرَادِي بِهِ إمَامَا الْمَذْهَبِ الرَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ تَغَمَّدَهُمَا اللَّهُ بِعَفْوِهِ وَمِنْهُ، وَأَمْطَرَ عَلَى قَبْرِهِمَا شَآبِيبَ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، وَحَيْثُ أَطْلَقْت لَفْظَ الشَّارِحِ فَمُرَادِي بِهِ مُحَقِّقُ الْوُجُودِ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ عَفَا عَنْهُ الْغَفُورُ الْوَدُودُ، وَرُبَّمَا أَتَعَرَّضُ لِحَلِّ بَعْضِ مَوَاضِعِهِ الْمُشْكِلَةِ تَيْسِيرًا عَلَى الطُّلَّابِ مُسْتَعِينًا فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ، وَحَيْثُ أَطْلَقْت لَفْظَ الشَّيْخِ فَمُرَادِي بِهِ شَيْخُ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا تَغَمَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ.
وَمَا وَجَدْته أَيُّهَا الْوَاقِفُ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ وَالْمُتَمَسِّكِ مِنْهُ بِمَا يُوَافِقُ الصَّوَابَ فِي كَلَامِي مِنْ إطْلَاقٍ أَوْ تَقْيِيدٍ أَوْ تَرْجِيحٍ مَعْزُوًّا لِوَالِدِي وَشَيْخِي شَيْخِ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ عُمْدَةِ الْأَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ، شَيْخِ الْفَتْوَى وَالتَّدْرِيسِ وَمَحَلِّ الْفُرُوعِ وَالتَّأْسِيسِ، شَيْخِ زَمَانِهِ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ أَهْلِ الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ بُحْبُوحَةَ جَنَّتِهِ، فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ رَأْيَهُ عَلَيْهِ اسْتَقَرَّ، وَمَا عُزِيَ إلَيْهِ مِمَّا يُخَالِفُهُ فَبِسَبَبِ مَا هُوَ شَأْنُ الْبَشَرِ، وَعُمْدَتِي فِي الْعَزْوِ لِفَتَاوِيهِ مَا قَرَأْته مِنْهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ، وَفِي الْعَزْوِ لَمُعْتَمَدَاتِهِ مَا وَجَدْته عَلَى أَجَلِّ الْمُؤَلَّفَاتِ عِنْدَهُ مُصَحَّحًا بِخَطِّهِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ إلَّا السَّبَبُ النَّاقِلُ لَهُ لِرَمْسِهِ، وَوَاللَّهِ لَمْ أَقْصِدْ بِذَلِكَ نَقْصَ أَحَدٍ عَنْ رُتْبَتِهِ، وَلَا التَّبَحْبُحَ بِنَشْرِ الْعِلْمِ وَفَضِيلَتِهِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ مِنْهُ نُصْحُ الْمُسْلِمِينَ بِإِظْهَارِ الصَّوَابِ خَشْيَةَ مِنْ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي مُحْكَمِ الْكِتَابِ.
وَأَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيَّ بِإِتْمَامِ هَذَا الشَّرْحِ الْبَدِيعِ الْمِثَالِ الْمَنِيعِ الْمَنَالِ، الْفَائِقِ بِحُسْنِ نِظَامِهِ عَلَى عُقُودِ اللَّآلِئِ، الْجَامِعِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْضًا، وَفَاجَأَهُ مُفَاجَأَةً: أَيْ عَاجَلَهُ اهـ (قَوْلُهُ: مِنْ مَحْتُومِ حَمَامِهِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، وَالْمَعْنَى: خَشْيَةَ فَجْأَةِ مَوْتِهِ الْمُحَقَّقِ (قَوْلُهُ: سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ) وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّ شُرُوعَهُ فِي شَرْحِهِ كَانَ فِي ثَانِي عَشَرَ مُحَرَّمٍ الْحَرَامِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ (قَوْلُهُ: وَأَرْدَفْتهمْ بِشَرْحٍ يُمِيطُ) أَيْ يُزِيلُ (قَوْلُهُ: الْغَثُّ مِنْ السَّمِينِ) أَيْ أُبَيِّنُ الْجَيِّدَ مِنْ الرَّدِيءِ، وَالْغَثُّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ: الْمَهْزُولُ (قَوْلُهُ تَتَضَاءَلُ) أَيْ تَضْعُفُ (قَوْلُهُ: خَالٍ عَنْ الْإِسْهَابِ) أَيْ التَّطْوِيلِ (قَوْلُهُ: بُحْبُوحَةَ جَنَّتِهِ) أَيْ وَسَطَهَا (قَوْلُهُ مَا هُوَ شَأْنُ الْبَشَرِ) أَيْ مِنْ السَّهْوِ (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ الْمُصَحَّحِ عَلَيْهِ وَهُوَ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَلَا التَّبَحْبُحَ) أَيْ الْفَرَحَ وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، يُقَالُ بَحْبَحَهُ فَبَحْبَحَ أَفْرَحَهُ فَفَرِحَ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: نَزَلَتْ فِي مُحْكَمِ الْكِتَابِ) أَيْ فِي شَأْنِ كَتْمِ الْعِلْمِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾ [البقرة: ١٥٩] الْآيَةَ (قَوْلُهُ: الْمَنِيعِ الْمَنَالِ) أَيْ الْمَنِيعِ الْعَطَاءِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَسَائِلَهُ لِعِزَّتِهَا كَأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَلَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْإِيضَاحَ لَصَنَّفَهُ فِي مُدَّةٍ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي وَقَعَ لَهُ تَصْنِيفُهُ فِيهَا، فَمِنْ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ صَنَّفَهُ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ عَامًا (قَوْلُهُ: عَلَى الْمِنْهَاجِ) إنَّمَا أُبْرِزَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى شَرْحِ الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: كُنُوزَهُ وَمُسْتَوْدَعَاتِهِ) أَيْ مَا كُنِزَ وَمَا اُسْتُوْدِعَ، أَوْ مَحَلُّ الْكَنْزِ وَالِاسْتِيدَاعِ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِذِكْرِ الْخَتْمِ (قَوْلُهُ: قَالَا أَوْ رَجَّحَا) أَيْ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا فِيهِ ضَمِيرُ تَثْنِيَةٍ (قَوْلُهُ: خَشْيَةً مِنْ آيَةٍ) يَعْنِي ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾ [البقرة: ١٥٩] الْآيَةَ الَّتِي حَمَلَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى كَثْرَةِ التَّحْدِيثِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَأَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيَّ بِإِتْمَامِ إلَخْ) التَّعْبِيرُ
1 / 12
لِفَوَائِدَ وَمَحَاسِنَ قَلَّ أَنْ تَجْتَمِعَ فِي مِثْلِهِ مِنْ كِتَابٍ فِي الْعُصُرِ الْخُوَّالِ، أَسَّسْت فِيهِ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْمَنْقُولِ، وَبَيَّنْت فِيهِ مَصَاعِدَ يُرْتَقَى فِيهَا قَاصِدُ النُّقُولِ، فَهُوَ لُبَابُ الْعُقُولِ وَعُبَابُ الْمَنْقُولِ وَصَوَابُ كُلِّ قَوْلٍ مَقْبُولٍ، مَخَّضْت فِيهِ عِدَّةَ كُتُبٍ مِنْ الْفَنِّ مُشْتَهِرَةٍ وَمُؤَلَّفَاتٍ مُعْتَبَرَةٍ، مِنْ شُرُوحِ الْكِتَابِ وَشُرُوحِ الْإِرْشَادِ وَشَرْحَيْ الْبَهْجَةِ وَالرَّوْضِ وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِهَا لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَإِخْوَانِنَا السَّادَةِ الْأَفَاضِلِ الْمُعَاصِرِينَ عَلَى اخْتِلَافِ تَنَوُّعِهَا، فَأَخَذْت زُبْدَهَا وَدُرَرَهَا، وَمَرَرْت عَلَى رِيَاضٍ جُمْلَةً مِنْهَا عَلَى كَثْرَةِ عَدَدِهَا، وَاقْتَطَفْت ثَمَرَهَا وَزَهْرَهَا، وَغُصْت بِحَارَهَا فَاسْتَخْرَجْت جَوَاهِرَهَا وَدُرَرَهَا، فَلِهَذَا تَحَصَّلَ فِيهِ مِنْ الْعُلُومِ وَالْفَوَائِدِ مَا تُبَتُّ عِنْدَهُ الْأَعْنَاقُ بَتًّا، وَتَجَمَّعَ فِيهِ مَا تَفَرَّقَ فِي مُؤَلَّفَاتٍ شَتَّى، عَلَى أَنِّي لَا أَبِيعُهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَلَا ادَّعَى أَنَّهُ جَمَعَ سَلَامَةَ كَيْفٍ وَالْبَشَرُ مَحَلُّ النَّقْصِ بِلَا رَيْبٍ وَسَتَفْتَرِقُ النَّاسُ فِيهِ ثَلَاثَ فِرَقٍ:
فِرْقَةٌ تَعْرِفُ شَمْسَ مَحَاسِنِهِ وَتُنْكِرُهَا، وَتَجْتَلِي عَرَائِسَهُ وَتَلْتَقِطُ فَوَائِدَهُ وَكَأَنَّهَا لَا تُبْصِرُهَا، ثُمَّ تَتَشَعَّبُ قَبِيلَتَيْنِ خَيْرُهُمَا لَا تَنْطِقُ بِرُؤْيَتِهِ وَلَا تَذْكُرُهَا، وَالْأُخْرَى تَبِيتُ مِنْهُ فِي نَعَمٍ وَتُصْبِحُ تُكَفِّرُهَا
وَأَظْلَمُ أَهْلِ الظُّلْمِ مَنْ بَاتَ حَاسِدًا ... لِمَنْ بَاتَ فِي نَعْمَائِهِ يَتَقَلَّبُ
لَعِبَ بِهَا شَيْطَانُ الْحَسَدِ وَشَدَّ وِثَاقَهَا الَّذِي لَا يُوثَقُ بِهِ بِحَبْلٍ مِنْ مَسَدٍ وَتَصَرَّفَ فِيهَا وَالشَّيْطَانُ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فِي الْجَسَدِ، تَصَرَّفَ فِيهِمْ فَنَوَى كُلٌّ مِنْهُمْ السُّوءَ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَتَحَكَّمَ فَغَوَى بِحُكْمِهِ مَنْ غَوَى وَجَرَى بِهِمْ فِي مَيْدَانِ الْحَسَدِ حَتَّى صُرِفَ عَنْ الْهُدَى.
