نهاية الإقدام في علم الكلام
نهاية الإقدام في علم الكلام
اصناف
قال المتكلمون الطريقة المختارة عندنا في إثبات الصفات الاستدلال بالدلائل التي نجدها في الشاهد فإنا بالأحكام استدللنا على العلم وبوقوع الأفعال على القدرة والاختصاص ببعض الجائزات على الإرادة كذلك نستدل بالتكاليف على العباد ذوي العقول والاستطاعة على أن الباري تعالى آمر ناه وله الأمر والنهي والوعد على إتيان المأمور به والوعيد على فعل المنهي عنه وهذا لا يتصور من جنس الفعل وإنما يتحقق من جنس القول فيستدل بالوجوه التي في الصنائع والأفعال على انه تعالى خالق وبالوجوه التي في الشرائع والأحكام على أنه تعالى آمر " ألا له االخلق والأمر تبارك الله رب العالمين " ووجه الاستدلال من الشرائع والأحكام أن التكليف اقتضاء وطلب المأمور به والاقتضاء قضية معقولة وراء العلم والقدرة والإرادة أما وجه المباينة بينها وبين العلم أن العلم يتعلق بالمعلوم على ما هو به وليس في تعلقه اقتضاء المعلوم بل هو تبيين وانكشاف ومن خاصيته أن يتعلق بالواجب والجائز والمستحيل والاقتضاء والأمر لا يتعلق بالواجب والمستحيل وأما وجه مباينته للقدرة أن القدرة صالحة للإيجاد فقط وإنما تتعلق بالممكن ويستوي في تعلقه كل ممكن في ذاته والاقتضاء والأمر والنهي لا يتعلق بكل ممكن ليحصل وجوده وأما وجه مباينته الإرادة أن الإرادة صالحة للتخصيص ببعض الجائزات فقط وإنما تتعلق بالمتجدد من جملة الممكن ويستوي في تعلقه كل متجدد متخصص والاقتضاء والطلب يختلف من جهة تحدده وقد بينا أن من الأشياء ما يراد ولا يؤمر به ومنها ما يؤمر به ولا يراد بل الإرادة من حيث الحقيقة لا تتعلق إلا بفعل المريد والأمر والاقتضاء لا يتعلق من حيث الحقيقة إلا بفعل الغير فكيف تتحدان حقيقة وخاصية فثبت أن مدلول التكاليف من حيث الحدود والأحكام قضية وراء العلم والقدرة والإرادة وذلك ما عبرنا عنه بالقول والكلام وعبر التنزيل عنه بالأمر والخطاب ومن وجه آخر نقول الحركات الاختيارية التي اختصت بتصرفات الإنسان ثلث حركة فكرية وهي من تصرفات عقله وفكره وحركة قولية وهي من تصرفات نفسه ولسانه وحركة فعلية وهي من تصرفات بدنه والقوى البدنية وما من حركة من هذه الحركات إلا والله فيها حكم بالأمر والنهي فإن الفكرية تشتمل على حجة وشبهة وصواب وخطأ وحق وباطل والقولية تشتمل على صدق وكذب وإقرار وإنكار وحكمة وسفه والفعلية تشتمل على خير وشر وطاعة ومعصية وصلاح وفساد وقد قام الدليل على أن الباري تعالى حكم عدل وله حكم وقضية في كل حركة من هذه الحركات وذلك الحكم إما أن يكون فعلا من الأفعال وإما أن يكون قولا من الأقوال واستحال أن يكون فعلا يفعله فإن كل فعل فهو مسبوق بحكمه بل ذلك الفعل دليل على حكمه وحكمه مدلول فعله وكما أن الحركات الضرورية دلت باختصاصها ببعض الجائزات دون البعض على علمه وإرادته وقدرته كذلك الحركات الاختيارية دلت باختصاصها ببعض الأحكام دون البعض على حكمه وأمره وقضيته وقولكم أن التصريف بالفعل نازل منزلة التكليف بالقول مسلم فيما يرجع إلى أفعال غير اختيارية للإنسان لكن الأفعال الاختيارية لما استدعت ممن له الخلق والأمر حكما واقتضاء وطلبا فكل فعل وتصريف من الخالق يدل على حكمه واقتضائه وذلك بعينه هو غرضنا ومرادنا.
فنقول ذلك الفعل من وجه إحكامه دل على علم الفاعل ومن وجه وقوعه دل على قدرته ومن وجه اختصاصه دل على إرادته ومن وجه تردده بين الجواز والحظر والإباحة دل على أن للباري تعالى فيها حكما وقضية ثم ذلك الحكم قد يكون أمرا وقد يكون نهيا وقد يكون إباحة فقد سلمتم المسئلة من حيث منعتموها.
صفحہ 95