نهاية الإقدام في علم الكلام
نهاية الإقدام في علم الكلام
اصناف
قيل يا لله العجب من حكمة ما أشرفها ومن سر ما أدقه تعبت عقولكم من شدة التعمق في استخراج المعاني فقد عاد حكمة الله تعالى في خلق السموات والأرض بما فيها إلى أن يكون التذاذ المكلف بثواب يناله على عمله أكثر من التذاذه بتفضل يناله من غير عمل إنا إذا فحصنا عن الأغراض كان الغرض من خلق العالم هو الاستدلال وكان الغرض من الاستدلال حصول المعرفة وكان الغرض من حصول المعرفة وجوب الثواب وكان الغرض من الثواب حصول التفرقة بين لذتي المقابلة والعطية فغرض الأغراض من خلق العالم بما فيه من الجواهر والأعراض ما لا يجوز أن يكون غرضا لعاقل ولا يقدر الخالق على أن يخلق لذة في التفضل أكثر مما يخلقها في الثواب واللذات كلها مخلوقة لله تعالى أولا ينادي المكلف يا رب مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي يا من لا تنفعه المغفرة ولا تضره المعصية اغفر لي ما لا يضرك وأعطني ما لا ينفعك حتى يكون ابتهاجي برحمتك ومغفرتك ألطف من التذاذي بمعرفتي وطاعتي أو لا يعد من غاية اللؤم وركاكة الهمة أن يهدي فقير هدية حقيرة إلى ملك كبير سجيته البذل والعطايا من غير سؤال وعرض هدية لنيل ثواب ثم يوجب عليه العوض ويقول التذاذي بما يقابل هديتي أكثر من عطاياك التي لا تحصى انظر كيف عادت الحكمة الإلهية في خلق العالم بأسره عند القوم إلى أخس الدرجات في الهمة وأمس الحاجات إلى المرمة بحيث لا يرتضيه عاقل لإرمام بيته الكثيف فكيف يرتضيه الفاطر لأحكام صنعه اللطيف فتعالى وتقدس.
وأما الآيات في مثل قوله تعالى " ولتجزى كل نفس بما كسبت " فهي لام المآل وصيرورة الأمر وصيرورة العاقبة لا لام التعليل كما قال تعالى " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا " وقوله " جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ولتبتغوا من فضله " واعلم أنه كما لا تتطرق لم إلى ذات الباري تعالى وصفاته لم تتطرق إلى صنائعه وأفعاله حتى لا يلزم أن يجاب لأنه كذى أو لكونه كذي فلا يقال لم وجد ولم كان العالم ولا يقال لم أوجد العالم ولم خلق العباد ولم كلف العقلاء ولم أمر ونهى ولم قدر وقضى " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " .
قالت المعتزلة نحن على طريقين في وجوب رعاية الصلاح والأصلح فشيوخنا من بغداذ حكموا بأن الواجب في الحكمة لخلق العالم وخلق من يكون قابلا للتكليف ثم استصلاح حاله بأقصى ما يقدر من إكمال العقل والأقدار على النظر والفعل وإظهار الآيات وإزاحة العلل وكل ما ينال العبد في الحال والمال من البأساء والضراء والفقر والغنى والمرض والصحة والحياة والموت والثواب والعقاب فهو صلاح له حتى تخليد أهل النار في النار صلاح لهم وأصلح فإنهم لو أخرجوا منها لعادوا لما نهوا عنه وصاروا إلى شر من الأول وشيوخنا من البصرة صاروا إلى أن ابتداء الخلق تفضل وإنعام من الله تعالى من غير إيجاب عليه لكنه إذا خلق العقلاء وكلفهم وجب عليه إزاحة عللهم من كل وجه ورعاية الصلاح والأصلح في حقهم بأتم وجه وأبلغ غاية.
صفحہ 140