وَآخَرُ مِنْ فِئَةٍ ثَانِيَةٍ يَسْمَعُ كَلَامَهُ وَلَا يَفْهَمُهُ، وَيَسْبَحُ فِي بَحْرِهِ وَلَا يَعْلَمُهُ، وَيُصْبِحُ ظَمْآنًا وَفِي الْبَحْرِ فَمُهُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُفْتَقَدُ حُضُورُهُ إذَا غَابَ، وَلَا يُؤَهَّلُ لَأَنْ يُعَابَ إذَا عَابَ:
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ
وَآخَرُ مِنْ فِئَةٍ ثَالِثَةٍ يَغْتَرِفُ مِنْ بَحْرِهِ وَيَعْتَرِفُ بِبِرِّهِ وَبِرِّهِ، وَيَقْتَطِفُ مِنْ زَهْرِهِ مَا هُوَ أَزْهَرُ مِنْ الْأُفُقِ وَزَهْرِهِ، وَيَلْزَمُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ: أَسَّسْت فِيهِ) أَيْ ذَكَرْت
وَفِي الْمِصْبَاحِ أَسَّسْته تَأْسِيسًا جَعَلْت لَهُ أَسَاسًا: أَيْ أَصْلًا (قَوْلُهُ: وَعُبَابُ الْمَنْقُولِ) أَيْ بَحْرُهُ (قَوْلُهُ: مَخَّضْت فِيهِ إلَخْ) أَيْ انْتَخَبْتهَا وَأَخَذْت خَالِصَهَا مِنْ مَخَّضْت اللَّبَنَ إذَا أَخَذْت زُبْدَهُ مِنْ بَابِ قَطَعَ وَنَصَرَ وَضَرَبَ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَشَرْحَيْ الْبَهْجَةِ وَالرَّوْضِ) أَيْ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ﵀ (قَوْلُهُ: الْأَفَاضِلِ الْمُعَاصِرِينَ) أَيْ كَابْنِ حَجَرٍ وَالْخَطِيبِ (قَوْلُهُ: مَا تُبَتُّ عِنْدَهُ إلَخْ) أَيْ تُقْطَعُ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ أَيْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنَاظِرَهُ هَلَكَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ، وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ عَجْزِهِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ.
(قَوْلُهُ: لَا تَنْطِقُ بِرُؤْيَتِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِرِيبَةٍ: أَيْ بِتُهْمَةٍ لَهُ فِيمَا نَقَلَهُ (قَوْلُهُ: لِمَنْ بَاتَ فِي نَعْمَائِهِ يَتَقَلَّبُ) فَاعِلُ يَتَقَلَّبُ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ بَاتَ حَاسِدًا وَالْمَعْنَى: مَنْ بَاتَ يَتَقَلَّبُ فِي نِعَمِ شَخْصٍ أَوْلَاهَا إلَيْهِ وَهُوَ يَحْسُدُ ذَلِكَ الْمُنْعِمَ فَهُوَ أَظْلَمُ أَهْلِ الظُّلْمِ (قَوْلُهُ: بِحَبْلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَشَدَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَنَوَى كُلٌّ مِنْهُمْ السُّوءَ) أَيْ بِأَنْ نَوَى فِي نَفْسِهِ انْتِقَاصَهُ فَذَكَرَ لَهُ مَسَاوِيَ لَيْسَتْ مُطَابِقَةً لِلْوَاقِعِ حَسَدًا وَإِرَادَةَ أَنَّ النَّاسَ يَتْرُكُونَهُ (قَوْلُهُ فِي مَيْدَانِ الْحَسَدِ إلَخْ) الْمَيْدَانُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: حَتَّى صُرِفَ عَنْ الْهُدَى)
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِالْإِتْمَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَنْشَأَ الْخُطْبَةَ فِي خِلَالِ الشَّرْحِ وَكَانَ قَدْ أَسَّسَ فِيهِ مَا يَأْتِي، فَقَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي أَسَّسْت إلَى آخِرِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَعْضِ (قَوْلُهُ: وَصَوَابُ كُلِّ قَوْلٍ مَقْبُولٍ) الْإِضَافَةُ فِيهِ بَيَانِيَّةٌ، وَإِلَّا اقْتَضَى أَنَّ الْمَقْبُولَ مِنْهُ صَوَابٌ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَأَخَذْت زَبَدَهَا وَدِرَرَهَا) بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعُ دَرٍّ بِالْفَتْحِ (قَوْلُهُ: مِنْ شُرُوحِ الْكِتَابِ إلَخْ) لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مِنْ فِيهِ بَيَانِيَّةً؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَخَّصَ فِيهِ جَمِيعَ شُرُوحِ الْمِنْهَاجِ، وَالْإِرْشَادِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ أَوْ الِابْتِدَاءِ، لَكِنْ لَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: وَشَرْحَيْ الْبَهْجَةِ إلَخْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: خَيْرَهُمَا لَا تَنْطِقُ إلَخْ) أَيْ مَعَ أَنَّهَا مُنْكِرَةٌ لِمَحَاسِنِهِ إذْ هُوَ الْمُقْسِمُ، فَمَعْنَى الْإِنْكَارِ حِينَئِذٍ عَدَمُ الِاعْتِرَافِ أَعَمُّ مِنْ الرَّمْيِ بِالْقَبِيحِ وَعَدَمِهِ، وَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ حِينَئِذٍ بَيْنَ إحْدَى الْقَبِيلَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى، فَإِنَّ الْكُفْرَ اللُّغَوِيَّ الَّذِي هُوَ مُرَادٌ فِيهَا مَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ فَلْيُحَرَّرْ.
(قَوْلُهُ: فِي مَيْدَانِ الْحَسَدِ) الْأَوْلَى مَيْدَانِ الضَّلَالِ (قَوْلُهُ: أَزْهَرُ مِنْ الْأُفُقِ وَزُهُورُهُ) أَيْ إضَاءَتُهُ، وَفِي نُسَخٍ وَزَهْرُهُ
1 / 13
الثَّنَاءُ عَلَيْهِ لُزُومَ الْخُطَبِ لِلْمَنَابِرِ وَالْأَقْلَامِ لِلْمَحَابِرِ وَالْأَفْكَارِ لِلْخَوَاطِرِ، وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ عَزِيزَةُ الْوُجُودِ، وَلَئِنْ وُجِدَتْ فَلَعَلَّهَا بَعْدَ سَكَنِ الْمُؤَلِّفِ اللُّحُودَ:
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ ... طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ
لَوْلَا اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ ... مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ
فَالْحَسَدَةُ قَوْمٌ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الْجَهْلُ وَطَمَّهُمْ وَأَعْمَاهُمْ حُبُّ الرِّيَاسَةِ وَأَصَمَّهُمْ، قَدْ نُكِبُوا عَنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَنَسُوهُ، وَأَكَبُّوا عَلَى عِلْمِ الْفَلَاسِفَةِ وَتَدَارَسُوهُ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ مِنْهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَيَأْبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يَزِيدَهُ تَأْخِيرًا وَيَبْغِي الْعِزَّةَ وَلَا عِلْمَ عِنْدَهُ، فَلَا يَجِدُ لَهُ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَرَى إلَّا أُنُوفًا مُشَمِّرَةً وَقُلُوبًا عَنْ الْحَقِّ مُسْتَكْبِرَةً، وَأَقْوَالًا تَصْدُرُ عَنْهُمْ مُفْتَرَاةً مُزَوَّرَةً، كُلَّمَا هَدَيْتهمْ إلَى الْحَقِّ كَانَ أَصَمَّ وَأَعْمَى لَهُمْ، كَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوَكِّلْ بِهِمْ حَافِظِينَ يَضْبِطُونَ أَقْوَالَهُمْ وَأَفْعَالَهُمْ، فَالْعَالِمُ بَيْنَهُمْ مَرْجُومٌ تَتَلَاعَبُ بِهِ الْجُهَّالُ وَالصِّبْيَانُ، وَالْكَامِلُ عِنْدَهُمْ مَذْمُومٌ دَاخِلٌ فِي كِفَّةِ النُّقْصَانِ.
