نهاية الإقدام في علم الكلام
نهاية الإقدام في علم الكلام
اصناف
وأما الجواب عن السؤال السادس نقول كل علم نظري لا بد وأن يستند إلى علم ضروري ولكن الضروري ربما يكون بعيد المبدأ وإنما يستند إليه النظري بعد نظريات كثيرة وربما يكون قريب المبدأ فيستند إليه في أول المرتبة والعلم بصدق النبوات إن عددناه من جنس العلوم الحاصلة بقرائن الأحوال فهو في أول المرتبة يصل إليه فيقال هذا المتحدي إما أن يكون صادقا وإما أن يكون كاذبا وبطل أن يكون كاذبا لحصول الخارق للعادة على يده وعلى وفق دعواه من غير أن يعارضه معارض واقتران هذه المعاني مما يستعقب علما ضروريا بصدقه فيدعي الضرورة ها هنا لا في أول الدعوى وإن عددناه من جنس العلوم الحاصلة بوجه دليل التخصيص بالتصديق فالعلم الحاصل به كالعلم الحاصل بكونه مريدا فإن التخصيص يدل على أنه مريد وهذا التخصيص بعينه يدل على انه مريد هذا المراد بعينه وكون المنازع على رأس الإنكار لا يدفع الضرورة الواقعة في العلم فإنه بعد ظهور الآية معاند عنادا ظاهرا واعلم أن النبوة والرسالة إنما يمكن إثباتها بعد إثبات كون الباري تعالى آمرا ناهيا مكلفا واجب الطاعة ومن لم يثبت كونه آمرا ناهيا لم يمكنه إثبات النبوة وأول أمر يتوجه منه تعالى على عباده فإنما يتوجه أولا على رسوله بالدعوة إلى التوحيد بأنه لا إله غيره أي لا خالق ولا آمر غيره على عباده باستماع دعوته والنظر في معجزته والنبي يصح أولا صدقه في جميع أقواله ثم يؤدي رسالته ولا يتصور نبي قط إلا وأن تكون آية الصدق معه لأن حقيقة النبوة هو صدق القول مع ثبوت الآية فلو قدر نبي خاليا عن الآية فكأنه لا نبوة له بعد لكن الآيات قد تكون آيات مخصوصة على كل مسئلة وقول يدعي ذلك وذلك مثل دلالته على التوحيد بأن الإله واحد في خلقه وأمره لا شريك له وقد تكون الآيات عامة تدل على صدق قوله في جميع أقواله وأحواله وتلك الآيات قد تكون من جنس الأقوال كآيات الإحياء وقلب الجماد حيوانا وبالجملة فدلالة الصدق لا تنفك عن حالة ومقالة طرفة عين وذلك هو المعنى بالعصمة الواجبة للأنبياء عليه السلام لأن العصمة لو ارتفعت بطلت الدلالة وتناقضت الدعوى خصوصا فيما أرسلوا به إليهم وكلف الناس تصديقه في أقواله ومتابعته في أفعاله والأصح أنهم معصومون عن الصغائر عصمتهم عن الكبائر فإن الصغائر إذا توالت صارت بالاتفاق كبائر وما أسكر كثيره فقليله حرام لكن المجوز عليهم عقلا وشرعا مثل ترك الأولى من الأمرين المتقابلين جوازا وجوازا وحظرا وحظرا ولكن التشديد عليهم في ذلك القدر يوازي التشديد على غيرهم في كبائر الأمور وحسنات الأبرار سيئات المقربين وتحت كل زلة يجري عليهم سر عظيم فلا تلتفت إلى ظواهر الأحوال وانظر إلى سرائر المآل.
القاعدة العشرون
في إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
وبيان معجزاته ووجه دلالة الكتاب العزيز على صدقه وجمل من الكلام في السمعيات من الأسماء والأحكام وحقيقة الإيمان والكفر والقول في التكفير والتضليل وبيان سؤال القبر والحشر والبعث والميزان والحساب والحوض والشفاعة والصراط والجنة والنار وإثبات الإمامة وبيان كرامة الأولياء من الأمة وبيان جواز النسخ في الشرائع وأن هذه الشريعة ناسخة للشرائع كلها وأن محمدا المصطفى صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وبه ختم الكتاب وإذا حققنا القول في النبوات وبيان صدقهم بالمعجزات فالأنبياء عليهم السلام ممن ورد اسمه في الكتاب ومن لم يرد واجبو الطاعة ويجب على كل مكلف الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وإنما ثبت صدق من تقدم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اسما فاسما وشخصا فشخصا بما ظهر عليه من الآيات وبما أخبر من ثبت صدقه عندنا وإنما يتحقق ختم الأنبياء عندنا بخبر النبي الصادق عليه السلام وبما أخبر القرآن أنه خاتم النبيين ومن أنكر نبوته من أهل الكتاب وغيرهم من المشركين فلا متمسك لهم إلا القول بإحالة النسخ والقدح في وجه المعجزة.
صفحہ 155