وَاَيْمُ اللَّهِ إنَّ هَذَا لَهْوُ الزَّمَانُ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ السُّكُوتُ وَالْمَصِيرُ جِلْسًا مِنْ أَجْلَاسِ الْبُيُوتِ وَرَدُّ الْعِلْمَ إلَى الْعَمَلِ، لَوْلَا مَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْأَخْبَارِ «مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ حَيْثُ قَالَ:
ادْأَبْ عَلَى جَمْعِ الْفَضَائِلِ جَاهِدًا ... وَأَدِمْ لَهَا تَعَبَ الْقَرِيحَةِ وَالْجَسَدْ
وَاقْصِدْ بِهَا وَجْهَ الْإِلَهِ وَنَفْعَ مَنْ ... بَلَغَتْهُ مِمَّنْ تَرَاهُ قَدْ اجْتَهَدْ
وَاتْرُكْ كَلَامَ الْحَاسِدِينَ وَبَغْيَهُمْ ... هَمَلًا فَبَعْدَ الْمَوْتِ يَنْقَطِعُ الْحَسَدْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ مَنْ غَوَى (قَوْلُهُ: أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودٍ) أَيْ هَيَّأَ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَاحَ لَهُ الشَّيْءُ يَتُوحُ تَهَيَّأَ كَتَاحَ يَتِيحُ وَأَتَاحَهُ اللَّهُ فَأُتِيحَ اهـ (قَوْلُهُ عَرْفِ الْعُودِ) هُوَ بِالْفَتْحِ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَالْعَرْفُ الرِّيحُ طَيِّبَةً أَوْ مُنْتِنَةً اهـ (قَوْلُهُ فَالْحَسَدَةُ قَوْمٌ غَلَبَ عَلَيْهِمْ إلَخْ) مِنْ هُنَا إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ آخِرِ الْإِتْقَانِ لِلسُّيُوطِيِّ بِرُمَّتِهِ وَحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: قَدْ نَكَبُوا عَنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ) أَيْ تَحَوَّلُوا وَبَابُهُ نَصَرَ (قَوْلُهُ: إلَّا أُنُوفًا مُشَمِّرَةً) أَيْ مَرْفُوعَةً. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: شَمَّرَ ثَوْبَهُ رَفَعَهُ: أَيْ فَالْفَاعِلُ رَافِعٌ وَالْمَفْعُولُ مَرْفُوعٌ (قَوْلُهُ: أَقْوَالُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ) وَفِي نُسْخَةٍ وَأَعْمَالُهُمْ (قَوْلُهُ: فَالْعَالِمُ بَيْنَهُمْ مَرْجُومٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَاَلَّذِي فِي الْإِتْقَانِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَوْجُومٌ بِالْوَاوِ. قَالَ فِي الْمَطَالِعِ: وَجَمَ يَجِمُ وُجُومًا وَهُوَ ظُهُورُ الْحُزْنِ وَتَقْطِيبُ الْوَجْهِ مَعَ تَرْكِ الْكَلَامِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: دَاخِلٌ فِي كِفَّةِ النُّقْصَانِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِهَا اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَاَيْمُ اللَّهِ) أَيْ يَمِينُ اللَّهِ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: ايْمُنُ اسْمٌ اُسْتُعْمِلَ فِي الْقَسَمِ وَالْتُزِمَ رَفْعُهُ كَمَا اُلْتُزِمَ رَفْعُ لَعَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يُخْتَصَرُ مِنْهُ فَيُقَالُ وَاَيْمُ اللَّهِ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَجْلَاسِ الْبُيُوتِ) كِنَايَةٌ عَنْ مُلَازَمَةِ الْبُيُوتِ وَهُوَ بِالْجِيمِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْمُهْمَلَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ فِي فَصْلِ الْحَاءِ مِنْ بَابِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ حِلْسُ الْبَيْتِ كِسَاءٌ يُبْسَطُ تَحْتَ حُرِّ الثِّيَابِ، وَفِي الْحَدِيثِ «كُنْ حِلْسَ بَيْتِك» أَيْ لَا تَبْرَحْ مِنْهُ انْتَهَى، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ نُسْخَةَ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَوْلَى لِمُطَابَقَتِهَا لِمَا فِي الْحَدِيثِ. وَفِي الْمُخْتَارِ أَيْضًا فِي فَصْلِ الْجِيمِ مِنْ بَابِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ: وَرَجُلٌ جُلَسَةٌ بِوَزْنِ هُمَزَةٍ: أَيْ كَثِيرُ الْجُلُوسِ، وَالْجِلْسَةُ بِالْكَسْرِ الْحَالُ الَّتِي يَكُونُ الْجَالِسُ عَلَيْهَا وَجَالَسَهُ فَهُوَ جِلْسُهُ وَجَلِيسُهُ كَمَا تَقُولُ خِدْنُهُ وَخَدِينُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ هُنَا أَيْضًا لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ: وَرَدَّ الْعِلْمَ إلَى الْعَمَلِ) أَيْ قَصَرَهُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ تَعَبَ الْقَرِيحَةِ) أَيْ الطَّبْعِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْقَرِيحَةُ أَوَّلُ مَاءٍ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فِي هَذَا وَفِيمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَجِيءِ مَصْدَرِ زَهَرَهُ عَلَى زَهْرٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ مَصْدَرِ فَعَلَ الْقَاصِرِ إنَّمَا هُوَ الْفُعُولُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْقَبِيلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْفِرْقَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: وَأَفْعَالَهُمْ) فِي نُسْخَةٍ، وَأَعْمَالَهُمْ، وَهِيَ الْأَنْسَبُ (قَوْلُهُ: حُلُسًا) فِي الصِّحَاحِ:، وَأَحْلَاسُ الْبُيُوتِ مَا يُبْسَطُ تَحْتَ حَرِّ
1 / 14
وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى إتْمَامَ هَذَا التَّوْضِيحِ عَلَى أُسْلُوبٍ بَدِيعٍ وَسَبِيلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى كَثِيرٍ مِنْ أَبْنَاءِ الزَّمَانِ مَنِيعٍ، مَعَ أَنَّ الْفِكْرَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ مَقْطُوعٌ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَيَسُّرُ صَرْفِ النَّظَرِ لَهُ إلَّا سَاعَةً فِي الْأُسْبُوعِ، هَذَا وَأَنَا مُعْتَرِفٌ بِالْعَجْزِ وَالْقُصُورِ، سَائِلٌ فَضْلَ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَ مَا يَبْدُو لَهُ مِنْ فُطُورٍ، وَأَنْ يَصْفَحَ عَمَّا فِيهِ مِنْ زَلَلٍ، وَأَنْ يُنْعِمَ بِإِصْلَاحِ مَا يُشَاهِدُهُ مِنْ خَلَلٍ، مُسْبِلًا عَلَيَّ ذَيْلَ كَرَمِهِ، مُتَأَمِّلًا كَلِمَهُ قَبْلَ إجْرَاءِ قَلَمِهِ، مُسْتَحْضِرًا أَنَّ الْإِنْسَانَ مَحَلُّ النِّسْيَانِ، وَأَنَّ الصَّفْحَ عَنْ عَثَرَاتِ الضِّعَافِ مِنْ شِيَمِ الْأَشْرَافِ، وَأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، فَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ حَيْثُ قَالَ:
وَمَنْ ذَا الَّذِي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا ... كَفَى الْمَرْءَ نُبْلًا أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهُ
وَسَمَّيْته: نِهَايَةُ الْمُحْتَاجِ إلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ رَاجِيًا أَنَّ الْمُقْتَصِرَ عَلَيْهِ يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ مُطَالَعَةِ مَا سِوَاهُ مِنْ أَمْثَالِهِ، وَأَنْ يُدْرِكَ بِهِ مَا يَرْجُوهُ مِنْ آمَالِهِ، وَلَا يَمْنَعُ الْوَاقِفَ عَلَيْهِ دَاءُ الْحَسَدِ أَخْذَ مَا فِيهِ بِالْقَبُولِ، وَلَا اسْتِصْغَارَ مُؤَلِّفِهِ وَقَصْرِ نَظَرِهِ فِي النُّقُولِ، فَقَدْ قَالَ الْقَائِلُ:
لَا زِلْت مِنْ شُكْرِي فِي حُلَّةٍ ... لَابِسُهَا ذُو سَلَبٍ فَاخِرِ
يَقُولُ مَنْ تَطْرُقُ أَسْمَاعُهُ ... كَمْ تَرَكَ الْأَوَّلُ لِلْآخِرِ
فَلَيْسَ لِكِبَرِ السِّنِّ يَفْضُلُ الْفَائِلُ، وَلَا لِحِدْثَانِهِ يُهْتَضَمُ الْمُصِيبُ، وَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ الْكَلَامِ أَوَّلُ قَائِلٍ فَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ حَيْثُ قَالَ:
وَإِنِّي وَإِنْ كُنْت الْأَخِيرَ زَمَانُهُ ... لَآتٍ بِمَا لَمْ تَسْتَطِعْهُ الْأَوَائِلُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُسْتَنْبَطُ مِنْ الْبِئْرِ كَالْقَرْحِ وَأَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ وَمِنْك طَبْعُك (قَوْلُهُ: أَنْ يُصْلِحَ مَا يَبْدُو لَهُ مِنْ فُطُورٍ) أَيْ خَلَلٍ مِنْ فَطَرَهُ إذَا شَقَّهُ: أَيْ خَلَّلَهُ، وَهَذَا مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ كِنَايَةٌ عَنْ طَلَبِ مُحَاوَلَةِ الْأَجْوِبَةِ عَمَّا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إذْنًا فِي تَغْيِيرِ كُتُبِهِمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَوْ انْفَتَحَ ذَلِكَ الْبَابُ لَبَطَلَ الْوُثُوقُ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ طَالَعَ وَظَهَرَ لَهُ شَيْءٌ غَيَّرَ إلَى مَا ظَهَرَ لَهُ وَيَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِ يَفْعَلُ مِثْلَهُ، وَهَكَذَا فَلَا يُوثَقُ بِنِسْبَةِ شَيْءٍ إلَى الْمُؤَلِّفِينَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَا وَجَدَهُ مُثْبَتًا فِي كَلَامِهِمْ يَكُونُ مِنْ إصْلَاحِ بَعْضِ مَنْ وَقَفَ عَلَى كُتُبِهِمْ، وَلَا يُنَافِي مَا قَرَّرْنَاهُ قَوْلُهُ قَبْلَ إجْرَاءِ قَلَمِهِ الْمُشْعِرُ بِأَنَّهُ يُصْلِحُ مَا فِيهِ حَقِيقَةً لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَمْرَ بِالتَّأَمُّلِ قَبْلَ إظْهَارِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ. هَذَا وَلَيْسَ كُلُّ اعْتِرَاضٍ سَائِغًا مِنْ الْمُعْتَرِضِ، وَإِنَّمَا يَسُوغُ لَهُ اعْتِرَاضٌ بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ كَمَا قَالَهُ الْأَبْشِيطِيُّ، وَعِبَارَتُهُ: لَا يَنْبَغِي لِمُعْتَرِضٍ اعْتِرَاضٌ إلَّا بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَةِ شُرُوطٍ، وَإِلَّا فَهُوَ آثِمٌ مَعَ رَدِّ اعْتِرَاضِهِ عَلَيْهِ: كَوْنِ الْمُعْتَرِضِ أَعْلَى أَوْ مُسَاوِيًا لِلْمُعْتَرَضِ عَلَيْهِ، وَكَوْنِهِ يَعْلَمُ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ شَخْصٍ مَعْرُوفٍ، وَكَوْنِهِ مُسْتَحْضِرًا لِذَلِكَ الْكَلَامِ، وَكَوْنِهِ قَاصِدًا لِلصَّوَابِ فَقَطْ، وَكَوْنِ مَا اعْتَرَضَهُ لَمْ يُوجَدْ لَهُ وَجْهٌ فِي التَّأْوِيلِ إلَى الصَّوَابِ انْتَهَى.
أَقُولُ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُجْرِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ مَنْ هُوَ دُونَ غَيْرِهِ بِمَرَاحِلَ مَا لَا يُجْرِيهِ عَلَى لِسَانِ الْأَفْضَلِ (قَوْلُهُ: مِنْ شِيَمِ الْأَشْرَافِ) أَيْ خِصَالِهِمْ (قَوْلُهُ: كَفَى الْمَرْءُ نُبْلًا) أَيْ شَرَفًا وَفَضْلًا وَهُوَ بِضَمِّ النُّونِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ: مَنْ تَطْرُقُ) فِي نُسْخَةٍ مَنْ تَقْرَعُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ، فَالضَّمِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ رَاجِعٌ لِلشُّكْرِ، وَعَلَى الثَّانِي لِلْحُلَّةِ (قَوْلُهُ: يَفْضُلُ الْفَائِلُ) هُوَ بِالْفَاءِ مَعْنَاهُ الْمُخْطِئُ فِي رَأْيِهِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي فَصْلِ الْفَاءِ مِنْ بَابِ اللَّامِ: قَالَ رَأْيُهُ يَفِيلُ فُيُولَةً وَفَيْلَةً أَخْطَأَ وَضَعُفَ كَتَفَيَّلَ، وَفَيَّلَ رَأْيَهُ قَبَّحَهُ وَخَطَّأَهُ، وَرَجُلٌ فِيلُ الرَّأْيِ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَكَكَيِّسٍ، وَفَالُهُ وَفَائِلُهُ وَفَالٌ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ ضَعِيفَةٌ وَالْجَمْعُ أَفْيَالٌ، وَفِي رَأْيِهِ فَيَالَةٌ وَفُيُولَةٌ وَمُفَايَلَةٌ، وَالْفِيَالُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ لُعْبَةٌ وَتَقَدَّمَ فِي فَأَلَ، فَإِذَا أَخْطَأَ قِيلَ قَالَ رَأْيُك انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ بِالْفَاءِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ يُهْتَضَمُ الْمُصِيبُ (قَوْلُهُ: وَلَا لَحِدْثَانِهِ) أَيْ صِغَرِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنِّي وَإِنْ كُنْت الْأَخِيرَ زَمَانُهُ) مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الثِّيَابِ (قَوْلُهُ: الْفَائِلُ) هُوَ بِالْفَاءِ أَيْ الْمُخْطِئُ فِي رَأْيِهِ
1 / 15
وَلَقَدْ أَجَادَ الْقَائِلُ فِي قَوْلِهِ:
إنِّي لَأَرْحَمُ حَاسِدِيَّ لِفَرْطِ مَا ... ضَمَّتْ صُدُورُهُمْ مِنْ الْأَوْغَارِ
نَظَرُوا صَنِيعَ اللَّهِ بِي فَعُيُونُهُمْ ... فِي جَنَّةٍ وَقُلُوبُهُمْ فِي نَارِ
لَا ذَنْبَ لِي قَدْ رُمْت كَتْمَ فَضَائِلِي ... فَكَأَنَّمَا بَرْقَعْتهَا بِنَهَارِ
وَهَذِهِ الْإِطَالَةُ مِنْ بَابِ الْإِرْشَادِ وَالدَّلَالَةِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ حَسَدٍ يَسُدُّ بَابَ الْإِنْصَافِ، وَأَجَارَنَا مِنْ الْجَوْرِ وَالِاعْتِسَافِ وَلَمَّا كَانَتْ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَقَرِيبًا كُلُّ مَا هُوَ آتٍ، نَوَيْت بِهِ الثَّوَابَ يَوْمَ النُّشُورِ وَطَمَعًا فِي دَعْوَةِ عَبْدٍ صَالِحٍ إذَا صِرْت مُنْجَدِلًا فِي الْقُبُورِ، لَا الثَّنَاءَ عَلَى ذَلِكَ فِي دَارِ الْغُرُورِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّأَسِّي بِكِتَابِ اللَّهِ سُنَّةٌ مُتَحَتِّمَةٌ وَالْعَمَلُ بِالْخَبَرِ الْآتِي طَرِيقَةٌ مُلْتَزَمَةٌ، وَهَذَا التَّأْلِيفُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِهَا وَفَيْضٌ مِنْ أَنْوَارِهَا، فَلِذَلِكَ جَرَى الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ وَالطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ فَقَالَ:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْبَاءُ فِيهَا قِيلَ إنَّهَا زَائِدَةٌ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ، أَوْ لِلِاسْتِعَانَةِ أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفِ اسْمِ فَاعِلٍ خَبَرِ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ فِعْلٍ: أَيْ أُؤَلِّفُ أَوْ أَبْدَأُ، أَوْ حَالٍ مِنْ فَاعِلِ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ: أَيْ أَبْتَدِئُ مُتَبَرِّكًا وَمُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ، أَوْ مَصْدَرٍ مُبْتَدَأٍ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ: أَيْ ابْتِدَائِي بِسْمِ اللَّهِ ثَابِتٌ، وَلَا يَضُرُّ عَلَى هَذَا حَذْفُ الْمَصْدَرِ وَإِبْقَاءُ مَعْمُولِهِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَسَّعُ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مَا لَا يُتَوَسَّعُ فِي غَيْرِهِمَا، وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ هَا هُنَا أَوْقَعُ كَمَا فِي قَوْلِهِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا﴾ [هود: ٤١] وَقَوْلُهُ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥] لِأَنَّهُ أَهَمُّ وَأَدَلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَأَدْخَلُ فِي التَّعْظِيمِ وَأَوْفَقُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَاعِلُ الْأَخِيرِ بِمَعْنَى الَّذِي تَأَخَّرَ زَمَانُهُ وَتَجُوزُ فِيهِ الْإِضَافَةُ (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَوْغَارِ) أَيْ حَرَارَاتِ الصُّدُورِ (قَوْلُهُ: طَرِيقَةٌ مُلْتَزَمَةٌ) أَيْ بَيْنَ الْقَوْمِ (قَوْلُهُ: مِنْ آثَارِهَا) أَيْ الطَّرِيقَةِ
(قَوْلُهُ: فَلَا تَحْتَاجُ إلَى مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ) ظَاهِرُ نَفْيِ الْحَاجَةِ صِحَّةُ التَّعَلُّقِ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ الزَّائِدَ وَمَا أَشْبَهَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُبَالِ بِهَذَا الْإِيهَامِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ يُعَدُّ عَبَثًا عِنْدَ الْبُلَغَاءِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ ارْتِكَابُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ لِلِاسْتِعَانَةِ) أَيْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ فَتَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، وَمَعْنَاهَا: إمَّا الِاسْتِعَانَةُ وَإِمَّا الْمُصَاحَبَةُ، فَقَوْلُهُ أَوْ لِلِاسْتِعَانَةِ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى مَا عُلِمَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: اسْمُ فَاعِلٍ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحْذُوفُ اسْمُ فَاعِلٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ) تَقْدِيرُهُ ابْتِدَائِي كَائِنٌ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا عَمَلَ لِلْمَصْدَرِ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ (قَوْلُهُ: أَيْ أُؤَلِّفُ أَوْ أَبْدَأُ) وَالْجَارُّ حِينَئِذٍ ظَرْفُ لَغْوٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الْأَخِيرِ: أَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَلَا عَمَلَ لِلْمَصْدَرِ فِيهِ حَتَّى يَعْتَذِرَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَإِبْقَاءُ مَعْمُولِهِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ اسْمِ فَاعِلٍ إلَخْ أَنَّهُ ثَمَّ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ اسْمِ الْفَاعِلِ الْوَاقِعِ خَبَرًا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِنْ كَلَامِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ الْمُقَدَّرَ حَيْثُ جُعِلَ خَبَرًا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَانَ التَّامَّةِ، وَهُنَا مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرُ مُقَدَّرٌ بَعْدَهُ مَحْذُوفٌ (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ هَا هُنَا) هُوَ بِسْمِ اللَّهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ كَالتَّقْدِيمِ فِي قَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَطَمَعًا) لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْدِيرِ عَامِلٍ أَيْ وَطَمِعْت طَمَعًا (قَوْلُهُ: التَّأَسِّي بِكِتَابِ اللَّهِ سُنَّةٌ) إنْ أُرِيدَ فِي كُلِّ الْأُمُورِ فَقَوْلُهُ مُتَحَتِّمَةٌ عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِنْ أُرِيدَ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِالْمَقَامِ فَقَوْلُهُ مُتَحَتِّمَةٌ بِمَعْنَى مُتَأَكِّدَةٍ وَعَبَّرَ بِهِ مُبَالَغَةً وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ مُلْتَزَمَةٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْتَزَمَهَا النَّاسُ.
(قَوْلُهُ: مِنْ آثَارِهَا) الضَّمِيرُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ لِلسُّنَّةِ وَالطَّرِيقَةِ اللَّتَيْنِ هُمَا التَّأَسِّي، وَالْعَمَلُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّأَسِّي، وَالْعَمَلَ بِمَا ذَكَرَهُمَا الْبُدَاءَةُ بِالْبَسْمَلَةِ فَيَنْحَلُّ الْكَلَامُ إلَى قَوْلِنَا هَذَا التَّأْلِيفُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْبُدَاءَةِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ وَإِنْ صَحَّ بِأَنْ يُقَالَ إنَّهُ إنَّمَا تَيَسَّرَ لِلْمُصَنِّفِ لِبُدَاءَتِهِ إيَّاهُ بِالْبَسْمَلَةِ، فَهُوَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ مَا ذُكِرَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُلَاقِيهِ قَوْلُهُ: بَعْدُ فَلِذَلِكَ جَرَى الْمُصَنِّفُ إلَخْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ أَثَرٌ مِنْ آثَارِهَا أَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ ذَاتُ بَالٍ تُبْدَأُ بِالْبَسْمَلَةِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ مِنْ مَاصَدَق الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمُتَبَادَرِ
(قَوْلُهُ: لِلِاسْتِعَانَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قِيلَ لَا عَلَى مَدْخُولِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ الْفِعْلِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ فِعْلٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمِ فَاعِلٍ، وَكَوْنُهُ خَبَرًا أَوْ حَالًا احْتِمَالَانِ فِيهِ (قَوْلُهُ: مُتَبَرِّكًا وَمُسْتَعِينًا)
1 / 16
لِلْوُجُودِ، فَإِنَّ اسْمَهُ تَعَالَى مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّهُ قَدِيمٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا كُسِرَتْ الْبَاءُ وَمِنْ حَقِّ الْحُرُوفِ الْمُفْرَدَةِ أَنْ تُفْتَحَ لِاخْتِصَاصِهَا بِلُزُومِ الْحَرْفِيَّةِ وَالْجَرِّ، كَمَا كُسِرَتْ لَامُ الْأَمْرِ وَلَامُ الْجَرِّ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُظْهَرِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ لَامِ التَّأْكِيدِ؛ وَالِاسْمُ لُغَةً مَا أَبَانَ عَنْ مُسَمًّى؛ وَاصْطِلَاحًا مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهِ غَيْرِ مُتَعَرِّضٍ بِبِنْيَتِهِ لِزَمَانٍ، وَلَا دَالٌّ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ، وَالتَّسْمِيَةُ جَعْلُ ذَلِكَ اللَّفْظِ دَالًّا عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى.
وَأَقْسَامُ الِاسْمِ تِسْعَةٌ:
أَوَّلُهَا الِاسْمُ الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ.
ثَانِيهَا الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ ذَاتِهِ.
ثَالِثُهَا الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهِ.
رَابِعُهَا الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ إضَافِيَّةٍ فَقَطْ.
خَامِسُهَا الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ.
سَادِسُهَا الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ مَعَ صِفَةٍ إضَافِيَّةٍ.
سَابِعُهَا الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ مَعَ صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ.
ثَامِنُهَا الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ إضَافِيَّةٍ مَعَ صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ.
تَاسِعُهَا الْوَاقِعُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَهَمُّ عِلَّةٍ لِقَوْلِهِ أَوْقَعُ، وَقَوْلُهُ وَأَدَلُّ عَطْفٌ عَلَيْهِ وَكَذَا أَدْخَلُ وَأَوْفَقُ، وَقَوْلُهُ وَأَوْفَقُ لِلْوُجُودِ هُوَ مِنْ وَفِقَ أَمْرُهُ: أَيْ وُجِدَ مُوَافِقًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدِيمٌ) أَيْ ذَاتُهُ وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مُقَدَّمٌ (قَوْلُهُ: لِاخْتِصَاصِهَا بِلُزُومِ الْحَرْفِيَّةِ وَالْجَرِّ إلَخْ) أَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْحُرُوفِ فَفِيهِ مَا يَنْفَكُّ عَنْ الْحَرْفِيَّةِ كَالْكَافِ وَمَا يَنْفَكُّ عَنْ الْجَرِّ كَالْوَاوِ، وَإِنَّمَا كَانَ لُزُومُهَا لِهَذَيْنِ مُقْتَضِيًا لِكَسْرِهَا.
قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ: أَمَّا الْحَرْفِيَّةُ فَلِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْبِنَاءَ عَلَى السُّكُونِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْحَرَكَةِ، وَالْكَسْرُ يُنَاسِبُ الْعَدَمَ لِقِلَّتِهِ، إذْ لَا يُوجَدُ فِي الْفِعْلِ وَلَا فِي غَيْرِ الْمُنْصَرِفِ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَلَا فِي الْحُرُوفِ إلَّا نَادِرًا، وَأَمَّا الْجَرُّ فَلِتَنَاسُبِ حَرَكَتِهَا الَّتِي هِيَ الْكَسْرَةُ عَمَلُهَا الَّذِي لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ وَهُوَ الْجَرُّ الَّذِي هُوَ الْكَسْرَةُ أَصَالَةً انْتَهَى، عَبْدُ الْحَقِّ السَّنْبَاطِيُّ فِي شَرْحِ الْبَسْمَلَةِ.
(قَوْلُهُ: إذَا دَخَلَتْ) أَيْ لَامُ الْجَرِّ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُظْهِرِ) كَمَا فِي قَوْلِك الْمَالُ لِزَيْدٍ (قَوْلُهُ: بَيْنَهُمَا) أَيْ لَامِ الْأَمْرِ وَلَامِ الْجَرِّ (قَوْلُهُ: مَا أَبَانَ عَنْ مُسَمًّى) أَيْ أَظْهَرَ وَكَشَفَ (قَوْلُهُ: مَا دَلَّ) أَيْ لَفْظٌ دَلَّ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهِ: أَيْ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ) خَرَجَ بِهِ الْفِعْلُ (قَوْلُهُ: عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ) خَرَّجَ الْمُرَكَّبَاتِ النَّاقِصَةَ كَالْإِضَافِيَّةِ وَالْمَزْجِيَّةِ (قَوْلُهُ: جَعَلَ ذَلِكَ اللَّفْظَ) خَرَّجَ بِهِ جَعْلَ الْفِعْلِ وَالْحَرْفِ دَالَّيْنِ عَلَى مَعْنَاهُمَا فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا تَسْمِيَةً، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْجَعْلُ وَضْعًا مُطْلَقًا، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي ذَلِكَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مَا دَلَّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَأَقْسَامُ الِاسْمِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ الْبَارِي أَوْ غَيْرُهُ تِسْعَةٌ.
سُئِلَ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الشَّنَوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا الشَّيْخِ الْإِمَامِ الشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ هُنَا وَأَقْسَامُ الِاسْمِ تِسْعَةٌ أَوَّلُهَا الِاسْمُ الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ إلَخْ، أَوْضِحُوا الْجَوَابَ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ فَرْدًا فَرْدًا عَلَى حَسَبِ الْحَالِ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ:
أَوَّلُهَا نَحْوُ زَيْدٌ ذَاتُ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتُهُ.
وَثَانِيهَا نَحْوُ حَيَوَانٌ وَنَاطِقٌ مِنْ قَوْلِك الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ أَوْ نَاطِقٌ.
وَثَالِثُهَا الْعَالِمُ وَالْقَادِرُ.
وَرَابِعُهَا نَحْوُ أَسْمَاءِ الْجِهَاتِ نَحْوُ يَمِينٍ وَشِمَالٍ فَإِنَّهَا لَمْ تُطْلَقْ عَلَى الْأَمَاكِنِ الْمَخْصُوصَةِ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا تُضَافُ إلَيْهِ.
وَخَامِسُهَا نَحْوُ الْأَزَلِيِّ، وَهُوَ مَا لَا ابْتِدَاءَ لَهُ.
وَسَادِسُهَا نَحْوُ الْمُكَوِّنِ لِلْعَالِمِ وَالْمُوجِدِ لَهُ، فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَهُمْ الْأَشَاعِرَةُ عَلَى أَنَّ التَّكْوِينَ مِنْ الْإِضَافَاتِ وَالِاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ مِثْلُ كَوْنِ الصَّانِعِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَبَعْدَهُ. وَالْحَاصِلُ فِي الْأَزَلِ هُوَ مُبْتَدَأُ التَّخْلِيقِ وَنَحْوُهُ وَهِيَ الْقُدْرَةُ.
وَسَابِعُهَا نَحْوُ وَاجِبِ الْوُجُودِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ وُجُودُهُ مِنْ ذَاتِهِ: أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ مَعْدُومًا وَأَوْجَدَتْهُ ذَاتُهُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِوُجُودٍ هُوَ أَعْلَمُ بِهِ لَيْسَ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ، وَلَيْسَ وُجُودُهُ نَاشِئًا مِنْ شَيْءٍ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَخْ، إلَّا إنْ جُعِلَ مَا ذَكَرَ تَفْسِيرًا لَهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَفْهُومَ وَاجِبِ الْوُجُودِ السَّلْبُ وَحْدَهُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي تَفْسِيرِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
حَقُّ الْعِبَارَةِ مُسْتَعِينًا أَوْ مُصَاحِبًا عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ بِاسْمِ اللَّهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدِيمٌ) الضَّمِيرُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَلَا دَلَّ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ إلَخْ) يَخْرُجُ الْمُرَكَّبُ مِنْهُ
1 / 17
عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ مَجْمُوعِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ وَإِضَافِيَّةٍ وَسَلْبِيَّةٍ.
وَالِاسْمُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي حُذِفَتْ أَعْجَازُهَا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَبُنِيَتْ أَوَائِلُهَا عَلَى السُّكُونِ وَأُدْخِلَ عَلَيْهَا مُبْتَدَأٌ بِهَا هَمْزَةُ الْوَصْلِ، وَيَشْهَدُ لَهُ تَصْرِيفُهُ عَلَى أَسْمَاءٍ وَأَسَامِيَّ وَسَمَّى وَسَمَّيْت، وَمَجِيءُ سَمَا كَهَدَى لُغَةً فِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ مَا سَمَاك وَالْقَلْبُ بَعِيدٌ غَيْرُ مُطَّرِدٍ. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ، وَمِنْ السِّمَةِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَهِيَ الْعَلَامَةُ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى مُسَمَّاهُ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَوْجُودٌ لَيْسَ وُجُودُهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ فِي وُجُودِهِ وَلَا إيجَادِ مُرَادِهِ إلَى شَيْءٍ.
وَتَاسِعُهَا نَحْوَ لَفْظِ الْجَلَالَةِ فَإِنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى الذَّاتِ الْمُسْتَجْمِعِ لِسَائِرِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَهِيَ حَقِيقِيَّةٌ نَحْوُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَإِضَافِيَّةٌ نَحْوُ الْخَلْقِ، وَسَلْبِيَّةٌ نَحْوُ لَيْسَ بِعَرَضٍ وَلَا جِسْمٍ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَلَمًا لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا الذَّاتُ بِالذَّاتِ فَقَدْ يَقْصِدُهُ بِهِ تَبَعًا غَيْرَ الذَّاتِ كَنَحْوِ الْإِلَهِ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ.
وَلَمْ أَرَ الثَّامِنَ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ. أَقُولُ: وَلَعَلَّهُ كَالْأَوَّلِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ سَابِقًا غَيْرَهُ وَهُوَ صِفَةٌ إضَافِيَّةٌ، وَأَنَّهُ لَا يَسْبِقُهُ غَيْرُهُ وَهُوَ صِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ، وَكَالْقَيُّومِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَوْنُهُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ: أَيْ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ سَلْبٌ، وَمُقَوِّمًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ إضَافَةٌ.
ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ مَا نَصُّهُ: فَائِدَةٌ أَقْسَامُ الِاسْمِ تِسْعَةٌ:
أَوَّلُهَا: الِاسْمُ الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ كَسَائِرِ الْأَعْلَامِ.
ثَانِيهَا: الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ ذَاتِهِ كَالْجَوْهَرِ لِلْجِدَارِ وَالْجِسْمِ لَهُ.
ثَالِثُهَا: الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهِ كَالْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ وَالْحَارِّ وَالْبَارِدِ.
رَابِعُهَا: الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ إضَافِيَّةٍ فَقَطْ كَالْمَعْلُومِ وَالْمَفْهُومِ وَالْمَذْكُورِ وَالْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ.
خَامِسُهَا: الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ كَأَعْمَى وَفَقِيرٍ وَسَلِيمٍ عَنْ الْآفَاتِ.
سَادِسُهَا: الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ مَعَ صِفَةٍ إضَافِيَّةٍ كَعَالِمٍ وَقَادِرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَهَا إضَافَةٌ لِلْمَعْلُومَاتِ وَالْمَقْدُورَاتُ.
سَابِعُهَا: الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ مَعَ صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ كَقَادِرٍ لَا يَعْجَزُ وَعَالِمٍ لَا يَجْهَلُ.
ثَامِنُهَا: الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ إضَافِيَّةٍ مَعَ صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ كَلَفْظَةِ أَوَّلٍ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ سَابِقًا غَيْرَهُ وَهُوَ صِفَةٌ إضَافِيَّةٌ، وَأَنَّهُ لَا يَسْبِقُهُ غَيْرُهُ وَهُوَ صِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ، وَكَالْقَيُّومِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَوْنُهُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ: أَيْ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ سَلْبٌ وَمُقَوِّمًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ إضَافَةٌ.
تَاسِعُهَا: الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ مَجْمُوعِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ وَإِضَافِيَّةٍ وَسَلْبِيَّةٍ كَالْإِلَهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَوْجُودًا أَزَلِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ، وَعَلَى الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَعَلَى الصِّفَاتِ الْإِضَافِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِيجَادِ وَالتَّكْوِينِ انْتَهَى كَذَا بِخَطِّ رم اهـ.
(قَوْلُهُ: وَبُنِيَتْ أَوَائِلُهَا إلَخْ) أَيْ وُضِعَتْ سَاكِنَةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ مُقَابِلَ الْإِعْرَابِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ ذَاكَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْآخِرِ (قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ) أَيْ لِمَا قَالَهُ الْبَصْرِيُّونَ (قَوْلُهُ: وَأَسَامِيَّ) الْأَوْلَى عَدَمُ كِتَابَتِهِ بِالْيَاءِ، وَكَأَنَّهُ رَسَمَهُ بِهَا إظْهَارًا لِلْعَجْزِ الْمَحْذُوفِ إنْ جُعِلَ جَمْعًا لِاسْمٍ، أَمَّا إذَا جُعِلَ أَسَامِيُّ جَمْعًا لِأَسْمَاءٍ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ فَرَسْمُ الْيَاءِ مُتَعَيِّنٌ.
(قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ) إنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى الْأَخِيرِ دُونَ غَيْرِهِ دَفْعًا لِمَا قَدْ يُقَالُ إنَّ مَجِيءَ سَمَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يَدُلُّ لِجَوَازِ مَجِيئِهِ عَلَى بَعْضِ لُغَاتِ الِاسْمِ وَأَنَّ أَلِفَهُ مُبْدَلَةٌ مِنْ التَّنْوِينِ.
وَحَاصِلُ التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا ثَبَتَتْ الْأَلِفُ فِيهِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ، بَلْ كَانَ يُقَالُ مَا سُمْكَ بِضَمِّ الْمِيمِ بِلَا أَلِفٍ (قَوْلُهُ: وَالْقَلْبُ بَعِيدٌ) أَيْ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ السِّمَةِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ) وَفِي
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مُبْتَدَأٌ بِهَا) أَيْ حَالَ كَوْنِهَا: أَيْ الْأَسْمَاءِ مُبْتَدَأٌ بِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَصَلَتْ (قَوْلُهُ: عَلَى أَسْمَاءٍ) أَيْ، فَإِنَّ أَصْلَهُ أَسْمَاوٌ، وَوَقَعَتْ الْوَاوُ مُتَطَرِّفَةً إثْرَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ فَقُلِبَتْ هَمْزَةً وَقَوْلُهُ، وَأَسَامِي: أَيْ، فَإِنَّ أَصْلَهُ أَسَامُو قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِتُنَاسِبَ الْكَسْرَةَ (قَوْلُهُ: وَسُمَيٌّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ تَصْغِيرُ اسْمٍ: أَيْ، فَإِنَّ أَصْلَهُ سَمِيُّو اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ، وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً، وَالتَّكْسِيرُ وَالتَّصْغِيرُ يَرُدَّانِ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا.
وَقَوْلُهُ وَسُمِّيَتْ لِبَيَانِ حَذْفِ مُطْلَقِ الْعَجُزِ، وَإِلَّا فَهَذَا التَّصْرِيفُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَائِيٌّ.
وَقَوْلُهُ: وَمَجِيءُ سُمًّا مُبْتَدَأً خَبَرُهُ لُغَةٌ، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ الْكُوفِيُّونَ عَلَيْهِمْ فِي مَجِيئِهِ غَيْرَ سَاكِنِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَالْقَلْبُ بَعِيدٌ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهِ الرَّدُّ عَلَى
1 / 18
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَكِنَّهُ فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ التَّصْرِيفِ لِمَا مَرَّ وَأَصْلُهُ وَسَمَ حُذِفَتْ الْوَاوُ وَعُوِّضَ عَنْهَا هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِيَقِلَّ إعْلَالُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ هَمْزَةَ الْوَصْلِ لَمْ تُعْهَدْ دَاخِلَةً عَلَى مَا حُذِفَ صَدْرُهُ فِي كَلَامِهِمْ وَالِاسْمُ إنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ فَغَيْرُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ يَتَأَلَّفُ مِنْ أَصْوَاتٍ مُقَطَّعَةٍ غَيْرِ قَارَّةٍ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأُمَمِ وَالْأَعْصَارِ وَيَتَعَدَّدُ تَارَةً وَيَتَّحِدُ أُخْرَى وَالْمُسَمَّى لَا يَكُونُ، كَذَلِكَ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتُ الشَّيْءِ فَهُوَ الْمُسَمَّى، لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ بِهَذَا الْمَعْنَى
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٧٨] فَالْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَجِبُ تَنْزِيهُ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ عَنْ النَّقَائِصِ يَجِبُ تَنْزِيهُ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لَهَا عَنْ الرَّفَثِ وَسُوءِ الْأَدَبِ، أَوْ الِاسْمُ فِيهِ مُقْحَمٌ لِلتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الصِّفَةُ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ انْقَسَمَ انْقِسَامَ الصِّفَةِ عِنْدَهُ: إلَى مَا هُوَ نَفْسُ الْمُسَمَّى كَالْوَاحِدِ وَالْقَدِيمِ، وَإِلَى مَا هُوَ غَيْرُهُ كَالْخَالِقِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَنْهَجِ بَدَلُ هَذِهِ: وَقِيلَ مِنْ الْوَسْمِ انْتَهَى، وَهُمَا مَصْدَرَانِ لِوَسَمَ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَسَمَهُ مِنْ بَابِ وَعَدَ وَسَمَهُ أَيْضًا انْتَهَى، يَعْنِي يُقَالُ: وَسَمَ يَسِمُ وَسْمًا وَسِمَةً كَمَا يُقَالُ وَعَدَ يَعِدُ وَعْدًا وَعِدَةً، وَعَلَى هَذَا فَحَقِيقَتُهُ وَضْعُ الْعَلَامَةِ لِأَنْفُسِهَا؛ لِأَنَّهَا أَثَرُ الْمَصْدَرِ لَا نَفْسُهُ.
وَفِي ابْنِ حَجَرٍ: وَأَصْلُ الِاسْمِ السُّمُوُّ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ، حُذِفَ عَجُزُهُ وَعُوِّضَ عَنْهُ هَمْزَةُ الْوَصْلِ فَوَزْنُهُ افْعٌ، وَقِيلَ افْلٌ مِنْ السِّيمَا، وَقِيلَ اعْلٌ مِنْ الْوَسْمِ انْتَهَى.
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ مِمَّا حُذِفَتْ عَيْنُهُ لَا فَاؤُهُ وَلَا لَامُهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: مَحْذُوفُ اللَّامِ، وَقِيلَ الْعَيْنِ، وَقِيلَ الْفَاءِ. هَذَا مُرَادُهُ لَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ قَلَاقَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ كَتَبَ سَمِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَقِيلَ افْلٌ قَدْ يَدُلُّ ظَاهِرُ الصَّنِيعِ أَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِهِ حُذِفَ عَجُزُهُ إلَخْ مَعَ مَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، إذْ حَذْفُ الْعَجُزِ لَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَزْنَ افْلٌ أَوْ اعْلٌ: أَيْ وَإِنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ افْعٌ فَلْيُجْعَلْ مُسْتَأْنَفًا أَوْ يُعْطَفْ عَلَى قَوْلِهِ وَأَصْلُ اسْمٍ سُمُوٌّ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ وَمِنْ السِّمَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ تَصْرِيفِهِ عَلَى أَسْمَاءٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالِاسْمُ إنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ) أَيْ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ، وَمِنْهُ لَفْظُ الِاسْمِ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَحْوُ الْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالْحَيِّ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: بِاخْتِلَافِ الْأُمَمِ) أَيْ لُغَاتِهِمْ، وَالْأُمَّةُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ: أَتْبَاعُ النَّبِيِّ وَالْجَمْعُ أُمَمٌ مِثْلَ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ (قَوْلُهُ: وَالْمُسَمَّى لَا يَكُونُ كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأُمَمِ وَالْأَعْصَارِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إلَخْ وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ) عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ أَوْ الذَّاتِ عَيْنِهِ: أَيْ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الذَّاتُ فَهُوَ عَيْنُهُ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ وَرَدَ عَلَى اسْمٍ فَهُوَ عَلَى مَدْلُولِهِ انْتَهَى.
وَهِيَ قَدْ تُنَافِي قَوْلَ الشَّارِحِ إنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ أَنَّهُ بِمَعْنَى الذَّاتِ. وَوَجْهُ الْمُنَافَاةِ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ بِمَعْنَى الذَّاتِ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الَّذِي لَمْ يَشْتَهِرْ مَجِيئُهُ بِمَعْنَى الذَّاتِ مَجِيءُ الِاسْمِ بِمَعْنَى الذَّاتِ فِي غَيْرِ اسْتِعْمَالِهِ مَعَ عَامِلٍ كَأَنْ يُقَالَ مَثَلًا: لَفْظُ كَذَا هُوَ الذَّاتُ الْمَخْصُوصَةُ، وَاَلَّذِي كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ بِمَعْنَى الذَّاتِ اسْتِعْمَالُهُ مُرَكَّبًا مَعَ الْعَامِلِ كَقَوْلِك: اللَّهُ الْهَادِي وَمُحَمَّدٌ الشَّفِيعُ، وَقَدْ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ. هَذَا وَقَدْ كَتَبَ سم عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ إلَخْ، قَدْ يُقَالُ لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الدَّلِيلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ لَفْظِ الِاسْمِ الْأَسْمَاءُ كَلَفْظِ اللَّهِ وَلَفْظِ الرَّحْمَنِ لَا نَفْسُ الذَّاتِ فَتَأَمَّلْهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ الذَّاتَ مَدْلُولٌ بِالْوَاسِطَةِ فَإِنَّهَا مَدْلُولُ الْمَدْلُولِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْمِ لَفْظُهُ، وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْهَمْزَةِ وَالسِّينِ وَالْمِيمِ، وَعَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا صَدَّقَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ كَمَا لَوْ أُطْلِقَ لَا يُتَوَجَّهُ مَا ذَكَرَهُ سم (قَوْلُهُ: بِهَذَا الْمَعْنَى) وَهُوَ كَوْنُ الِاسْمِ بِمَعْنَى الْمُسَمَّى
(قَوْلُهُ: الرَّفَثِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: رَفَثَ فِي مَنْطِقِهِ رَفَثًا مِنْ بَابِ طَلَبَ، وَيَرْفِثُ بِالْكَسْرِ لُغَةً أَفْحَشَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَسُوءِ الْأَدَبِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: أَوْ الِاسْمُ فِيهِ) أَيْ فِي تَبَارَكَ إلَخْ (قَوْلُهُ مُقْحَمٌ) أَيْ زَائِدٌ (قَوْلُهُ: انْقِسَامُ الصِّفَةِ عِنْدَهُ) أَيْ الْأَشْعَرِيِّ (قَوْلُهُ: إلَى مَا هُوَ نَفْسُ الْمُسَمَّى) وَمُرَادُهُمْ بِهِ مَا لَا يَزِيدُ مَفْهُومُهُ عَلَى الذَّاتِ كَالْقَدِيمِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ ذَاتٌ لَا أَوَّلَ لِوُجُودِهَا، فَلَمْ يَدُلَّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْكُوفِيِّينَ فِي رَدِّهِمْ عَلَى الْبَصْرِيِّينَ مَا مَرَّ عَنْهُمْ بِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي التَّصَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ قَلْبٌ مَكَانِيٌّ نُقِلَتْ الْوَاوُ مِنْ الصَّدْرِ وَجُعِلَتْ عَجُزًا (قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ وَسْمٌ) أَيْ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٧٨] إلَخْ)
1 / 19
وَالرَّازِقِ، وَإِلَى مَا لَيْسَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ كَالْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَالْمُتَكَلِّمِ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ. لَا يُقَالُ: مُقْتَضَى حَدِيثِ الْبَسْمَلَةِ الْآتِي أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظَةِ الْجَلَالَةِ وَلَمْ يَكُنْ بِهَا بَلْ بِلَفْظَةِ بِسْمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: كُلُّ حُكْمٍ وَرَدَ عَلَى اسْمٍ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَدْلُولِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَضَرْبٍ فَعْلٍ، فَقَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ أَبْتَدِئُ: مَعْنَاهُ أَبْتَدِئُ بِمَدْلُولِ اسْمِهِ وَهُوَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بِاَللَّهِ أَبْتَدِئُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّكَ وَالِاسْتِعَانَةَ بِذِكْرِ اسْمِهِ أَيْضًا، أَوْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالتَّيَمُّنِ، أَوْ لِتَحْصِيلِ نُكْتَةِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ. وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فِي أَلْفَيْنِ وَثَلَثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَوْضِعًا؛ وَأَصْلُهُ إلَهٌ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ وَعُوِّضَ عَنْهَا الْأَلِفُ وَاللَّامُ؛ لِأَنَّهُ يُوصَفُ وَلَا يُوصَفُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ اسْمٍ تَجْرِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْقَدِيمُ عَلَى صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِالذَّاتِ بَلْ عَلَى سَلْبِ الْأَوَّلِيَّةِ عَنْهُ؛ وَمُرَادُهُمْ بِالْغَيْرِ مَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهُ عَنْ الذَّاتِ بِأَنْ يُمْكِنَ وُجُودُ الذَّاتِ بِدُونِهِ، كَالْخَلْقِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَادِ مِنْ الْعَدَمِ، وَذَاتُهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ مَوْجُودَةٌ غَيْرُ مُتَّصِفَةٍ بِالْإِيجَادِ بِالْفِعْلِ؛ وَمُرَادُهُمْ بِمَا لَيْسَ عَيْنَهُ وَلَا غَيْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومُهُ زَائِدًا عَلَى الذَّاتِ بِصِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِهَا وَلَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهَا عَنْهَا كَالْعَالِمِ، فَإِنَّ مُسَمَّاهُ الذَّاتُ الَّتِي قَامَ بِهَا الْعِلْمُ، فَالْعِلْمُ لَيْسَ عَيْنَ الذَّاتِ وَلَا غَيْرَهَا لِعَدَمِ انْفِكَاكِ الذَّاتِ عَنْهُ فَإِنَّ الْعِلْمَ قَدِيمٌ بِقِدَمِ الذَّاتِ (قَوْلُهُ: مُقْتَضَى حَدِيثِ الْبَسْمَلَةِ الْآتِي) وَإِنَّمَا أُورِدَ هَذَا هُنَا وَإِنْ كَانَ الْأَنْسَبُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ تَأْخِيرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الِاسْمِ اللَّفْظُ كَانَ ذَلِكَ مَنْشَأَ السُّؤَالِ فَذَكَرَهُ مُتَّصِلًا بِهِ (قَوْلُهُ كَضَرْبٍ) مِثَالٌ لِمَا أُرِيدَ لَفْظُهُ بِالْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ لَفْظٌ) أَيْ مَدْلُولُ لَفْظٍ، وَكَأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْعِلْمُ لِذَاتِهِ تَعَالَى، فَلَا يُقَالُ إنَّ مَدْلُولَ الِاسْمِ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ إضَافَةُ الِاسْمِ مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّبَرُّكَ) أَيْ إشَارَةً؛ لِأَنَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِعَانَةُ بِذِكْرِ اسْمِهِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا هُوَ بِذِكْرِ ذَاتِهِ، فَلَيْسَ التَّبَرُّكُ مَقْصُورًا عَلَى الذَّاتِ، بَلْ كَمَا يَكُونُ بِهَا يَكُونُ بِالِاسْمِ (قَوْلُهُ وَالتَّيَمُّنُ) أَيْ التَّبَرُّكُ، وَهَذَا قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، قَالَ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: قَوْلُهُ حَذِرًا مِنْ إبْهَامِ الْقَسَمِ قَضَيْته أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ لَا تَحْتَمِلُ الْقَسَمَ، وَفِيهِ كَلَامٌ فِي الْأَيْمَانِ انْتَهَى.
وَحَاصِلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَمِينٌ (قَوْلُهُ أَوْ لِتَحْصِيلِ نُكْتَةِ الْإِجْمَالِ) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ إنْ أُرِيدَ بِالِاسْمِ الْأَعَمُّ مِنْ اسْمِهِ تَعَالَى وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتُهُ تَعَالَى فَظَاهِرٌ، وَتَكُونُ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ وَلَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ حَذِرًا مِنْ إبْهَامِ الْقَسَمِ، وَلْيَعُمَّ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ انْتَهَى.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِضَافَةَ حَقِيقِيَّةٌ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْعُمُومُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَأَنَّ نُكْتَةَ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ إنَّمَا تُنَاسِبُ الْأَوَّلَ (قَوْلُهُ: وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي فَهُوَ مُرْتَجَلٌ) قَدْ يُنَافِيَانِ قَوْلَهُ وَأَصْلُهُ إلَخْ، فَإِنَّ ذَاكَ تَوْجِيهٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مُشْتَقًّا فَلْيُرَاجَعْ. نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَمٌ عَلَى أَنَّهُ صَارَ كَذَلِكَ بِالْغَلَبَةِ كَمَا قِيلَ بِهِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فَهُوَ مُرْتَجَلٌ لَا يُوَافِقُهُ، وَمِنْ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ فَهُوَ مُرْتَجَلٌ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ زَادَ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَعْلَامِ الْغَالِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَصْلَهُ الْإِلَهُ انْتَهَى (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ) وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ) أَيْ لَفْظُ اللَّهِ ﷾ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ) أَيْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ بِهَذَا الْمَعْنَى كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ: كَيْفَ لَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، إذْ الْمُرَادُ بِالِاسْمِ فِيهَا الذَّاتُ بِدَلِيلِ إسْنَادِ تَبَارَكَ إلَيْهِ فَأَجَابَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا يُقَالُ: مُقْتَضَى حَدِيثِ الْبَسْمَلَةِ الْآتِي أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظَةِ الْجَلَالَةِ إلَخْ) فِيهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ الْآتِي «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» بِبَاءَيْنِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَالْإِشْكَالُ مَدْفُوعٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ.
وَقَوْلُهُ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ الضَّمِيرُ فِيهِ لِلذَّاتِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُوصَفُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَخْ.
1 / 20
عَلَيْهِ صِفَاتُهُ وَلَا يَصْلُحُ لَهُ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ سِوَاهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَصْفًا لَمْ يَكُنْ قَوْلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَوْحِيدًا مِثْلَ لَا إلَهَ إلَّا الرَّحْمَنُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الشَّرِكَةَ، فَهُوَ مُرْتَجَلٌ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ. وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَتِلْمِيذِهِ الْغَزَالِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَابْنِ كَيْسَانَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ، فَقَدْ حُكِيَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ فَقَالَ خَيْرًا كَثِيرًا لِجَعْلِي اسْمَهُ أَعْرَفَ الْمَعَارِفِ.
وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ، وَنُقِلَ عَنْ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ أَيْضًا وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَلَهَ بِمَعْنَى عَبَدَ، وَقِيلَ مِنْ أَلِهَ إذَا تَحَيَّرَ؛ لِأَنَّ الْعُقُولَ تَتَحَيَّرُ فِي مَعْرِفَتِهِ؛ أَوْ مِنْ أَلَهْت إلَى فُلَانٍ: أَيْ سَكَنْت إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقُلُوبَ تَطْمَئِنُّ بِذِكْرِهِ وَالْأَرْوَاحُ تَسْكُنُ إلَى مَعْرِفَتِهِ؛ أَوْ مِنْ أَلِهَ إذَا فَزِعَ مِنْ أَمْرٍ نَزَلَ عَلَيْهِ وَأَلَهَهُ غَيْرُهُ أَجَارَهُ، أَوْ أَلَهَ الْفَصِيلُ إذَا أُولِعَ بِأُمِّهِ؛ أَوْ مِنْ وَلَهَ إذَا تَحَيَّرَ وَتَخَبَّطَ عَقْلُهُ، وَكَأَنَّ أَصْلَهُ وَلَاهَ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً لِاسْتِثْقَالِ الْكِسْرَةِ عَلَيْهَا. وَقِيلَ أَصْلُهُ لَاهٍ مَصْدَرُ لَاهَ يَلِيهِ لَيْهًا وَلَاهًا: إذَا احْتَجَبَ وَارْتَفَعَ.
قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ وَصْفٌ فِي أَصْلِهِ، لَكِنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ وَصَارَ كَالْعَلَمِ أُجْرِيَ مَجْرَاهُ فِي إجْرَاءِ الْأَوْصَافِ عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِ الْوَصْفِ بِهِ وَعَدَمِ تَطَرُّقِ احْتِمَالِ الشَّرِكَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَاتَه مِنْ حَيْثُ هِيَ بِلَا اعْتِبَارٍ أَمْرٌ آخَرُ حَقِيقِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ لِلْبَشَرِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ دَلَّ عَلَى مُجَرَّدِ ذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ لَمَا أَفَادَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [الأنعام: ٣] مَعْنًى صَحِيحًا، وَلِأَنَّ مَعْنَى الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ كَوْنُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ مُشَارِكًا لِلْآخَرِ فِي الْمَعْنَى وَالتَّرْكِيبِ حَاصِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ انْتَهَى. وَهُوَ عَرَبِيٌّ خِلَافًا لِلْبَلْخِيِّ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ.
وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ بِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لِذَاتِهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَلَا يَصْلُحُ لَهُ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ سِوَاهُ) أَيْ سِوَى لَفْظِ اللَّهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ إلَخْ) أَيْ قَوْلُهُ لَا إلَهَ إلَّا الرَّحْمَنُ (قَوْلُهُ: وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ) أَيْ كَوْنُهُ عَلَمًا (قَوْلُهُ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَلِهَ إلَخْ) أَيْ بِكَسْرِ اللَّامِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَلِهَ يَأْلُهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ إلَاهَةً بِمَعْنَى عَبَدَ عِبَادَةً انْتَهَى.
وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَمِثْلُهُ فِي ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِنْ أَلِهَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَلِهَ يَأْلُهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا تَحَيَّرَ وَأَصْلُهُ وَلِهَ يَوْلَهُ انْتَهَى.
وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَوْ مِنْ وَلِهَ إذَا تَحَيَّرَ الْإِبْدَالُ هُنَا وَعَدَمُهُ ثُمَّ (قَوْلُهُ إذَا أُولِعَ بِأُمِّهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أُولِعَ بِالشَّيْءِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ يُولَعُ وَلُوعًا بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلِقَ بِهِ، فِي لُغَةٍ وَلِعَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا يَلَعُ بِفَتْحِهَا فِيهِمَا مَعَ سُقُوطِ الْوَاوِ وَلْعًا بِسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَكَانَ أَصْلُهُ وَلَاهٍ) أَيْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ مِنْ وَلِهَ إذَا تَحَيَّرَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ اللَّهَ (قَوْلُهُ: وَصْفٌ) أَيْ مَعْبُودٌ (قَوْلُهُ: مَعْنًى صَحِيحًا) أَيْ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ ذَاتَهُ كَائِنَةٌ فِي السَّمَوَاتِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ وَصْفًا: فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا قَالَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لِإِمْكَانِ جَعْلِ الظَّرْفِ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ كَأَنْ يُقَالَ الْأَصْلُ وَهُوَ اللَّهُ الْمَعْبُودُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ (قَوْلُهُ الْأُصُولُ الْمَذْكُورَةُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَلِهَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَرَبِيٌّ) أَيْ لَفْظُ اللَّهِ ﷾
(قَوْلُهُ: مِنْ رَحِمَ بِتَنْزِيلِهِ) أَيْ بِأَنْ يَبْقَى عَلَى صِيغَتِهِ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِمَفْعُولٍ كَفُلَانٍ يُعْطِي فَيُقَالُ رَحِمَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: لَا اشْتِقَاقَ لَهُ) يُلَائِمُ قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ وَأَصْلُهُ إلَهٌ إلَخْ الْمُوَافِقُ لِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ الْآتِي وَفِي قَوْلِهِ مُرْتَجَلٌ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ قَلَاقَةٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَوْهَمَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ مُرْتَجَلٌ، وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ وَغَرَضُهُ أَنَّهُ مُرْتَجَلٌ لَا مَنْقُولٌ جَامِدٌ لَا مُشْتَقٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَاتَهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ إذَا وُضِعَ بِإِزَاءِ مُسَمَّى الْإِحَاطَةِ بِكُنْهِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى، وَالْغَرَضُ مِنْ الْوَضْعِ أَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ ذَلِكَ الْعِلْمُ فُهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ عِلْمُهُ بِوَجْهٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ) يَعْنِي صِفَتَيْنِ مُشَبَّهَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُشَبَّهَةَ هِيَ الَّتِي يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مِنْ لَازِمٍ وَبِهَا عَبَّرَ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا آثَرَ التَّعْبِيرَ بِاسْمَيْنِ لِيَتَنَزَّلَ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ كَوْنِ الرَّحْمَنِ صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ لَا صِفَةً، وَمَنْ عَبَّرَ بِصِفَتَيْنِ نَظَرَ إلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: مِنْ رَحِمَ) أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ، وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِالْفِعْلِ تَقْرِيبًا وَلِضِيقِ الْعِبَارَةِ، إذْ لَيْسَ
1 / 21
أَوْ بِجَعْلِهِ لَازِمًا وَنَقْلِهِ إلَى فَعُلَ بِالضَّمِّ. وَالرَّحْمَةُ لُغَةً: رِقَّةُ الْقَلْبِ وَانْعِطَافٌ يَقْتَضِي التَّفَضُّلَ وَالْإِحْسَانَ، فَالتَّفَضُّلُ غَايَتُهَا، وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَأْخُوذَةُ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا تُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَاتِ الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ دُونَ الْمَبَادِي الَّتِي تَكُونُ انْفِعَالَاتٍ؛ فَالرَّحْمَةُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَعْنَاهَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ فَتَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ، أَوْ الْإِحْسَانُ فَتَكُونُ صِفَةَ فِعْلٍ، فَهُوَ إمَّا مَجَازٌ فِي الْإِحْسَانِ أَوْ فِي إرَادَتِهِ، وَإِمَّا اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
اللَّهُ: أَيْ كَثُرَتْ رَحْمَتُهُ، وَقَوْلُهُ بِجَعْلِهِ لَازِمًا: أَيْ بِأَنْ يُحَوَّلَ مِنْ فَعِلَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ إلَى فَعُلَ بِضَمِّهَا كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَنَقَلَهُ إلَخْ، ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ جَعْلِهِ مِنْ رَحِمَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْفِعْلِ وَهُوَ رَأْيٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمَصْدَرِ كَالْفِعْلِ، وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ تَقْدِيرُ مُضَافٍ فِي الْكَلَامِ: أَيْ مِنْ مَصْدَرِ رَحِمَ إلَخْ وَهُوَ الرُّحْمُ بِالضَّمِّ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَصْدَرَانِ آخَرَانِ وَهُمَا الرَّحْمَةُ وَالْمَرْحَمَةُ؛ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ دُونَ الْمَزِيدِ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ وَنَقْلِهِ إلَى فَعُلَ) عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ (قَوْلُهُ وَانْعِطَافٌ) عَطْفُ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ (قَوْلُهُ: مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ كُلِّ مَا اسْتَحَالَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ عَلَى اللَّهِ ﷾ كَالْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَاتِ؛ مَثَلًا الرَّحْمَةُ هِيَ رِقَّةُ الْقَلْبِ غَايَتُهَا الْإِنْعَامُ عَلَى مَنْ رَحِمَهُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، ثَانِيهمَا أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ فَتُحْمَلُ عَلَى إرَادَةِ الْخَيْرِ، فَمَعْنَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلَى الْأَوَّلِ الْمُنْعِمُ وَعَلَى الثَّانِي مُرِيدُ الْإِنْعَامِ دُونَ الْمَبَادِي الَّتِي تَكُونُ انْفِعَالَاتٍ كَرِقَّةِ الْقَلْبِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْقَوْلَيْنِ بِقَوْلِهِ فَالرَّحْمَةُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فِي إرَادَتِهِ) وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: هُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْإِحْسَانِ أَوْ إرَادَتِهِ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ إمَّا مَجَازٌ مَعْنَاهُ بِحَسَبِ أَصْلِهِ قَبْلَ اشْتِهَارِهِ شَرْعًا فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْغَايَاتِ (قَوْلُهُ وَإِمَّا اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ) وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ التَّمْثِيلِيَّةَ خَاصَّةٌ بِالْمَجَازِ الْمُرَكَّبِ، فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ كَوْنِ الْمُشَبَّهِ مُنْتَزَعًا مِنْ عِدَّةِ أُمُورٍ، وَكَذَا الْمُشَبَّهُ بِهِ وَوَجْهُ الشَّبَهِ. وَفِي كَلَامِ السَّيِّدِ فِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] بَعْدَ أَنَّ جَوَّزَ فِي ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً وَأَنْ يَكُونَ تَمْثِيلًا مَا نَصُّهُ: وَإِذَا حُمِلَ عَلَى التَّمْثِيلِ كَانَ الْمُسْتَعَارُ لَفْظًا مُرَكَّبًا بَعْضُهُ مَلْفُوظٌ وَبَعْضُهُ مَنْوِيٌّ فِي الْإِرَادَةِ، وَسَنُطْلِعُك عَلَى أَنَّ مُلَاحَظَةَ الْمَعَانِي قَصْدًا إمَّا بِأَلْفَاظٍ مَذْكُورَةٍ أَوْ مُقَدَّرَةٍ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ أَوْ مَنْوِيَّةٍ بِلَا ذِكْرٍ وَلَا تَقْدِيرٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْخَتْمِ وَحْدَهُ وَبِالْغِشَاوَةِ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهُمَا الْأَصْلُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الْمُرَكَّبَةِ، فَيُلَاحَظُ بَاقِي الْأَجْزَاءِ قَصْدًا بِأَلْفَاظٍ مُتَخَيَّلَةٍ، إذْ لَا بُدَّ فِي التَّرْكِيبِ مِنْ مُلَاحَظَاتٍ قَصْدِيَّةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِتِلْكَ الْأَجْزَاءِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِتَخَيُّلِ أَلْفَاظٍ بِإِزَائِهَا كَمَا يَقْتَضِيهِ جَرَيَانُ الْعَادَةِ وَيَشْهَدُ بِهِ رُجُوعُك إلَى وِجْدَانِك.
وَمِنْ فَوَائِدِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ جَوَازُ الْحَمْلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّمْثِيلِ؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ التَّجَوُّزُ فِي لَفْظَيْ خَتَمَ وَغِشَاوَةً، وَعَلَى الثَّانِي لَا تَجُوزُ فِيهِمَا بَلْ فِي الْمَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا وَمِنْ الْمَنْوِيِّ مَعَهُمَا إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ فَلْيُرَاجَعْ. وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ الْبَيَانِيِّينَ هَذَا بِحَسَبِ ظَاهِرِهِ تَأْيِيدًا لِلِاسْتِعَارَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُسْتَعَارَ الْخَتْمُ لِلْحِسِّيَّةِ الَّتِي لَا يَفُوتُ مَعَهَا بِالْكُلِّيَّةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لَهُ مَصْدَرٌ وَاحِدٌ حَتَّى يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ مِنْ أَنَّ الِاشْتِقَاقَ مِنْ الْفِعْلِ، ثُمَّ رَأَيْت الشِّهَابَ بْنَ عَبْدِ الْحَقِّ فِي شَرْحِ الْبَسْمَلَةِ سَبَقَ إلَى مَا ذَكَرْته مَعَ زِيَادَةٍ، لَكِنَّهُ جَعَلَ النُّكْتَةَ فِي الْعُدُولِ إلَى لَفْظِ الْفِعْلِ غَيْرَ مَا ذَكَرْته فَلْيُرَاجَعْ وَالنِّكَاتُ لَا تَتَزَاحَمُ، بَلْ مَا ذَكَرَهُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ يَرْجِعُ إلَى مَا ذَكَرْته هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ لَفْظُ رَحِمَ مَفْتُوحَ الْأَوَّلِ مَكْسُورَ الثَّانِي، وَإِنْ جُعِلَ مَضْمُومَ الْأَوَّلِ سَاكِنَ الثَّانِي مَصْدَرًا فَلَا إشْكَالَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ فَانْدَفَعَ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي التَّفَضُّلَ، وَالْإِحْسَانَ) أَيْ أَوْ إرَادَةَ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ فَالتَّفَضُّلُ غَايَتُهَا: أَيْ أَوْ إرَادَتُهُ (قَوْلُهُ: الَّتِي تَكُونُ انْفِعَالَاتٍ) يَعْنِي كَيْفِيَّاتٍ، إذْ الِانْفِعَالَاتُ هِيَ قَبُولُ الْأَثَرِ كَلِينِ الشَّمْعِ الْقَابِلِ
1 / 22